حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

اقبل الحديقة وطلقها تطليقة - صحيح البخاري

صحيح البخاري | كتاب الطلاق باب الخلع (حديث رقم: 5273 )


5273- عن ‌ابن عباس «أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة.»قال أبو عبد الله: «لا يتابع فيه عن ابن عباس»

أخرجه البخاري


(امرأة ثابت) اسمها جميلة بنت أبي بن سلول.
(ما أعتب عليه) لا أعيبه ولا ألومه.
(أكره الكفر) أي أن أقع في أسباب الكفر من سوء العشرة مع الزوج ونقصانه حقه ونحو ذلك.
(حديقته) بستانه الذي أعطاها إياه مهرا.
(تطليقة) طلقة واحدة رجعية.
(لا يتابع فيه) أي لا يتابع أزهر بن جميل على ذكر ابن عباس رضي الله عنهما في هذا الحديث

شرح حديث ( اقبل الحديقة وطلقها تطليقة)

فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

‏ ‏قَوْله ( حَدَّثَنِي أَزْهَر بْن جَمِيل ) ‏ ‏هُوَ بَصْرِيّ يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّد , مَاتَ سَنَة إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ , وَلَمْ يُخْرِجْ عَنْهُ الْبُخَارِيّ فِي " الْجَامِع " غَيْر هَذَا الْمَوْضِع , وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا عَنْهُ , وَذَكَرَ الْبُخَارِيّ أَنَّهُ لَمْ يُتَابَع عَلَى ذِكْر اِبْن عَبَّاس فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي , لَكِنْ جَاءَ الْحَدِيث مَوْصُولًا مِنْ طَرِيق أُخْرَى كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَاب أَيْضًا.
‏ ‏قَوْله ( حَدَّثَنَا خَالِدُ ) ‏ ‏هُوَ اِبْنُ مِهْرَانَ الْحَذَّاء.
‏ ‏قَوْله ( أَنَّ اِمْرَأَة ثَابِت بْن قَيْس ) ‏ ‏أَيْ اِبْن شَمَّاس بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَة خَطِيبُ الْأَنْصَار , تَقَدَّمَ ذِكْره فِي الْمَنَاقِب , وَأَبْهَمَ فِي هَذِهِ الطَّرِيق اِسْم الْمَرْأَة وَفِي الطُّرُق الَّتِي بَعْدهَا , وَسُمِّيَتْ فِي آخِر الْبَاب فِي طَرِيق حَمَّاد بْن زَيْد عَنْ أَيُّوب عَنْ عِكْرِمَة مُرْسَلًا جَمِيلَة , وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة أَنَّ أُخْت عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ يَعْنِي كَبِير الْخَزْرَج وَرَأْسَ النِّفَاق الَّذِي تَقَدَّمَ خَبَره فِي تَفْسِير سُورَة بَرَاءَة وَفِي تَفْسِير سُورَة الْمُنَافِقِينَ , فَظَاهِره أَنَّهَا جَمِيلَة بِنْت أُبَيّ وَيُؤَيِّدهُ أَنَّ فِي رِوَايَة قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس " أَنَّ جَمِيلَة بِنْت سَلُول جَاءَتْ " الْحَدِيث أَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ , وَسَلُول اِمْرَأَةٌ اُخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ هِيَ أُمّ أُبَيّ أَوْ اِمْرَأَته.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة النَّسَائِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيث الرُّبَيِّع بِنْت مُعَوِّذ أَنَّ ثَابِت بْن قَيْس بْن شَمَّاس ضَرَبَ اِمْرَأَته فَكَسَرَ يَدهَا , وَهِيَ جَمِيلَة بِنْت عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ فَأَتَى أَخُوهَا يَشْتَكِي إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيث , وَبِذَلِكَ جَزَمَ اِبْن سَعْد فِي " الطَّبَقَات " فَقَالَ : جَمِيلَة بِنْت عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ أَسْلَمَتْ وَبَايَعَتْ وَكَانَتْ تَحْت حَنْظَلَة بْن أَبِي عَامِر غَسِيل الْمَلَائِكَة فَقُتِلَ عَنْهَا بِأُحُدٍ وَهِيَ حَامِلٌ فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْد اللَّه بْن حَنْظَلَة فَخَلَفَ عَلَيْهَا ثَابِت بْن قَيْس فَوَلَدَتْ لَهُ اِبْنه مُحَمَّدًا ثُمَّ اِخْتَلَعَتْ مِنْهُ فَتَزَوَّجَهَا مَالِك بْن الدُّخْشُم ثُمَّ خُبَيْبُ بْن أَسَاف , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة حَجَّاج بْن مُحَمَّد عَنْ اِبْن جُرَيْجٍ : أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْر أَنَّ ثَابِت بْن قَيْس بْن شَمَّاس كَانَتْ عِنْده زَيْنَب بِنْت عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ بْن سَلُول وَكَانَ أَصْدَقهَا حَدِيقَة فَكَرِهَتْهُ , الْحَدِيث أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَسَنَده قَوِيّ مَعَ إِرْسَاله , وَلَا تَنَافِي بَيْنه وَبَيْن الَّذِي قَبْله لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون لَهَا اِسْمَانِ أَوْ أَحَدهمَا لَقَبٌ , وَإِنْ لَمْ يُؤْخَذ بِهَذَا الْجَمْع فَالْمَوْصُول أَصَحّ , وَقَدْ اُعْتُضِدَ بِقَوْلِ أَهْل النَّسَب أَنَّ اِسْمهَا جَمِيلَة , وَبِهِ جَزَمَ الدِّمْيَاطِيّ وَذَكَرَ أَنَّهَا كَانَتْ أُخْت عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ شَقِيقَة أُمّهمَا خَوْلَة بِنْت الْمُنْذِر بْن حَرَام.
قَالَ الدِّمْيَاطِيّ وَاَلَّذِي وَقَعَ فِي الْبُخَارِيّ مِنْ أَنَّهَا بِنْت أُبَيّ وَهْمٌ.
قُلْت : وَلَا يَلِيق إِطْلَاق كَوْنه وَهْمًا فَإِنَّ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ أُخْت عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ وَهِيَ أُخْت عَبْد اللَّه بِلَا شَكّ , لَكِنْ نُسِبَ أَخُوهَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَة إِلَى جَدّه أُبَيّ كَمَا نُسِبَتْ هِيَ فِي رِوَايَة قَتَادَةَ إِلَى جَدَّتهَا سَلُول , فَبِهَذَا يُجْمَع بَيْن الْمُخْتَلَف مِنْ ذَلِكَ.
وَأَمَّا اِبْن الْأَثِير وَتَبِعَهُ النَّوَوِيّ فَجَزَمَا بِأَنَّ قَوْل مَنْ قَالَ إِنَّهَا بِنْت عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ وَهْمٌ وَأَنَّ الصَّوَاب أَنَّهَا أُخْت عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ , وَلَيْسَ كَمَا قَالَا بَلْ الْجَمْع أَوْلَى , وَجَمَعَ بَعْضهمْ بِاتِّحَادِ اِسْم الْمَرْأَة وَعَمَّتهَا وَأَنَّ ثَابِتًا خَالَعَ الثِّنْتَيْنِ وَاحِدَة بَعْد أُخْرَى , وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ , وَلَا سِيَّمَا مَعَ اِتِّحَاد الْمَخْرَج.
وَقَدْ كَثُرَتْ نِسْبَة الشَّخْص إِلَى جَدّه إِذَا كَانَ مَشْهُورًا , وَالْأَصْل عَدَم التَّعَدُّد حَتَّى يَثْبُت صَرِيحًا.
وَجَاءَ فِي اِسْم اِمْرَأَة ثَابِت بْن قَيْس قَوْلَانِ آخَرَانِ أَحَدهمَا أَنَّهَا مَرْيَم الْمَغَالِيَّة أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن إِسْحَاق " حَدَّثَنِي عُبَادَةُ بْن الْوَلِيد بْن عُبَادَةَ بْن الصَّامِت عَنْ الرُّبَيِّع بِنْت مُعَوِّذ قَالَتْ اخْتَلَعْت مِنْ زَوْجِي " فَذَكَرَتْ قِصَّة فِيهَا " وَإِنَّمَا تَبِعَ عُثْمَان فِي ذَلِكَ قَضَاء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرْيَم الْمَغَالِيَّة , وَكَانَتْ تَحْت ثَابِت بْن قَيْس فَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ " وَإِسْنَاده جَيِّد , قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : اِضْطَرَبَ الْحَدِيث فِي تَسْمِيَة اِمْرَأَة ثَابِت , وَيُمْكِن أَنْ يَكُون الْخُلْع تَعَدَّدَ مِنْ ثَابِت اِنْتَهَى.
وَتَسْمِيَتهَا مَرْيَم يُمْكِن رَدّه لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمَغَالِيَّة وَهِيَ بِفَتْحِ الْمِيم وَتَخْفِيف الْغَيْن الْمُعْجَمَة نِسْبَة إِلَى مَغَالَة وَهِيَ اِمْرَأَة مِنْ الْخَزْرَج وَلَدَتْ لِعَمْرِو بْن مَالِك بْن النَّجَّار وَلَده عَدِيًّا , فَبَنُو عَدِيّ بْن النَّجَّار يُعْرَفُونَ كُلّهمْ بِبَنِي مَغَالَة , وَمِنْهُمْ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ وَحَسَّان بْن ثَابِت وَجَمَاعَة مِنْ الْخَزْرَج , فَإِذَا كَانَ آل عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ مِنْ بَنِي مَغَالَة فَيَكُون الْوَهْم وَقَعَ فِي اِسْمهَا , أَوْ يَكُون مَرْيَم اِسْمًا ثَالِثًا , أَوْ بَعْضهَا لَقَب لَهَا.
وَالْقَوْل الثَّانِي فِي اِسْمهَا أَنَّهَا حَبِيبَة بِنْت سَهْل أَخْرَجَهُ مَالِك فِي " الْمُوَطَّأ " عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد الْأَنْصَارِيّ عَنْ عَمْرَة بِنْت عَبْد الرَّحْمَن عَنْ حَبِيبَة بِنْت سَهْل أَنَّهَا كَانَتْ تَحْت ثَابِت بْن قَيْس بْن شَمَّاس , وَأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى الصُّبْح فَوَجَدَ حَبِيبَة عِنْد بَابه فِي الْغَلَس [ قَالَ ] : مَنْ هَذِهِ ؟ قَالَتْ : أَنَا حَبِيبَة بِنْت سَهْل.
قَالَ : مَا شَأْنك ؟ قَالَتْ : لَا أَنَا وَلَا ثَابِتُ بْن قَيْس لِزَوْجِهَا " الْحَدِيث , وَأَخْرَجَهُ أَصْحَاب السُّنَن الثَّلَاثَة , وَصَحَّحَهُ اِبْن خُزَيْمَةَ وَابْن حِبَّان مِنْ هَذَا الْوَجْه , وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر بْن عَمْر بْن حَزْم " عَنْ عَمْرَة عَنْ عَائِشَة أَنَّ حَبِيبَة بِنْت سَهْل كَانَتْ عِنْد ثَابِت " قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ اُخْتُلِفَ فِي اِمْرَأَة ثَابِت بْن قَيْس , فَذَكَرَ الْبَصْرِيُّونَ أَنَّهَا جَمِيلَة بِنْت أُبَيّ وَذَكَرَ الْمَدَنِيُّونَ أَنَّهَا حَبِيبَة بِنْت سَهْل.
قُلْت : وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّهُمَا قِصَّتَانِ وَقَعَتَا لِامْرَأَتَيْنِ لِشُهْرَةِ الْخَبَرَيْنِ وَصِحَّة الطَّرِيقِينَ وَاخْتِلَاف السِّيَاقَيْنِ , بِخِلَافِ مَا وَقَعَ مِنْ الِاخْتِلَاف فِي تَسْمِيَة جَمِيلَة وَنَسَبِهَا فَإِنَّ سِيَاق قِصَّتهَا مُتَقَارِب فَأَمْكَنَ رَدّ الِاخْتِلَاف فِيهِ إِلَى الْوِفَاق , وَسَأُبَيِّنُ اِخْتِلَاف الْقِصَّتَيْنِ عِنْد سِيَاق أَلْفَاظ قِصَّة جَمِيلَة.
وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَزَّار مِنْ حَدِيث عُمَر قَالَ " أَوَّل مُخْتَلِعَة فِي الْإِسْلَام حَبِيبَة بِنْت سَهْل كَانَتْ تَحْت ثَابِت بْن قَيْس الْحَدِيث , وَهَذَا عَلَى تَقْدِير التَّعَدُّد يَقْتَضِي أَنَّ ثَابِتًا تَزَوَّجَ حَبِيبَة قَبْل جَمِيلَة , وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي ثُبُوت مَا ذَكَرَهُ الْبَصْرِيُّونَ إِلَّا كَوْن مُحَمَّد بْن ثَابِت بْن قَيْس مِنْ جَمِيلَة لَكَانَ دَلِيلًا عَلَى صِحَّة تَزَوُّجِ ثَابِتٍ بِجَمِيلَة.
‏ ‏( تَنْبِيهٌ ) : ‏ ‏وَقَعَ لِابْنِ الْجَوْزِيّ فِي تَنْقِيحه أَنَّهَا سَهْلَة بِنْت حَبِيب , فَمَا أَظُنّهُ إِلَّا مَقْلُوبًا , وَالصَّوَاب حَبِيبَة بِنْت سَهْل , وَقَدْ تَرْجَمَ لَهَا اِبْن سَعْد فِي " الطَّبَقَات " فَقَالَ : بِنْت سَهْل بْن ثَعْلَبَة بْن الْحَارِث , وَسَاقَ نَسَبهَا إِلَى مَالِك بْنِ النَّجَّار وَأَخْرَجَ حَدِيثهَا عَنْ حَمَّاد بْن زَيْد عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد قَالَ " كَانَتْ حَبِيبَة بِنْت سَهْل تَحْت ثَابِت بْن قَيْس , وَكَانَ فِي خُلُقه شِدَّة " فَذَكَرَ نَحْو حَدِيث مَالِك وَزَادَ فِي آخِره " وَقَدْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ أَنْ يَتَزَوَّجهَا ثُمَّ كَرِهَ ذَلِكَ لِغَيْرَةِ الْأَنْصَار وَكَرِهَ أَنْ يَسُوءَهُمْ فِي نِسَائِهِمْ.
‏ ‏قَوْله ( أَتَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه ثَابِت بْن قَيْس ) ‏ ‏فِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَان عَنْ أَيُّوب وَهِيَ الَّتِي عُلِّقَتْ هُنَا وَوَصَلَهَا الْإِسْمَاعِيلِيّ " جَاءَتْ اِمْرَأَة ثَابِت بْن قَيْس بْن شَمَّاس الْأَنْصَارِيّ " , وَفِي رِوَايَة سَعِيد عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَة فِي هَذِهِ الْقِصَّة " فَقَالَتْ بِأَبِي وَأُمِّي " أَخْرَجَهَا الْبَيْهَقِيُّ.
‏ ‏قَوْله ( مَا أَعْتُبُ عَلَيْهِ ) ‏ ‏بِضَمِّ الْمُثَنَّاة مِنْ فَوْق , وَيَجُوز كَسْرهَا مِنْ الْعِتَاب يُقَال عَتَبْت عَلَى فُلَان أَعْتُب عَتْبًا وَالِاسْم الْمَعْتَبَة , وَالْعِتَاب هُوَ الْخِطَاب بِالْإِدْلَالِ , وَفِي رِوَايَة بِكَسْرِ الْعَيْن بَعْدهَا تَحْتَانِيَّة سَاكِنَة مِنْ الْعَيْب وَهِيَ أَلْيَقُ بِالْمُرَادِ.
‏ ‏قَوْله ( فِي خُلُق وَلَا دِينٍ ) ‏ ‏بِضَمِّ الْخَاء الْمُعْجَمَة وَاللَّام وَيَجُوز إِسْكَانُهَا , أَيْ لَا أُرِيدَ مُفَارَقَته لِسُوءِ خُلُقه وَلَا لِنُقْصَانِ دِينه , زَادَ فِي رِوَايَة أَيُّوب الْمَذْكُورَة " وَلَكِنِّي لَا أُطِيقهُ " كَذَا فِيهِ لَمْ يَذْكُر مُمَيِّز عَدَم الطَّاقَة , وَبَيَّنَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي رِوَايَته ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ " لَا أُطِيقهُ بُغْضًا " وَهَذَا ظَاهِره أَنَّهُ لَمْ يَصْنَع بِهَا شَيْئًا يَقْتَضِي الشَّكْوَى مِنْهُ بِسَبَبِهِ , لَكِنْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَة النَّسَائِيِّ أَنَّهُ كَسَرَ يَدهَا , فَيُحْمَل عَلَى أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنَّهُ سَيِّئُ الْخُلُق , لَكِنَّهَا مَا تَعِيبهُ بِذَلِكَ بَلْ بِشَيْءٍ آخَر.
وَكَذَا وَقَعَ فِي قِصَّة حَبِيبَة بِنْت سَهْل عِنْد أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ ضَرَبَهَا فَكَسَرَ بَعْضهَا لَكِنْ لَمْ تَشْكُهُ وَاحِدَة مِنْهُمَا بِسَبَبِ ذَلِكَ , بَلْ وَقَعَ التَّصْرِيح بِسَبَبٍ آخَر وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ دَمِيم الْخِلْقَة , فَفِي حَدِيث عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه عِنْد اِبْن مَاجَهْ " كَانَتْ حَبِيبَة بِنْت سَهْل عِنْد ثَابِت بْن قَيْس وَكَانَ رَجُلًا دَمِيمًا , فَقَالَتْ : وَاَللَّهِ لَوْلَا مَخَافَة اللَّه إِذَا دَخَلَ عَلَيَّ لَبَصَقْت فِي وَجْهه " وَأَخْرَجَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر قَالَ " بَلَغَنِي أَنَّهَا قَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه بِي مِنْ الْجَمَال مَا تَرَى , وَثَابِت رَجُل دَمِيم " وَفِي رِوَايَة مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان عَنْ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِي جَرِير عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس " أَوَّل خُلْعٍ كَانَ فِي الْإِسْلَام اِمْرَأَة ثَابِت بْن قَيْس , أَتَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه لَا يَجْتَمِع رَأْسِي وَرَأْس ثَابِت أَبَدًا , إِنِّي رَفَعْت جَانِب الْخِبَاء فَرَأَيْته أَقْبَلَ فِي عِدَّةٍ , فَإِذَا هُوَ أَشَدّهمْ سَوَادًا وَأَقْصَرُهُمْ قَامَة وَأَقْبَحهمْ وَجْهًا.
فَقَالَ : أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَته ؟ قَالَتْ : نَعَمْ , وَإِنْ شَاءَ زِدْته.
فَفَرَّقَ بَيْنهمَا ".
‏ ‏قَوْله ( وَلَكِنِّي أَكْرَه الْكُفْر فِي الْإِسْلَام ) ‏ ‏أَيْ أَكْرَه إِنْ أَقَمْت عِنْده أَنْ أَقَع فِيمَا يَقْتَضِي الْكُفْر , وَانْتَفَى أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ يَحْمِلهَا عَلَى الْكُفْر وَيَأْمُرهَا بِهِ نِفَاقًا بِقَوْلِهَا " لَا أَعْتُب عَلَيْهِ فِي دَيْن " فَتَعَيَّنَ الْحَمْلُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ.
وَرِوَايَة جَرِير بْن حَازِم فِي أَوَاخِر الْبَاب تُؤَيِّد ذَلِكَ حَيْثُ جَاءَ فِيهَا " إِلَّا أَنِّي أَخَاف الْكُفْر " وَكَأَنَّهَا أَشَارَتْ إِلَى أَنَّهَا قَدْ تَحْمِلهَا شِدَّة كَرَاهَتهَا لَهُ عَلَى إِظْهَار الْكُفْر لِيَنْفَسِخ نِكَاحهَا مِنْهُ , وَهِيَ كَانَتْ تَعْرِف أَنَّ ذَلِكَ حَرَام لَكِنْ خَشِيَتْ أَنْ تَحْمِلهَا شِدَّة الْبُغْض عَلَى الْوُقُوع فِيهِ , وَيُحْتَمَل أَنْ تُرِيد بِالْكُفْرِ كُفْرَان الْعَشِير إِذْ هُوَ تَقْصِير الْمَرْأَة فِي حَقّ الزَّوْج.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ : الْمَعْنَى أَخَاف عَلَى نَفْسِي فِي الْإِسْلَام مَا يُنَافِي حُكْمه مِنْ نُشُوز وَفَرْك وَغَيْره مِمَّا يُتَوَقَّع مِنْ الشَّابَّة الْجَمِيلَة الْمُبْغِضَة لِزَوْجِهَا إِذَا كَانَ بِالضِّدِّ مِنْهَا , فَأَطْلَقَتْ عَلَى مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْإِسْلَام الْكُفْر.
وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون فِي كَلَامهَا إِضْمَار , أَيْ إِكْرَاه لَوَازِم الْكُفْر مِنْ الْمُعَادَاة وَالشِّقَاق وَالْخُصُومَة.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَان " وَلَكِنِّي لَا أُطِيقهُ " وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي " وَلَكِنْ " وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ.
‏ ‏قَوْله ( أَتَرُدِّينَ ) ‏ ‏فِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَانَ " فَتَرُدِّينَ " وَالْفَاء عَاطِفَة عَلَى مُقَدَّر مَحْذُوف , وَفِي رِوَايَة جَرِير بْن حَازِم " تَرُدِّينَ " وَهِيَ اِسْتِفْهَام مَحْذُوف الْأَدَاة كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَة الْأُخْرَى.
‏ ‏قَوْله ( حَدِيقَته ) ‏ ‏أَيْ بُسْتَانه , وَوَقَعَ فِي حَدِيث عُمَر أَنَّهُ كَانَ أَصْدَقهَا الْحَدِيقَة الْمَذْكُورَة وَلَفْظه " وَكَانَ تَزَوَّجَهَا عَلَى حَدِيقَة نَخْل ".
‏ ‏قَوْله ( قَالَتْ نَعَمْ ) ‏ ‏زَادَ فِي حَدِيث عُمَر " فَقَالَ ثَابِت أَيَطِيبُ ذَلِكَ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ نَعَمْ ".
‏ ‏قَوْله ( اِقْبَلْ الْحَدِيقَة وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَة ) ‏ ‏هُوَ أَمْر إِرْشَاد وَإِصْلَاح لَا إِيجَاب , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة جَرِير بْن حَازِم " فَرُدَّتْ عَلَيْهِ وَأَمَرَهُ بِفِرَاقِهَا " وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا السِّيَاق عَلَى أَنَّ الْخُلْع لَيْسَ بِطَلَاقٍ , وَفِيهِ نَظَر فَلَيْسَ فِي الْحَدِيث مَا يُثْبِتُ ذَلِكَ وَلَا مَا يَنْفِيه , فَإِنَّ قَوْله " طَلِّقْهَا إِلَخْ " يَحْتَمِل أَنْ يُرَاد طَلِّقْهَا عَلَى ذَلِكَ فَيَكُون طَلَاقًا صَرِيحًا عَلَى عِوَض , وَلَيْسَ الْبَحْث فِيهِ إِنَّمَا الِاخْتِلَاف فِيمَا إِذَا وَقَعَ لَفْظ الْخُلْع أَوْ مَا كَانَ فِي حُكْمه مِنْ غَيْر تَعَرُّض لِطَلَاقٍ بِصَرَاحَةٍ وَلَا كِنَايَة هَلْ يَكُون الْخُلْع طَلَاقًا وَفَسْخًا ؟ وَكَذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيح بِأَنَّ الْخُلْع وَقَعَ قَبْل الطَّلَاق أَوْ بِالْعَكْسِ , نَعَمْ فِي رِوَايَة خَالِد الْمُرْسَلَة ثَانِيَة أَحَادِيث الْبَاب " فَرَدَّتْهَا وَأَمَرَهُ فَطَلَّقَهَا " وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي تَقْدِيم الْعَطِيَّة عَلَى الْأَمْر بِالطَّلَاقِ , بَلْ يَحْتَمِل أَيْضًا أَنْ يَكُون الْمُرَاد إِنْ أَعْطَتْك طَلِّقْهَا , وَلَيْسَ فِيهِ أَيْضًا التَّصْرِيح بِوُقُوعِ صِيغَة الْخُلْع , وَوَقَعَ فِي مُرْسَل أَبِي الزُّبَيْر عِنْد الدَّارَقُطْنِيِّ " فَأَخَذَهَا لَهُ وَخَلَّى سَبِيلهَا " وَفِي حَدِيث حَبِيبَة بِنْت سَهْل " فَأَخَذَهَا مِنْهَا وَجَلَسَتْ فِي أَهْلهَا " لَكِنْ مُعْظَم الرِّوَايَات فِي الْبَاب تُسَمِّيه خُلْعًا , فَفِي رِوَايَة عَمْرو بْن مُسْلِم عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس " أَنَّهَا اِخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجهَا " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ.
‏ ‏قَوْله ( قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه ) ‏ ‏هُوَ الْبُخَارِيُّ.
‏ ‏قَوْله ( لَا يُتَابَع فِيهِ عَنْ اِبْن عَبَّاس ) ‏ ‏أَيْ لَا يُتَابَع أَزْهَر بْن جَمِيل عَنْ ذِكْر اِبْن عَبَّاس فِي هَذَا الْحَدِيث بَلْ أَرْسَلَهُ غَيْره , وَمُرَاده بِذَلِكَ خُصُوص طَرِيق خَالِد الْحَذَّاء عَنْ عِكْرِمَة , وَلِهَذَا عَقَّبَهُ بِرِوَايَةِ خَالِد وَهُوَ اِبْن عَبْد اللَّه الطَّحَّان عَنْ خَالِد وَهُوَ الْحَذَّاء عَنْ عِكْرِمَة مُرْسَلًا ثُمَّ بِرِوَايَةِ إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَان عَنْ خَالِد الْحَذَّاء مُرْسَلًا وَعَنْ أَيُّوب مَوْصُولًا , وَرِوَايَة إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَان عَنْ أَيُّوب الْمَوْصُولَة وَصَلَهَا الْإِسْمَاعِيلِيّ.


حديث أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏أَزْهَرُ بْنُ جَمِيلٍ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏خَالِدٌ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عِكْرِمَةَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ عَبَّاسٍ ‏ ‏أَنَّ ‏ ‏امْرَأَةَ ‏ ‏ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ ‏ ‏أَتَتْ النَّبِيَّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ ‏ ‏مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً ‏ ‏قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ ‏ ‏لَا يُتَابَعُ فِيهِ عَنْ ‏ ‏ابْنِ عَبَّاسٍ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث صحيح البخاري

قال لها رسول الله ﷺ تردين حديقته قالت نعم فردتها...

عن ‌عكرمة «أن أخت عبد الله بن أبي بهذا، وقال: تردين حديقته؟ قالت: نعم، فردتها وأمره يطلقها» وقال إبراهيم بن طهمان عن خالد، عن عكرمة، عن النبي صلى الله...

تردين عليه حديقته فقالت نعم فردت عليه وأمره ففارقه...

عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق، إل...

إن بني المغيرة استأذنوا في أن ينكح علي ابنتهم فلا...

عن ‌المسور بن مخرمة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن بني المغيرة استأذنوا في أن ينكح علي ابنتهم فلا آذن.»

كان في بريرة ثلاث سنن إحدى السنن أنها أعتقت فخيرت...

عن ‌عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «كان في بريرة ثلاث سنن إحدى السنن أنها أعتقت فخيرت في زوجها، وقال رسول الله صلى الله عليه و...

رأى زوج بريرة عبدا

عن ‌ابن عباس قال: «رأيته عبدا، يعني: زوج بريرة.»

كأني أنظر إليه يتبعها في سكك المدينة يبكي عليها

عن ‌ابن عباس قال: «ذاك مغيث عبد بني فلان يعني: زوج بريرة كأني أنظر إليه يتبعها في سكك المدينة يبكي عليها.»

كأني أنظر إلى زوج بريرة يطوف وراءها في سكك المدينة

عن ‌ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان زوج بريرة عبدا أسود يقال له مغيث عبدا لبني فلان، كأني أنظر إليه يطوف وراءها في سكك المدينة.»

يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة م...

عن ‌ابن عباس «أن زوج بريرة كان عبدا يقال له مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعباس: يا عباس،...

اشتريها وأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق

عن ‌الأسود، «أن عائشة، أرادت أن تشتري بريرة فأبى مواليها إلا أن يشترطوا الولاء، فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: اشتريها وأعتقيها، فإنما الولاء...