5838- عن ابن عازب قال: «نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن المياثر الحمر والقسي.»
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : " أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه " هُوَ اِبْن الْمُبَارَك وَسُفْيَان هُوَ الثَّوْرِيّ , وَقَوْله : " نَهَانَا " فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ " نَهَى " , وَقَوْله : " عَنْ الْمَيَاثِر الْحُمُر وَعَنْ الْقَسِّيّ " هُوَ طَرَف مِنْ حَدِيث أَوَّله " أَمَرَنَا بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْع " وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ فِي " بَاب الْمَيَاثِر الْحُمُر " بَعْد أَبْوَاب.
وَاسْتُدِلَّ بِالنَّهْيِ عَنْ لُبْس الْقَسِّيّ عَلَى مَنْع لُبْس مَا خَالَطَهُ الْحَرِير مِنْ الثِّيَاب لِتَفْسِيرِ الْقَسِّيّ بِأَنَّهُ مَا خَالَطَ غَيْر الْحَرِير فِيهِ الْحَرِير , وَيُؤَيِّدهُ عَطْف الْحَرِير عَلَى الْقَسِّيّ فِي حَدِيث الْبَرَاء , وَوَقَعَ كَذَلِكَ فِي حَدِيث عَلِيّ عِنْد أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَأَحْمَد بِسَنَدٍ صَحِيح عَلَى شَرْط الشَّيْخَيْنِ مِنْ طَرِيق عُبَيْدَة بْن عَمْرو عَنْ عَلِيّ قَالَ : " نَهَانِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْقَسِّيّ وَالْحَرِير " وَيُحْتَمَل أَنْ تَكُون الْمُغَايَرَة بِاعْتِبَارِ النَّوْع فَيَكُون الْكُلّ مِنْ الْحَرِير كَمَا وَقَعَ عَطْف الدِّيبَاج عَلَى الْحَرِير فِي حَدِيث حُذَيْفَة الْمَاضِي قَرِيبًا , وَلَكِنَّ الَّذِي يَظْهَر مِنْ سِيَاق طُرُق الْحَدِيث فِي تَفْسِير الْقَسِّيّ أَنَّهُ الَّذِي يُخَالِط الْحَرِير لَا أَنَّهُ الْحَرِير الصِّرْف , فَعَلَى هَذَا يَحْرُم لُبْس الثَّوْب الَّذِي خَالَطَهُ الْحَرِير.
وَهُوَ قَوْل بَعْض الصَّحَابَة كَابْنِ عُمَر وَالتَّابِعِينَ كَابْنِ سِيرِينَ , وَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى جَوَاز لُبْس مَا خَالَطَهُ الْحَرِير إِذَا كَانَ غَيْر الْحَرِير الْأَغْلَب , وَعُمْدَتهمْ فِي ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِير الْحُلَّة السِّيَرَاء وَمَا اِنْضَافَ إِلَى ذَلِكَ مِنْ الرُّخْصَة فِي الْعِلْم فِي الثَّوْب إِذَا كَانَ مِنْ حَرِير كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيره فِي حَدِيث عُمَر , قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : وَهُوَ قِيَاس فِي مَعْنَى الْأَصْل , لَكِنْ لَا يَلْزَم مِنْ جَوَاز ذَلِكَ جَوَاز كُلّ مُخْتَلِط , وَإِنَّمَا يَجُوز مِنْهُ مَا كَانَ مَجْمُوع الْحَرِير فِيهِ قَدْر أَرْبَع أَصَابِع لَوْ كَانَتْ مُنْفَرِدَة بِالنِّسْبَةِ لِجَمِيعِ الثَّوْب فَيَكُون الْمَنْع مِنْ لُبْس الْحَرِير شَامِلًا لِلْخَالِصِ وَالْمُخْتَلِط , وَبَعْد الِاسْتِثْنَاء يَقْتَصِر عَلَى الْقَدْر الْمُسْتَثْنَى وَهُوَ أَرْبَع أَصَابِع إِذَا كَانَتْ مُنْفَرِدَة , وَيَلْتَحِق بِهَا فِي الْمَعْنَى مَا إِذَا كَانَتْ مُخْتَلِطَة , قَالَ : وَقَدْ تَوَسَّعَ الشَّافِعِيَّة فِي ذَلِكَ , وَلَهُمْ طَرِيقَانِ : أَحَدهمَا : وَهُوَ الرَّاجِح اِعْتِبَار الْوَزْن , فَإِنْ كَانَ الْحَرِير أَقَلّ وَزْنًا لَمْ يَحْرُم أَوْ أَكْثَر حَرُمَ , وَإِنْ اِسْتَوَيَا فَوَجْهَانِ اِخْتَلَفَ التَّرْجِيح فِيهِمَا عِنْدهمْ.
وَالطَّرِيق الثَّانِي : الِاعْتِبَار بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَة بِالظُّهُورِ , وَهَذَا اِخْتِيَار الْقَفَّال وَمَنْ تَبِعَهُ , وَعِنْد الْمَالِكِيَّة فِي الْمُخْتَلِط أَقْوَال ثَالِثهَا الْكَرَاهَة , وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْن الْخَزّ وَبَيْن الْمُخْتَلِط بِقُطْنٍ وَنَحْوه فَأَجَازَ الْخَزّ وَمَنَعَ الْآخَر , وَهَذَا مَبْنِيّ عَلَى تَفْسِير الْخَزّ , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَعْض تَفَاسِير الْقَسِّيّ أَنَّهُ الْخَزّ ; فَمَنْ قَالَ إِنَّهُ رَدِيء الْحَرِير فَهُوَ الَّذِي يَتَنَزَّل عَلَيْهِ الْقَوْل الْمَذْكُور ; وَمَنْ قَالَ إِنَّهُ مَا كَانَ مِنْ وَبَر فَخُلِطَ بِحَرِيرٍ لَمْ يُتَّجَه التَّفْصِيل الْمَذْكُور , وَاحْتَجَّ أَيْضًا مَنْ أَجَازَ لُبْس الْمُخْتَلِط بِحَدِيثِ اِبْن عَبَّاس " إِنَّمَا نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الثَّوْب الْمُصْمَت مِنْ الْحَرِير فَأَمَّا الْعَلَم مِنْ الْحَرِير وَسُدَى الثَّوْب فَلَا بَأْس بِهِ " أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَن هَكَذَا , وَأَصْله عِنْد أَبِي دَاوُدَ , وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِم بِسَنَدٍ صَحِيح بِلَفْظِ " إِنَّمَا نَهَى عَنْ الْمُصْمَت إِذَا كَانَ حَرِيرًا " وَلِلطَّبَرَانِيّ مِنْ طَرِيق ثَالِث " نَهَى عَنْ مُصْمَت الْحَرِير فَأَمَّا مَا كَانَ سُدَاهُ مِنْ قُطْن أَوْ كَتَّان فَلَا بَأْس بِهِ " وَاسْتَدَلَّ اِبْن الْعَرَبِيّ لِلْجَوَازِ أَيْضًا بِأَنَّ النَّهْي عَنْ الْحَرِير حَقِيقَة فِي الْخَالِص , وَالْإِذْن فِي الْقُطْن وَنَحْوه صَرِيح , فَإِذَا خُلِطَا بِحَيْثُ لَا يُسَمَّى حَرِيرًا بِحَيْثُ لَا يَتَنَاوَلهُ الِاسْم وَلَا تَشْمَلهُ عِلَّة التَّحْرِيم خَرَجَ عَنْ الْمَمْنُوع فَجَازَ , وَقَدْ ثَبَتَ لُبْس الْخَزّ عَنْ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَغَيْرهمْ , قَالَ أَبُو دَاوُدَ : لَبِسَهُ عِشْرُونَ نَفْسًا مِنْ الصَّحَابَة وَأَكْثَر , وَأَوْرَدَهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة عَنْ جَمْع مِنْهُمْ وَعَنْ طَائِفَة مِنْ التَّابِعِينَ بِأَسَانِيد جِيَاد , وَأَعْلَى مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن سَعْد الدَّشْتَكِيّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : " رَأَيْت رَجُلًا عَلَى بَغْلَة وَعَلَيْهِ عِمَامَة خَزّ سَوْدَاء وَهُوَ يَقُول : كَسَانِيهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَأَخْرَجَ اِبْن أَبِي شَيْبَة مِنْ طَرِيق عَمَّار بْن أَبِي عَمَّار قَالَ : " أَتَتْ مَرْوَان بْن الْحَكَم مَطَارِف خَزّ , فَكَسَاهَا أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَأَخْرَجَ اِبْن أَبِي شَيْبَة مِنْ طَرِيق عَمَّار بْن أَبِي عَمَّار قَالَ : " أَتَتْ مَرْوَان بْن الْحَكَم مَطَارِف خَزّ , فَكَسَاهَا أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَالْأَصَحّ فِي تَفْسِير الْخَزّ أَنَّهُ ثِيَاب سُدَاهَا مِنْ حَرِير وَلُحْمَتهَا مِنْ غَيْره , وَقِيلَ.
تُنْسَج مَخْلُوطَة مِنْ حَرِير وَصُوف أَوْ نَحْوه , وَقِيلَ : أَصْله اِسْم دَابَّة يُقَال لَهَا الْخَرّ سُمِّيَ الثَّوْب الْمُتَّخَذ مِنْ وَبَره خَزًّا لِنُعُومَتِهِ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى مَا يُخْلَط بِالْحَرِيرِ لِنُعُومَةِ الْحَرِير , وَعَلَى هَذَا فَلَا يَصِحّ الِاسْتِدْلَال بِلُبْسِهِ عَلَى جَوَاز لُبْس مَا يُخَالِطهُ الْحَرِير مَا لَمْ يَتَحَقَّق أَنَّ الْخَزّ الَّذِي لَبِسَهُ السَّلَف كَانَ مِنْ الْمَخْلُوط بِالْحَرِيرِ وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَجَازَ الْحَنَفِيَّة وَالْحَنَابِلَة لُبْس الْخَزّ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شُهْرَة , عَنْ مَالِك الْكَرَاهَة , وَهَذَا كُلّه فِي الْخَزّ , وَأَمَّا الْقَزّ بِالْقَافِ بَدَل الْخَاء الْمُعْجَمَة فَقَالَ الرَّافِعِيّ : عَدَّ الْأَئِمَّة الْقَزّ مِنْ الْحَرِير وَحَرَّمُوهُ عَلَى الرِّجَال وَلَوْ كَانَ كَمِد اللَّوْن , وَنَقَلَ الْإِمَام الِاتِّفَاق عَلَيْهِ لَكِنْ حَكَى الْمُتَوَلِّي فِي " التَّتِمَّة " وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَحْرُم لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ثِيَاب الزِّينَة , قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : إِنْ كَانَ مُرَاده بِالْقَزِّ مَا نُطْلِقهُ نَحْنُ الْآن عَلَيْهِ فَلَيْسَ يَخْرُج عَنْ اِسْم الْحَرِير فَيَحْرُم , وَلَا اِعْتِبَار بِكُمُودَةِ اللَّوْن وَلَا بِكَوْنِهِ لَيْسَ مِنْ ثِيَاب الزِّينَة فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَعْلِيل ضَعِيف لَا أَثَر لَهُ بَعْد اِنْطِلَاق الِاسْم عَلَيْهِ ا ه كَلَامه.
وَلَمْ يَتَعَرَّض لِمُقَابِلِ التَّقْسِيم ; وَهُوَ وَإِنْ كَانَ الْمُرَاد بِهِ شَيْئًا آخَر فَيُتَّجَه كَلَامه , وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّ مُرَاده بِهِ رَدِيء الْحَرِير , وَهُوَ نَحْو مَا تَقَدَّمَ فِي الْخَزّ , وَلِأَجْلِ ذَلِكَ وَصَفَهُ بِكُمُودَةِ اللَّوْن.
وَاَللَّه أَعْلَم.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ نَهَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَيَاثِرِ الْحُمْرِ وَالْقَسِّيِّ
عن أنس قال: «رخص النبي صلى الله عليه وسلم للزبير وعبد الرحمن في لبس الحرير لحكة بهما.»
عن علي رضي الله عنه قال: «كساني النبي صلى الله عليه وسلم حلة سيراء، فخرجت فيها، فرأيت الغضب في وجهه، فشققتها بين نسائي.»
عن عبد الله : «أن عمر رضي الله عنه رأى حلة سيراء تباع، فقال: يا رسول الله، لو ابتعتها تلبسها للوفد إذا أتوك والجمعة، قال: إنما يلبس هذه من لا خلاق له...
عن أنس بن مالك : «أنه رأى على أم كلثوم عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم برد حرير سيراء.»
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لبثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر، عن المرأتين اللتين تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلت أهابه، فنزل يوما منز...
عن أم سلمة قالت: «استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من الليل وهو يقول: لا إله إلا الله، ماذا أنزل الليلة من الفتنة؟ ماذا أنزل من الخزائن؟ من يوقظ صواحب...
عن أم خالد بنت خالد قالت: «أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خميصة سوداء، قال: من ترون نكسوها هذه الخميصة؟ فأسكت القوم، قال: ائتوني بأم خالد...
عن أنس قال: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل.»
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يلبس المحرم ثوبا مصبوغا بورس أو بزعفران.»