6446- عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس.»
أخرجه مسلم في الزكاة باب ليس الغنى عن كثرة العرض رقم 1051
(الغنى) الحقيقي الذي يملأ نفس الإنسان ويكفه عن حاجة غيره.
(كثرة العرض) حطام الدنيا من الأمتعة ونحوها أو ما يصيبه الإنسان من حظوظ الدنيا
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله ( حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر ) هُوَ اِبْن عَيَّاش بِمُهْمَلَةٍ وَتَحْتَانِيَّة ثُمَّ مُعْجَمَة , وَهُوَ الْقَارِئ الْمَشْهُور.
وَأَبُو حَصِين بِفَتْحِ أَوَّله اِسْمه عُثْمَان.
وَالْإِسْنَاد كُلّه كُوفِيُّونَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَة.
قَوْله ( عَنْ كَثْرَة الْعَرَض ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَالرَّاء ثُمَّ ضَاد مُعْجَمَة , أَمَّا عَنْ فَهِيَ سَبَبِيَّة , وَأَمَّا الْعَرَض فَهُوَ مَا يُنْتَفَع بِهِ مِنْ مَتَاع الدُّنْيَا , وَيُطْلَق بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى مَا يُقَابِل الْجَوْهَر وَعَلَى كُلّ مَا يَعْرِض لِلشَّخْصِ مِنْ مَرَض وَنَحْوه.
وَقَالَ أَبُو عَبْد الْمَلِك الْبُونِيّ فِيمَا نَقَلَهُ اِبْن التِّين عَنْهُ قَالَ : اِتَّصَلَ بِي عَنْ شَيْخ مِنْ شُيُوخ الْقَيْرَوَان أَنَّهُ قَالَ : الْعَرَض بِتَحْرِيكِ الرَّاء الْوَاحِد مِنْ الْعُرُوض الَّتِي يُتَّجَر فِيهَا , قَالَ : وَهُوَ خَطَأ , فَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى : ( يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى ) وَلَا خِلَاف بَيْن أَهْل اللُّغَة فِي أَنَّهُ مَا يَعْرِض فِيهِ , وَلَيْسَ هُوَ أَحَد الْعُرُوض الَّتِي يُتَّجَر فِيهَا بَلْ وَاحِدهَا عَرْض بِالْإِسْكَانِ وَهُوَ مَا سِوَى النَّقْدَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْد : الْعُرُوض الْأَمْتِعَة وَهِيَ مَا سِوَى الْحَيَوَان وَالْعَقَار وَمَا لَا يَدْخُلهُ كَيْل وَلَا وَزْن , وَهَكَذَا حَكَاهُ عِيَاض وَغَيْره , وَقَالَ اِبْن فَارِس : الْعَرْض بِالسُّكُونِ كُلّ مَا كَانَ مِنْ الْمَال غَيْر نَقْد وَجَمْعه عُرُوض , وَأَمَّا بِالْفَتْحِ فَمَا يُصِيبهُ الْإِنْسَان مِنْ حَظّه فِي الدُّنْيَا , قَالَ تَعَالَى : ( تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا ) وَقَالَ : ( وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَض مِثْله يَأْخُذُوهُ ).
قَوْله ( إِنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْس ) فِي رِوَايَة الْأَعْرَج عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عِنْد أَحْمَد وَسَعِيد بْن مَنْصُور وَغَيْرهمَا " إِنَّمَا الْغِنَى فِي النَّفْس " وَأَصْله فِي مُسْلِم , وَلِابْنِ حِبَّان مِنْ حَدِيث أَبِي ذَرّ " قَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَبَا ذَرّ أَتَرَى كَثْرَة الْمَال هُوَ الْغِنَى ؟ قُلْت : نَعَمْ.
قَالَ : وَتَرَى قِلَّة الْمَال هُوَ الْفَقْر ؟ قُلْت : نَعَمْ يَا رَسُول اللَّه.
قَالَ : إِنَّمَا الْغِنَى غِنَى الْقَلْب , وَالْفَقْر فَقْر الْقَلْب " قَالَ اِبْن بَطَّال مَعْنَى الْحَدِيث لَيْسَ حَقِيقَة الْغِنَى كَثْرَة الْمَال لِأَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ وَسَّعَ اللَّه عَلَيْهِ فِي الْمَال لَا يَقْنَع بِمَا أُوتِيَ فَهُوَ يَجْتَهِد فِي الِازْدِيَاد وَلَا يُبَالِي مِنْ أَيْنَ يَأْتِيه , فَكَأَنَّهُ فَقِير لِشِدَّةِ حِرْصه , وَإِنَّمَا حَقِيقَة الْغِنَى غِنَى النَّفْس , وَهُوَ مَنْ اِسْتَغْنَى بِمَا أُوتِيَ وَقَنِعَ بِهِ وَرَضِيَ وَلَمْ يَحْرِص عَلَى الِازْدِيَاد وَلَا أَلَحَّ فِي الطَّلَب , فَكَأَنَّهُ غَنِيّ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ الْغِنَى النَّافِع أَوْ الْعَظِيم أَوْ الْمَمْدُوح هُوَ غِنَى النَّفْس , وَبَيَانه أَنَّهُ إِذَا اِسْتَغْنَتْ نَفْسه كَفَّتْ عَنْ الْمَطَامِع فَعَزَّتْ وَعَظُمَتْ وَحَصَلَ لَهَا مِنْ الْحُظْوَة وَالنَّزَاهَة وَالشَّرَف وَالْمَدْح أَكْثَر مِنْ الْغِنَى الَّذِي يَنَالهُ مَنْ يَكُون فَقِير النَّفْس لِحِرْصِهِ فَإِنَّهُ يُوَرِّطهُ فِي رَذَائِل الْأُمُور وَخَسَائِس الْأَفْعَال لِدَنَاءَةِ هِمَّته وَبُخْله , وَيَكْثُر مَنْ يَذُمّهُ مِنْ النَّاس وَيَصْغُر قَدْره عِنْدهمْ فَيَكُون أَحْقَر مِنْ كُلّ حَقِير وَأَذَلَّ مِنْ كُلّ ذَلِيل.
وَالْحَاصِل أَنَّ الْمُتَّصِف بِغِنَى النَّفْس يَكُون قَانِعًا بِمَا رَزَقَهُ اللَّه , لَا يَحْرِص عَلَى الِازْدِيَاد لِغَيْرِ حَاجَة وَلَا يُلِحّ فِي الطَّلَب وَلَا يَحْلِف فِي السُّؤَال , بَلْ يَرْضَى بِمَا قَسَمَ اللَّه لَهُ , فَكَأَنَّهُ وَاجِد أَبَدًا , وَالْمُتَّصِف بِفَقْرِ النَّفْس عَلَى الضِّدّ مِنْهُ لِكَوْنِهِ لَا يَقْنَع بِمَا أُعْطِىَ بَلْ هُوَ أَبَدًا فِي طَلَب الِازْدِيَاد مِنْ أَيّ وَجْه أَمْكَنَهُ , ثُمَّ إِذَا فَاتَهُ الْمَطْلُوب حَزِنَ وَأَسِفَ , فَكَأَنَّهُ فَقِير مِنْ الْمَال لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَغْنَ بِمَا أُعْطِىَ , فَكَأَنَّهُ لَيْسَ بِغَنِيٍّ , ثُمَّ غِنَى النَّفْس إِنَّمَا يَنْشَأ عَنْ الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّه تَعَالَى وَالتَّسْلِيم لِأَمْرِهِ عِلْمًا بِأَنَّ الَّذِي عِنْد اللَّه خَيْر وَأَبْقَى , فَهُوَ مُعْرِض عَنْ الْحِرْص وَالطَّلَب , وَمَا أَحْسَن قَوْل الْقَائِل : غِنَى النَّفْس مَا يَكْفِيك مِنْ سَدّ حَاجَة فَإِنْ زَادَ شَيْئًا عَادَ ذَاكَ الْغِنَى فَقْرًا وَقَالَ الطِّيبِيُّ : يُمْكِن أَنْ يُرَاد بِغِنَى النَّفْس حُصُول الْكَمَالَات الْعِلْمِيَّة وَالْعَمَلِيَّة , وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الْقَائِل : وَمَنْ يُنْفِق السَّاعَات فِي جَمْع مَاله مَخَافَة فَقْر فَاَلَّذِي فَعَلَ الْفَقْر أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يُنْفِق أَوْقَاته فِي الْغِنَى الْحَقِيقِيّ وَهُوَ تَحْصِيل الْكَمَالَات , لَا فِي جَمْع الْمَال فَإِنَّهُ لَا يَزْدَاد بِذَلِكَ إِلَّا فَقْرًا اِنْتَهَى.
وَهَذَا وَإِنْ كَانَ يُمْكِن أَنْ يُرَاد لَكِنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ أَظْهَر فِي الْمُرَاد , وَإِنَّمَا يَحْصُل غِنَى النَّفْس بِغِنَى الْقَلْب بِأَنْ يَفْتَقِر إِلَى رَبّه فِي جَمِيع أُمُوره فَيَتَحَقَّق أَنَّهُ الْمُعْطِي الْمَانِع فَيَرْضَى بِقَضَائِهِ وَيَشْكُرهُ عَلَى نَعْمَائِهِ وَيَفْزَع إِلَيْهِ فِي كَشْف ضَرَّائِهِ , فَيَنْشَأ عَنْ اِفْتِقَار الْقَلْب لِرَبِّهِ غِنَى نَفْسه عَنْ غَيْره وَبِهِ تَعَالَى , وَالْغِنَى الْوَارِد فِي قَوْله ( وَوَجَدَك عَائِلًا فَأَغْنَى ) يَتَنَزَّل عَلَى غِنَى النَّفْس , فَإِنَّ الْآيَة مَكِّيَّة وَلَا يَخْفَى مَا كَانَ فِيهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل أَنْ تُفْتَح عَلَيْهِ خَيْبَر وَغَيْرهَا مِنْ قِلَّة الْمَال.
وَاَللَّه أَعْلَم.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ
عن سهل بن سعد الساعدي أنه قال: «مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لرجل عنده جالس: ما رأيك في هذا؟ فقال رجل من أشراف الناس: هذا والله حري...
عن أبي وائل قال: عدنا خبابا، فقال: «هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نريد وجه الله، فوقع أجرنا على الله، فمنا من مضى لم يأخذ من أجره، منهم مصعب بن...
عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اطلعت في الجنة، فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار، فرأيت أكثر أهلها النساء...
عن أنس رضي الله عنه قال: «لم يأكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان حتى مات وما أكل خبزا مرققا حتى مات.»
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «لقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم وما في رفي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي، فأكلت منه حتى طال علي فكلته ففن...
حدثنا مجاهد: «أن أبا هريرة كان يقول: آلله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت...
حدثنا قيس قال: سمعت سعدا يقول: «إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله، ورأيتنا نغزو وما لنا طعام إلا ورق الحبلة وهذا السمر، وإن أحدنا ليضع كما تضع ال...
عن عائشة، قالت: «ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة، من طعام بر ثلاث ليال تباعا، حتى قبض»
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما أكل آل محمد صلى الله عليه وسلم أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر.»