6500-
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: «بينما أنا رديف النبي صلى الله عليه وسلم ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل، فقال: يا معاذ، قلت: لبيك يا رسول الله، وسعديك، ثم سار ساعة ثم قال: يا معاذ، قلت: لبيك رسول الله وسعديك، ثم سار ساعة ثم قال: يا معاذ بن جبل، قلت: لبيك رسول الله وسعديك قال: هل تدري ما حق الله على عباده؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا.
ثم سار ساعة ثم قال: يا معاذ بن جبل قلت: لبيك رسول الله وسعديك، قال: هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق العباد على الله أن لا يعذبهم.»
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله ( هَمَّام ) هُوَ اِبْنُ يَحْيَى.
قَوْله ( أَنَس عَنْ مُعَاذ بْن جَبَلٍ ) هَكَذَا رَوَاهُ هَمَّام عَنْ قَتَادَةَ , وَمُقْتَضَاهُ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ مِنْ مُسْنَدِ مُعَاذٍ , وَخَالَفَهُ هِشَامٌ الدَّسْتِوَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ فَقَالَ " عَنْ أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ - وَمُعَاذ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْل - يَا مُعَاذ " وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِر كِتَاب الْعِلْم وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ مِنْ مُسْنَد أَنَس وَالْمُعْتَمَد الْأَوَّل , وَيُؤَيِّدهُ أَنَّ الْمُصَنِّف أَتْبَعَ رِوَايَة هِشَام رِوَايَة سُلَيْمَان التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَس قَالَ " ذَكَرَ لِي أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمُعَاذٍ " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ أَنَسًا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحْتَمَلَ قَوْله " ذُكِرَ " عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَنْ يَكُون أَنَسٌ حَمَلَهُ عَنْ مُعَاذ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ , وَقَدْ أَشَرْت فِي شَرْحِهِ فِي الْعِلْمِ إِلَى اِحْتِمَالِ أَنْ يَكُون أَنَسٌ حَمَلَهُ عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون الْأَوْدِيِّ عَنْ مُعَاذ , أَوْ مِنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن سَمُرَة عَنْ مُعَاذ , وَهَذَا كُلّه بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ , وَقَدْ رُجِّحَ لِي أَنَّهُمَا حَدِيثَانِ وَإِنْ اِتَّحَدَ مَخْرَجُهُمَا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَس وَمَتْنُهُمَا فِي كَوْن مُعَاذ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلِاخْتِلَافِ فِيمَا وَرَدَا فِيهِ , وَهُوَ أَنَّ حَدِيث الْبَاب فِي حَقّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ وَحَقِّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ , وَالْمَاضِي فِيمَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا , وَكَذَا رِوَايَة أَبِي عُثْمَان النَّهْدِيِّ وَأَبِي رَزِين وَأَبِي الْعَوَّام كُلّهمْ عَنْ مُعَاذ عِنْد أَحْمَد , وَرِوَايَة عَمْرو بْن مَيْمُون مُوَافِقَةٌ لِرِوَايَةِ حَدِيث الْبَاب , وَنَحْوُهَا رِوَايَةُ عَبْد الرَّحْمَن بْن سَمُرَة عَنْ مُعَاذ عِنْد النَّسَائِيِّ , وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى مُوَافِقَةٌ لِرِوَايَةِ هِشَام الَّتِي فِي الْعِلْم , وَقَدْ أَشَرْت إِلَى شَيْء مِنْ ذَلِكَ فِي " بَاب اِسْم الْفَرَس وَالْحِمَار " مِنْ كِتَاب الْجِهَاد , وَقَدْ جَاءَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ مُعَاذ نَحْو حَدِيث الْبَاب أَخْرَجَهُ أَحْمَد مِنْ طَرِيق الْأَعْمَش عَنْ أَبِي سُفْيَان عَنْ أَنَس قَالَ " أَتَيْنَا مُعَاذًا فَقُلْنَا : حَدِّثْنَا مِنْ غَرَائِبِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " , فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ هَمَّام عَنْ قَتَادَةَ.
قَوْله ( بَيْنَا أَنَا رَدِيف ) تَقَدَّمَ بَيَانه فِي أَوَاخِر كِتَاب اللِّبَاسِ قَبْل الْأَدَبِ بِبَابَيْنِ.
قَوْله ( لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا آخِرَةُ الرَّحْلِ ) بِفَتْحِ الرَّاء وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ لِلْبَعِيرِ كَالسَّرْجِ لِلْفَرَسِ , وَآخِرُهُ بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا رَاءٌ هِيَ الْعُودُ الَّذِي يُجْعَل خَلْفَ الرَّاكِبِ يَسْتَنِدُ إِلَيْهِ , وَفَائِدَةُ ذِكْرِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي شِدَّةِ قُرْبِهِ لِيَكُونَ أَوْقَعَ فِي نَفْسِ سَامِعِهِ أَنَّهُ ضَبَطَ مَا رَوَاهُ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة مُسْلِم عَنْ هَدَّابِ بْن خَالِدٍ وَهُوَ هُدْبَةُ شَيْخ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِسَنَدِهِ هَذَا " مُؤْخَرَة " بَدَل " آخِرَة " وَهِيَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُون الْهَمْزَةِ وَفَتْح الْخَاء , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عَمْرو بْن مَيْمُون عَنْ مُعَاذ " كُنْت رِدْف النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَار يُقَال لَهُ عُفَيْر " وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ فِي الْجِهَاد , وَوَقَعَ عِنْد أَحْمَد مِنْ رِوَايَة عَبْد الرَّحْمَن بْن غَنَم عَنْ مُعَاذ " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ عَلَى حِمَار يُقَال لَهُ يَعْفُورُ رَسَنُهُ مِنْ لِيفٍ " وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِآخِرَةِ الرَّحْلِ مَوْضِع آخِرَةِ الرَّحْلِ لِلتَّصْرِيحِ هُنَا بِكَوْنِهِ كَانَ عَلَى حِمَار , وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ النَّوَوِيُّ وَمَشَى اِبْن الصَّلَاحِ عَلَى أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ , وَكَأَنَّ مُسْتَنَدَهُ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي الْعَوَّامِ عِنْد أَحْمَد " عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ " وَلَكِنَّ سَنَدَهُ ضَعِيفٌ.
قَوْله ( فَقَالَ يَا مُعَاذ : قُلْت لَبَّيْكَ ) تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ.
قَوْله ( رَسُولَ اللَّهِ ) بِالنَّصْبِ عَلَى النِّدَاءِ وَحَرْفُ النِّدَاءِ مَحْذُوفٌ , وَوَقَعَ فِي الْعِلْمِ بِإِثْبَاتِهِ.
قَوْله ( ثُمَّ سَارَ سَاعَة ) فِيهِ بَيَان أَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي الْعِلْمِ " قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ , قَالَ يَا مُعَاذ " لَمْ يَقَعْ النِّدَاءُ الثَّانِي عَلَى الْفَوْرِ بَلْ بَعْدَ سَاعَةٍ.
قَوْله ( فَقَالَ ) فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ " ثُمَّ قَالَ ".
قَوْله ( يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ ) تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ فِي الْعِلْمِ.
قَوْله ( قَالَ هَلْ تَدْرِي ) وَقَعَ فِي رِوَايَة مُسْلِم الْمُشَار إِلَيْهَا بَعْد قَوْله " وَسَعْدَيْكَ " الثَّانِيَة " ثُمَّ سَارَ سَاعَة ثُمَّ قَالَ هَلْ تَدْرِي " وَفِي رِوَايَة مُوسَى بْن إِسْمَاعِيل عَنْ هَمَّام الْمَاضِيَة فِي الِاسْتِئْذَان بَعْد الْمَرَّة الْأُولَى " ثُمَّ قَالَ مِثْلَهُ ثَلَاثًا " أَيْ النِّدَاء وَالْإِجَابَة وَقَدْ تَقَدَّمَ نَحْوه فِي الْعِلْم , وَهُوَ لِتَأْكِيدِ الِاهْتِمَام بِمَا يُخْبِرُهُ بِهِ وَيُبَالِغ فِي تَفَهُّمِهِ وَضَبْطِهِ.
قَوْله ( هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّه عَلَى عِبَاده ) الْحَقّ كُلّ مَوْجُودٍ مُتَحَقِّقٍ أَوْ مَا سَيُوجَدُ لَا مَحَالَةَ , وَيُقَال لِلْكَلَامِ الصِّدْقِ حَقٌّ لِأَنَّ وُقُوعَهُ مُتَحَقِّقٌ لَا تَرَدُّدَ فِيهِ , وَكَذَا الْحَقّ الْمُسْتَحَقُّ عَلَى الْغَيْرِ إِذَا كَانَ لَا تَرَدُّدَ فِيهِ , وَالْمُرَاد هُنَا مَا يَسْتَحِقُّهُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ مِمَّا جَعَلَهُ مُحَتَّمًا عَلَيْهِمْ قَالَهُ اِبْن التَّيْمِيِّ فِي التَّحْرِير , وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ : حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ هُوَ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنْ الثَّوَابِ وَأَلْزَمهُمْ إِيَّاهُ بِخِطَابِهِ.
قَوْله ( أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ) الْمُرَاد بِالْعِبَادَةِ عَمَلُ الطَّاعَاتِ وَاجْتِنَابُ الْمَعَاصِي وَعَطَفَ عَلَيْهَا عَدَمَ الشِّرْكِ لِأَنَّهُ تَمَامُ التَّوْحِيدِ , وَالْحِكْمَةُ فِي عَطْفِهِ عَلَى الْعِبَادَة أَنَّ بَعْضَ الْكَفَرَةِ كَانُوا يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ آلِهَةً أُخْرَى فَاشْتَرَطَ نَفْي ذَلِكَ , وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْجُمْلَة حَالِيَّةٌ وَالتَّقْدِيرُ يَعْبُدُونَهُ فِي حَالِ عَدَمِ الْإِشْرَاكِ بِهِ.
قَالَ اِبْن حِبَّانَ : عِبَادَة اللَّه إِقْرَار بِاللِّسَانِ وَتَصْدِيق بِالْقَلْبِ وَعَمَل بِالْجَوَارِحِ , وَلِهَذَا قَالَ فِي الْجَوَاب " فَمَا حَقّ الْعِبَاد إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ " فَعَبَّرَ بِالْفِعْلِ وَلَمْ يُعَبِّرْ بِالْقَوْلِ.
قَوْله ( هَلْ تَدْرِي مَا حَقّ الْعِبَاد عَلَى اللَّه إِذَا فَعَلُوهُ ) ؟ الضَّمِير لَمَّا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْله " يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا " فِي رِوَايَة مُسْلِمٍ " إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ ".
قَوْله ( حَقّ الْعِبَاد عَلَى اللَّه أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ ) فِي رِوَايَة اِبْن حِبَّانَ مِنْ طَرِيق عَمْرو بْن مَيْمُون " أَنْ يَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا يُعَذِّبَهُمْ " وَفِي رِوَايَة أَبِي عُثْمَان " يُدْخِلهُمْ الْجَنَّة " وَفِي رِوَايَة أَبِي الْعَوَّامِ مِثْلُهُ وَزَادَ " وَيَغْفِر لَهُمْ " وَفِي رِوَايَة عَبْد الرَّحْمَن بْن غُنْمٍ " أَنْ يُدْخِلَهُمْ الْجَنَّةَ " قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنْ الثَّوَاب وَالْجَزَاءِ , فَحُقَّ ذَلِكَ وَوَجَبَ بِحُكْمِ وَعْدِهِ الصِّدْق , وَقَوْله الْحَقُّ الَّذِي لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْكَذِبُ فِي الْخَبَرِ وَلَا الْخُلْفُ فِي الْوَعْدِ , فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِحُكْمِ الْأَمْرِ إِذْ لَا آمِرَ فَوْقَهُ وَلَا حُكْمَ لِلْعَقْلِ لِأَنَّهُ كَاشِفٌ لَا مُوجِبٌ اِنْتَهَى.
وَتَمَسَّكَ بَعْض الْمُعْتَزِلَةِ بِظَاهِرِهِ.
وَلَا مُتَمَسَّكَ لَهُمْ فِيهِ مَعَ قِيَام الِاحْتِمَال.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ عِدَّةُ أَجْوِبَةٍ غَيْرُ هَذِهِ , وَمِنْهَا أَنَّ الْمُرَاد بِالْحَقِّ هُنَا الْمُتَحَقِّق الثَّابِت أَوْ الْجَدِير , لِأَنَّ إِحْسَانَ الرَّبِّ لِمَنْ لَمْ يَتَّخِذْ رَبًّا سِوَاهُ جَدِيرٌ فِي الْحِكْمَة أَنْ لَا يُعَذِّبَهُ , أَوْ الْمُرَاد أَنَّهُ كَالْوَاجِبِ فِي تَحَقُّقِهِ وَتَأَكُّدِهِ , أَوْ ذُكِرَ عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَة.
قَالَ : وَفِي الْحَدِيث جَوَازُ رُكُوبِ اِثْنَيْنِ عَلَى حِمَارٍ , وَفِيهِ تَوَاضُعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفَضْلُ مُعَاذ وَحُسْنُ أَدَبِهِ فِي الْقَوْلِ وَفِي الْعِلْمِ بِرَدِّهِ لِمَا لَمْ يُحِطْ بِحَقِيقَتِهِ إِلَى عِلْم اللَّهِ وَرَسُولِهِ , وَقُرْبِ مَنْزِلَتِهِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ تَكْرَارُ الْكَلَامِ لِتَأْكِيدِهِ وَتَفْهِيمِهِ , وَاسْتِفْسَار الشَّيْخِ تِلْمِيذَهُ عَنْ الْحُكْمِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهُ وَيُبَيِّنَ لَهُ مَا يُشْكِل عَلَيْهِ مِنْهُ.
وَقَالَ اِبْن رَجَبٍ فِي شَرْحِهِ لِأَوَائِل الْبُخَارِيِّ : قَالَ الْعُلَمَاءُ يُؤْخَذ مِنْ مَنْعِ مُعَاذ مِنْ تَبْشِيرِ النَّاسِ لِئَلَّا يَتَّكِلُوا أَنَّ أَحَادِيث الرُّخَصِ لَا تُشَاعُ فِي عُمُومِ النَّاسِ لِئَلَّا يَقْصُر فَهْمُهُمْ عَنْ الْمُرَادِ بِهَا , وَقَدْ سَمِعَهَا مُعَاذ فَلَمْ يَزْدَدْ إِلَّا اِجْتِهَادًا فِي الْعَمَلِ وَخَشْيَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مَنْزِلَتَهُ فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يُقَصِّر اِتِّكَالًا عَلَى ظَاهِرِ هَذَا الْخَبَرِ , وَقَدْ عَارَضَهُ مَا تَوَاتَرَ مِنْ نُصُوص الْكِتَاب وَالسُّنَّة أَنَّ بَعْضَ عُصَاةِ الْمُوَحِّدِينَ يَدْخُلُونَ النَّارَ , فَعَلَى هَذَا فَيَجِب الْجَمْع بَيْن الْأَمْرَيْنِ , وَقَدْ سَلَكُوا فِي ذَلِكَ مَسَالِك : أَحَدهَا قَوْل الزُّهْرِيِّ إِنَّ هَذِهِ الرُّخْصَة كَانَتْ قَبْل نُزُول الْفَرَائِض وَالْحُدُود , وَسَيَأْتِي ذَلِكَ عَنْهُ فِي حَدِيث عُثْمَان فِي الْوُضُوء , وَاسْتَبْعَدَهُ غَيْره مِنْ أَنَّ النَّسْخَ لَا يَدْخُل الْخَبَر , وَبِأَنَّ سَمَاع مُعَاذ لِهَذِهِ كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْ أَكْثَرِ نُزُولِ الْفَرَائِضِ.
وَقِيلَ لَا نَسْخَ بَلْ هُوَ عَلَى عُمُومِهِ , وَلَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِشَرَائِطَ كَمَا تُرَتَّبُ الْأَحْكَامُ عَلَى أَسْبَابِهَا الْمُقْتَضِيَةِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى اِنْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ , فَإِذَا تَكَامَلَ ذَلِكَ عَمِلَ الْمُقْتَضِي عَمَلَهُ , وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ بِقَوْلِهِ الْمُتَقَدِّم فِي كِتَاب الْجَنَائِز فِي شَرْحِ " أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ " : لَيْسَ مِنْ مِفْتَاحٍ إِلَّا وَلَهُ أَسْنَانٌ , وَقِيلَ الْمُرَاد تَرْك دُخُول نَار الشِّرْك , وَقِيلَ تَرْكُ تَعْذِيبِ جَمِيعِ بَدَنِ الْمُوَحِّدِينَ لِأَنَّ النَّار لَا تَحْرِق مَوَاضِع السُّجُود , وَقِيلَ لَيْسَ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ وَحَّدَ وَعَبَدَ بَلْ يَخْتَصُّ بِمَنْ أَخْلَصَ , وَالْإِخْلَاصُ يَقْتَضِي تَحْقِيقَ الْقَلْبِ بِمَعْنَاهَا , وَلَا يُتَصَوَّر حُصُولُ التَّحْقِيقِ مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ لِامْتِلَاءِ الْقَلْبِ بِمَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَخَشْيَتِهِ فَتَنْبَعِث الْجَوَارِح إِلَى الطَّاعَة وَتَنْكَفُّ عَنْ الْمَعْصِيَةِ.
اِنْتَهَى مُلَخَّصًا.
وَفِي آخِر حَدِيثِ أَنَس عَنْ مُعَاذ فِي نَحْو هَذَا الْحَدِيث " فَقُلْت أَلَا أُخْبِرُ النَّاسَ ؟ قَالَ : لَا لِئَلَّا يَتَّكِلُوا , فَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْد مَوْته تَأَثُّمًا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَاب الْعِلْمِ.
( تَنْبِيهٌ ) هَذَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي أَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع عَنْ شَيْخٍ وَاحِدٍ بِسَنَدٍ وَاحِدٍ , وَهِيَ قَلِيلَةٌ فِي كِتَابِهِ جِدًّا , وَلَكِنَّهُ أَضَافَ إِلَيْهِ فِي الِاسْتِئْذَانِ مُوسَى بْن إِسْمَاعِيل , وَقَدْ تَتَبَّعَ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ مَا أَخْرَجَهُ فِي مَوْضِعَيْنِ بِسَنَدٍ فَبَلَغَ عِدَّتُهَا زِيَادَةً عَلَى الْعِشْرِينَ , وَفِي بَعْضِهَا يَتَصَرَّفُ فِي الْمَتْنِ بِالِاخْتِصَارِ مِنْهُ.
حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا آخِرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ يَا مُعَاذُ قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذُ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ
عن أنس قال: «كانت ناقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسمى العضباء، وكانت لا تسبق، فجاء أعرابي على قعود له فسبقها، فاشتد ذلك على المسلمين وقالوا: سبقت...
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قال: «من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه،...
عن سهل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة هكذا.<br> ويشير بإصبعيه فيمد بهما.»
عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بعثت والساعة كهاتين.»
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بعثت أنا والساعة كهاتين» يعني: إصبعين تابعه إسرائيل عن أبي حصين.<br>
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك حين...
عن عبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه.<br> قالت عائشة أو بعض أزواجه...
عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه.»
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو صحيح: إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة، ثم يخير.<br> ف...