6605- عن علي رضي الله عنه قال: «كنا جلوسا مع النبي صلى الله عليه وسلم ومعه عود ينكت في الأرض وقال: ما منكم من أحد إلا قد كتب مقعده من النار، أو من الجنة فقال رجل من القوم: ألا نتكل يا رسول الله؟ قال: لا اعملوا فكل ميسر ثم قرأ {فأما من أعطى واتقى} الآية.»
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
حَدِيث عَلِيٍّ , قَوْله ( عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ) بِمُهْمَلَةٍ وَزَايٍ هُوَ مُحَمَّد بْن مَيْمُون السُّكَّرِيُّ.
قَوْله ( عَنْ سَعْد بْن عُبَيْدَة ) بِضَمِّ الْعَيْن هُوَ السُّلَمِيُّ الْكُوفِيّ يُكَنَّى أَبَا حَمْزَة وَكَانَ صِهْرَ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن شَيْخه فِي هَذَا الْحَدِيث , وَوَقَعَ فِي تَفْسِير ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ) مِنْ طَرِيق شُعْبَة عَنْ الْأَعْمَش " سَمِعْت سَعْد بْن عُبَيْدَة " وَأَبُو عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيُّ اِسْمُهُ عَبْد اللَّه بْن حَبِيب وَهُوَ مِنْ كِبَار التَّابِعِينَ , وَوَقَعَ مُسَمًّى فِي رِوَايَة مُعْتَمِرِ اِبْن سُلَيْمَان عَنْ مَنْصُور عَنْ سَعْد بْن عُبَيْدَة عِنْد الْفِرْيَابِيّ.
قَوْله ( عَنْ عَلِيٍّ ) فِي رِوَايَة مُسْلِم الْبُطَيْن عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيِّ " أَخَذَ بِيَدِي عَلِيٌّ فَانْطَلَقْنَا نَمْشِي حَتَّى جَلَسْنَا عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ , فَقَالَ عَلِيٌّ : قَالَ رَسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَذَكَرَ الْحَدِيث مُخْتَصَرًا.
قَوْله ( كُنَّا جُلُوسًا ) فِي رِوَايَة عَبْد الْوَاحِد عَنْ الْأَعْمَش " كُنَّا قُعُودًا " وَزَادَ فِي رِوَايَة سُفْيَان الثَّوْرِيِّ عَنْ الْأَعْمَش " كُنَّا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَقِيع الْغَرْقَد - بِفَتْحِ الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَالْقَاف بَيْنهمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ - فِي جِنَازَة " فَظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ كَانُوا جَمِيعًا شَهِدُوا الْجِنَازَة , لَكِنْ أَخْرَجَهُ فِي الْجَنَائِز مِنْ طَرِيق مَنْصُور عَنْ سَعْد بْن عُبَيْدَة فَبَيَّنَ أَنَّهُمْ سَبَقُوا بِالْجِنَازَةِ وَأَتَاهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد ذَلِكَ وَلَفْظه " كُنَّا فِي جِنَازَة فِي بَقِيع الْغَرْقَد فَأَتَانَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ ".
قَوْله ( وَمَعَهُ عُودٌ يَنْكُت بِهِ فِي الْأَرْض ) فِي رِوَايَة شُعْبَة " وَبِيَدِهِ عُود فَجَعَلَ يَنْكُت بِهِ فِي الْأَرْض " وَفِي رِوَايَة مَنْصُور " وَمَعَهُ مِخْصَرَة " بِكَسْرِ الْمِيم وَسُكُون الْمُعْجَمَة وَفَتْح الصَّاد الْمُهْمَلَة هِيَ عَصًا أَوْ قَضِيب يُمْسِكهُ الرَّئِيس لِيَتَوَكَّأَ عَلَيْهِ وَيَدْفَع بِهِ عَنْهُ وَيُشِيرَ بِهِ لِمَا يُرِيد , وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُحْمَل تَحْتَ الْخِصْرِ غَالِبًا لِلِاتِّكَاءِ عَلَيْهَا , وَفِي اللُّغَة اِخْتَصَرَ الرَّجُل إِذَا أَمْسَكَ الْمِخْصَرَةَ.
قَوْله ( فَنَكَّسَ ) بِتَشْدِيدِ الْكَافِ أَيْ أَطْرَقَ.
قَوْله ( فَقَالَ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد ) زَادَ فِي رِوَايَة مَنْصُور " مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ " أَيْ مَصْنُوعَةٍ مَخْلُوقَةٍ , وَاقْتَصَرَ فِي رِوَايَة أَبِي حَمْزَة وَالثَّوْرِيّ عَلَى الْأَوَّل.
قَوْله ( إِلَّا قَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنْ النَّار أَوْ مِنْ الْجَنَّة ) أَوْ لِلتَّنْوِيعِ , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة سُفْيَان مَا قَدْ يُشْعِر بِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاو وَلَفْظه " إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَده مِنْ الْجَنَّة وَمَقْعَده مِنْ النَّار " وَكَأَنَّهُ يُشِير إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر الدَّالّ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ أَحَد مَقْعَدَيْنِ , وَفِي رِوَايَة مَنْصُور " إِلَّا كُتِبَ مَكَانهَا مِنْ الْجَنَّة وَالنَّار " وَزَادَ فِيهَا " وَإِلَّا وَقَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً " وَإِعَادَة " إِلَّا " يَحْتَمِل أَنْ يَكُون " مَا مِنْ نَفْس " بَدَل " مَا مِنْكُمْ " " وَإِلَّا " الثَّانِيَة بَدَلًا مِنْ الْأُولَى وَأَنْ يَكُون مِنْ بَاب اللَّفّ وَالنَّشْر فَيَكُون فِيهِ تَعْمِيم بَعْد تَخْصِيص وَالثَّانِي فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّل أَشَارَ إِلَيْهِ الْكَرْمَانِيُّ.
قَوْله ( فَقَالَ رَجُل مِنْ الْقَوْم ) فِي رِوَايَة سُفْيَان وَشُعْبَة " فَقَالُوا يَا رَسُول اللَّه " وَهَذَا الرَّجُل وَقَعَ فِي حَدِيث جَابِر عِنْد مُسْلِم أَنَّهُ سُرَاقَة بْن مَالِك بْن جُعْشُم وَلَفْظه " جَاءَ سُرَاقَة فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه أَنَعْمَلُ الْيَوْم فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَام وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِير , أَوْ فِيمَا يُسْتَقْبَل ؟ قَالَ : بَلْ فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَام وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِير.
فَقَالَ : فَفِيمَ الْعَمَل ؟ قَالَ : اِعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ " وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَابْن مَرْدَوَيْهِ نَحْوه وَزَادَ : وَقَرَأَ ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى - إِلَى قَوْله - الْعُسْرَى ) وَأَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث سُرَاقَة نَفْسه لَكِنْ دُون تِلَاوَة الْآيَة.
وَوَقَعَ هَذَا السُّؤَال وَجَوَابه سِوَى تِلَاوَة الْآيَة لِشُرَيْح بْن عَامِر الْكِلَابِيّ أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَالطَّبَرَانِيُّ وَلَفْظه " قَالَ : فَفِيمَ الْعَمَل إِذَا ؟ قَالَ : اِعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ " وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر قَالَ " قَالَ عُمَر : يَا رَسُول اللَّه أَرَأَيْت مَا نَعْمَل فِيهِ أَمْر مُبْتَدَع أَوْ أَمْر قَدْ فُرِغَ مِنْهُ ؟ قَالَ : فِيمَا قَدْ فُرِغَ مِنْهُ " فَذَكَرَ نَحْوه.
وَأَخْرَجَ الْبَزَّار وَالْفِرْيَابِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " أَنَّ عُمَر قَالَ : يَا رَسُول اللَّه " فَذَكَرَهُ.
وَأَخْرَجَهُ أَحْمَد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيث أَبِي بَكْر الصِّدِّيق " قُلْت يَا رَسُول اللَّه نَعْمَل عَلَى مَا فُرِغَ مِنْهُ " الْحَدِيثَ نَحْوَهُ , وَوَقَعَ فِي حَدِيث سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ " فَقَالَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار " وَالْجَمْع بَيْنهَا تَعَدُّد السَّائِلِينَ عَنْ ذَلِكَ , فَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو أَنَّ السَّائِل عَنْ ذَلِكَ جَمَاعَة وَلَفْظه " فَقَالَ أَصْحَابه : فَفِيمَ الْعَمَل إِنْ كَانَ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ ؟ فَقَالَ : سَدِّدُوا وَقَارِبُوا فَإِنَّ صَاحِب الْجَنَّة يُخْتَم لَهُ بِعَمَلِ أَهْل الْجَنَّة وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ " الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ الْفِرْيَابِيّ.
قَوْله ( أَلَا نَتَّكِل يَا رَسُول اللَّه ) فِي رِوَايَة سُفْيَان " أَفَلَا " وَالْفَاء مُعَقِّبَةٌ لِشَيْءٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيره أَفَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَفَلَا نَتَّكِل , وَزَادَ فِي رِوَايَة مَنْصُور وَكَذَا فِي رِوَايَة شُعْبَة " أَفَلَا نَتَّكِل عَلَى كِتَابنَا وَنَدَع الْعَمَل " أَيْ نَعْتَمِد عَلَى مَا قُدِّرَ عَلَيْنَا , وَزَادَ فِي رِوَايَة مَنْصُور " فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْل السَّعَادَة فَيَصِير إِلَى عَمَل السَّعَادَة وَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْل الشَّقَاوَة " مِثْله.
قَوْله ( اِعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ ) زَادَ شُعْبَة " لِمَا خُلِقَ لَهُ , أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْل السَّعَادَة فَيُيَسَّر لِعَمَلِ السَّعَادَة " الْحَدِيث , وَفِي رِوَايَة مَنْصُور قَالَ " أَمَّا أَهْل السَّعَادَة فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْل السَّعَادَة " الْحَدِيث.
وَحَاصِل السُّؤَال : أَلَّا نَتْرُك مَشَقَّة الْعَمَل فَإِنَّا سَنَصِيرُ إِلَى مَا قُدِّرَ عَلَيْنَا , وَحَاصِل الْجَوَاب : لَا مَشَقَّة ; لِأَنَّ كُلّ أَحَد مُيَسَّر لِمَا خُلِقَ لَهُ , وَهُوَ يَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّه.
قَالَ الطِّيبِيُّ : الْجَوَاب مِنْ الْأُسْلُوب الْحَكِيم , مَنَعَهُمْ عَنْ تَرْك الْعَمَل وَأَمَرَهُمْ بِالْتِزَامِ مَا يَجِب عَلَى الْعَبْد مِنْ الْعُبُودِيَّة , وَزَجَرَهُمْ عَنْ التَّصَرُّف فِي الْأُمُور الْمُغَيَّبَة فَلَا يَجْعَلُوا الْعِبَادَة وَتَرْكَهَا سَبَبًا مُسْتَقِلًّا لِدُخُولِ الْجَنَّة وَالنَّار بَلْ هِيَ عَلَامَات فَقَطْ.
قَوْله ( ثُمَّ قَرَأَ : فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ] الْآيَة وَسَاقَ فِي رِوَايَة سُفْيَان وَوَكِيع الْآيَات إِلَى قَوْله ( الْعُسْرَى ) وَوَقَعَ فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس عِنْد الطَّبَرَانِيِّ نَحْو حَدِيث عُمَر وَفِي آخِره " قَالَ اِعْمَلْ فَكُلٌّ مُيَسَّر " وَفِي آخِره عِنْد الْبَزَّار " فَقَالَ الْقَوْم بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : فَالْجِدّ إِذًا " وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي آخِر حَدِيث سُرَاقَة وَلَفْظه " فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه فَفِيمَ الْعَمَل ؟ قَالَ كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِعَمَلِهِ , قَالَ : الْآن الْجِدّ الْآن الْجِدّ " وَفِي آخِر حَدِيث عُمَر عِنْد الْفِرْيَابِيّ " فَقَالَ عُمَر فَفِيمَ الْعَمَل إذًا ؟ قَالَ : كُلٌّ لَا يَنَال إِلَّا بِالْعَمَلِ , قَالَ عُمَر : إذًا نَجْتَهِد " وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَى بَشِير بْن كَعْب أَحَد كِبَار التَّابِعِينَ قَالَ " سَأَلَ غُلَامَانِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَ الْعَمَل : فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَام وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِير أَمْ شَيْء نَسْتَأْنِفهُ ؟ قَالَ : بَلْ فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَام , قَالَا : فَفِيمَ الْعَمَل ؟ قَالَ : اِعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا هُوَ عَامِل , قَالَا : فَالْجِدّ الْآن " وَفِي الْحَدِيث جَوَاز الْقُعُود عِنْد الْقُبُور وَالتَّحَدُّث عِنْدهَا بِالْعِلْمِ وَالْمَوْعِظَة.
وَقَالَ الْمُهَلَّب : نَكْتُهُ الْأَرْضَ بِالْمِخْصَرَةِ أَصْلٌ فِي تَحْرِيك الْأُصْبُع فِي التَّشَهُّد نَقَلَهُ اِبْن بَطَّال , وَهُوَ بَعِيد , وَإِنَّمَا هِيَ عَادَة لِمَنْ يَتَفَكَّر فِي شَيْء يَسْتَحْضِر مَعَانِيَهُ , فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون ذَلِكَ تَفَكُّرًا مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْر الْآخِرَة بِقَرِينَةِ حُضُور الْجِنَازَة , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون فِيمَا أَبَدَاهُ بَعْد ذَلِكَ لِأَصْحَابِهِ مِنْ الْحِكَمِ الْمَذْكُورَة , وَمُنَاسَبَتُهُ لِلْقِصَّةِ أَنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى التَّسْلِيَة عَنْ الْمَيِّت بِأَنَّهُ مَاتَ بِفَرَاغِ أَجَلِهِ.
وَهَذَا الْحَدِيث أَصْل لِأَهْلِ السُّنَّة فِي أَنَّ السَّعَادَة وَالشَّقَاء بِتَقْدِيرِ اللَّه الْقَدِيم , وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْجَبْرِيَّة ; لِأَنَّ التَّيْسِير ضِدّ الْجَبْر ; لِأَنَّ الْجَبْر لَا يَكُون إِلَّا عَنْ كُرْهٍ وَلَا يَأْتِي الْإِنْسَان الشَّيْء بِطَرِيقِ التَّيْسِير إِلَّا وَهُوَ غَيْر كَارِهٍ لَهُ.
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى إِمْكَان مَعْرِفَة الشَّقِيِّ مِنْ السَّعِيد فِي الدُّنْيَا كَمَنْ اُشْتُهِرَ لَهُ لِسَانُ صِدْق وَعَكْسه ; لِأَنَّ الْعَمَل أَمَارَة عَلَى الْجَزَاء عَلَى ظَاهِر هَذَا الْخَبَر , وَرُدَّ بِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود , وَأَنَّ هَذَا الْعَمَل الظَّاهِر قَدْ يَنْقَلِب لِعَكْسِهِ عَلَى وَفْق مَا قُدِّرَ , وَالْحَقّ أَنَّ الْعَمَل عَلَامَة وَأَمَارَة , فَيُحْكَم بِظَاهِرِ الْأَمْر وَأَمْر الْبَاطِن إِلَى اللَّه تَعَالَى.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : لَمَّا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبْق الْكَائِنَات رَامَ مَنْ تَمَسَّكَ بِالْقَدَرِ أَنْ يَتَّخِذَهُ حُجَّة فِي تَرْك الْعَمَل فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ هُنَا أَمْرَيْنِ لَا يَبْطُل أَحَدهمَا بِالْآخَرِ : بَاطِن وَهُوَ الْعِلَّة الْمُوجِبَة فِي حُكْم الرُّبُوبِيَّة , وَظَاهِر وَهُوَ الْعَلَامَة اللَّازِمَة فِي حَقّ الْعُبُودِيَّة , وَإِنَّمَا هِيَ أَمَارَة مُخَيَّلَة فِي مُطَالَعَة عِلْم الْعَوَاقِب غَيْر مُفِيدَة حَقِيقَةً , فَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ كُلًّا مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ , وَأَنَّ عَمَله فِي الْعَاجِل دَلِيل عَلَى مَصِيره فِي الْآجِل , وَلِذَلِكَ مَثَّلَ بِالْآيَاتِ.
وَنَظِير ذَلِكَ الرِّزْق مَعَ الْأَمْر بِالْكَسْبِ , وَالْأَجَل مَعَ الْإِذْن فِي الْمُعَالَجَة.
وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر : هَذَا الْحَدِيث إِذَا تَأَمَّلْته وَجَدْت فِيهِ الشِّفَاء مِمَّا يُتَخَالَج فِي الضَّمِير مِنْ أَمْر الْقَدَر , وَذَلِكَ أَنَّ الْقَائِل " أَفَلَا نَتَّكِل وَنَدَع الْعَمَل " لَمْ يَدَع شَيْئًا مِمَّا يَدْخُل فِي أَبْوَاب الْمُطَالَبَات وَالْأَسْئِلَة إِلَّا وَقَدْ طَالَبَ بِهِ وَسَأَلَ عَنْهُ , فَأَعْلَمَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْقِيَاس فِي هَذَا الْبَاب مَتْرُوك وَالْمُطَالَبَة سَاقِطَة , وَأَنَّهُ لَا يُشْبِه الْأُمُور الَّتِي عُقِلَتْ مَعَانِيهَا وَجَرَتْ مُعَامَلَة الْبَشَر فِيمَا بَيْنهمْ عَلَيْهَا , بَلْ طَوَى اللَّه عِلْم الْغَيْب عَنْ خَلْقه وَحَجَبَهُمْ عَنْ دَرْكِهِ كَمَا أَخْفَى عَنْهُمْ أَمْر السَّاعَة فَلَا يَعْلَم أَحَدٌ مَتَى حِينُ قِيَامهَا اِنْتَهَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَام اِبْن السَّمْعَانِيِّ فِي نَحْو ذَلِكَ فِي أَوَّل كِتَاب الْقَدَر.
وَقَالَ غَيْره : وَجْه الِانْفِصَال عَنْ شُبْهَة الْقَدَرِيَّة أَنَّ اللَّه أَمَرَنَا بِالْعَمَلِ فَوَجَبَ عَلَيْنَا الِامْتِثَال , وَغَيَّبَ عَنَّا الْمَقَادِير لِقِيَامِ الْحُجَّة , وَنَصَبَ الْأَعْمَال عَلَامَة عَلَى مَا سَبَقَ فِي مَشِيئَته.
فَمَنْ عَدَلَ عَنْهُ ضَلَّ وَتَاهَ ; لِأَنَّ الْقَدَر سِرٌّ مِنْ أَسْرَار اللَّه لَا يَطَّلِع عَلَيْهِ إِلَّا هُوَ , فَإِذَا أَدْخَلَ أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة كَشَفَ لَهُمْ عَنْهُ حِينَئِذٍ.
وَفِي أَحَادِيث هَذَا الْبَاب أَنَّ أَفْعَال الْعِبَاد وَإِنْ صَدَرَتْ عَنْهُمْ لَكِنَّهَا قَدْ سَبَقَ عِلْم اللَّه بِوُقُوعِهَا بِتَقْدِيرِهِ , فَفِيهَا بُطْلَان قَوْل الْقَدَرِيَّة صَرِيحًا , وَاَللَّه أَعْلَم.
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا جُلُوسًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ عُودٌ يَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ وَقَالَ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا قَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنْ النَّارِ أَوْ مِنْ الْجَنَّةِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ أَلَا نَتَّكِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ ثُمَّ قَرَأَ { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى } الْآيَةَ
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل ممن معه يدعي الإسلام: هذا من أهل ا...
عن سهل : «أن رجلا من أعظم المسلمين غناء عن المسلمين في غزوة غزاها مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من أحب أن ينظر إلى...
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر، قال: إنه لا يرد شيئا وإنما يستخرج به من البخيل.»
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يأت ابن آدم النذر بشيء لم يكن قد قدرته، ولكن يلقيه القدر وقد قدرته له أستخرج به من البخيل.»
عن أبي موسى قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة، فجعلنا لا نصعد شرفا، ولا نعلو شرفا، ولا نهبط في واد إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير، قال:...
عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما استخلف خليفة إلا له بطانتان: بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، وا...
عن ابن عباس قال: «ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فز...
عن ابن عباس رضي الله عنهما: «{وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} قال: هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى بيت ا...
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «احتج آدم وموسى فقال له موسى: يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة، قال له آدم: يا موسى اصطفاك الله...