6721-
عن زهدم الجرمي قال: «كنا عند أبي موسى، وكان بيننا وبين هذا الحي من جرم إخاء ومعروف، قال: فقدم طعام، قال: وقدم في طعامه لحم دجاج، قال: وفي القوم رجل من بني تيم الله، أحمر كأنه مولى، قال: فلم يدن، فقال له أبو موسى: ادن، فإني قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل منه، قال: إني رأيته يأكل شيئا قذرته، فحلفت أن لا أطعمه أبدا، فقال: ادن أخبرك عن ذلك، أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من الأشعريين أستحمله، وهو يقسم نعما من نعم الصدقة، قال أيوب: أحسبه قال: وهو غضبان، قال: والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم، قال: فانطلقنا، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنهب إبل، فقيل: أين هؤلاء الأشعريون؟، فأتينا، فأمر لنا بخمس ذود غر الذرى، قال: فاندفعنا، فقلت لأصحابي: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نستحمله، فحلف أن لا يحملنا، ثم أرسل إلينا فحملنا، نسي رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينه، والله لئن تغفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينه لا نفلح أبدا، ارجعوا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلنذكره يمينه، فرجعنا فقلنا: يا رسول الله أتيناك نستحملك فحلفت أن لا تحملنا، ثم حملتنا، فظننا، أو: فعرفنا أنك نسيت يمينك، قال: انطلقوا، فإنما حملكم الله، إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين، فأرى غيرها خيرا منها، إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها» تابعه حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، والقاسم بن عاصم الكليبي.
حدثنا قتيبة، حدثنا عبد الوهاب، عن أيوب، عن أبي قلابة، والقاسم التميمي، عن زهدم بهذا.
حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا أيوب، عن القاسم، عن زهدم بهذا.
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله ( حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم ) هُوَ الْمَعْرُوف بِابْنِ عُلَيَّةَ , وَأَيُّوب هُوَ السَّخْتِيَانِيّ , وَالْقَاسِم التَّمِيمِيُّ هُوَ اِبْن عَاصِم , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " بَاب الْيَمِين فِيمَا لَا يَمْلِك " مِنْ طَرِيق عَبْد الْوَارِث عَنْ أَيُّوب عَنْ الْقَاسِم وَحْده أَيْضًا , وَاقْتَصَرَ عَلَى بَعْضه , وَمَضَى فِي " بَاب لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ " مِنْ طَرِيق عَبْد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ عَنْ أَيُّوب عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَالْقَاسِم التَّمِيمِيّ جَمِيعًا عَنْ زَهْدَم , وَتَقَدَّمَ فِي الْمَغَازِي مِنْ طَرِيق عَبْد السَّلَام بْن حَرْب عَنْ أَيُّوب عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَحْدَهُ , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي فَرْض الْخُمُس عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْوَهَّاب عَنْ حَمَّاد وَهُوَ اِبْن زَيْد , وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم عَنْ أَبِي الرَّبِيع الْعَتَكِيّ عَنْ حَمَّاد قَالَ " وَحَدَّثَنِي الْقَاسِم بْن عَاصِم الْكُلَيْبِيّ " بِمُوَحَّدَةٍ مُصَغَّر نِسْبَة إِلَى بَنِي كُلَيْبِ بْن يَرْبُوع بْن حَنْظَلَة بْن مَالِك بْن زَيْد مَنَاةَ بْن تَمِيم , وَهُوَ الْقَاسِم التَّمِيمِيّ الْمَذْكُور قَبْل , قَالَ : وَأَنَا لِحَدِيثِ الْقَاسِم أَحْفَظُ عَنْ زَهْدَم , وَفِي رِوَايَة الْعَتَكِيّ وَعَنْ الْقَاسِم بْن عَاصِم كِلَاهُمَا عَنْ زَهْدَم , قَالَ أَيُّوب : وَأَنَا لِحَدِيثِ الْقَاسِم أَحْفَظُ.
قَوْله ( كُنَّا عِنْد أَبِي مُوسَى ) أَيْ الْأَشْعَرِيّ , وَنُسِبَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَارِثِ.
قَوْله ( وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَذَا الْحَيّ مِنْ جَرْمٍ إِخَاءٌ وَمَعْرُوفٌ ) فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ " وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ هَذَا الْحَيّ إِلَخْ " وَهُوَ كَالْأَوَّلِ لَكِنْ زَادَ الضَّمِيرَ وَقَدَّمَهُ عَلَى مَا يَعُود عَلَيْهِ , قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : كَانَ حَقّ الْعِبَارَة أَنْ يَقُول : بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ أَيْ أَبِي مُوسَى يَعْنِي لِأَنَّ زَهْدَمًا مِنْ جَرْم فَلَوْ كَانَ مِنْ الْأَشْعَرِيِّينَ لَاسْتَقَامَ الْكَلَام , قَالَ : وَقَدْ تَقَدَّمَ عَلَى الصَّوَاب فِي " بَاب لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ " حَيْثُ قَالَ " كَانَ بَيْن هَذَا الْحَيّ مِنْ جَرْم وَبَيْن الْأَشْعَرِيِّينَ " ثُمَّ حَمَلَ مَا وَقَعَ هُنَا عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ نَفْسه مِنْ قَوْم أَبِي مُوسَى لِكَوْنِهِ مِنْ أَتْبَاعه فَصَارَ كَوَاحِدٍ مِنْ الْأَشْعَرِيِّينَ فَأَرَادَ بِقَوْلِهِ : بَيْنَنَا أَبَا مُوسَى وَأَتْبَاعه وَأَنَّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْجَرْمِيِّينَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْإِخَاء وَغَيْره , وَتَقَدَّمَ بَيَان ذَلِكَ أَيْضًا فِي كِتَاب الذَّبَائِح.
قُلْت : وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي رِوَايَة عَبْد الْوَارِث فِي الذَّبَائِح بِلَفْظِ هَذَا الْبَاب إِلَى قَوْله " إِخَاء " وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَإِسْحَاق فِي مُسْنَدَيْهِمَا عَنْ إِسْمَاعِيل بْن عُلَيَّةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ مِنْ طَرِيقه , وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْكَلَام بَلْ اِقْتَصَرَ عَلَى قَوْله " كُنَّا عِنْد أَبِي مُوسَى فَقَدَّمَ طَعَامه " نَعَمْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ عَلِيّ بْن حَجَرٍ شَيْخ الْبُخَارِيّ فِيهِ بِقِصَّةِ الدَّجَاج وَقَوْل الرَّجُل , وَلَمْ يَسُقْ بَقِيَّتَهُ , وَقَوْله " إِخَاء " بِكَسْرِ أَوَّله وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالْمَدّ أَيْ صَدَاقَة , وَقَوْله " وَمَعْرُوف " أَيْ إِحْسَانٌ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عَبْد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ الْمَاضِيَة قَرِيبًا " وُدٌّ وَإِخَاءٌ " وَقَدْ ذَكَرَ بَيَان سَبَب ذَلِكَ فِي " بَاب قُدُوم الْأَشْعَرِيِّينَ " مِنْ أَوَاخِر الْمَغَازِي مِنْ طَرِيق عَبْد السَّلَام بْن حَرْب عَنْ أَيُّوب , وَأَوَّل الْحَدِيث عِنْده " لَمَّا قَدِمَ أَبُو مُوسَى الْكُوفَة أَكْرَم هَذَا الْحَيّ مِنْ جَرْمٍ " وَذَكَرْت هُنَاكَ نَسَبَ جَرْمٍ إِلَى قُضَاعَة.
قَوْله ( فَقُدِّمَ طَعَامُهُ ) أَيْ وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ , فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ " طَعَام " بِغَيْرِ ضَمِيرٍ , وَمَضَى فِي " بَاب قُدُوم الْأَشْعَرِيِّينَ " بِلَفْظِ " وَهُوَ يَتَغَذَّى لَحْم دَجَاج " وَيُسْتَفَاد مِنْ الْحَدِيث جَوَاز أَكْل الطَّيِّبَات عَلَى الْمَوَائِد وَاسْتِخْدَام الْكَبِير مَنْ يُبَاشِر لَهُ نَقْلَ طَعَامِهِ وَوَضْعَهُ بَيْن يَدَيْهِ , قَالَ الْقُرْطُبِيّ : وَلَا يُنَاقِض ذَلِكَ الزُّهْد وَلَا يُنْقِصُهُ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَقَشِّفَة.
قُلْت : وَالْجَوَاز ظَاهِر , وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا يُنْقِصُ الزُّهْدَ فَفِيهِ وَقْفَةٌ.
قَوْله ( وَقُدِّمَ فِي طَعَامه لَحْم دَجَاج ) ذُكِرَ ضَبْطه فِي " بَاب لَحْم الدَّجَاج " مِنْ كِتَاب الذَّبَائِح وَأَنَّهُ اِسْم جِنْس , وَكَلَام الْحَرْبِيّ فِي ذَلِكَ , وَوَقَعَ فِي فَرْض الْخُمُس بِلَفْظِ " دَجَاجَة " وَزَعَمَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّهُ يُقَال لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَاسْتَغْرَبَهُ اِبْن التِّين.
قَوْله ( وَفِي الْقَوْم رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ ) هُوَ اِسْم قَبِيلَةٍ يُقَالُ لَهُمْ أَيْضًا تَيْم الْلَاتِ وَهُمْ مِنْ قُضَاعَة , وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام عَلَى مَا قِيلَ فِي تَسْمِيَة هَذَا الرَّجُل مُسْتَوْفًى فِي كِتَاب الذَّبَائِح.
قَوْله ( أَحْمَر كَأَنَّهُ مَوْلًى ) تَقَدَّمَ فِي فَرْض الْخُمُس " كَأَنَّهُ مِنْ الْمَوَالِي " قَالَ الدَّاوُدِيُّ : يَعْنِي أَنَّهُ مِنْ سَبْي الرُّوم , كَذَا قَالَ فَإِنْ كَانَ اِطَّلَعَ عَلَى نَقْلٍ فِي ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا اِخْتِصَاصَ لِذَلِكَ بِالرُّومِ دُون الْفُرْس أَوْ النَّبَط أَوْ الدَّيْلَم.
قَوْله ( فَلَمْ يَدْنُ ) أَيْ لَمْ يَقْرَبْ مِنْ الطَّعَام فَيَأْكُل مِنْهُ , زَادَ عَبْد الْوَارِث فِي رِوَايَته فِي الذَّبَائِح " فَلَمْ يَدْنُ مِنْ طَعَامِهِ ".
قَوْله ( اُدْنُ ) بِصِيغَةِ فِعْل الْأَمْر , وَفِي رِوَايَة عَبْد السَّلَام " هَلُمَّ " فِي الْمَوْضِعَيْنِ , وَهُوَ يَرْجِع إِلَى مَعْنَى اُدْنُ , كَذَا فِي رِوَايَة حَمَّاد عَنْ أَيُّوب , وَلِمُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْه " فَقَالَ لَهُ هَلُمَّ فَتَلَكَّأَ " بِمُثَنَّاةٍ وَلَامٍ مَفْتُوحَتَيْنِ وَتَشْدِيدٍ أَيْ تَمَنَّعَ وَتَوَقَّفَ وَزْنه وَمَعْنَاهُ.
قَوْله ( يَأْكُل شَيْئًا قَذِرْتُهُ ) بِكَسْرِ الذَّال الْمُعْجَمَة , وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَان ذَلِكَ , وَحُكْم أَكْل لَحْم الْجَلَّالَة وَالْخِلَاف فِيهِ فِي كِتَاب الذَّبَائِح مُسْتَوْفًى.
قَوْله ( أُخْبِرُك عَنْ ذَلِكَ ) أَيْ عَنْ الطَّرِيق فِي حَلِّ الْيَمِين , فَقَصَّ قِصَّةَ طَلَبِهِمْ الْحُمْلَان وَالْمُرَاد مِنْهُ مَا فِي آخِره مِنْ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِين فَأَرَى غَيْرهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَتَيْت الَّذِي هُوَ خَيْر وَتَحَلَّلْتهَا " وَمَعْنَى تَحَلَّلْتهَا فَعَلْت مَا يَنْقُل الْمَنْع الَّذِي يَقْتَضِيهِ إِلَى الْإِذْن فَيَصِير حَلَالًا , وَإِنَّمَا يَحْصُل ذَلِكَ بِالْكَفَّارَةِ , وَأَمَّا مَا زَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ الْيَمِين تَتَحَلَّل بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا الِاسْتِثْنَاء , وَإِمَّا الْكَفَّارَة فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مُطْلَق الْيَمِين لَكِنَّ الِاسْتِثْنَاء إِنَّمَا يُعْتَبَر فِي أَثْنَاء الْيَمِين قَبْل كَمَالِهَا وَانْعِقَادهَا , وَالْكَفَّارَة تَحْصُل بَعْد ذَلِكَ , وَيُؤَيِّد أَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَحَلَّلْتهَا كَفَّرْت عَنْ يَمِينِي وُقُوع التَّصْرِيح بِهِ فِي رِوَايَة حَمَّاد بْن زَيْد وَعَبْد السَّلَام وَعَبْد الْوَارِث وَغَيْرهمْ.
قَوْله ( أَتَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَهْطٍ مِنْ الْأَشْعَرِيِّينَ ) وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عَبْد السَّلَام بْن حَرْب عَنْ أَيُّوب بِلَفْظِ " إِنَّا أَتَيْنَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَرٌ مِنْ الْأَشْعَرِيِّينَ " فَاسْتَدَلَّ بِهِ اِبْن مَالِك لِصِحَّةِ قَوْل الْأَخْفَش يَجُوز أَنْ يُبْدَل مِنْ ضَمِير الْحَاضِر بَدَلَ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ وَحَمَلَ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى ( لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَا رَيْب فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ) قَالَ اِبْن مَالِك : وَاحْتَرَزْت بِقَوْلِي : بَدَلَ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ عَنْ الْبَعْض وَالِاشْتِمَال فَذَلِكَ جَائِز اِتِّفَاقًا , وَلِمَا حَكَاهُ الطِّيبِيُّ أَقَرَّهُ وَقَالَ : هُوَ عِنْد عُلَمَاء الْبَدِيع يُسَمَّى التَّجْرِيد.
قُلْت : وَهَذَا لَا يَحْسُنُ الِاسْتِشْهَادُ بِهِ إِلَّا لَوْ اِتَّفَقَتْ الرُّوَاةُ , وَالْوَاقِع أَنَّهُ بِهَذَا اللَّفْظ اِنْفَرَدَ بِهِ عَبْدُ السَّلَامِ , وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى بِإِثْبَاتِ " فِي " فَقَالَ فِي مُعْظَمِهَا " فِي رَهْط " كَمَا هِيَ رِوَايَة اِبْن عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوب هُنَا , وَفِي بَعْضهَا " فِي نَفَر " كَمَا هِيَ رِوَايَة حَمَّاد عَنْ أَيُّوب فِي فَرْض الْخُمُس.
قَوْله " يَسْتَحْمِلُهُ " أَيْ يَطْلُبُ مِنْهُ مَا يَرْكَبُهُ , وَوَقَعَ عِنْد مُسْلِم مِنْ طَرِيق أَبِي السَّلِيل بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَلَامَيْنِ الْأُولَى مَكْسُورَةٌ عَنْ زَهْدَم عَنْ أَبِي مُوسَى " كُنَّا مُشَاةً فَأَتَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسْتَحْمِلُهُ " وَكَانَ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ تَبُوك كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِر الْمَغَازِي.
قَوْله ( وَهُوَ يَقْسِم نَعَمًا ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْمُهْمَلَةِ.
قَوْله ( قَالَ أَيُّوب أَحْسَبُهُ قَالَ وَهُوَ غَضْبَانُ ) هُوَ مَوْصُول بِالسَّنَدِ الْمَذْكُور , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عَبْد الْوَارِث عَنْ أَيُّوب " فَوَافَقْته وَهُوَ غَضْبَانُ وَهُوَ يَقْسِم نَعَمًا مِنْ نَعَمْ الصَّدَقَة " وَفِي رِوَايَة وُهَيْب عَنْ أَيُّوب عَنْ أَبِي عَوَانَة فِي صَحِيحه " وَهُوَ يَقْسِم ذَوْدًا مِنْ إِبِل الصَّدَقَة " وَفِي رِوَايَة بُرَيْد بْن أَبِي بُرْدَة الْمَاضِيَة قَرِيبًا فِي " بَاب الْيَمِين فِيمَا لَا يَمْلِك " عَنْ أَبِي مُوسَى " أَرْسَلَنِي أَصْحَابِي إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ الْحُمْلَان فَقَالَ : لَا أَحْمِلُكُمْ عَلَى شَيْءٍ فَوَافَقْته وَهُوَ غَضْبَان " وَيُجْمَعُ بِأَنَّ أَبَا مُوسَى حَضَرَ هُوَ وَالرَّهْط فَبَاشَرَ الْكَلَام بِنَفْسِهِ عَنْهُمْ.
قَوْله ( وَاَللَّهِ لَا أَحْمِلُكُمْ ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : فِيهِ جَوَاز الْيَمِين عِنْد الْمَنْع وَرَدّ السَّائِل الْمُلْحِف عِنْد تَعَذُّر الْإِسْعَاف وَتَأْدِيبه بِنَوْعٍ مِنْ الْإِغْلَاظِ بِالْقَوْلِ.
قَوْله ( فَأُتِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَهْبِ إِبِل ) بِفَتْحِ النُّون وَسُكُون الْهَاء بَعْدهَا مُوَحَّدَة أَيْ غَنِيمَة , وَأَصْله مَا يُؤْخَذ اِخْتِطَافًا بِحَسَبِ السَّبْق إِلَيْهِ عَلَى غَيْر تَسْوِيَةٍ بَيْن الْآخِذِينَ , وَتَقَدَّمَ فِي الْبَاب الَّذِي قَبْله مِنْ طَرِيق غَيْلَان بْن جَرِير عَنْ أَبِي بُرْدَة عَنْ مُوسَى بِلَفْظِ " فَأُتِيَ بِإِبِلٍ " وَفِي رِوَايَة " شَائِل " وَتَقَدَّمَ الْكَلَام عَلَيْهَا , وَفِي رِوَايَة بُرَيْد عَنْ أَبِي بُرْدَة أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِبْتَاعَ الْإِبِل الَّتِي حَمَلَ عَلَيْهَا الْأَشْعَرِيِّينَ مِنْ سَعْد , وَفِي الْجَمْع بَيْنَهَا وَبَيْنَ رِوَايَة الْبَاب عُسْرٌ , لَكِنْ يَحْتَمِل أَنْ تَكُون الْغَنِيمَة لَمَّا حَصَلَتْ حَصَلَ لِسَعْدٍ مِنْهَا الْقَدْرُ الْمَذْكُورُ فَابْتَاعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ نَصِيبَهُ فَحَمَلَهُمْ عَلَيْهِ.
قَوْله ( فَقِيلَ : أَيْنَ هَؤُلَاءِ الْأَشْعَرِيُّونَ ؟ فَأَتَيْنَا فَأَمَرَ لَنَا ) فِي رِوَايَة عَبْد السَّلَام عَنْ أَيُّوبَ " ثُمَّ لَمْ نَلْبَثْ أَنْ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَهْبِ إِبِلٍ فَأَمَرَ لَنَا " وَفِي رِوَايَة حَمَّاد " وَأُتِيَ بِنَهْبِ إِبِلٍ فَسَأَلَ عَنَّا فَقَالَ : أَيْنَ النَّفَر الْأَشْعَرِيُّونَ ؟ فَأَمَرَ لَنَا " وَمِثْله فِي رِوَايَة عَبْد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ , وَفِي رِوَايَة غَيْلَان بْن جَرِير عَنْ أَبِي بُرْدَة " ثُمَّ لَبِثْنَا مَا شَاءَ اللَّه فَأَتَى " وَفِي رِوَايَة يَزِيد " فَلَمْ أَلْبَثْ إِلَّا سُوَيْعَةً إِذْ سَمِعْت بِلَالًا يُنَادِي : أَيْنَ عَبْد اللَّه بْن قَيْس ؟ فَأَجَبْته , فَقَالَ : أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوك , فَلَمَّا أَتَيْته قَالَ خُذْ ".
قَوْله ( فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ ) تَقَدَّمَ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي الْبَاب الَّذِي قَبْله وَطَرِيق الْجَمْع بَيْن مُخْتَلِف الرِّوَايَات فِي ذَلِكَ.
قَوْله ( فَانْدَفَعْنَا ) أَيْ سِرْنَا مُسْرِعِينَ وَالدَّفْع السَّيْر بِسُرْعَةٍ , وَفِي رِوَايَة عَبْد الْوَارِث " فَلَبِثْنَا غَيْرَ بَعِيدٍ " وَفِي رِوَايَة عَبْد الْوَهَّاب " ثُمَّ اِنْطَلَقْنَا ".
قَوْله ( فَقُلْت لِأَصْحَابِي ) فِي رِوَايَة حَمَّاد وَعَبْد الْوَهَّاب " قُلْنَا مَا صَنَعْنَا " وَفِي رِوَايَة غَيْلَان عَنْ أَبِي بُرْدَة " فَلَمَّا اِنْطَلَقْنَا قَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ " وَقَدْ عُرِفَ مِنْ رِوَايَةِ الْبَابِ الْبَادِئُ بِالْمَقَالَةِ الْمَذْكُورَةِ.
قَوْله ( نَسِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمِينه , وَاَللَّهِ لَئِنْ تَغَفَّلْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمِينَهُ لَا نُفْلِحُ أَبَدًا ) فِي رِوَايَة عَبْد السَّلَام " فَلَمَّا قَبَضْنَاهَا قُلْنَا تَغَفَّلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمِينَهُ لَا نُفْلِحُ أَبَدًا " وَنَحْوه فِي رِوَايَة عَبْد الْوَهَّاب وَمَعْنَى " تَغَفَّلْنَا " أَخَذْنَا مِنْهُ مَا أَعْطَانَا فِي حَال غَفْلَتِهِ عَنْ يَمِينه مِنْ غَيْر أَنْ نُذَكِّرَهُ بِهَا وَلِذَلِكَ خَشَوْا , وَفِي رِوَايَة حَمَّاد " فَلَمَّا اِنْطَلَقْنَا قُلْنَا : مَا صَنَعْنَا ؟ لَا يُبَارَك لَنَا " وَلَمْ يَذْكُر النِّسْيَانَ أَيْضًا.
وَفِي رِوَايَة غَيْلَان " لَا يُبَارِك اللَّه لَنَا " وَخَلَتْ رِوَايَة يَزِيد عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَة كَمَا خَلَتْ عَمَّا بَعْدهَا إِلَى آخِر الْحَدِيث , وَوَقَعَ فِي رِوَايَته مِنْ الزِّيَادَة قَوْل أَبِي مُوسَى لِأَصْحَابِهِ " لَا أَدَعُكُمْ حَتَّى يَنْطَلِقَ مَعِي بَعْضُكُمْ إِلَى مَنْ سَمِعَ مَقَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَعْنِي فِي مَنْعِهِمْ أَوَّلًا وَإِعْطَائِهِمْ ثَانِيًا إِلَى آخِر الْقِصَّة الْمَذْكُورَة وَلَمْ يَذْكُرْ حَدِيثَ " لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِين إِلَخْ " , قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : فِيهِ اِسْتِدْرَاكُ جَبْرِ خَاطِرِ السَّائِلِ الَّذِي يُؤَدَّب عَلَى الْحَاجَة بِمَطْلُوبِهِ إِذَا تَيَسَّرَ , وَأَنَّ مَنْ أَخْذ شَيْئًا يَعْلَم أَنَّ الْمُعْطِيَ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِإِعْطَائِهِ لَا يُبَارَك لَهُ فِيهِ.
قَوْله ( فَظَنَنَّا أَوْ فَعَرَفْنَا أَنَّك نَسِيت يَمِينَك , قَالَ : اِنْطَلِقُوا فَإِنَّمَا حَمَلَكُمْ اللَّهُ ) فِي رِوَايَة حَمَّاد " فَنَسِيت.
قَالَ لَسْت أَنَا أَحْمِلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ " وَفِي رِوَايَة عَبْد السَّلَام " فَأَتَيْته فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه إِنَّك حَلَفْت أَنْ لَا تَحْمِلَنَا وَقَدْ حَمَلْتنَا , قَالَ : أَجَلْ " وَلَمْ يَذْكُرْ " مَا أَنَا حَمَلْتكُمْ " إِلَخْ.
وَفِي رِوَايَة غَيْلَان " مَا أَنَا حَمَلْتكُمْ بَلْ اللَّه حَمَلَكُمْ " وَلِأَبِي يَعْلَى مِنْ طَرِيق فِطْر عَنْ زَهْدَم " فَكَرِهْنَا أَنْ نُمْسِكَهَا , فَقَالَ : إِنِّي وَاَللَّهِ مَا نَسِيتهَا " وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم عَنْ الشَّيْخ الَّذِي أَخْرَجَهُ عَنْهُ أَبُو يَعْلَى وَلَمْ يَسُقْ مِنْهُ إِلَّا قَوْله " قَالَ وَاَللَّهِ مَا نَسِيتهَا ".
قَوْله ( إِنِّي وَاَللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّه إِلَخْ ) تَقَدَّمَ بَيَانه فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ.
قَوْله ( لَا أَحْلِف عَلَى يَمِين ) أَيْ مَحْلُوف يَمِين , فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ لَفْظَ يَمِينٍ لِلْمُلَابَسَةِ وَالْمُرَاد مَا شَأْنه أَنْ يَكُون مَحْلُوفًا عَلَيْهِ ; فَهُوَ مِنْ مَجَاز الِاسْتِعَارَة , وَيَجُوز أَنْ يَكُون فِيهِ تَضْمِين فَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " عَلَى أَمْر " , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون " عَلَى " بِمَعْنَى الْبَاء , فَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة النَّسَائِيِّ " إِذَا حَلَفْت بِيَمِينٍ " وَرُجِّحَ الْأَوَّل بِقَوْلِهِ " فَرَأَيْت غَيْرهَا خَيْرًا مِنْهَا " ; لِأَنَّ الضَّمِير فِي غَيْرهَا لَا يَصِحّ عَوْدُهُ عَلَى الْيَمِين , وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَعُود عَلَى مَعْنَاهَا الْمَجَازِيِّ لِلْمُلَابَسَةِ أَيْضًا.
وَقَالَ اِبْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة : الْحَلِف هُوَ الْيَمِين فَقَوْله : أَحْلِف أَيْ أَعْقِد شَيْئًا بِالْعَزْمِ وَالنِّيَّة , وَقَوْله " عَلَى يَمِين " تَأْكِيدٌ لِعَقْدِهِ وَإِعْلَام بِأَنَّهُ لَيْسَتْ لَغْوًا.
قَالَ الطِّيبِيُّ : وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ " مَا عَلَى الْأَرْض يَمِين أَحْلِف عَلَيْهَا " الْحَدِيث , قَالَ : فَقَوْله : أَحْلِف عَلَيْهَا صِفَة مُؤَكِّدَة لِلْيَمِينِ , قَالَ : وَالْمَعْنَى لَا أَحْلِف يَمِينًا جَزْمًا لَا لَغْوَ فِيهَا ثُمَّ يَظْهَر لِي أَمْرٌ آخَرُ يَكُون فِعْلُهُ أَفْضَلَ مِنْ الْمُضِيِّ فِي الْيَمِين الْمَذْكُورَة إِلَّا فَعَلْته وَكَفَّرْت عَنْ يَمِينِي , قَالَ : فَعَلَى هَذَا يَكُون قَوْله " عَلَى يَمِين " مَصْدَرًا مُؤَكِّدًا لِقَوْلِهِ أَحْلِف.
تَكْمِلَةٌ : اُخْتُلِفَ هَلْ كَفَّرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ يَمِينه الْمَذْكُور كَمَا اُخْتُلِفَ هَلْ كَفَّرَ فِي قِصَّة حَلِفِهِ عَلَى شُرْب الْعَسَل أَوْ عَلَى غِشْيَان مَارِيَة , فَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُ قَالَ : لَمْ يُكَفِّرْ أَصْلًا ; لِأَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ , وَإِنَّمَا نَزَلَتْ كَفَّارَة الْيَمِين تَعْلِيمًا لِلْأُمَّةِ , وَتُعُقِّبَ بِمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث عُمَر فِي قِصَّة حَلِفِهِ عَلَى الْعَسَل أَوْ مَارِيَة , فَعَاتَبَهُ اللَّه وَجَعَلَ لَهُ كَفَّارَة يَمِين , وَهَذَا ظَاهِر فِي أَنَّهُ كَفَّرَ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ نَصًّا فِي رَدِّ مَا اِدَّعَاهُ الْحَسَنُ , وَظَاهِرٌ أَيْضًا فِي حَدِيثِ الْبَابِ " وَكَفَّرْت عَنْ يَمِينِي " أَنَّهُ لَا يَتْرُك ذَلِكَ , وَدَعْوَى أَنَّ ذَلِكَ كُلّه لِلتَّشْرِيعِ بَعِيدٌ.
قَوْله ( وَتَحَلَّلْتهَا ) كَذَا فِي رِوَايَة حَمَّاد وَعَبْد الْوَارِث وَعَبْد الْوَهَّاب كُلّهمْ عَنْ أَيُّوب , وَلَمْ يَذْكُرْ فِي رِوَايَة عَبْد السَّلَام " وَتَحَلَّلْتهَا " وَكَذَا لَمْ يَذْكُرهَا أَبُو السَّلِيل عَنْ زَهْدَم عِنْد مُسْلِم , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة غَيْلَان عَنْ أَبِي بُرْدَة " إِلَّا كَفَّرْت عَنْ يَمِينِي " بَدَل " وَتَحَلَّلْتهَا " وَهُوَ يُرَجِّح أَحَد اِحْتِمَالَيْنِ أَبْدَاهُمَا اِبْن دَقِيق الْعِيد ثَانِيهمَا إِتْيَان مَا يَقْتَضِي الْحِنْث فَإِنَّ التَّحَلُّل يَقْتَضِي سَبْق الْعَقْد , وَالْعَقْد هُوَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْيَمِين مِنْ مُوَافَقَة مُقْتَضَاهَا , فَيَكُون التَّحَلُّل الْإِتْيَان بِخِلَافِ مُقْتَضَاهَا , لَكِنْ يَلْزَم عَلَى هَذَا أَنْ يَكُون فِيهِ تَكْرَارٌ لِوُجُودِ قَوْله " أَتَيْت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ " فَإِنَّ إِتْيَان الَّذِي هُوَ خَيْرٌ تَحْصُلُ بِهِ مُخَالَفَةُ الْيَمِين وَالتَّحَلُّل مِنْهَا , لَكِنْ يُمْكِن أَنْ تَكُون فَائِدَتُهُ التَّصْرِيح بِالتَّحَلُّلِ , وَذَكَرَهُ بِلَفْظٍ يُنَاسِبُ الْجَوَاز صَرِيحًا لِيَكُونَ أَبْلَغَ مِمَّا لَوْ ذَكَرَهُ بِالِاسْتِلْزَامِ , وَقَدْ يُقَال إِنَّ الثَّانِي أَقْوَى لِأَنَّ التَّأْسِيس أَوْلَى مِنْ التَّأْكِيد , وَقِيلَ مَعْنَى " تَحَلَّلْتهَا " خَرَجْت مِنْ حُرْمَتِهَا إِلَى مَا يَحِلُّ مِنْهَا وَذَلِكَ يَكُون بِالْكَفَّارَةِ , وَقَدْ يَكُون بِالِاسْتِثْنَاءِ بِشَرْطِهِ السَّابِق , لَكِنْ لَا يَتَّجِه فِي هَذِهِ الْقِصَّة إِلَّا إِنْ كَانَ وَقَعَ مِنْهُ اِسْتِثْنَاء لَمْ يَشْعُرُوا بِهِ كَأَنْ يَكُون قَالَ : إِنْ شَاءَ اللَّه مَثَلًا أَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَحْمِلُكُمْ إِلَّا إِنْ حَصَلَ شَيْء وَلِذَلِكَ قَالَ " وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ " قَالَ الْعُلَمَاء فِي قَوْله " مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ " الْمَعْنَى بِذَلِكَ إِزَالَة الْمِنَّة عَنْهُمْ وَإِضَافَة النِّعْمَة لِمَالِكِهَا الْأَصْلِيِّ , وَلَمْ يَرِد أَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ أَصْلًا فِي حَمْلهمْ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ مَا قَالَ بَعْد ذَلِكَ " لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَتَيْت الَّذِي هُوَ خَيْر وَكَفَّرْت " وَقَالَ الْمَازِرِيُّ : مَعْنَى قَوْله " إِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ " إِنَّ اللَّه أَعْطَانِي مَا حَمَلْتُكُمْ عَلَيْهِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي مَا حَمَلْتُكُمْ عَلَيْهِ , وَقِيلَ : يَحْتَمِل أَنَّهُ كَانَ نَسِيَ يَمِينَهُ وَالنَّاسِي لَا يُضَاف إِلَيْهِ الْفِعْل , وَيَرُدُّهُ التَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ " وَاَللَّهِ مَا نَسِيتهَا " وَهِيَ عِنْد مُسْلِم كَمَا بَيَّنْته , وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالنَّفْيِ عَنْهُ وَالْإِثْبَات لِلَّهِ الْإِشَارَة إِلَى مَا تَفَضَّلَ اللَّه بِهِ مِنْ الْغَنِيمَة الْمَذْكُورَة لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِتَسَبُّبٍ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا كَانَ مُتَطَلِّعًا إِلَيْهَا , وَلَا مُنْتَظِرًا لَهَا , فَكَانَ الْمَعْنَى مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ لِعَدَمِ ذَلِكَ أَوَّلًا وَلَكِنَّ اللَّه حَمَلَكُمْ بِمَا سَاقَهُ إِلَيْنَا مِنْ هَذِهِ الْغَنِيمَة.
قَوْله ( تَابَعَهُ حَمَّاد بْن زَيْد عَنْ أَيُّوب عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَالْقَاسِم بْن عَاصِم الْكُلَيْبِيّ ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : إِنَّمَا أَتَى بِلَفْظِ تَابَعَهُ أَوَّلًا وَبِـ حَدَّثَنَا ثَانِيًا وَثَالِثًا إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْأَخِيرَيْنِ حَدَّثَاهُ بِالِاسْتِقْلَالِ وَالْأَوَّل مَعَ غَيْره , قَالَ : وَالْأَوَّل يَحْتَمِل التَّعْلِيق بِخِلَافِهِمَا.
قُلْت : لَمْ يَظْهَرْ لِي مَعْنَى قَوْله " مَعَ غَيْره " وَقَوْله " يَحْتَمِل التَّعْلِيق " يَسْتَلْزِم أَنَّهُ يَحْتَمِل عَدَم التَّعْلِيق , وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ فِي حُكْم التَّعْلِيق لِأَنَّ الْبُخَارِيّ لَمْ يُدْرِك حَمَّادًا , وَقَدْ وَصَلَ الْمُصَنِّف مُتَابَعَة حَمَّاد بْن زَيْد فِي فَرْض الْخُمُس , ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْمُتَابَعَة وَقَعَتْ فِي الرِّوَايَة عَنْ الْقَاسِم فَقَطْ وَلَكِنْ زَادَ حَمَّاد ذِكْر أَبِي قِلَابَةَ مَضْمُومًا إِلَى الْقَاسِم.
قَوْله ( حَدَّثَنَا قُتَيْبَة حَدَّثَنَا عَبْد الْوَهَّاب ) هُوَ اِبْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ.
قَوْله ( بِهَذَا ) أَيْ بِجَمِيعِ الْحَدِيث , وَقَدْ أَشَرْت إِلَى أَنَّ رِوَايَة حَمَّاد وَعَبْد الْوَهَّاب مُتَّفِقَتَانِ فِي السِّيَاق , وَقَدْ سَاقَ رِوَايَة قُتَيْبَة هَذِهِ فِي " بَاب لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ " تَامَّةً , وَقَدْ سَاقَهَا أَيْضًا فِي أَوَاخِر كِتَاب التَّوْحِيد عَنْ عَبْد اللَّه اِبْن عَبْد الْوَهَّاب الْحَجْبِيّ عَنْ الثَّقَفِيّ وَلَيْسَ بَعْد الْبَاب الَّذِي سَاقَهَا فِيهِ مِنْ الْبُخَارِيّ سِوَى بَابَيْنِ فَقَطْ.
قَوْله ( حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَر ) تَقَدَّمَ سِيَاق رِوَايَته فِي كِتَاب الذَّبَائِح , وَقَدْ بَيَّنْت مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَات مِنْ التَّخَالُف مُفَصَّلًا.
وَفِي الْحَدِيث غَيْر مَا تَقَدَّمَ تَرْجِيح الْحِنْث فِي الْيَمِين إِذَا كَانَ خَيْرًا مِنْ التَّمَادِي , وَأَنَّ تَعَمُّد الْحِنْث فِي مِثْل ذَلِكَ يَكُون طَاعَة لَا مَعْصِيَة , وَجَوَاز الْحَلِف مِنْ غَيْر اِسْتِحْلَاف لِتَأْكِيدِ الْخَبَر وَلَوْ كَانَ مُسْتَقْبَلًا وَهُوَ يَقْتَضِي الْمُبَالَغَة فِي تَرْجِيح الْحِنْث بِشَرْطِهِ الْمَذْكُور , وَفِيهِ تَطْيِيب قُلُوب الْأَتْبَاع , وَفِيهِ الِاسْتِثْنَاء بِـ إِنْ شَاءَ اللَّه تَبَرُّكًا , فَإِنْ قَصَدَ بِهَا حَلَّ الْيَمِين صَحَّ بِشَرْطِهِ الْمُتَقَدِّم.
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ الْقَاسِمِ الْتَّمِيمِيِّ عَنْ زَهْدَمٍ الْجَرْمِيِّ قَالَ كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ جَرْمٍ إِخَاءٌ وَمَعْرُوفٌ قَالَ فَقُدِّمَ طَعَامٌ قَالَ وَقُدِّمَ فِي طَعَامِهِ لَحْمُ دَجَاجٍ قَالَ وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ أَحْمَرُ كَأَنَّهُ مَوْلًى قَالَ فَلَمْ يَدْنُ فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى ادْنُ فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ مِنْهُ قَالَ إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا قَذِرْتُهُ فَحَلَفْتُ أَنْ لَا أَطْعَمَهُ أَبَدًا فَقَالَ ادْنُ أُخْبِرْكَ عَنْ ذَلِكَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَهْطٍ مِنْ الْأَشْعَرِيِّينَ أَسْتَحْمِلُهُ وَهُوَ يَقْسِمُ نَعَمًا مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ قَالَ أَيُّوبُ أَحْسِبُهُ قَالَ وَهُوَ غَضْبَانُ قَالَ وَاللَّهِ لَا أَحْمِلُكُمْ وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ قَالَ فَانْطَلَقْنَا فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَهْبِ إِبِلٍ فَقِيلَ أَيْنَ هَؤُلَاءِ الْأَشْعَرِيُّونَ فَأَتَيْنَا فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى قَالَ فَانْدَفَعْنَا فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسْتَحْمِلُهُ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَحْمِلَنَا ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْنَا فَحَمَلَنَا نَسِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمِينَهُ وَاللَّهِ لَئِنْ تَغَفَّلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمِينَهُ لَا نُفْلِحُ أَبَدًا ارْجِعُوا بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْنُذَكِّرْهُ يَمِينَهُ فَرَجَعْنَا فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَيْنَاكَ نَسْتَحْمِلُكَ فَحَلَفْتَ أَنْ لَا تَحْمِلَنَا ثُمَّ حَمَلْتَنَا فَظَنَنَّا أَوْ فَعَرَفْنَا أَنَّكَ نَسِيتَ يَمِينَكَ قَالَ انْطَلِقُوا فَإِنَّمَا حَمَلَكُمْ اللَّهُ إِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا تَابَعَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَالْقَاسِمِ بْنِ عَاصِمٍ الْكُلَيْبِيِّ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَالْقَاسِمِ التَّمِيمِيِّ عَنْ زَهْدَمٍ بِهَذَا حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ زَهْدَمٍ بِهَذَا
عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها، وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إلي...
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: «مرضت فعادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وهما ماشيان، فأتاني وقد أغمي علي، فتوضأ رسول الله صلى الل...
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد...
عن عائشة : «أن فاطمة والعباس عليهما السلام، أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما حينئذ يطلبان أرضيهما من فدك وسهمهما م...
عن مالك بن أوس بن الحدثان، «وكان محمد بن جبير بن مطعم ذكر لي من حديثه ذلك، فانطلقت حتى دخلت عليه فسألته فقال: انطلقت حتى أدخل على عمر، فأتاه حاجبه يرف...
عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقتسم ورثتي دينارا، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة.»
عن عائشة رضي الله عنها: «أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أردن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن، فقا...
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن مات وعليه دين ولم يترك وفاء فعلينا قضاؤه، ومن ترك مالا...
عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر.»