6779- عن السائب بن يزيد قال: «كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإمرة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر، فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا، حتى كان آخر إمرة عمر، فجلد أربعين، حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين.»
(إمرة أبي بكر) زمن خلافته وإمارته.
(أرديتنا) جمع رداء وهو ثوب يستر أعالي الجسم.
(عتوا) انهمكوا في الطغيان وبالغوا في الفساد
(فسقوا) خرجوا عن الطاعة ولم يرتدعوا
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله ( عَنْ الْجُعَيْدِ ) بِالْجِيمِ وَالتَّصْغِيرِ , وَيُقَال الْجَعْد بِفَتْحِ أَوَّله ثُمَّ سُكُونٍ , وَهُوَ تَابِعِيّ صَغِير تَقَدَّمَتْ رِوَايَته عَنْ السَّائِب بْن يَزِيد فِي كِتَاب الطَّهَارَة , وَرُوِيَ عَنْهُ هُنَا بِوَاسِطَةٍ , وَهَذَا السَّنَد لِلْبُخَارِيِّ فِي غَايَة الْعُلُوّ لِأَنَّ بَيْنه وَبَيْن التَّابِعِيّ فِيهِ وَاحِدًا فَكَانَ فِي حُكْم الثُّلَاثِيَّات , وَإِنْ كَانَ التَّابِعِيّ رَوَاهُ عَنْ تَابِعِيٍّ آخَرَ وَلَهُ عِنْدَهُ نَظَائِرُ , وَمِثْله مَا أَخْرَجَهُ فِي الْعِلْم عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى عَنْ مَعْرُوف عَنْ أَبِي الطُّفَيْل عَنْ عَلِيٍّ فَإِنَّ أَبَا الطُّفَيْل صَحَابِيٌّ فَيَكُون فِي حُكْمِ الثُّلَاثِيَّات لِأَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّحَابِيِّ فِيهِ اِثْنَيْنِ وَإِنْ كَانَ صَحَابِيُّهُ إِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ صَحَابِيٍّ آخَرَ , وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَة حَاتِم بْن إِسْمَاعِيل عَنْ الْجُعَيْدِ سَمِعْت السَّائِب , فَعَلَى هَذَا فَإِدْخَال يَزِيد بْن خُصَيْفَة بَيْنهمَا إِمَّا مِنْ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِل الْأَسَانِيد وَإِمَّا أَنْ يَكُون الْجُعَيْد سَمِعَهُ مِنْ السَّائِب , وَثَبَّتَهُ فِيهِ يَزِيدُ , ثُمَّ ظَهَرَ لِي السَّبَبُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ رِوَايَة الْجُعَيْدِ الْمَذْكُورَةَ عَنْ السَّائِبِ مُخْتَصَرَةٌ فَكَأَنَّهُ سَمِعَ الْحَدِيثَ تَامًّا مِنْ يَزِيدَ عَنْ السَّائِبِ فَحَدَّثَ بِمَا سَمِعَهُ مِنْ السَّائِب عَنْهُ مِنْ غَيْر ذِكْر يَزِيد , وَحَدَّثَ أَيْضًا بِالتَّامِّ فَذَكَرَ الْوَاسِطَة , وَيَزِيد بْن خُصَيْفَة الْمَذْكُورُ هُوَ اِبْن عَبْد اللَّه بْن خُصَيْفَة نُسِبَ لِجَدِّهِ وَقِيلَ هُوَ يَزِيد بْن عَبْد اللَّه بْن يَزِيد بْن خُصَيْفَة فَيَكُون نُسِبَ إِلَى جَدِّ أَبِيهِ , وَخُصَيْفَة هُوَ اِبْن يَزِيدَ بْن ثُمَامَة أَخُو السَّائِب بْن يَزِيد صَحَابِيُّ هَذَا الْحَدِيثِ فَتَكُون رِوَايَة يَزِيد بْن خُصَيْفَة لِهَذَا الْحَدِيث عَنْ عَمِّ أَبِيهِ أَوْ عَمِّ جَدِّهِ.
قَوْله ( كُنَّا نُؤْتَى بِالشَّارِبِ ) فِيهِ إِسْنَاد الْقَائِل الْفِعْلَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ الَّتِي يَدْخُل هُوَ فِيهَا مَجَازًا لِكَوْنِهِ مُسْتَوِيًا مَعَهُمْ فِي أَمْرٍ مَا وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ هُوَ ذَلِكَ الْفِعْلَ الْخَاصَّ لِأَنَّ السَّائِبَ كَانَ صَغِيرًا جِدًّا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي التَّرْجَمَة النَّبَوِيَّة أَنَّهُ كَانَ اِبْنَ سِتِّ سِنِينَ فَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ شَارَكَ مَنْ كَانَ يُجَالِسُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ ضَرْب الشَّارِبِ , فَكَأَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ " كُنَّا " أَيْ الصَّحَابَة , لَكِنْ يَحْتَمِل أَنْ يَحْضُر مَعَ أَبِيهِ أَوْ عَمِّهِ فَيُشَارِكهُمْ فِي ذَلِكَ فَيَكُون الْإِسْنَاد عَلَى حَقِيقَتِهِ.
قَوْله ( وَإِمْرَة أَبِي بَكْرٍ ) بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَسُكُون الْمِيم أَيْ خِلَافَته , وَفِي رِوَايَة حَاتِم " مِنْ زَمَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْر وَبَعْض زَمَان عُمَر ".
قَوْله ( وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَة عُمَر ) أَيْ جَانِبًا أَوَّلِيًّا.
قَوْله ( فَنَقُوم إِلَيْهِ بِأَيْدِينَا وَنِعَالِنَا وَأَرْدِيَتِنَا ) أَيْ فَنَضْرِبهُ بِهَا.
قَوْله ( حَتَّى كَانَ آخِر إِمْرَة عُمَر فَجَلَدَ أَرْبَعِينَ ) ظَاهِره أَنَّ التَّحْدِيد بِأَرْبَعِينَ إِنَّمَا وَقَعَ فِي آخِر خِلَافَة عُمَر , وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا فِي قِصَّة خَالِد بْن الْوَلِيد وَكِتَابَته إِلَى عُمَر فَإِنَّهُ يَدُلّ عَلَى أَنَّ أَمْر عُمَر بِجَلْدِ ثَمَانِينَ كَانَ فِي وَسَط إِمَارَته لِأَنَّ خَالِدًا مَاتَ فِي وَسَط خِلَافَة عُمَر , وَإِنَّمَا الْمُرَاد بِالْغَايَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوَّلًا اِسْتِمْرَارُ الْأَرْبَعِينَ فَلَيْسَتْ الْفَاءُ مُعَقِّبَةً لِآخِرِ الْإِمْرَةِ بَلْ لِزَمَانِ أَبِي بَكْرٍ وَبَيَان مَا وَقَعَ فِي زَمَن عُمَر , فَالتَّقْدِير فَاسْتَمَرَّ جَلْد أَرْبَعِينَ , وَالْمُرَاد بِالْغَايَةِ الْأُخْرَى فِي قَوْله " حَتَّى إِذَا عَتَوْا " تَأْكِيدًا لِغَايَةِ الْأُولَى وَبَيَان مَا صَنَعَ عُمَر بَعْد الْغَايَة الْأُولَى.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَة الْمُغِيرَة بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ الْجُعَيْد بِلَفْظِ " حَتَّى كَانَ وَسَط إِمَارَة عُمَر فَجَلَدَ فِيهَا أَرْبَعِينَ حَتَّى إِذَا عَتَوْا " وَهَذِهِ لَا إِشْكَالَ فِيهَا , قَوْله ( حَتَّى إِذَا عَتَوْا ) بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاة مِنْ الْعُتُوّ وَهُوَ التَّجَبُّرُ , وَالْمُرَاد هُنَا اِنْهِمَاكهمْ فِي الطُّغْيَان وَالْمُبَالَغَة فِي الْفَسَاد فِي شُرْب الْخَمْر لِأَنَّهُ يَنْشَأ عَنْهُ الْفَسَاد.
قَوْله ( وَفَسَقُوا ) أَيْ خَرَجُوا عَنْ الطَّاعَة , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة لِلنَّسَائِيِّ " فَلَمْ يَنْكُلُوا " أَيْ يَدَعُوا.
قَوْله ( جَلَدَ ثَمَانِينَ ) وَقَعَ فِي مُرْسَل عُبَيْد بْن عُمَيْر أَحَد كِبَار التَّابِعِينَ فِيمَا أَخْرَجَهُ عَبْد الرَّزَّاق بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْهُ نَحْو حَدِيث السَّائِب وَفِيهِ " أَنَّ عُمَر جَعَلَهُ أَرْبَعِينَ سَوْطًا , فَلَمَّا رَآهُمْ لَا يَتَنَاهَوْنَ جَعَلَهُ سِتِّينَ سَوْطًا , فَلَمَّا رَآهُمْ لَا يَتَنَاهَوْنَ جَعَلَهُ ثَمَانِينَ سَوْطًا وَقَالَ : هَذَا أَدْنَى الْحُدُود " وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ وَافَقَ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف فِي أَنَّ الثَّمَانِينَ أَدْنَى الْحُدُود , وَأَرَادَ بِذَلِكَ الْحُدُودَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْقُرْآن وَهِيَ حَدُّ الزِّنَا وَحَدُّ السَّرِقَةِ لِلْقَطْعِ وَحَدُّ الْقَذْف وَهُوَ أَخَفُّهَا عُقُوبَةً وَأَدْنَاهَا عَدَدًا , وَقَدْ مَضَى مِنْ حَدِيث أَنَس فِي رِوَايَة شُعْبَة وَغَيْره سَبَب ذَلِكَ وَكَلَام عَبْد الرَّحْمَن فِيهِ حَيْثُ قَالَ " أَخَفُّ الْحُدُود ثَمَانُونَ فَأَمَرَ بِهِ عُمَر " وَأَخْرَجَ مَالِك فِي الْمُوَطَّأ عَنْ ثَوْر بْن يَزِيد " أَنَّ عُمَر اِسْتَشَارَ فِي الْخَمْر فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : نَرَى أَنْ تَجْعَلَهُ ثَمَانِينَ , فَإِنَّهُ إِذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى وَاذَا هَذَى اِفْتَرَى " فَجَلَدَ عُمَر فِي الْخَمْر ثَمَانِينَ , وَهَذَا مُعْضِلٌ وَقَدْ وَصَلَهُ النَّسَائِيُّ وَالطَّحَاوِيّ مِنْ طَرِيق يَحْيَى بْن فُلَيْح عَنْ ثَوْر عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس مُطَوَّلًا وَلَفْظه " أَنَّ الشُّرَّابَ كَانُوا يُضْرَبُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَيْدِي وَالنِّعَال وَالْعَصَا حَتَّى تُوُفِّيَ فَكَانُوا فِي خِلَافَة أَبِي بَكْر أَكْثَرَ مِنْهُمْ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَوْ فَرَضْنَا لَهُمْ حَدًّا فَتَوَخَّى نَحْو مَا كَانُوا يُضْرَبُونَ فِي عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَدَهُمْ أَرْبَعِينَ حَتَّى تُوُفِّيَ , ثُمَّ كَانَ عُمَرُ فَجَلَدَهُمْ كَذَلِكَ حَتَّى أُتِيَ بِرَجُلٍ " فَذَكَرَ قِصَّةً وَأَنَّهُ تَأَوَّلَ قَوْله تَعَالَى : ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا ) وَأَنَّ اِبْن عَبَّاس نَاظَرَهُ فِي ذَلِكَ وَاحْتَجَّ بِبَقِيَّةِ الْآيَة وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ( إِذَا مَا اِتَّقَوْا ) وَاَلَّذِي يَرْتَكِبُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ لَيْسَ بِمُتَّقٍ , فَقَالَ عُمَر : مَا تَرَوْنَ ؟ فَقَالَ عَلِيّ فَذَكَرَهُ وَزَادَ بَعْد قَوْله وَإِذَا هَذَى اِفْتَرَى " وَعَلَى الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ جَلْدَةً فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ فَجَلَدَهُ ثَمَانِينَ " وَلِهَذَا الْأَثَر عَنْ عَلِيّ طُرُقٌ أُخْرَى مِنْهَا مَا أَخْرَجَهَا الطَّبَرَانِيّ وَالطَّحَاوِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيق أُسَامَة بْن زَيْد عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ " أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي كَلْب يُقَال لَهُ اِبْن دَبْرَة أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا بَكْر كَانَ يَجْلِد فِي الْخَمْر أَرْبَعِينَ وَكَانَ عُمَر يَجْلِد فِيهَا أَرْبَعِينَ , قَالَ فَبَعَثَنِي خَالِد بْن الْوَلِيد إِلَى عُمَر فَقُلْت : إِنَّ النَّاس قَدْ اِنْهَمَكُوا فِي الْخَمْر وَاسْتَخَفُّوا الْعُقُوبَةَ , فَقَالَ عُمَرُ لِمَنْ حَوْلَهُ : مَا تَرَوْنَ ؟ قَالَ وَوَجَدْت عِنْده عَلِيًّا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فِي الْمَسْجِدِ , فَقَالَ عَلِيّ " فَذَكَرَ مِثْل رِوَايَة ثَوْر الْمَوْصُولَة , وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ أَيُّوب عَنْ عِكْرِمَة " أَنَّ عُمَر شَاوَرَ النَّاس فِي الْخَمْر فَقَالَ لَهُ عَلِيّ : إِنَّ السَّكْرَان إِذَا سَكِرَ هَذَى " الْحَدِيث , وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة مِنْ رِوَايَة أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ عَنْ عَلِيّ قَالَ " شَرِبَ نَفَرٌ مِنْ أَهْل الشَّام الْخَمْر وَتَأَوَّلُوا الْآيَة الْمَذْكُورَة فَاسْتَشَارَ عُمَرُ فِيهِمْ فَقُلْت : أَرَى أَنْ تَسْتَتِيبَهُمْ فَإِنْ تَابُوا ضَرَبْتهمْ ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ وَإِلَّا ضَرَبْت أَعْنَاقَهُمْ لِأَنَّهُمْ اِسْتَحَلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ , فَاسْتَتَابَهُمْ فَتَابُوا , فَضَرَبَهُمْ ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ " وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيث عَبْد الرَّحْمَن بْن أَزْهَر فِي قِصَّة الشَّارِب الَّذِي ضَرَبَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُنَيْنٍ وَفِيهِ " فَلَمَّا كَانَ عُمَر كَتَبَ إِلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيد : أَنَّ النَّاس قَدْ اِنْهَمَكُوا فِي الشُّرْب وَتَحَاقَرُوا الْعُقُوبَة , قَالَ وَعِنْده الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار , فَسَأَلَهُمْ وَاجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضْرِبهُ ثَمَانِينَ , وَقَالَ عَلِيٌّ " فَذَكَرَ مِثْله وَأَخْرَجَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ اِبْن جُرَيْجٍ وَمَعْمَر عَنْ اِبْن شِهَاب قَالَ " فَرَضَ أَبُو بَكْر فِي الْخَمْر أَرْبَعِينَ سَوْطًا وَفَرَضَ فِيهَا عُمَر ثَمَانِينَ " قَالَ الطَّحَاوِيُّ : جَاءَتْ الْأَخْبَار مُتَوَاتِرَة عَنْ عَلِيّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسُنَّ فِي الْخَمْرِ شَيْئًا , وَيُؤَيِّدهُ ذِكْرُ الْأَحَادِيث الَّتِي لَيْسَ فِيهَا تَقْيِيدٌ بِعَدَدٍ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَحَدِيث عُقْبَة بْن الْحَارِث الْمُتَقَدِّمَيْنِ وَحَدِيث عَبْد الرَّحْمَن بْن أَزْهَر " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْر فَقَالَ لِلنَّاسِ اِضْرِبُوهُ , فَمِنْهُمْ مَنْ ضَرَبَهُ بِالنِّعَالِ وَمِنْهُمْ مَنْ ضَرَبَهُ بِالْعَصَا وَمِنْهُمْ مَنْ ضَرَبَهُ بِالْجَرِيدِ , ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُرَابًا فَرَمَى بِهِ فِي وَجْهِهِ " وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي بَعْض طُرُقه مَا يُخَالِف قَوْله وَهُوَ مَا عِنْد أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيث " ثُمَّ أُتِيَ أَبُو بَكْرٍ بِسَكْرَانَ فَتَوَخَّى الَّذِي كَانَ مِنْ ضَرْبِهِمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَرَبَهُ أَرْبَعِينَ , ثُمَّ أُتِيَ عُمَرُ بِسَكْرَانَ فَضَرَبَهُ أَرْبَعِينَ " فَإِنَّهُ يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْخَبَر تَنْصِيصٌ عَلَى عَدَدٍ مُعَيَّنٍ فَفِيمَا اِعْتَمَدَهُ أَبُو بَكْرٍ حُجَّةٌ عَلَى ذَلِكَ.
وَيُؤَيِّدهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ طَرِيق حُضَيْر بِمُهْمَلَةٍ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ مُصَغَّر اِبْن الْمُنْذِر " أَنَّ عُثْمَان أَمْر عَلِيًّا بِجَلْدِ الْوَلِيد بْن عُقْبَة فِي الْخَمْر , فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّه بْن جَعْفَر اِجْلِدْهُ فَجَلَدَهُ , فَلَمَّا بَلَغَ أَرْبَعِينَ قَالَ : أَمْسِكْ , جَلَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ , وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ " فَإِنَّ فِيهِ الْجَزْمَ بِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَدَ أَرْبَعِينَ , وَسَائِر الْأَخْبَار لَيْسَ فِيهَا عَدَد إِلَّا بَعْض الرِّوَايَات الْمَاضِيَة عَنْ أَنَسٍ فَفِيهَا " نَحْو الْأَرْبَعِينَ " وَالْجَمْع بَيْنهَا أَنَّ عَلِيًّا أَطْلَقَ الْأَرْبَعِينَ فَهُوَ حُجَّة عَلَى مَنْ ذَكَرَهَا بِلَفْظِ التَّقْرِيب , وَادَّعَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّ رِوَايَة أَبِي سَاسَان هَذِهِ ضَعِيفَة لِمُخَالَفَتِهَا الْآثَارَ الْمَذْكُورَةَ , وَلِأَنَّ رَاوِيَهَا عَبْد اللَّه بْن فَيْرُوز الْمَعْرُوف بِالدَّانَاج بِنُونٍ وَجِيمٍ ضَعِيفٌ , وَتَعَقَّبَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّهُ حَدِيث صَحِيح مُخَرَّج فِي الْمَسَانِيد وَالسُّنَن , وَأَنَّ التِّرْمِذِيّ سَأَلَ الْبُخَارِيّ عَنْهُ فَقَوَّاهُ , وَقَدْ صَحَّحَهُ مُسْلِمٌ وَتَلَقَّاهُ النَّاسُ بِالْقَبُولِ.
وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : إِنَّهُ أَثْبَتُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ , قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَصِحَّة الْحَدِيث إِنَّمَا تُعْرَفُ بِثِقَةِ رِجَالِهِ , وَقَدْ عَرَفَهُمْ حُفَّاظُ الْحَدِيثِ وَقَبِلُوهُمْ , وَتَضْعِيفُهُ الدَّانَاجَ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ الْجَرْحَ بَعْد ثُبُوت التَّعْدِيل لَا يُقْبَلُ إِلَّا مُفَسَّرًا , وَمُخَالَفَةُ الرَّاوِي غَيْرَهُ فِي بَعْض أَلْفَاظ الْحَدِيث لَا تَقْتَضِي تَضْعِيفه وَلَا سِيَّمَا مَعَ ظُهُور الْجَمْع , قُلْت : وَثَّقَ الدَّانَاجَ الْمَذْكُورَ أَبُو زُرْعَةَ وَالنَّسَائِيُّ , وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُ جَلَدَ الْوَلِيد أَرْبَعِينَ , ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيق هِشَام بْن يُوسُف عَنْ مَعْمَرٍ وَقَالَ : أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ , وَهُوَ كَمَا قَالَ , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مَنَاقِب عُثْمَان وَأَنَّ بَعْض الرُّوَاة قَالَ فِيهِ إِنَّهُ جَلَدَ ثَمَانِينَ , وَذَكَرْت مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ هُنَاكَ.
وَطَعَنَ الطَّحَاوِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي رِوَايَة أَبِي سَاسَان أَيْضًا بِأَنَّ عَلِيًّا قَالَ وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ أَيْ جَلْدُ أَرْبَعِينَ مَعَ أَنَّ عَلِيًّا جَلَدَ النَّجَاشِيّ الشَّاعِرَ فِي خِلَافَتِهِ ثَمَانِينَ , وَبِأَنَّ اِبْن أَبِي شَيْبَة أَخْرَجَ مِنْ وَجْه آخَرَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ حَدَّ النَّبِيذِ ثَمَانُونَ , وَالْجَوَاب عَنْ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ , أَحَدهمَا أَنَّهُ لَا تَصِحّ أَسَانِيد شَيْء مِنْ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ , الثَّانِي عَلَى تَقْدِير ثُبُوته فَإِنَّهُ يَجُوز أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِف بِحَالِ الشَّارِب , وَأَنَّ حَدَّ الْخَمْرِ لَا يُنْقَصُ عَنْ الْأَرْبَعِينَ وَلَا يُزَادُ عَلَى الثَّمَانِينَ , وَالْحُجَّةُ إِنَّمَا هِيَ فِي جَزْمه بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَدَ أَرْبَعِينَ , وَقَدْ جَمَعَ الطَّحَاوِيُّ بَيْنهمَا بِمَا أَخْرَجَهُ هُوَ وَالطَّبَرِيّ مِنْ طَرِيق أَبِي جَعْفَر مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن أَنَّ عَلِيًّا جَلَدَ الْوَلِيد بِسَوْطٍ لَهُ طَرَفَانِ , وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيق عُرْوَة مِثْله لَكِنْ قَالَ " لَهُ ذَنَبَانِ أَرْبَعِينَ جَلْدَة فِي الْخَمْر فِي زَمَن عُثْمَان " قَالَ الطَّحَاوِيُّ : فَفِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّ عَلِيًّا جَلَدَهُ ثَمَانِينَ لِأَنَّ كُلّ سَوْط سَوْطَانِ , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ السَّنَد الْأَوَّل مُنْقَطِعٌ فَإِنَّ أَبَا جَعْفَر وُلِدَ بَعْد مَوْت عَلِيّ بِأَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً , وَبِأَنَّ الثَّانِيَ فِي سَنَدِهِ اِبْنُ لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَعُرْوَة لَمْ يَكُنْ فِي الْوَقْت الْمَذْكُور مُمَيِّزًا وَعَلَى تَقْدِير ثُبُوته فَلَيْسَ فِي الطَّرِيقَيْنِ أَنَّ الطَّرَفَيْنِ أَصَابَاهُ فِي كُلِّ ضَرْبَةٍ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ : يَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ ضَرَبَهُ بِالطَّرَفَيْنِ عِشْرِينَ فَأَرَادَ بِالْأَرْبَعِينَ مَا اِجْتَمَعَ مِنْ عِشْرِينَ وَعِشْرِينَ , وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي بَقِيَّة الْخَبَر " وَكُلٌّ سُنَّةٌ وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ " لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّغَايُرَ , وَالتَّأْوِيل الْمَذْكُور يَقْتَضِي أَنْ يَكُون كُلٌّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ جَلَدَ ثَمَانِينَ فَلَا يَبْقَى هُنَاكَ عَدَد يَقَع التَّفَاضُل فِيهِ.
وَأَمَّا دَعْوَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ هَذَا الْإِشَارَةُ إِلَى الثَّمَانِينَ فَيَلْزَم مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُون عَلِيٌّ رَجَّحَ مَا فَعَلَ عُمَر عَلَى مَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْر وَهَذَا لَا يُظَنُّ بِهِ قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ , وَاسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ لِضَعْفِ حَدِيث أَبِي سَاسَان بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ قَوْل عَلِيّ " إِنَّهُ إِذَا سَكِرَ هَذَى إِلَخْ " قَالَ فَلَمَّا اِعْتَمَدَ عَلِيّ فِي ذَلِكَ عَلَى ضَرْب الْمَثَلِ وَاسْتَخْرَجَ الْحَدّ بِطَرِيقِ الِاسْتِنْبَاط دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَوْقِيفَ عِنْده مِنْ الشَّارِع فِي ذَلِكَ , فَيَكُون جَزْمُهُ بِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَدَ أَرْبَعِينَ غَلَطًا مِنْ الرَّاوِي , إِذْ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ لَمْ يَعْدِلْ عَنْهُ إِلَى الْقِيَاسِ , وَلَوْ كَانَ عِنْد مَنْ بِحَضْرَتِهِ مِنْ الصَّحَابَة كَعُمَرَ وَسَائِرِ مَنْ ذُكِرَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مَرْفُوعٌ لَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يُتَّجَه الْإِنْكَارُ لَوْ كَانَ الْمَنْزَعُ وَاحِدًا فَأَمَّا مَعَ الِاخْتِلَاف فَلَا يُتَّجَه الْإِنْكَار , وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ فِي سِيَاق الْقِصَّة مَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْرِفُونَ أَنَّ الْحَدّ أَرْبَعُونَ وَإِنَّمَا تَشَاوَرُوا فِي أَمْر يَحْصُل بِهِ الِارْتِدَاع يَزِيد عَلَى مَا كَانَ مُقَرَّرًا , وَيُشِير إِلَى ذَلِكَ مَا وَقَعَ مِنْ التَّصْرِيح فِي بَعْض طُرُقه أَنَّهُمْ اِحْتَقَرُوا الْعُقُوبَة وَانْهَمَكُوا فَاقْتَضَى رَأْيهمْ أَنْ يُضِيفُوا إِلَى الْحَدِّ الْمَذْكُورِ قَدْرُهُ إِمَّا اِجْتِهَادًا بِنَاءً عَلَى جَوَاز دُخُول الْقِيَاس فِي الْحُدُود فَيَكُون الْكُلُّ حَدًّا , أَوْ اِسْتَنْبَطُوا مِنْ النَّصّ مَعْنًى يَقْتَضِي الزِّيَادَة فِي الْحَدّ لَا النُّقْصَان مِنْهُ , أَوْ الْقَدْر الَّذِي زَادُوهُ كَانَ عَلَى سَبِيل التَّعْزِير تَحْذِيرًا وَتَخْوِيفًا , لِأَنَّ مَنْ اِحْتَقَرَ الْعُقُوبَةَ إِذَا عَرَفَ أَنَّهَا غُلِّظَتْ فِي حَقِّهِ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى اِرْتِدَاعِهِ , فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُونُوا اِرْتَدَعُوا بِذَلِكَ وَرَجَعَ الْأَمْر إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْل ذَلِكَ فَرَأَى عَلِيّ الرُّجُوع إِلَى الْحَدّ الْمَنْصُوص وَأَعْرَضَ عَنْ الزِّيَادَة لِانْتِفَاءِ سَبَبِهَا , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْقَدْر الزَّائِد كَانَ عِنْدهمْ خَاصًّا بِمَنْ تَمَرَّدَ وَظَهَرَتْ مِنْهُ أَمَارَاتُ الِاشْتِهَارِ بِالْفُجُورِ , وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ فِي بَعْض طُرُق حَدِيث الزُّهْرِيّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عِنْد الدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْره " فَكَانَ عُمَر إِذَا أُتِيَ بِالرَّجُلِ الضَّعِيف تَكُون مِنْهُ الزَّلَّة جَلَدَهُ أَرْبَعِينَ " قَالَ وَكَذَلِكَ عُثْمَان جَلَدَ أَرْبَعِينَ وَثَمَانِينَ , وَقَالَ الْمَازِرِيّ : لَوْ فَهِمَ الصَّحَابَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّ فِي الْخَمْر حَدًّا مُعَيَّنًا لَمَا قَالُوا فِيهِ بِالرَّأْيِ كَمَا لَمْ يَقُولُوا بِالرَّأْيِ فِي غَيْرِهِ , فَلَعَلَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّهُ ضَرَبَ فِيهِ بِاجْتِهَادِهِ فِي حَقِّ مَنْ ضَرَبَهُ اِنْتَهَى.
وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيح بِالْحَدِّ الْمَعْلُوم فَوَجَبَ الْمَصِير إِلَيْهِ وَرُجِّحَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الَّذِي اِجْتَهَدُوا فِيهِ زِيَادَةً عَلَى الْحَدِّ إِنَّمَا هُوَ التَّعْزِيرُ عَلَى الْقَوْل بِأَنَّهُمْ اِجْتَهَدُوا فِي الْحَدّ الْمُعَيَّنِ لِمَا يَلْزَمُ مِنْهُ مِنْ الْمُخَالَفَة الَّتِي ذَكَرَهَا كَمَا سَبَقَ فِي تَقْرِيره.
وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ اِبْن جُرَيْجٍ أَنْبَأَنَا عَطَاء أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْد بْن عُمَيْر يَقُول : كَانَ الَّذِي يَشْرَب الْخَمْر يَضْرِبُونَهُ بِأَيْدِيهِمْ وَنِعَالِهِمْ , فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ فَعَلَ ذَلِكَ حَتَّى خَشِيَ فَجَعَلَهُ أَرْبَعِينَ سَوْطًا , فَلَمَّا رَآهُمْ لَا يَتَنَاهَوْنَ جَعَلَهُ ثَمَانِينَ سَوْطًا وَقَالَ : هَذَا أَخَفُّ الْحُدُود.
وَالْجَمْع بَيْن حَدِيث عَلِيّ الْمُصَرِّح بِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَدَ أَرْبَعِينَ وَأَنَّهُ سُنَّةٌ وَبَيْن حَدِيثه الْمَذْكُور فِي هَذَا الْبَاب أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسُنَّهُ بِأَنْ يُحْمَلَ النَّفْيُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحُدَّ الثَّمَانِينَ أَيْ لَمْ يَسُنَّ شَيْئًا زَائِدًا عَلَى الْأَرْبَعِينَ , يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ " وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ صَنَعْنَاهُ نَحْنُ " يُشِير إِلَى مَا أَشَارَ بِهِ عَلَى عُمَر , وَعَلَى هَذَا فَقَوْله " لَوْ مَاتَ لَوَدَيْته " أَيْ فِي الْأَرْبَعِينَ الزَّائِدَةِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْبَيْهَقِيُّ وَابْن حَزْم , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون قَوْله " لَمْ يَسُنَّهُ " أَيْ الثَّمَانِينَ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى " وَإِنَّمَا هُوَ شَيْء صَنَعْنَاهُ " فَكَأَنَّهُ خَافَ مِنْ الَّذِي صَنَعُوهُ بِاجْتِهَادِهِمْ أَنْ لَا يَكُون مُطَابِقًا , وَاخْتُصَّ هُوَ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ الَّذِي كَانَ أَشَارَ بِذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ لَهُ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ الْوُقُوفَ عِنْد مَا كَانَ الْأَمْر عَلَيْهِ أَوَّلًا أَوْلَى فَرَجَعَ إِلَى تَرْجِيحه وَأَخْبَرَ بِأَنَّهُ لَوْ أَقَامَ الْحَدَّ ثَمَانِينَ فَمَاتَ الْمَضْرُوبُ وَدَاهُ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَة , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الضَّمِير فِي قَوْله " لَمْ يَسُنَّهُ " لِصِفَةِ الضَّرْب وَكَوْنِهَا بِسَوْطِ الْجَلْدِ أَيْ لَمْ يَسُنَّ الْجَلْد بِالسَّوْطِ وَإِنَّمَا كَانَ يَضْرِب فِيهِ بِالنِّعَالِ وَغَيْرهَا مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ , أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ , وَقَالَ اِبْن حَزْم أَيْضًا : لَوْ جَاءَ عَنْ غَيْر عَلِيّ مِنْ الصَّحَابَة فِي حُكْم وَاحِد أَنَّهُ مَسْنُونٌ وَأَنَّهُ غَيْر مَسْنُونٍ لَوَجَبَ حَمْلُ أَحَدِهِمَا عَلَى غَيْرِ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ الْآخَرُ فَضْلًا عَنْ عَلِيٍّ مَعَ سَعَةِ عِلْمِهِ وَقُوَّةِ فَهْمِهِ , وَإِذَا تَعَارَضَ خَبَرُ عُمَر بْن سَعِيد وَخَبَرُ أَبِي سَاسَان فَخَبَر أَبِي سَاسَان أَوْلَى بِالْقَبُولِ لِأَنَّهُ مُصَرِّحٌ فِيهِ بِرَفْعِ الْحَدِيث عَنْ عَلِيٍّ وَخَبَر عُمَيْر مَوْقُوف عَلَى عَلِيّ , وَإِذَا تَعَارَضَ الْمَرْفُوع وَالْمَوْقُوف قُدِّمَ الْمَرْفُوعُ.
وَأَمَّا دَعْوَى ضَعْف سَنَد أَبِي سَاسَان فَمَرْدُودَة وَالْجَمْع أَوْلَى مَهْمَا أَمْكَنَ مِنْ تَوْهِينِ الْأَخْبَار الصَّحِيحَة , وَعَلَى تَقْدِير أَنْ تَكُون إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهْمًا فَرِوَايَة الْإِثْبَات مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَة النَّفْي , وَقَدْ سَاعَدَتْهَا رِوَايَة أَنَس عَلَى اِخْتِلَاف أَلْفَاظ النَّقَلَة عَنْ قَتَادَة , وَعَلَى تَقْدِير أَنْ يَكُون بَيْنهمَا تَمَام التَّعَارُض فَحَدِيث أَنَس سَالِمٌ مِنْ ذَلِكَ , وَاسْتَدَلَّ بِصَنِيعِ عُمَر فِي جَلْد شَارِب الْخَمْر ثَمَانِينَ عَلَى أَنَّ حَدّ الْخَمْر ثَمَانُونَ و هُوَ قَوْل الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة وَأَحَد الْقَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ اِبْن الْمُنْذِر , وَالْقَوْل الْآخَر لِلشَّافِعِيِّ وَهُوَ الصَّحِيح أَنَّهُ أَرْبَعُونَ.
قُلْت : جَاءَ عَنْ أَحْمَد كَالْمَذْهَبَيْنِ , قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : أَجْمَعُوا عَلَى وُجُوب الْحَدّ فِي الْخَمْر وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيره , فَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى الثَّمَانِينَ , وَقَالَ الشَّافِعِيّ فِي الْمَشْهُور عَنْهُ وَأَحْمَد فِي رِوَايَة وَأَبُو ثَوْر وَدَاوُد أَرْبَعِينَ , وَتَبِعَهُ عَلَى نَقْلِ الْإِجْمَاع اِبْن دَقِيق الْعِيد وَالنَّوَوِيّ وَمَنْ تَبِعَهُمَا , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الطَّبَرِيّ وَابْن الْمُنْذِر وَغَيْرهمَا حَكَوْا عَنْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْعِلْم أَنَّ الْخَمْر لَا حَدَّ فِيهَا وَإِنَّمَا فِيهَا التَّعْزِير وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيث الْبَاب فَإِنَّهَا سَاكِتَة عَنْ تَعْيِين عَدَد الضَّرْب وَأَصْرَحُهَا حَدِيث أَنَسٍ وَلَمْ يَجْزِم فِيهِ بِالْأَرْبَعِينَ فِي أَرْجَحِ الطُّرُقِ عَنْهُ , وَقَدْ قَالَ عَبْد الرَّزَّاق " أَنْبَأَنَا اِبْن جُرَيْجٍ وَمَعْمَر سُئِلَ اِبْن شِهَاب : كَمْ جَلَدَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْر ؟ فَقَالَ : لَمْ يَكُنْ فَرَضَ فِيهَا حَدًّا , كَانَ يَأْمُر مَنْ حَضَرَهُ أَنْ يَضْرِبُوهُ بِأَيْدِيهِمْ وَنِعَالِهِمْ حَتَّى يَقُول لَهُمْ اِرْفَعُوا , وَوَرَدَ أَنَّهُ لَمْ يَضْرِبْهُ أَصْلًا وَذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ " عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوَقِّتْ فِي الْخَمْرِ حَدًّا , قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَشَرِبَ رَجُل فَسَكِرَ فَانْطُلِقَ بِهِ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا حَاذَى دَار الْعَبَّاس اِنْفَلَتَ فَدَخَلَ عَلَى الْعَبَّاس فَالْتَزَمَهُ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ وَلَمْ يَأْمُرْ فِيهِ بِشَيْءٍ " وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيّ مِنْ وَجْه آخَر " عَنْ اِبْن عَبَّاس مَا ضَرَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ إِلَّا أَخِيرًا , وَلَقَدْ غَزَا تَبُوك فَغَشِيَ حُجْرَتَهُ مِنْ اللَّيْل سَكْرَانُ فَقَالَ لِيَقُمْ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَيَأْخُذ بِيَدِهِ حَتَّى يَرُدَّهُ إِلَى رَحْله " وَالْجَوَاب أَنَّ الْإِجْمَاع اِنْعَقَدَ بَعْد ذَلِكَ عَلَى وُجُوب الْحَدّ لِأَنَّ أَبَا بَكْر تَحَرَّى مَا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ السَّكْرَانَ فَصَيَّرَهُ حَدًّا وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ , وَكَذَا اِسْتَمَرَّ مَنْ بَعْدَهُ وَإِنْ اِخْتَلَفُوا فِي الْعَدَد , وَجَمَعَ الْقُرْطُبِيّ بَيْن الْأَخْبَار بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَوَّلًا فِي شُرْبِ الْخَمْرِ حَدٌّ وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ حَدِيثُ اِبْن عَبَّاس فِي الَّذِي اِسْتَجَارَ بِالْعَبَّاسِ , ثُمَّ شُرِعَ فِيهِ التَّعْزِيزُ عَلَى مَا فِي سَائِر الْأَحَادِيث الَّتِي لَا تَقْدِيرَ فِيهَا , ثُمَّ شُرِعَ الْحَدُّ وَلَمْ يَطَّلِعْ أَكْثَرُهُمْ عَلَى تَعْيِينِهِ صَرِيحًا مَعَ اِعْتِقَادهمْ أَنَّ فِيهِ الْحَدَّ الْمُعَيَّنَ , وَمِنْ ثَمَّ تَوَخَّى أَبُو بَكْرٍ مَا فُعِلَ بِحَضْرَةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْر , ثُمَّ رَأَى عُمَرُ وَمَنْ وَافَقَهُ الزِّيَادَة عَلَى الْأَرْبَعِينَ إِمَّا حَدًّا بِطَرِيقِ الِاسْتِنْبَاط وَإِمَّا تَعْزِيرًا.
قُلْت : وَبَقِيَ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيث أَنَّهُ إِنْ شَرِبَ فَحُدَّ ثَلَاث مَرَّات ثُمَّ شَرِبَ قُتِلَ فِي الرَّابِعَةِ وَفِي رِوَايَة فِي الْخَامِسَة وَهُوَ حَدِيثٌ مُخَرَّجٌ فِي السُّنَن مِنْ عِدَّة طُرُق أَسَانِيدُهَا قَوِيَّةٌ , وَنَقَلَ التِّرْمِذِيّ الْإِجْمَاع عَلَى تَرْكِ الْقَتْلِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ بَعُدَ مِنْ نَقْلِ غَيْرِهِ عَنْهُ الْقَوْلُ بِهِ كَعَبْدِ اللَّه بْن عَمْرو فِيمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَبَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ , وَبَالَغَ النَّوَوِيّ فَقَالَ : كُلُّ قَوْلٍ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَالْحَدِيث الْوَارِد فِيهِ مَنْسُوخٌ إِمَّا بِحَدِيثِ " لَا يَحِلّ دَم اِمْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث " وَإِمَّا لِأَنَّ الْإِجْمَاع دَلَّ عَلَى نَسْخِهِ.
قُلْت : بَلْ دَلِيل النَّسْخ مَنْصُوص وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيق الزُّهْرِيّ عَنْ قَبِيصَة فِي هَذِهِ الْقِصَّة قَالَ " فَأُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فَجَلَدَهُ , ثُمَّ أُتِيَ بِهِ قَدْ شَرِبَ فَجَلَدَهُ , ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ فَرَفَعَ الْقَتْلَ وَكَانَتْ رُخْصَةً " وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيه.
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ إِنَّ حَدَّهُ ثَمَانُونَ بِالْإِجْمَاعِ فِي عَهْد عُمَر حَيْثُ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ كِبَارُ الصَّحَابَةِ , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ عَلِيًّا أَشَارَ عَلَى عُمَر بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ عَلِيّ عَنْ ذَلِكَ وَاقْتَصَرَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ لِأَنَّهَا الْقَدْرُ الَّذِي اِتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَفِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ مُسْتَنِدِينَ إِلَى تَقْدِير مَا فُعِلَ بِحَضْرَةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَمَّا الَّذِي أَشَارَ بِهِ فَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ سِيَاق قِصَّته أَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ رَدْعًا لِلَّذِينَ اِنْهَمَكُوا لِأَنَّ فِي بَعْض طُرُق الْقِصَّة كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ " اِحْتَقَرُوا الْعُقُوبَةَ " وَبِهَذَا تَمَسَّكَ الشَّافِعِيَّة فَقَالُوا : أَقَلُّ مَا فِي حَدِّ الْخَمْرِ أَرْبَعُونَ وَتَجُوز الزِّيَادَةُ فِيهِ إِلَى الثَّمَانِينَ عَلَى سَبِيلِ التَّعْزِيرِ وَلَا يُجَاوِز الثَّمَانِينَ , وَاسْتَنَدُوا إِلَى أَنَّ التَّعْزِيرَ إِلَى رَأْي الْإِمَام فَرَأَى عُمَرُ فِعْلَهُ بِمُوَافَقَةِ عَلِيٍّ ثُمَّ رَجَعَ عَلِيّ وَوَقَفَ عِنْد مَا فَعَلَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْر وَوَافَقَهُ عُثْمَان عَلَى ذَلِكَ , وَأَمَّا قَوْل عَلِيّ " وَكُلٌّ سُنَّةٌ " فَمَعْنَاهُ أَنَّ الِاقْتِصَار عَلَى الْأَرْبَعِينَ سُنَّةُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَارَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْر , وَالْوُصُول إِلَى الثَّمَانِينَ سُنَّةُ عُمَرَ رَدْعًا لِلشَّارِبِينَ الَّذِينَ اِحْتَقَرُوا الْعُقُوبَةَ الْأُولَى وَوَافَقَهُ مَنْ ذُكِرَ فِي زَمَانِهِ لِلْمَعْنَى الَّذِي تَقَدَّمَ وَسَوَّغَ لَهُمْ ذَلِكَ إِمَّا اِعْتِقَادُهُمْ جَوَازَ الْقِيَاسِ فِي الْحُدُود عَلَى رَأْي مَنْ يَجْعَل الْجَمِيع حَدًّا وَإِمَّا أَنَّهُمْ جَعَلُوا الزِّيَادَةَ تَعْزِيرًا بِنَاء عَلَى جَوَاز أَنْ يَبْلُغ بِالتَّعْزِيرِ قَدْر الْحَدّ وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَبْلُغْهُمْ الْخَبَرُ الْآتِي فِي بَاب التَّعْزِير , وَقَدْ تَمَسَّكَ بِذَلِكَ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ الْقِيَاس فِي الْحُدُود وَادَّعَى إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ , وَهِيَ دَعْوَى ضَعِيفَةٌ لِقِيَامِ الِاحْتِمَال , وَقَدْ شَنَّعَ اِبْن حَزْم عَلَى الْحَنَفِيَّة فِي قَوْلهمْ إِنَّ الْقِيَاس لَا يَدْخُل فِي الْحُدُود وَالْكَفَّارَات مَعَ جَزْمِ الطَّحَاوِيّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْهُمْ بِأَنَّ حَدّ الْخَمْر وَقَعَ بِالْقِيَاسِ عَلَى حَدِّ الْقَذْف , وَبِهِ تَمَسَّكَ مَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ مِنْ الْمَالِكِيَّة وَالشَّافِعِيَّة , وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْحُدُود وَالْكَفَّارَات شُرِعَتْ بِحَسَب الْمَصَالِح , وَقَدْ تَشْتَرِك أَشْيَاء مُخْتَلِفَة وَتَخْتَلِف أَشْيَاء مُتَسَاوِيَة فَلَا سَبِيل إِلَى عِلْم ذَلِكَ إِلَّا بِالنَّصِّ , وَأَجَابُوا عَمَّا وَقَعَ فِي زَمَن عُمَر بِأَنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ كَوْنِهِ جَلَدَ قَدْر حَدِّ الْقَذْفِ أَنْ يَكُون جَعَلَ الْجَمِيعَ حَدًّا بَلْ الَّذِي فَعَلُوهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَبْلُغْهُمْ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّ فِيهِ أَرْبَعِينَ إِذْ لَوْ بَلَغَهُمْ لَمَا جَاوَزُوهُ كَمَا لَمْ يُجَاوِزُوا غَيْره مِنْ الْحُدُود الْمَنْصُوصَة , وَقَدْ اِتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز أَنْ يُسْتَنْبَط مِنْ النَّصّ مَعْنًى يَعُود عَلَيْهِ بِالْإِبْطَالِ فَرُجِّحَ أَنَّ الزِّيَادَة كَانَتْ تَعْزِيرًا , وَيُؤَيِّدهُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْد فِي " غَرِيب الْحَدِيث " بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي رَافِع بْن عُمَر أَنَّهُ أُتِيَ بِشَارِبٍ فَقَالَ لِمُطِيعِ بْن الْأَسْوَد : إِذَا أَصْبَحْت غَدًا فَاضْرِبْهُ , فَجَاءَ عُمَرُ فَوَجَدَهُ يَضْرِبهُ ضَرْبًا شَدِيدًا فَقَالَ : كَمْ ضَرَبْته ؟ قَالَ سِتِّينَ قَالَ اِقْتَصَّ عَنْهُ بِعِشْرِينَ , قَالَ أَبُو عُبَيْد : يَعْنِي اِجْعَلْ شِدَّةَ ضَرْبِك لَهُ قِصَاصًا بِالْعِشْرِينَ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ الثَّمَانِينَ , قَالَ أَبُو عُبَيْد : فَيُؤْخَذ مِنْ هَذَا الْحَدِيث أَنَّ ضَرْبَ الشَّارِب لَا يَكُون شَدِيدًا وَأَنْ لَا يُضْرَبَ فِي حَال السُّكْر لِقَوْلِهِ " إِذَا أَصْبَحْت فَاضْرِبْهُ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّ الزِّيَادَة عَلَى الْأَرْبَعِينَ لَيْسَتْ بِحَدٍّ إِذْ لَوْ كَانَتْ حَدًّا لَمَا جَازَ النَّقْصُ مِنْهُ بِشِدَّةِ الضَّرْب إِذْ لَا قَائِل بِهِ.
وَقَالَ صَاحِب " الْمُفْهِم " مَا مُلَخَّصُهُ بَعْد أَنْ سَاقَ الْأَحَادِيثَ الْمَاضِيَةَ : هَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَدَبًا وَتَعْزِيرًا , وَلِذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ : فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسُنَّهُ , فَلِذَلِكَ سَاغَ لِلصَّحَابَةِ الِاجْتِهَادُ فِيهِ فَأَلْحَقُوهُ بِأَخَفِّ الْحُدُودِ , وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ عُلَمَائِنَا.
وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ قَوْلُ عَلِيٍّ " جَلَدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ " وَكَذَا وُقُوع الْأَرْبَعِينَ فِي عَهْد أَبِي بَكْر وَفِي خِلَافَة عُمَر أَوَّلًا أَيْضًا ثُمَّ فِي خِلَافَة عُثْمَان , فَلَوْلَا أَنَّهُ حَدٌّ لَاخْتَلَفَ التَّقْدِيرُ , وَيُؤَيِّدُهُ قِيَامُ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ فِي الْخَمْر الْحَدّ وَإِنْ وَقَعَ الِاخْتِلَاف فِي الْأَرْبَعِينَ وَالثَّمَانِينَ , قَالَ : وَالْجَوَاب أَنَّ النَّقْل عَنْ الصَّحَابَة اِخْتَلَفَ فِي التَّحْدِيد وَالتَّقْدِير , وَلَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْن مُخْتَلَف أَقْوَالِهِمْ , وَطَرِيقُهُ أَنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَدَبًا مِنْ أَصْلِ مَا شَاهَدُوهُ مِنْ اِخْتِلَاف الْحَال , فَلَمَّا كَثُرَ الْإِقْدَام عَلَى الشُّرْبِ أَلْحَقُوهُ بِأَخَفِّ الْحُدُودِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآن , وَقَوَّى ذَلِكَ عِنْدَهُمْ وُجُودُ الِافْتِرَاءِ مِنْ السُّكْرِ فَأَثْبَتُوهَا حَدًّا , وَلِهَذَا أَطْلَقَ عَلِيٌّ أَنَّ عُمَرَ جَلَدَ ثَمَانِينَ وَهِيَ سُنَّةٌ ثُمَّ ظَهَرَ لِعَلِيٍّ أَنَّ الِاقْتِصَار عَلَى الْأَرْبَعِينَ أَوْلَى مَخَافَة أَنْ يَمُوت فَتَجِب فِيهِ الدِّيَة وَمُرَاده بِذَلِكَ الثَّمَانُونَ وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْن قَوْله " لَمْ يَسُنَّهُ " وَبَيْن تَصْرِيحِهِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَدَ أَرْبَعِينَ قَالَ : وَغَايَة هَذَا الْبَحْث أَنَّ الضَّرْب فِي الْخَمْر تَعْزِيرٌ يُمْنَعُ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى غَايَتِهِ وَهِيَ مُخْتَلَفٌ فِيهَا , قَالَ : وَحَاصِل مَا وَقَعَ مِنْ اِسْتِنْبَاط الصَّحَابَة أَنَّهُمْ أَقَامُوا السُّكْرَ مَقَامَ الْقَذْفِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْهُ غَالِبًا فَأَعْطَوْهُ حُكْمَهُ , وَهُوَ مِنْ أَقْوَى حُجَج الْقَائِلِينَ بِالْقِيَاسِ , فَقَدْ اِشْتَهَرَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ وَلَمْ يُنْكِرْهَا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مُنْكِرٌ.
قَالَ : وَقَدْ اِعْتَرَضَ بَعْض أَهْل النَّظَر بِأَنَّهُ إِنْ سَاغَ إِلْحَاق حَدّ السُّكْر بِحَدِّ الْقَذْف فَلْيُحْكَمْ لَهُ بِحُكْمِ الزِّنَا وَالْقَتْل لِأَنَّهُمَا مَظِنَّتُهُ وَلْيَقْتَصِرُوا فِي الثَّمَانِينَ عَلَى مَنْ سَكِرَ لَا عَلَى مَنْ اِقْتَصَرَ عَلَى الشُّرْبِ وَلَمْ يَسْكَرْ , قَالَ : وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَظِنَّةَ مَوْجُودَةٌ غَالِبًا فِي الْقَذْفِ نَادِرَةٌ فِي الزِّنَا وَالْقَتْل , وَالْوُجُود يُحَقِّقُ ذَلِكَ , وَإِنَّمَا أَقَامُوا الْحَدَّ عَلَى الشَّارِب وَإِنْ لَمْ يَسْكَرْ مُبَالَغَةً فِي الرَّدْع لِأَنَّ الْقَلِيل يَدْعُو إِلَى الْكَثِير وَالْكَثِير يُسْكِر غَالِبًا وَهُوَ الْمَظِنَّة , وَيُؤَيِّدهُ أَنَّهُمْ اِتَّفَقُوا عَلَى إِقَامَة الْحَدّ فِي الزِّنَا بِمُجَرَّدِ الْإِيلَاج وَإِنْ لَمْ يَتَلَذَّذْ وَلَا أَنْزَلَ وَلَا أَكْمَلَ.
قُلْت : وَاَلَّذِي تَحَصَّلَ لَنَا مِنْ الْآرَاءِ فِي حَدِّ الْخَمْرِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّل أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْعَل فِيهَا حَدًّا مَعْلُومًا بَلْ كَانَ يَقْتَصِر فِي ضَرْبِ الشَّارِب عَلَى مَا يَلِيق بِهِ , قَالَ اِبْن الْمُنْذِر قَالَ بَعْض أَهْل الْعِلْم : أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَكْرَانَ فَأَمَرَهُمْ بِضَرْبِهِ وَتَبْكِيتِهِ , فَدَلَّ عَلَى أَنْ لَا حَدَّ فِي السُّكْرِ بَلْ فِيهِ التَّنْكِيلُ وَالتَّبْكِيتُ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيل الْحَدّ لَبَيَّنَهُ بَيَانًا وَاضِحًا.
قَالَ : فَلَمَّا كَثُرَ الشُّرَّابُ فِي عَهْد عُمَر اِسْتَشَارَ الصَّحَابَة , وَلَوْ كَانَ عِنْدهمْ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ مَحْدُودٌ لَمَا تَجَاوَزُوهُ كَمَا لَمْ يَتَجَاوَزُوا حَدَّ الْقَذْفِ وَلَوْ كَثُرَ الْقَاذِفُونَ وَبَالَغُوا فِي الْفُحْشِ , فَلَمَّا اِقْتَضَى رَأْيُهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ كَحَدِّ الْقَذْف , وَاسْتَدَلَّ عَلِيٌّ بِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ فِي تَعَاطِيه مَا يُؤَدِّي إِلَى وُجُود الْقَذْف غَالِبًا أَوْ إِلَى مَا يُشْبِه الْقَذْف , ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْوُقُوف عِنْد تَقْدِير مَا وَقَعَ فِي زَمَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , دَلَّ عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَاهُ , لِأَنَّ الرِّوَايَات فِي التَّحْدِيد بِأَرْبَعِينَ اِخْتَلَفَتْ عَنْ أَنَس وَكَذَا عَنْ عَلِيّ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَتَجَاوَزُوا أَقَلَّ مَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَهُ لِأَنَّهُ الْمُحَقَّقُ سَوَاء كَانَ ذَلِكَ حَدًّا أَوْ تَعْزِيرًا.
الثَّانِي أَنَّ الْحَدّ فِيهِ أَرْبَعُونَ وَلَا تَجُوز الزِّيَادَة عَلَيْهَا.
الثَّالِث مِثْله لَكِنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَبْلُغ بِهِ ثَمَانِينَ , وَهَلْ تَكُون الزِّيَادَة مِنْ تَمَام الْحَدّ أَوْ تَعْزِيرًا ؟ قَوْلَانِ.
الرَّابِع أَنَّهُ ثَمَانُونَ وَلَا تَجُوز الزِّيَادَة عَلَيْهَا.
الْخَامِس كَذَلِكَ وَتَجُوز الزِّيَادَة تَعْزِيرًا.
وَعَلَى الْأَقْوَال كُلّهَا هَلْ يَتَعَيَّن الْجَلْدُ بِالسَّوْطِ أَوْ يَتَعَيَّن بِمَا عَدَاهُ أَوْ يَجُوز بِكُلٍّ مِنْ ذَلِكَ ؟ أَقْوَالٌ.
السَّادِسُ إِنْ شَرِبَ فَجُلِدَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَعَادَ الرَّابِعَةَ وَجَبَ قَتْلُهُ , وَقِيلَ إِنْ شَرِبَ أَرْبَعًا فَعَادَ الْخَامِسَةَ وَجَبَ قَتْلُهُ , وَهَذَا السَّادِس فِي الطَّرَف الْأَبْعَد مِنْ الْقَوْل الْأَوَّل وَكِلَاهُمَا شَاذٌّ وَأَظُنُّ الْأَوَّل رَأْي الْبُخَارِيّ فَإِنَّهُ لَمْ يُتَرْجِم بِالْعَدَدِ أَصْلًا وَلَا أَخْرَجَ هُنَا فِي الْعَدَد الصَّرِيح شَيْئًا مَرْفُوعًا , وَتَمَسَّكَ مَنْ قَالَ لَا يُزَاد عَلَى الْأَرْبَعِينَ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ تَحَرَّى مَا كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَهُ أَرْبَعِينَ فَعَمِلَ بِهِ.
وَلَا يُعْلَمُ لَهُ فِي زَمَنِهِ مُخَالِفٌ , فَإِنْ كَانَ السُّكُوت إِجْمَاعًا فَهَذَا الْإِجْمَاع سَابِقٌ عَلَى مَا وَقَعَ فِي عَهْدِ عُمَرَ وَالتَّمَسُّكُ بِهِ أَوْلَى لِأَنَّ مُسْتَنَدَهُ فِعْلُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ ثَمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ فَفَعَلَهُ فِي زَمَن عُثْمَانَ بِحَضْرَتِهِ وَبِحَضْرَةِ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الصَّحَابَة مِنْهُمْ عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر الَّذِي بَاشَرَ ذَلِكَ وَالْحَسَن بْن عَلِيّ , فَإِنْ كَانَ السُّكُوت إِجْمَاعًا فَهَذَا هُوَ الْأَخِير فَيَنْبَغِي تَرْجِيحه , وَتَمَسَّكَ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ الزِّيَادَة بِمَا صُنِعَ فِي عَهْد عُمَر مِنْ الزِّيَادَة , وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَ عَنْ الْأَرْبَعِينَ بِأَنَّ الْمَضْرُوب كَانَ عَبْدًا وَهُوَ بَعِيدٌ فَاحْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ : أَنْ يَكُون حَدًّا أَوْ تَعْزِيرًا , وَتَمَسَّكَ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ الزِّيَادَة عَلَى الثَّمَانِينَ تَعْزِيرًا بِمَا تَقَدَّمَ فِي الصِّيَام أَنَّ عُمَر حَدَّ الشَّارِب فِي رَمَضَان ثُمَّ نَفَاهُ إِلَى الشَّام , وَبِمَا أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة أَنَّ عَلِيًّا جَلَدَ النَّجَاشِيّ الشَّاعِر ثَمَانِينَ ثُمَّ أَصْبَحَ فَجَلَدَهُ عِشْرِينَ بِجَرَاءَتِهِ بِالشُّرْبِ فِي رَمَضَانَ , وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي جَوَازِ الْجَمْع بَيْن الْحَدّ وَالتَّعْزِير فِي الْكَلَام عَلَى تَغْرِيب الزَّانِي إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَتَمَسَّكَ مَنْ قَالَ يُقْتَلُ فِي الرَّابِعَة أَوْ الْخَامِسَة بِمَا سَأَذْكُرُهُ فِي الْبَاب الَّذِي بَعْدَهُ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَقَدْ اِسْتَقَرَّ الْإِجْمَاع عَلَى ثُبُوت حَدِّ الْخَمْر وَأَنْ لَا قَتْلَ فِيهِ وَاسْتَمَرَّ الِاخْتِلَافُ فِي الْأَرْبَعِينَ وَالثَّمَانِينَ , وَذَلِكَ خَاصٌّ بِالْحُرِّ الْمُسْلِمِ وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَلَا يُحَدُّ فِيهِ , وَعَنْ أَحْمَد رِوَايَة أَنَّهُ يُحَدُّ , وَعَنْهُ إِنْ سَكِرَ وَالصَّحِيح عِنْدهمْ كَالْجُمْهُورِ , وَأَمَّا مَنْ هُوَ فِي الرِّقّ فَهُوَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا عِنْد أَبِي ثَوْر وَأَكْثَرِ أَهْلِ الظَّاهِرِ فَقَالُوا الْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ لَا يُنْقَصُ عَنْ الْأَرْبَعِينَ نَقَلَهُ اِبْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ عَنْهُمْ , وَخَالَفَهُمْ اِبْن حَزْم فَوَافَقَ الْجُمْهُورَ.
حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْجُعَيْدِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كُنَّا نُؤْتَى بِالشَّارِبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمْرَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ فَنَقُومُ إِلَيْهِ بِأَيْدِينَا وَنِعَالِنَا وَأَرْدِيَتِنَا حَتَّى كَانَ آخِرُ إِمْرَةِ عُمَرَ فَجَلَدَ أَرْبَعِينَ حَتَّى إِذَا عَتَوْا وَفَسَقُوا جَلَدَ ثَمَانِينَ
عن عمر بن الخطاب: «أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارا، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي ص...
عن أبي هريرة قال: «أتي النبي صلى الله عليه وسلم بسكران، فأمر بضربه، فمنا من يضربه بيده ومنا من يضربه بنعله ومنا من يضربه بثوبه، فلما انصرف قال رجل: م...
عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن».<br>
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله السارق، يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده» قال الأعمش: كانوا يرون أنه بيض الحديد،...
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: «كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس فقال: بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا وقرأ...
عن واقد بن محمد: سمعت أبي قال عبد الله : «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: ألا أي شهر تعلمونه أعظم حرمة، قالوا:ألا شهرنا هذا، قال: أ...
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما خير النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يأثم، فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه، والله ما انتقم...
عن عائشة : «أن أسامة كلم النبي صلى الله عليه وسلم في امرأة، فقال: إنما هلك من كان قبلكم، أنهم كانوا يقيمون الحد على الوضيع ويتركون الشريف، والذي نفسي...
عن عائشة رضي الله عنها: «أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن يجترئ عليه إلا أسامة، حب رسول...