6788- عن عائشة رضي الله عنها: «أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن يجترئ عليه إلا أسامة، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أتشفع في حد من حدود الله، ثم قام فخطب، قال: يا أيها الناس، إنما ضل من قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، وايم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها.»
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله ( عَنْ عَائِشَة ) كَذَا قَالَ الْحُفَّاظ مِنْ أَصْحَاب اِبْن شِهَاب عَنْ عُرْوَة , وَشَذَّ عُمَر بْن قَيْس الْمَاصِر بِكَسْرِ الْمُهْمَلَة فَقَالَ : " اِبْن شِهَاب عَنْ عُرْوَة عَنْ أُمّ سَلَمَة " فَذَكَرَ حَدِيث الْبَاب سَوَاء أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخ فِي كِتَاب السَّرِقَة وَالطَّبَرَانِيُّ وَقَالَ : تَفَرَّدَ بِهِ عُمَر بْن قَيْس , يَعْنِي مِنْ حَدِيث أُمّ سَلَمَة.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي " الْعِلَل " : الصَّوَاب رِوَايَة الْجَمَاعَة.
قَوْله ( أَنَّ قُرَيْشًا ) أَيْ الْقَبِيلَة الْمَشْهُورَة , وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَان الْمُرَاد بِقُرَيْشٍ الَّذِي اِنْتَسَبُوا إِلَيْهِ فِي الْمَنَاقِب وَأَنَّ الْأَكْثَرَ أَنَّهُ فِهْرُ بْنُ مَالِكٍ , وَالْمُرَاد بِهِمْ هُنَا مَنْ أَدْرَكَ الْقِصَّةَ الَّتِي تُذْكَرُ بِمَكَّةَ.
قَوْله ( أَهَمَّتْهُمْ الْمَرْأَةُ ) أَيْ أَجَلَبَتْ إِلَيْهِمْ هَمًّا أَوْ صَيَّرَتْهُمْ ذَوِي هَمٍّ بِسَبَبِ مَا وَقَعَ مِنْهَا , يُقَالُ أَهَمَّنِي الْأَمْرُ أَيْ أَقْلَقَنِي , وَمَضَى فِي الْمَنَاقِبِ مِنْ رِوَايَة قُتَيْبَة عَنْ اللَّيْث بِهَذَا السَّنَد " أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ " أَيْ أَمْرُهَا الْمُتَعَلِّقُ بِالسَّرِقَةِ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة مَسْعُود بْن الْأَسْوَد الْآتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا " لَمَّا سَرَقَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ أَعْظَمْنَا ذَلِكَ فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَمَسْعُود الْمَذْكُور مِنْ بَطْن آخَر مِنْ قُرَيْش , وَهُوَ مِنْ بَنِي عَدِيّ بْن كَعْب رَهْط عُمَرَ.
وَسَبَبُ إِعْظَامِهِمْ ذَلِكَ خَشْيَةُ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهَا لِعِلْمِهِمْ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُرَخِّص فِي الْحُدُود , وَكَانَ قَطْع السَّارِق مَعْلُومًا عِنْدهمْ قَبْل الْإِسْلَام , وَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِقَطْعِ السَّارِق فَاسْتَمَرَّ الْحَال فِيهِ , وَقَدْ عَقَدَ اِبْنُ الْكَلْبِيِّ بَابًا لِمَنْ قُطِعَ فِي الْجَاهِلِيَّة بِسَبَبِ السَّرِقَة فَذَكَرَ قِصَّةَ الَّذِينَ سَرَقُوا غَزَال الْكَعْبَةِ فَقُطِعُوا فِي عَهْدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ جَدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَذَكَرَ مَنْ قُطِعَ فِي السَّرِقَة عَوْف بْن عَبْد بْن عَمْرو بْن مَخْزُوم وَمِقْيَس بْن قَيْس بْن عَدِيّ بْن سَعْد بْن سَهْم وَغَيْرهمَا وَأَنَّ عَوْفًا السَّابِقُ لِذَلِكَ.
قَوْله ( الْمَخْزُومِيَّة ) نِسْبَة إِلَى مَخْزُوم بْن يَقَظَة بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالْقَاف بَعْدهَا ظَاءٌ مُعْجَمَةٌ مُشَالَةٌ اِبْن مُرَّة بْن كَعْب بْن لُؤَيّ بْن غَالِب , وَمَخْزُوم أَخُو كُلَاب بْن مُرَّة الَّذِي نُسِبَ إِلَيْهِ بَنُو عَبْد مَنَاف.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل بْن أُمَيَّة عَنْ مُحَمَّد بْن مُسْلِم وَهُوَ الَّذِي عِنْد النَّسَائِيِّ " سَرَقَتْ اِمْرَأَة مِنْ قُرَيْش مِنْ بَنِي مَخْزُوم " وَاسْم الْمَرْأَة عَلَى الصَّحِيح فَاطِمَة بِنْت الْأَسْوَد بْن عَبْد الْأَسَد بْن عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن مَخْزُوم وَهِيَ بِنْت أَخِي أَبِي سَلَمَة اِبْن عَبْد الْأَسَد الصَّحَابِيّ الْجَلِيل الَّذِي كَانَ زَوْجَ أُمِّ سَلَمَةَ قَبْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قُتِلَ أَبُوهَا كَافِرًا يَوْم بَدْر قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْن عَبْد الْمُطَّلِب , وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُ صُحْبَةً.
وَقِيلَ هِيَ أُمّ عَمْرو بِنْت سُفْيَان بْن عَبْد الْأَسَد وَهِيَ بِنْتُ عُمَر الْمَذْكُورَة أَخْرَجَهُ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ اِبْن جُرَيْجٍ قَالَ : " أَخْبَرَنِي بِشْر بْن تَيْم أَنَّهَا أُمّ عَمْرو بْن سُفْيَان بْن عَبْد الْأَسَد , وَهَذَا مُعْضِلٌ , وَوَقَعَ مَعَ ذَلِكَ فِي سِيَاقه أَنَّهُ قَالَهُ " عَنْ ظَنٍّ وَحُسْبَانٍ " وَهُوَ غَلَطٌ مِمَّنْ قَالَهُ لِأَنَّ قِصَّتَهَا مُغَايِرَةٌ لِلْقِصَّةِ الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الْحَدِيث كَمَا سَأُوَضِّحُهُ.
قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ فِي " الِاسْتِيعَاب " : فَاطِمَة بِنْت الْأَسْوَد بْن عَبْد الْأَسَد هِيَ الَّتِي قَطَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهَا لِأَنَّهَا سَرَقَتْ حُلِيًّا فَكَلَّمَتْ قُرَيْشٌ أُسَامَةَ فَشَفَعَ فِيهَا وَهُوَ غُلَامٌ.
الْحَدِيث.
قُلْت : وَقَدْ سَاقَ ذَلِكَ اِبْن سَعْد فِي تَرْجَمَتِهَا فِي الطَّبَقَات مِنْ طَرِيق الْأَجْلَح بْن عَبْد اللَّه الْكِنْدِيّ عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت رَفَعَهُ " أَنَّ فَاطِمَة بِنْت الْأَسْوَد بْن عَبْد الْأَسَد سَرَقَتْ حُلِيًّا عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَشْفَعُوا " الْحَدِيث.
وَأَوْرَدَ عَبْد الْغَنِيّ بْن سَعِيد الْمِصْرِيّ فِي " الْمُبْهَمَات " مِنْ طَرِيق يَحْيَى بْن سَلَمَة بْن كُهَيْل عَنْ عَمَّار الدُّهْنِيّ عَنْ شَقِيق قَالَ : " سَرَقَتْ فَاطِمَة بِنْت أَبِي أَسَد بِنْت أَخِي أَبِي سَلَمَة , فَأَشْفَقَتْ قُرَيْش أَنْ يَقْطَعَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْحَدِيث.
وَالطَّرِيق الْأُولَى أَقْوَى , وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : لَا مُنَافَاةَ بَيْن قَوْله بِنْت الْأَسْوَد وَبِنْت أَبِي الْأَسْوَد لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ كُنْيَةُ الْأَسْوَدِ أَبَا الْأَسْوَدِ , وَأَمَّا قِصَّةُ أُمِّ عَمْرٍو فَذَكَرَهَا اِبْن سَعْد أَيْضًا وَابْن الْكَلْبِيّ فِي الْمَثَالِب وَتَبِعَهُ الْهَيْثَمُ بْن عَدِيّ فَذَكَرُوا أَنَّهَا خَرَجَتْ لَيْلًا فَوَقَعَتْ بِرَكْبٍ نُزُولٍ فَأَخَذَتْ عَيْبَةً لَهُمْ فَأَخَذَهَا الْقَوْم فَأَوْثَقُوهَا , فَلَمَّا أَصْبَحُوا أَتَوْا بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَاذَتْ بِحَقْوَيْ أُمِّ سَلَمَة , فَأَمَرَ بِهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُطِعَتْ , وَأَنْشَدُوا فِي ذَلِكَ شِعْرًا قَالَهُ خُنَيْس بْن يَعْلَى بْن أُمَيَّة , وَفِي رِوَايَة اِبْن سَعْد أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حَجَّة الْوَدَاع , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَات وَفِي غَزْوَة الْفَتْح أَنَّ قِصَّة فَاطِمَة بِنْت الْأَسْوَد كَانَتْ عَام الْفَتْح , فَظَهَرَ تَغَايُر الْقِصَّتَيْنِ وَأَنَّ بَيْنهمَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ , وَيَظْهَرُ فِي ذَلِكَ خَطَأُ مَنْ اِقْتَصَرَ عَلَى أَنَّهَا أُمُّ عَمْرٍو كَابْنِ الْجَوْزِيّ , وَمَنْ رَدَّدَهَا بَيْنَ فَاطِمَة وَأُمّ عَمْرو كَابْنِ طَاهِر وَابْن بَشْكُوَال وَمَنْ تَبِعَهُمَا فَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَقَدْ تَقَلَّدَ اِبْنُ حَزْمٍ مَا قَالَهُ بِشْر بْن تَيْم لَكِنَّهُ جَعَلَ قِصَّةَ أُمِّ عَمْرو بِنْت سُفْيَان فِي جَحْد الْعَارِيَة وَقِصَّة فَاطِمَة فِي السَّرِقَة , وَهُوَ غَلَطٌ أَيْضًا لِوُقُوعِ التَّصْرِيح فِي قِصَّة أُمّ عَمْرو بِأَنَّهَا سَرَقَتْ.
قَوْله ( الَّتِي سَرَقَتْ ) زَادَ يُونُس فِي رِوَايَته " فِي عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة الْفَتْح " وَوَقَعَ بَيَان الْمَسْرُوق فِي حَدِيث مَسْعُود بْن أَبِي الْأَسْوَد الْمَعْرُوف بِابْنِ الْعَجْمَاء.
فَأَخْرَجَ اِبْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ مُحَمَّد بْن طَلْحَة بْن رُكَانَة عَنْ أُمّه عَائِشَة بِنْت مَسْعُود بْن الْأَسْوَد عَنْ أَبِيهَا قَالَ : " لَمَّا سَرَقَتْ الْمَرْأَةُ تِلْكَ الْقَطِيفَةَ مِنْ بَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمْنَا ذَلِكَ , فَجِئْنَا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُكَلِّمُهُ " وَسَنَدُهُ حَسَنٌ , وَقَدْ صَرَّحَ فِيهِ اِبْن إِسْحَاق بِالتَّحْدِيثِ فِي رِوَايَة الْحَاكِم , وَكَذَا عَلَّقَهُ أَبُو دَاوُدَ فَقَالَ : " رَوَى مَسْعُود بْن الْأَسْوَد " وَقَالَ التِّرْمِذِيّ بَعْد حَدِيث عَائِشَة الْمَذْكُور هُنَا " وَفِي الْبَاب عَنْ مَسْعُود بْن الْعَجْمَاء " وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخ فِي " كِتَاب السَّرِقَة " مِنْ طَرِيق يَزِيد بْن أَبِي حَبِيب عَنْ مُحَمَّد بْن طَلْحَة فَقَالَ : " عَنْ خَالَته بِنْت مَسْعُود بْن الْعَجْمَاء عَنْ أَبِيهَا " فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مُحَمَّد بْن طَلْحَة سَمِعَهُ مِنْ أُمّه وَمِنْ خَالَتِهِ , وَوَقَعَ فِي مُرْسَل حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت الَّذِي أَشَرْت إِلَيْهِ أَنَّهَا سَرَقَتْ حُلِيًّا , وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الْحُلِيَّ كَانَ فِي الْقَطِيفَة فَاَلَّذِي ذَكَرَ الْقَطِيفَةَ أَرَادَ بِمَا فِيهَا , وَاَلَّذِي ذَكَرَ الْحُلِيّ ذَكَرَ الْمَظْرُوف دُون الظَّرْف.
ثُمَّ رُجِّحَ عِنْدِي أَنَّ ذِكْرَ الْحُلِيّ فِي قِصَّة هَذِهِ الْمَرْأَة وَهْمٌ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ , وَوَقَعَ فِي مُرْسَل الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب فِيمَا أَخْرَجَهُ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ اِبْن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن دِينَار أَنَّ الْحَسَن أَخْبَرَهُ قَالَ : سَرَقَتْ اِمْرَأَة , قَالَ عَمْرو : وَحَسِبْت أَنَّهُ قَالَ : " مِنْ ثِيَاب الْكَعْبَة " الْحَدِيث , وَسَنَدُهُ إِلَى الْحَسَنِ صَحِيحٌ فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْع وَإِلَّا فَالْأَوَّل أَقْوَى.
وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيّ فِي هَذَا الْحَدِيث " أَنَّ الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ " أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ , وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَة شُعَيْب بْن أَبِي حَمْزَة عَنْ الزُّهْرِيّ بِلَفْظِ " اِسْتَعَارَتْ اِمْرَأَةٌ عَلَى أَلْسِنَةِ نَاسٍ يُعْرَفُونَ وَهِيَ لَا تُعْرَفُ حُلِيًّا فَبَاعَتْهُ وَأَخَذَتْ ثَمَنَهُ " الْحَدِيث وَقَدْ بَيَّنَهُ أَبُو بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَارِث بْن هِشَام فِيمَا أَخْرَجَهُ عَبْد الرَّزَّاق بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَيْهِ " أَنَّ اِمْرَأَةً جَاءَتْ اِمْرَأَةً فَقَالَتْ : إِنَّ فُلَانَةَ تَسْتَعِيرُك حُلِيًّا فَأَعَارَتْهَا إِيَّاهُ , فَمَكَثَتْ لَا تَرَاهُ , فَجَاءَتْ إِلَى الَّتِي اِسْتَعَارَتْ لَهَا فَسَأَلَتْهَا فَقَالَتْ : مَا اِسْتَعَرْتُك شَيْئًا , فَرَجَعَتْ إِلَى الْأُخْرَى فَأَنْكَرَتْ فَجَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَاهَا فَسَأَلَهَا فَقَالَتْ : وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا اِسْتَعَرْت مِنْهَا شَيْئًا فَقَالَ : اِذْهَبُوا إِلَى بَيْتِهَا تَجِدُوهُ تَحْت فِرَاشِهَا.
فَأَتَوْهُ فَأَخَذُوهُ , وَأَمَرَ بِهَا فَقُطِعَتْ " الْحَدِيث فَيَحْتَمِل أَنْ تَكُونَ سَرَقَتْ الْقَطِيفَةَ وَجَحَدَتْ الْحُلِيَّ , وَأُطْلِقَ عَلَيْهَا فِي جَحْدِ الْحُلِيِّ فِي رِوَايَةِ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت سَرَقَتْ مَجَازًا.
قَالَ شَيْخُنَا فِي " شَرْحِ التِّرْمِذِيّ " اُخْتُلِفَ عَلَى الزُّهْرِيّ : فَقَالَ اللَّيْث وَيُونُس وَإِسْمَاعِيل بْن أُمَيَّة وَإِسْحَاق بْن رَاشِد سَرَقَتْ , وَقَالَ مَعْمَر وَشُعَيْب إِنَّهَا اِسْتَعَارَتْ وَجَحَدَتْ , قَالَ وَرَوَاهُ سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوب بْن مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيّ فَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ سَنَدًا وَمَتْنًا : فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ - يَعْنِي كَمَا تَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَات - عَنْ عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ قَالَ : ذَهَبْت أَسْأَلُ الزُّهْرِيَّ عَنْ حَدِيث الْمَخْزُومِيَّة فَصَاحَ عَلَيَّ , فَقُلْت لِسُفْيَان : فَلَمْ يَحْفَظْهُ عَنْ أَحَدٍ قَالَ : وَجَدْت فِي كِتَابٍ كَتَبَهُ أَيُّوب بْن مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيّ وَقَالَ فِيهِ إِنَّهَا سَرَقَتْ , وَهَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ إِنَّهَا سَرَقَتْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْهُ , وَعَنْ رِزْق اللَّه بْن مُوسَى عَنْ سُفْيَان كَذَلِكَ لَكِنْ قَالَ : " أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَارِقٍ فَقَطَعَهُ " فَذَكَرَهُ مُخْتَصَرًا , وَمِثْله لِأَبِي يَعْلَى عَنْ مُحَمَّد بْن عَبَّاد عَنْ سُفْيَان , وَأَخْرَجَهُ أَحْمَد عَنْ سُفْيَان كَذَلِكَ لَكِنْ فِي آخِرِهِ " قَالَ سُفْيَان لَا أَدْرِي مَا هُوَ ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا عَنْ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ عَنْ سُفْيَان عَنْ الزُّهْرِيّ بِلَفْظِ " كَانَتْ مَخْزُومِيَّة تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ " الْحَدِيث وَقَالَ فِي آخِره " قِيلَ لِسُفْيَان مَنْ ذَكَرَهُ ؟ قَالَ أَيُّوب بْن مُوسَى " فَذَكَرَهُ بِسَنَدِهِ الْمَذْكُورِ , وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيق اِبْن أَبِي زَائِدَة عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيّ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَقَالَ فِيهِ " سَرَقَتْ " قَالَ شَيْخُنَا : وَابْنُ عُيَيْنَةَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ الزُّهْرِيِّ وَلَا مِمَّنْ سَمِعَهُ مِنْ الزُّهْرِيِّ إِنَّمَا وَجَدَهُ فِي كِتَاب أَيُّوب بْن مُوسَى وَلَمْ يُصَرِّحْ بِسَمَاعِهِ مِنْ أَيُّوب بْن مُوسَى وَلِهَذَا قَالَ فِي رِوَايَة أَحْمَد " لَا أَدْرِي كَيْف هُوَ " كَمَا تَقَدَّمَ , وَجَزَمَ جَمَاعَة بِأَنَّ مُعْتَمِرًا تَفَرَّدَ عَنْ الزُّهْرِيّ بِقَوْلِهِ : " اِسْتَعَارَتْ وَجَحَدَتْ " وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَابَعَهُ شُعَيْب كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا عِنْد النَّسَائِيِّ , وَيُونُس كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَة أَبِي صَالِح كَاتِب اللَّيْث عَنْ اللَّيْث عَنْهُ , وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيّ لِلَّيْثِ عَنْ يُونُس لَكِنْ لَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ كَمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ وَكَذَا ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ شَبِيب بْن سَعِيد رَوَاهُ عَنْ يُونُس , وَكَذَلِكَ رَوَاهُ اِبْن أَخِي الزُّهْرِيّ عَنْ الزُّهْرِيّ أَخْرَجَهُ اِبْن أَيْمَنَ فِي مُصَنَّفه عَنْ إِسْمَاعِيل الْقَاضِي بِسَنَدِهِ إِلَيْهِ , وَأَخْرَجَ أَصْلَهُ أَبُو عَوَانَة فِي صَحِيحِهِ , وَاَلَّذِي اِتَّضَحَ لِي أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ مَحْفُوظَانِ عَنْ الزُّهْرِيّ وَأَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ تَارَةً بِهَذَا وَتَارَةً بِهَذَا , فَحَدَّثَ يُونُس عَنْهُ بِالْحَدِيثَيْنِ , وَاقْتَصَرَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيّ غَيْر يُونُس عَلَى أَحَد الْحَدِيثَيْنِ , فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو عَوَانَة فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيق أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ اِبْن عُمَر " أَنَّ اِمْرَأَةً مَخْزُومِيَّةً كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدهُ , فَأَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ يَدهَا " وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو عَوَانَة أَيْضًا مِنْ وَجْه آخَر عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ " اِسْتَعَارَتْ حُلِيًّا " وَقَدْ اِخْتَلَفَ نَظَرُ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ فَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ أَحْمَدُ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَإِسْحَاقُ وَانْتَصَرَ لَهُ اِبْن حَزْم مِنْ الظَّاهِرِيَّة , وَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِي جَحْدِ الْعَارِيَةِ وَهِيَ رِوَايَة عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا , وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيث بِأَنَّ رِوَايَة مَنْ رَوَى " سَرَقَتْ " أَرْجَحُ , وَبِالْجَمْعِ بَيْن الرِّوَايَتَيْنِ بِضَرْبٍ مِنْ التَّأْوِيل فَأَمَّا التَّرْجِيح فَنَقَلَ النَّوَوِيّ أَنَّ رِوَايَة مَعْمَر شَاذَّة مُخَالِفَة لِجَمَاهِير الرُّوَاة , قَالَ : وَالشَّاذَّة لَا يُعْمَل بِهَا.
وَقَالَ اِبْن الْمُنْذِر فِي الْحَاشِيَة وَتَبِعَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ : قِيلَ إِنَّ مَعْمَرًا اِنْفَرَدَ بِهَا.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : رِوَايَة أَنَّهَا سَرَقَتْ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ مِنْ رِوَايَة الْجَحْد , فَقَدْ اِنْفَرَدَ بِهَا مَعْمَر وَحْدَهُ مِنْ بَيْن الْأَئِمَّة الْحُفَّاظ , وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ مَنْ لَا يُقْتَدَى بِحِفْظِهِ كَابْنِ أَخِي الزُّهْرِيّ وَنَمَطِهِ.
هَذَا قَوْل الْمُحَدِّثِينَ.
قُلْت سَبَقَهُ لِبَعْضِهِ الْقَاضِي عِيَاض , وَهُوَ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى رِوَايَتِهِ شُعَيْب وَيُونُس بِمُوَافَقَةِ مَعْمَر إِذْ لَوْ وَقَفَ عَلَيْهَا لَمْ يَجْزِم بِتَفَرُّدِ مَعْمَر وَأَنَّ مَنْ وَافَقَهُ كَابْنِ أَخِي الزُّهْرِيّ وَنَمَطِهِ وَلَا زَادَ الْقُرْطُبِيّ نِسْبَة ذَلِكَ لِلْمُحَدِّثِينَ إِذْ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ قَرَنَ شُعَيْبَ بْنَ أَبِي حَمْزَة وَيُونُس بْن يَزِيد وَأَيُّوب بْن مُوسَى بِابْنِ أَخِي الزُّهْرِيّ بَلْ هُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ شُعَيْبًا وَيُونُسَ أَرْفَعُ دَرَجَةً فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ مِنْ اِبْن أَخِيهِ , وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِي هَذَا الِاخْتِلَاف عَنْ الزُّهْرِيّ تَرْجِيحٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اِخْتِلَاف الرُّوَاة عَنْهُ إِلَّا لِكَوْنِ رِوَايَة " سَرَقَتْ " مُتَّفَقًا عَلَيْهَا وَرِوَايَة " جَحَدَتْ " اِنْفَرَدَ بِهَا مُسْلِم , وَهَذَا لَا يَدْفَع تَقْدِيم الْجَمْع إِذَا أَمْكَنَ بَيْن الرِّوَايَتَيْنِ , وَقَدْ جَاءَ عَنْ بَعْض الْمُحَدِّثِينَ عَكْسُ كَلَام الْقُرْطُبِيّ فَقَالَ : لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى مَعْمَر وَلَا عَلَى شُعَيْب وَهُمَا فِي غَايَة الْجَلَالَة فِي الزُّهْرِيّ , وَقَدْ وَافَقَهُمَا اِبْن أَخِي الزُّهْرِيّ , وَأَمَّا اللَّيْث وَيُونُس وَإِنْ كَانَا فِي الزُّهْرِيّ كَذَلِكَ فَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِمَا فِيهِ , وَأَمَّا إِسْمَاعِيل بْن أُمَيَّة وَإِسْحَاق بْن رَاشِد فَدُون مَعْمَر وَشُعَيْب فِي الْحِفْظ قُلْت : وَكَذَا اُخْتُلِفَ عَلَى أَيُّوب بْن مُوسَى كَمَا تَقَدَّمَ , وَعَلَى هَذَا فَيَتَعَادَلُ الطَّرِيقَانِ وَيَتَعَيَّنُ الْجَمْعُ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ إِطْرَاح أَحَد الطَّرِيقَيْنِ , فَقَالَ بَعْضُهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ اِبْن حَزْم وَغَيْره : هُمَا قِصَّتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ لِامْرَأَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ أَنَّهُمْ اِسْتَشْفَعُوا بِأُسَامَة وَأَنَّهُ شَفَعَ وَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ : " لَا تَشْفَع فِي حَدٍّ مِنْ حُدُود اللَّه " فَيَبْعُدُ أَنَّ أُسَامَةَ يَسْمَعُ النَّهْيَ الْمُؤَكَّدَ عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ يَعُود إِلَى ذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى وَلَا سِيَّمَا إِنْ اِتَّحَدَ زَمَنُ الْقِصَّتَيْنِ , وَأَجَابَ اِبْن حَزْم بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْسَى وَيَجُوز أَنْ يَكُون الزَّجْر عَنْ الشَّفَاعَة فِي حَدّ السَّرِقَة تَقَدَّمَ فَظَنَّ أَنَّ الشَّفَاعَة فِي جَحْد الْعَارِيَة جَائِزٌ وَأَنْ لَا حَدَّ فِيهِ فَشَفَعَ فَأُجِيبَ بِأَنَّ فِيهِ الْحَدَّ أَيْضًا , وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ الِاحْتِمَالَيْنِ.
وَحَكَى اِبْن الْمُنْذِر عَنْ بَعْض الْعُلَمَاء أَنَّ الْقِصَّة لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ اِسْتَعَارَتْ وَجَحَدَتْ وَسَرَقَتْ فَقُطِعَتْ لِلسَّرِقَةِ لَا لِلْعَارِيَةِ , قَالَ : وَبِذَلِكَ نَقُول وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي " مَعَالِمِ السُّنَنِ " بَعْد أَنْ حَكَى الْخِلَاف وَأَشَارَ إِلَى مَا حَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر : وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ الْعَارِيَةُ وَالْجَحْدُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ تَعْرِيفًا لَهَا بِخَاصِّ صِفَتِهَا إِذْ كَانَتْ تُكْثِرُ ذَلِكَ كَمَا عُرِفَتْ بِأَنَّهَا مَخْزُومِيَّة , وَكَأَنَّهَا لَمَّا كَثُرَ مِنْهَا ذَلِكَ تَرَقَّتْ إِلَى السَّرِقَة وَتَجَرَّأَتْ عَلَيْهَا.
وَتَلَقَّفَ هَذَا الْجَوَابَ مِنْ الْخَطَّابِيِّ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ : تُحْمَل رِوَايَة مَنْ ذَكَرَ جَحْدَ الْعَارِيَةِ عَلَى تَعْرِيفِهَا بِذَلِكَ , وَالْقَطْعَ عَلَى السَّرِقَةِ.
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ نَحْوه , وَنَقَلَهُ الْمَازِرِيّ ثُمَّ النَّوَوِيّ عَنْ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : يَتَرَجَّح أَنَّ يَدَهَا قُطِعَتْ عَلَى السَّرِقَةِ لَا لِأَجْلِ جَحْدِ الْعَارِيَةِ مِنْ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ الَّذِي ذُكِرَتْ فِيهِ الْعَارِيَةُ " لَوْ أَنَّ فَاطِمَة سَرَقَتْ " فَإِنَّ فِيهِ دَلَالَةً قَاطِعَةً عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ قُطِعَتْ فِي السَّرِقَةِ , إِذْ لَوْ كَانَ قَطْعُهَا لِأَجْلِ الْجَحْدِ لَكَانَ ذِكْرُ السَّرِقَةِ لَاغِيًا , وَلَقَالَ : لَوْ أَنَّ فَاطِمَة جَحَدَتْ الْعَارِيَة.
قُلْت : وَهَذَا قَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا.
ثَانِيهَا لَوْ كَانَتْ قُطِعَتْ فِي جَحْدِ الْعَارِيَةِ لَوَجَبَ قَطْعُ كُلِّ مَنْ جَحَدَ شَيْئًا إِذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ الْعَارِيَةِ.
ثَالِثهَا أَنَّهُ عَارَضَ ذَلِكَ حَدِيثُ " لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ وَلَا مُخْتَلِسٍ وَلَا مُنْتَهِبٍ قَطْعٌ " وَهُوَ حَدِيثٌ قَوِيٌّ.
قُلْت : أَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَة وَصَحَّحَهُ أَبُو عَوَانَة وَالتِّرْمِذِيّ مِنْ طَرِيقِ اِبْن جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر رَفَعَهُ , وَصَرَّحَ اِبْن جُرَيْجٍ فِي رِوَايَة لِلنَّسَائِيِّ بِقَوْلِهِ " أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْر " وَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ , فَقَدْ صَرَّحَ أَبُو دَاوُدَ بِأَنَّ اِبْن جُرَيْجٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي الزُّبَيْر , قَالَ : وَبَلَغَنِي عَنْ أَحْمَدَ أَنَّمَا سَمِعَهُ اِبْن جُرَيْجٍ مِنْ يَاسِين الزَّيَّات , وَنَقَلَ اِبْن عَدِيّ فِي " الْكَامِل " عَنْ أَهْل الْمَدِينَة أَنَّهُمْ قَالُوا : لَمْ يَسْمَع اِبْنُ جُرَيْجٍ مِنْ أَبِي الزُّبَيْر , وَقَالَ النَّسَائِيُّ : رَوَاهُ الْحُفَّاظ مِنْ أَصْحَاب اِبْن جُرَيْجٍ عَنْهُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْر فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَخْبَرَنِي وَلَا أَحْسَبُهُ سَمِعَهُ.
قُلْت : لَكِنْ وُجِدَ لَهُ مُتَابِعٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْر أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيق الْمُغِيرَة بْن مُسْلِم عَنْ أَبِي الزُّبَيْر , لَكِنْ أَبُو الزُّبَيْر مُدَلِّسٌ أَيْضًا وَقَدْ عَنْعَنَهُ عَنْ جَابِرٍ , لَكِنْ أَخْرَجَهُ اِبْن حِبَّانَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ بِمُتَابَعَةِ أَبِي الزُّبَيْر فَقَوِيَ الْحَدِيثُ , وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى الْعَمَل بِهِ إِلَّا مَنْ شَذَّ , فَنَقَلَ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ إِيَاس بْن مُعَاوِيَة أَنَّهُ قَالَ : الْمُخْتَلِسُ يُقْطَعُ , كَأَنَّهُ أَلْحَقَهُ بِالسَّارِقِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْأَخْذِ خُفْيَةً , وَلَكِنَّهُ خِلَاف مَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْخَبَرِ , وَإِلَّا مَا ذَكَرَ مَنْ قَطَعَ جَاحِدَ الْعَارِيَة , وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ لَا قَطْعَ عَلَى الْخَائِن فِي غَيْر ذَلِكَ وَلَا عَلَى الْمُنْتَهِب إِلَّا إِنْ كَانَ قَاطِعَ طَرِيقٍ وَاَللَّه أَعْلَمُ.
وَعَارَضَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ خَالَفَ فَقَالَ اِبْن الْقَيِّم الْحَنْبَلِيّ : لَا تَنَافِيَ بَيْن جَحْد الْعَارِيَة وَبَيْن السَّرِقَة , فَإِنَّ الْجَحْد دَاخِل فِي اِسْم السَّرِقَة فَيُجْمَع بَيْن الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّ الَّذِينَ قَالُوا سُرِقَتْ أَطْلَقُوا عَلَى الْجَحْد سَرِقَة , كَذَا قَالَ وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ.
قَالَ : وَاَلَّذِي أَجَابَ بِهِ الْخَطَّابِيُّ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُرَتِّبَ عَلَى الْوَصْف مَعْمُول بِهِ , وَيُقَوِّيه أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ وَتَرْتِيبَهُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ الْقَطْعَ عَلَى السَّرِقَةِ وَفِي الْأُخْرَى عَلَى الْجَحْد عَلَى حَدٍّ سَوَاء , وَتَرْتِيب الْحُكْم عَلَى الْوَصْف يُشْعِرُ بِالْعِلْمِيَّةِ , فَكُلٌّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ دَلَّ عَلَى أَنَّ عِلَّة الْقَطْع كُلٌّ مِنْ السَّرِقَة وَجَحْدِ الْعَارِيَةِ عَلَى اِنْفِرَادِهِ , وَيُؤَيِّد ذَلِكَ أَنَّ سِيَاق حَدِيث اِبْن عُمَر لَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ لِلسَّرِقَةِ وَلَا لِلشَّفَاعَةِ مِنْ أُسَامَة , وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهَا قُطِعَتْ فِي ذَلِكَ , وَأَبْسَطُ مَا وَجَدْت مِنْ طُرُقِهِ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَة لَهُ " أَنَّ اِمْرَأَة كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْحُلِيَّ فِي زَمَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَعَارَتْ مِنْ ذَلِكَ حُلِيًّا فَجَمَعَتْهُ ثُمَّ أَمْسَكَتْهُ , فَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : لِتَتُبْ اِمْرَأَةٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتُؤَدِّ مَا عِنْدَهَا , مِرَارًا.
فَلَمْ تَفْعَلْ , فَأَمَرَ بِهَا فَقُطِعَتْ " وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ مُرْسَل سَعِيد بْن الْمُسَيِّب " أَنَّ اِمْرَأَةً مِنْ بَنِي مَخْزُوم اِسْتَعَارَتْ حُلِيًّا عَلَى لِسَان أُنَاس فَجَحَدَتْ , فَأَمَرَ بِهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُطِعَتْ " وَأَخْرَجَهُ عَبْد الرَّزَّاق بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَيْضًا إِلَى سَعِيد قَالَ : " أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ فِي بَيْت عَظِيم مِنْ بُيُوت قُرَيْش قَدْ أَتَتْ أُنَاسًا فَقَالَتْ إِنَّ آلَ فُلَانٍ يَسْتَعِيرُونَكُمْ كَذَا فَأَعَارُوهَا ثُمَّ أَتَوْا أُولَئِكَ فَأَنْكَرُوا , ثُمَّ أَنْكَرَتْ هِيَ , فَقَطَعَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " , وَقَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : صَنِيع صَاحِب " الْعُمْدَة " حَيْثُ أَوْرَدَ الْحَدِيثَ بِلَفْظِ اللَّيْث ثُمَّ قَالَ وَفِي لَفْظٍ فَذَكَرَ لَفْظ مَعْمَر يَقْتَضِي أَنَّهَا قِصَّة وَاحِدَة وَاخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ كَانَتْ سَارِقَةً أَوْ جَاحِدَةً , يَعْنِي لِأَنَّهُ أَوْرَدَ حَدِيث عَائِشَة بِاللَّفْظِ الَّذِي أَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيق اللَّيْث ثُمَّ قَالَ : وَفِي لَفْظ كَانَتْ اِمْرَأَةٌ تَسْتَعِير الْمَتَاعَ وَتَجْحَدهُ فَأَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ يَدهَا , وَهَذِهِ رِوَايَة مَعْمَر فِي مُسْلِم فَقَطْ قَالَ : وَعَلَى هَذَا فَالْحُجَّة فِي هَذَا الْخَبَرِ فِي قَطْعِ الْمُسْتَعِير ضَعِيفَة لِأَنَّهُ اِخْتِلَاف فِي وَاقِعَة وَاحِدَة فَلَا يُبَتُّ الْحُكْمُ فِيهِ بِتَرْجِيحِ مَنْ رَوَى أَنَّهَا جَاحِدَة عَلَى الرِّوَايَة الْأُخْرَى , يَعْنِي وَكَذَا عَكْسُهُ فَيَصِحُّ أَنَّهَا قُطِعَتْ بِسَبَبِ الْأَمْرَيْنِ , وَالْقَطْع فِي السَّرِقَة مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَيَتَرَجَّح عَلَى الْقَطْع فِي الْجَحْد الْمُخْتَلَف فِيهِ.
قُلْت : وَهَذِهِ أَقْوَى الطُّرُق فِي نَظَرِي , وَقَدْ تَقَدَّمَ الرَّدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقِصَّةَ وَقَعَتْ لِامْرَأَتَيْنِ فَقُطِعَتَا فِي أَوَائِلِ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ , وَالْإِلْزَامُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيّ - فِي أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْقَطْعُ فِي جَحْدِ الْعَارِيَةِ لَلَزِمَ الْقَطْعُ فِي جَحْدِ غَيْرِ الْعَارِيَةِ - قَوِيٌّ أَيْضًا , فَإِنَّ مَنْ يَقُولُ بِالْقَطْعِ فِي جَحْدِ الْعَارِيَةِ لَا يَقُولُ بِهِ فِي جَحْدِ غَيْرِ الْعَارِيَةِ فَيُقَاس الْمُخْتَلَفُ فِيهِ عَلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِالْقَطْعِ فِي الْجَحْدِ عَلَى الْإِطْلَاقِ , وَأَجَابَ اِبْن الْقَيِّم بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ جَحْدِ الْعَارِيَةِ وَجَحْدِ غَيْرِهَا أَنَّ السَّارِقَ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَكَذَلِكَ جَاحِدُ الْعَارِيَةِ بِخِلَافِ الْمُخْتَلِس مِنْ غَيْر حِرْزٍ وَالْمُنْتَهِب , قَالَ : وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحَاجَة مَاسَّةٌ بَيْن النَّاس إِلَى الْعَارِيَة , فَلَوْ عَلِمَ الْمُعِيرُ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ إِذَا جَحَدَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَجَرَّ ذَلِكَ إِلَى سَدِّ بَابِ الْعَارِيَةِ وَهُوَ خِلَاف مَا تَدُلّ عَلَيْهِ حِكْمَة الشَّرِيعَة , بِخِلَافِ مَا إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُقْطَعُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُون أَدْعَى إِلَى اِسْتِمْرَار الْعَارِيَة.
وَهِيَ مُنَاسَبَةٌ لَا تَقُوم بِمُجَرَّدِهَا حُجَّةٌ إِذَا ثَبَتَ حَدِيثُ جَابِرٍ فِي أَنْ لَا قَطْعَ عَلَى خَائِن , وَقَدْ فَرَّ مِنْ هَذَا بَعْضُ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ فَخَصَّ الْقَطْعَ بِمَنْ اِسْتَعَارَ عَلَى لِسَان غَيْره مُخَادِعًا لِلْمُسْتَعَارِ مِنْهُ ثُمَّ تَصَرَّفَ فِي الْعَارِيَة وَأَنْكَرَهَا لَمَّا طُولِبَ بِهَا , فَإِنَّ هَذَا لَا يُقْطَعُ بِمُجَرَّدِ الْخِيَانَةِ بَلْ لِمُشَارَكَتِهِ السَّارِقَ فِي أَخْذِ الْمَالِ خُفْيَةً.
( تَنْبِيهٌ ) قَوْل سُفْيَان الْمُتَقَدِّم : ذَهَبْت أَسْأَل الزُّهْرِيّ عَنْ حَدِيث الْمَخْزُومِيَّة الَّتِي سَرَقَتْ فَصَاحَ عَلَيَّ مِمَّا يَكْثُرُ السُّؤَالُ عَنْهُ وَعَنْ سَبَبِهِ , وَقَدْ أَوْضَحَ ذَلِكَ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ سُفْيَان , فَرَأَيْنَا فِي كِتَاب الْمُحَدِّث الْفَاضِل لِأَبِي مُحَمَّد الرَّامَهُرْمُزِيّ مِنْ طَرِيق سُلَيْمَان بْن عَبْد الْعَزِيز أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن إِدْرِيس قَالَ : قُلْت لِسُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ كَمْ سَمِعْت مِنْ الزُّهْرِيّ ؟ قَالَ : أَمَّا مَعَ النَّاس فَمَا أُحْصِي , وَأَمَّا وَحْدِي فَحَدِيث وَاحِد , دَخَلْت يَوْمًا مِنْ بَاب بَنِي شَيْبَة فَإِذَا أَنَا بِهِ جَالِس إِلَى عَمُود فَقُلْت : يَا أَبَا بَكْرٍ حَدِّثْنِي حَدِيث الْمَخْزُومِيَّة الَّتِي قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهَا , قَالَ فَضَرَبَ وَجْهِي بِالْحَصَى ثُمَّ قَالَ : قُمْ ; فَمَا يَزَال عَبْدٌ يَقْدَمُ عَلَيْنَا بِمَا نَكْرَهُ , قَالَ : فَقُمْت مُنْكَسِرًا , فَمَرَّ رَجُلٌ فَدَعَاهُ فَلَمْ يَسْمَعْ فَرَمَاهُ بِالْحَصَى فَلَمْ يَبْلُغْهُ فَاضْطُرَّ إِلَيَّ فَقَالَ : اُدْعُهُ لِي , فَدَعَوْته لَهُ فَأَتَاهُ فَقَضَى حَاجَتَهُ , فَنَظَرَ إِلَيَّ فَقَالَ : تَعَالَ , فَجِئْت فَقَالَ : " أَخْبَرَنِي سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَأَبُو سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ " الْحَدِيث , ثُمَّ قَالَ لِي : هَذَا خَيْرٌ لَك مِنْ الَّذِي أَرَدْت.
قُلْت : وَهَذَا الْحَدِيث الْأَخِير أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعَةُ مِنْ طَرِيق سُفْيَان بِدُونِ الْقِصَّة.
قَوْله ( فَقَالُوا مَنْ يُكَلِّم فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) أَيْ يَشْفَع عِنْده فِيهَا أَنْ لَا تُقْطَعَ إِمَّا عَفْوًا وَإِمَّا بِفِدَاءٍ , وَقَدْ وَقَعَ مَا يَدُلُّ عَلَى الثَّانِي فِي حَدِيث مَسْعُود بْن الْأَسْوَد وَلَفْظُهُ بَعْد قَوْله أَعْظَمْنَا ذَلِكَ " فَجِئْنَا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا : نَحْنُ نَفْدِيهَا بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّة , فَقَالَ : تُطَهَّرُ خَيْرٌ لَهَا " وَكَأَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ بِالْفِدْيَةِ كَمَا ظَنَّ ذَلِكَ مَنْ أَفْتَى وَالِدَ الْعَسِيف الَّذِي زَنَى بِأَنَّهُ يَفْتَدِي مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ.
وَوَجَدْت لِحَدِيثِ مَسْعُود هَذَا شَاهِدًا عِنْد أَحْمَدَ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو " أَنَّ اِمْرَأَة سَرَقَتْ عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قَوْمُهَا : نَحْنُ نَفْدِيهَا ".
قَوْله ( مَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ ) بِسُكُونِ الْجِيم وَكَسْرِ الرَّاء يَفْتَعِلُ مِنْ الْجُرْأَةِ بِضَمِّ الْجِيم وَسُكُون الرَّاء وَفَتْحِ الْهَمْزَة , وَيَجُوز فَتْحُ الْجِيم وَالرَّاء مَعَ الْمَدِّ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة قُتَيْبَة " فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئ عَلَيْهِ " وَهُوَ أَوْضَحُ لِأَنَّ الَّذِي اِسْتَفْهَمَ بِقَوْلِهِ : " مَنْ يُكَلِّم " غَيْرُ الَّذِي أَجَابَ بِقَوْلِهِ " وَمَنْ يَجْتَرِئُ " وَالْجُرْأَة هِيَ الْإِقْدَامُ بِإِدْلَالٍ , وَالْمَعْنَى مَا يَجْتَرِئ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ , وَقَالَ الطِّيبِيُّ : الْوَاو عَاطِفَة عَلَى مَحْذُوف تَقْدِيره لَا يَجْتَرِئ عَلَيْهِ أَحَدٌ لِمَهَابَتِهِ , لَكِنَّ أُسَامَةَ لَهُ عَلَيْهِ إِدْلَالٌ فَهُوَ يَجْسُرُ عَلَى ذَلِكَ.
وَوَقَعَ فِي حَدِيث مَسْعُود بْن الْأَسْوَد بَعْد قَوْله تُطَهَّرُ خَيْرٌ لَهَا " فَلَمَّا سَمِعْنَا لِين قَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَيْنَا أُسَامَة " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة يُونُس الْمَاضِيَة فِي الْفَتْح " فَفَزِعَ قَوْمهَا إِلَى أُسَامَة " أَيْ لَجَئُوا وَفِي رِوَايَة أَيُّوب بْن مُوسَى فِي الشَّهَادَات " فَلَمْ يَجْتَرِئ أَحَد أَنْ يُكَلِّمهُ إِلَّا أُسَامَة " وَكَانَ السَّبَب فِي اِخْتِصَاص أُسَامَة بِذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ اِبْن سَعْد مِنْ طَرِيق جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن عَنْ أَبِيهِ " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأُسَامَة : لَا تَشْفَع فِي حَدٍّ , وَكَانَ إِذَا شَفَعَ شَفَّعَهُ " بِتَشْدِيدِ الْفَاء أَيْ قَبِلَ شَفَاعَته , وَكَذَا وَقَعَ فِي مُرْسَل حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت " وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشَفِّعهُ ".
قَوْله ( حِبّ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَة بِمَعْنَى مَحْبُوب مِثْل قِسْم بِمَعْنَى مَقْسُومٍ , وَفِي ذَلِكَ تَلْمِيح بِقَوْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبّهُ فَأَحِبَّهُ " وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَنَاقِب.
قَوْله ( فَكَلَّمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) بِالنَّصْبِ , وَفِي رِوَايَة قُتَيْبَة " فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ " وَفِي الْكَلَام شَيْء مَطْوِيّ تَقْدِيره فَجَاءُوا إِلَى أُسَامَة فَكَلَّمُوهُ فِي ذَلِكَ فَجَاءَ أُسَامَة إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة يُونُس " فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ فِيهَا ) فَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَنَّ الشَّافِع يَشْفَع بِحَضْرَةِ الْمَشْفُوع لَهُ لِيَكُونَ أَعْذَرَ لَهُ عِنْده إِذَا لَمْ تُقْبَل شَفَاعَته.
وَعِنْد النَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَة إِسْمَاعِيل بْن أُمَيَّة " فَكَلَّمَهُ فَزَبَرَهُ " بِفَتْحِ الزَّاي وَالْمُوَحَّدَة أَيْ أَغْلَظَ لَهُ فِي النَّهْي حَتَّى نَسَبَهُ إِلَى الْجَهْل , لِأَنَّ الزَّبْرَ بِفَتْحٍ ثُمَّ سُكُونٍ هُوَ الْعَقْل , وَفِي رِوَايَة يُونُس " فَكَلَّمَهُ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " زَادَ شُعَيْب عِنْد النَّسَائِيِّ " وَهُوَ يُكَلِّمهُ " وَفِي مُرْسَل حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت " فَلَمَّا أَقْبَلَ أُسَامَةُ وَرَآهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَا تُكَلِّمْنِي يَا أُسَامَة ".
قَوْله ( فَقَالَ : أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُود اللَّه ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَام الْإِنْكَارِيّ لِأَنَّهُ كَانَ سَبَقَ لَهُ مَنْعُ الشَّفَاعَةِ فِي الْحَدّ قَبْل ذَلِكَ , زَادَ يُونُس وَشُعَيْب " فَقَالَ أُسَامَة : اِسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُول اللَّه " وَوَقَعَ فِي حَدِيث جَابِر عِنْد مُسْلِم وَالنَّسَائِيِّ " أَنَّ اِمْرَأَة مِنْ بَنِي مَخْزُوم سَرَقَتْ , فَأُتِيَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَاذَتْ بِأُمِّ سَلَمَة " بِذَالٍ مُعْجَمَة أَيْ اِسْتَجَارَتْ أَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيق مَعْقِل بْن يَسَار عَنْ عُبَيْد اللَّه عَنْ أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر , وَذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ تَعْلِيقًا , وَالْحَاكِم مَوْصُولًا مِنْ طَرِيق مُوسَى بْن عُقْبَة عَنْ أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر " فَعَاذَتْ بِزَيْنَب بِنْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : يَجُوز أَنْ تَكُون عَاذَتْ بِكُلٍّ مِنْهُمَا , وَتَعَقَّبَهُ شَيْخنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيّ بِأَنَّ زَيْنَب بِنْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ مَاتَتْ قَبْل هَذِهِ الْقِصَّةِ لِأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ كَانَتْ فِي غَزْوَة الْفَتْح وَهِيَ فِي رَمَضَان سَنَة ثَمَانٍ وَكَانَ مَوْت زَيْنَب قَبْل ذَلِكَ فِي جُمَادَى الْأُولَى مِنْ السَّنَةِ فَلَعَلَّ الْمُرَاد أَنَّهَا عَاذَتْ بِزَيْنَب رَبِيبَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ بِنْت أُمّ سَلَمَة فَتَصَحَّفَتْ عَلَى بَعْض الرُّوَاة.
قُلْت : أَوْ نُسِبَتْ زَيْنَب بِنْت أُمّ سَلَمَة إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجَازًا لِكَوْنِهَا رَبِيبَتَهُ فَلَا يَكُون فِيهِ تَصْحِيف.
ثُمَّ قَالَ شَيْخنَا : وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَد هَذَا الْحَدِيث مِنْ طَرِيق اِبْن أَبِي الزِّنَاد عَنْ مُوسَى بْن عُقْبَة وَقَالَ فِيهِ : " فَعَاذَتْ بِرَبِيبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بِرَاءٍ وَمُوَحَّدَة مَكْسُورَة وَحَذْفِ لَفْظ بِنْت , وَقَالَ فِي آخِرِهِ : قَالَ اِبْن أَبِي الزِّنَاد وَكَانَ رَبِيب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَمَة بْن أَبِي سَلَمَة وَعُمَر بْن أَبِي سَلَمَة فَعَاذَتْ بِأَحَدِهِمَا.
قُلْت : وَقَدْ ظَفِرْت بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَة , فَأَخْرَجَ عَبْد الرَّزَّاق مِنْ مُرْسَل الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ " قَالَ سَرَقَتْ اِمْرَأَة - فَذَكَرَ الْحَدِيث وَفِيهِ - فَجَاءَ عُمَر بْن أَبِي سَلَمَة فَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيْ أَبَهْ , إِنَّهَا عَمَّتِي , فَقَالَ : لَوْ كَانَتْ فَاطِمَة بِنْت مُحَمَّد لَقَطَعْت يَدهَا " قَالَ عَمْرو بْن دِينَار الرَّاوِي عَنْ الْحَسَن : فَلَمْ أَشُكَّ أَنَّهَا بِنْتُ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ.
قُلْت : وَلَا مُنَافَاةَ بَيْن الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ جَابِر , فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا اِسْتَجَارَتْ بِأُمِّ سَلَمَة بِأَوْلَادِهَا وَاخْتَصَّهَا بِذَلِكَ لِأَنَّهَا قَرِيبَتُهَا وَزَوْجهَا عَمّهَا , وَإِنَّمَا قَالَ عُمَر بْن أَبِي سَلَمَة " عَمَّتِي " مِنْ جِهَة السِّنِّ , وَإِلَّا فَهِيَ بِنْت عَمِّهِ أَخِي أَبِيهِ , وَهُوَ كَمَا قَالَتْ خَدِيجَة لِوَرَقَةَ فِي قِصَّةِ الْمَبْعَثِ " أَيْ عَمِّ اِسْمَعْ مِنْ اِبْنِ أَخِيك " وَهُوَ اِبْن عَمِّهَا أَخِي أَبِيهَا أَيْضًا.
وَوَقَعَ عِنْد أَبِي الشَّيْخ مِنْ طَرِيق أَشْعَثَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر " أَنَّ اِمْرَأَة مِنْ بَنِي مَخْزُوم سَرَقَتْ , فَعَاذَتْ بِأُسَامَة " وَكَأَنَّهَا جَاءَتْ مَعَ قَوْمهَا فَكَلَّمُوا أُسَامَة بَعْد أَنْ اِسْتَجَارَتْ بِأُمِّ سَلَمَة , وَوَقَعَ فِي مُرْسَل حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت " فَاسْتَشْفَعُوا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَيْرِ وَاحِد فَكَلَّمُوا أُسَامَة ".
قَوْله ( ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ ) فِي رِوَايَة قُتَيْبَة " فَاخْتَطَبَ " وَفِي رِوَايَة يُونُس " فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ قَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا ".
قَوْله ( فَقَالَ يَا أَيّهَا النَّاس ) فِي رِوَايَة قُتَيْبَة بِحَذْفِ يَا مِنْ أَوَّله , وَفِي رِوَايَة يُونُس فَقَامَ خَطِيبًا فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ : " أَمَّا بَعْدُ ".
قَوْله ( إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ) فِي رِوَايَة أَبِي الْوَلِيد " هَلَكَ " وَكَذَا لِمُحَمَّدِ بْن رُمْح عِنْد مُسْلِم , وَفِي رِوَايَة.
سُفْيَان عِنْد النَّسَائِيِّ " إِنَّمَا هَلَكَ بَنُو إِسْرَائِيل " وَفِي رِوَايَة قُتَيْبَة " أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ " قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : الظَّاهِر أَنَّ هَذَا الْحَصْر لَيْسَ عَامًّا , فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيل كَانَ فِيهِمْ أُمُور كَثِيرَة تَقْتَضِي الْإِهْلَاكَ , فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى حَصْرٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْإِهْلَاكُ بِسَبَبِ الْمُحَابَاة فِي الْحُدُود فَلَا يَنْحَصِرُ ذَلِكَ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ.
قُلْت : يُؤَيِّد هَذَا الِاحْتِمَالَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي " كِتَاب السَّرِقَة " مِنْ طَرِيق زَاذَان عَنْ عَائِشَة مَرْفُوعًا " أَنَّهُمْ عَطَّلُوا الْحُدُودَ عَنْ الْأَغْنِيَاء وَأَقَامُوهَا عَلَى الضُّعَفَاء " وَالْأُمُور الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا الشَّيْخ سَبَقَ مِنْهَا فِي ذِكْر بَنِي إِسْرَائِيل حَدِيث اِبْن عُمَر فِي قِصَّةِ الْيَهُودِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ زَنَيَا وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ بَعْدَ هَذَا , وَفِي التَّفْسِيرِ حَدِيثُ اِبْن عَبَّاس فِي أَخْذ الدِّيَة مِنْ الشَّرِيف إِذَا قَتَلَ عَمْدًا وَالْقِصَاص مِنْ الضَّعِيف وَغَيْر ذَلِكَ.
قَوْله ( إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيف تَرَكُوهُ ) فِي رِوَايَة قُتَيْبَة " إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيف " وَفِي رِوَايَة سُفْيَان عِنْد النَّسَائِيِّ " حِين كَانُوا إِذَا أَصَابَ فِيهِمْ الشَّرِيف الْحَدّ تَرَكُوهُ وَلَمْ يُقِيمُوهُ عَلَيْهِ " وَفِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل بْن أُمَيَّة " وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الْوَضِيع قَطَعُوهُ ".
قَوْله ( وَايْمُ اللَّه ) تَقَدَّمَ ضَبْطُهَا فِي كِتَاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور , وَوَقَعَ مِثْله فِي رِوَايَة إِسْحَاق بْن رَاشِد , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي الْوَلِيد " وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ " وَفِي رِوَايَة يُونُس " وَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ ".
قَوْله ( لَوْ أَنَّ فَاطِمَة بِنْت مُحَمَّد سَرَقَتْ ) هَذَا مِنْ الْأَمْثِلَة الَّتِي صَحَّ فِيهَا أَنَّ " لَوْ " حَرْف اِمْتِنَاع لِامْتِنَاعٍ , وَقَدْ أَتْقَنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي كِتَاب التَّمَنِّي إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَقَدْ ذَكَرَ اِبْن مَاجِد عَنْ مُحَمَّد بْن رُمْح شَيْخِهِ فِي هَذَا الْحَدِيث " سَمِعْت اللَّيْث يَقُول عَقِبَ هَذَا الْحَدِيثِ : قَدْ أَعَاذَهَا اللَّه مِنْ أَنْ تَسْرِق " وَكُلّ مُسْلِم يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُول هَذَا , وَوَقَعَ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيث قَالَ : فَذَكَرَ عُضْوًا شَرِيفًا مِنْ اِمْرَأَة شَرِيفَة وَاسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَدَب الْبَالِغ , وَإِنَّمَا خَصَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ اِبْنَتَهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَعَزُّ أَهْلِهِ عِنْده , وَلِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ بَنَاته حِينَئِذٍ غَيْرُهَا , فَأَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي إِثْبَاتِ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ وَتَرْكِ الْمُحَابَاةِ فِي ذَلِكَ , وَلِأَنَّ اِسْمَ السَّارِقَة وَافَقَ اِسْمَهَا عَلَيْهَا السَّلَام فَنَاسَبَ أَنْ يُضْرَبَ الْمَثَلُ بِهَا.
قَوْله ( لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا ) فِي رِوَايَة أَبِي الْوَلِيد وَالْأَكْثَر " لَقَطَعْت يَدَهَا " وَفِي الْأَوَّلِ تَجْرِيدٌ , زَادَ يُونُسُ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ رِوَايَة اِبْن الْمُبَارَك عَنْهُ كَمَا مَضَى فِي غَزْوَة الْفَتْح " ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ يَدُهَا " وَوَقَعَ فِي حَدِيث اِبْن عُمَر فِي رِوَايَة لِلنَّسَائِيّ " قُمْ يَا بِلَال فَخُذْ بِيَدِهَا فَاقْطَعْهَا " وَفِي أُخْرَى لَهُ " فَأَمَرَ بِهَا فَقُطِعَتْ " وَفِي حَدِيث جَابِر عِنْد الْحَاكِم " فَقَطَعَهَا ".
وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ تَعْلِيقًا عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن غَنْج عَنْ نَافِع عَنْ صَفِيَّة بِنْت أَبِي عُبَيْد نَحْو حَدِيث الْمَخْزُومِيَّة وَزَادَ فِيهِ " قَالَ فَشَهِدَ عَلَيْهَا " وَزَادَ يُونُس أَيْضًا فِي رِوَايَته " قَالَتْ عَائِشَة فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْد وَتَزَوَّجَتْ , وَكَانَتْ تَأْتِينِي بَعْد ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيق نُعَيْم بْن حَمَّاد عَنْ اِبْن الْمُبَارَك وَفِيهِ " قَالَ عُرْوَة قَالَتْ عَائِشَة " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة شُعَيْب عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي الشَّهَادَات وَفِي رِوَايَة اِبْن أَخِي الزُّهْرِيّ عِنْد أَبِي عَوَانَة كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيّ " قَالَ وَأَخْبَرَنِي الْقَاسِم بْن مُحَمَّد أَنَّ عَائِشَة قَالَتْ : فَنَكَحَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ رَجُلًا مِنْ بَنِي سَلِيم وَتَابَتْ وَكَانَتْ حَسَنَةَ التَّلَبُّسِ وَكَانَتْ تَأْتِينِي فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا " الْحَدِيث وَكَأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَة كَانَتْ عِنْد الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَة وَعَنْ الْقَاسِم جَمِيعًا عَنْ عَائِشَة وَعِنْدهمَا زِيَادَة عَلَى الْآخَرِ , وَفِي آخِرِ حَدِيث مَسْعُود بْن الْحَكَم عِنْد الْحَاكِم " قَالَ اِبْن إِسْحَاق وَحَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَعْد ذَلِكَ يَرْحَمهَا وَيَصِلهَا " وَفِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو عِنْد أَحْمَد أَنَّهَا قَالَتْ " هَلْ لِي مِنْ تَوْبَة يَا رَسُول اللَّه ؟ فَقَالَ : أَنْتِ الْيَوْمَ مِنْ خَطِيئَتِك كَيَوْمِ وَلَدَتْك أُمُّك " وَفِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد مَنْع الشَّفَاعَة فِي الْحُدُود , وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي التَّرْجَمَة الدَّلَالَةُ عَلَى تَقْيِيدِ الْمَنْع بِمَا إِذَا اِنْتَهَى ذَلِكَ إِلَى أُولِي الْأَمْرِ , وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ الشَّفَاعَة فِي ذَوِي الذُّنُوب حَسَنَة جَمِيلَة مَا لَمْ تَبْلُغْ السُّلْطَانَ , وَأَنَّ عَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يُقِيمهَا إِذَا بَلَغَتْهُ.
وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره عَنْ مَالِك أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْن مَنْ عُرِفَ بِأَذَى النَّاسِ وَمَنْ لَمْ يُعْرَفْ , فَقَالَ : لَا يُشْفَعُ لِلْأَوَّلِ مُطْلَقًا سَوَاء بَلَغَ الْإِمَامَ أَمْ لَا , وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِذَلِكَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُشْفَع لَهُ مَا لَمْ يَبْلُغْ الْإِمَامَ.
وَتَمَسَّكَ بِحَدِيثِ الْبَاب مَنْ أَوْجَبَ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى الْقَاذِفِ إِذَا بَلَغَ الْإِمَامَ وَلَوْ عَفَا الْمَقْذُوفُ , وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّة وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ , وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُف : يَجُوز الْعَفْوُ مُطْلَقًا وَيُدْرَأُ بِذَلِكَ الْحَدُّ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَوْ وَجَدَهُ بَعْد عَفْو الْمَقْذُوف لَجَازَ أَنْ يُقِيم الْبَيِّنَة بِصِدْقِ الْقَاذِف فَكَانَتْ تِلْكَ شُبْهَةً قَوِيَّةً.
وَفِيهِ دُخُول النِّسَاء مَعَ الرِّجَال فِي حَدِّ السَّرِقَةِ.
وَفِيهِ قَبُول تَوْبَة السَّارِق , وَمَنْقَبَة لِأُسَامَة.
وَفِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَاطِمَة عَلَيْهَا السَّلَامُ عِنْد أَبِيهَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَعْظَمِ الْمَنَازِلِ فَإِنَّ فِي الْقِصَّةِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهَا الْغَايَة فِي ذَلِكَ عِنْده ذَكَرَهُ اِبْن هُبَيْرَة , وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مُنَاسَبَة اِخْتِصَاصهَا بِالذِّكْرِ دُون غَيْرهَا مِنْ رِجَال أَهْله , وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ عَائِشَة لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ كَوْنَ اِسْمِ صَاحِبَةِ الْقِصَّةِ وَافَقَ اِسْمَهَا وَلَا تَنْتَفِي الْمُسَاوَاةُ.
وَفِيهِ تَرْكُ الْمُحَابَاةِ فِي إِقَامَة الْحَدّ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ وَلَدًا أَوْ قَرِيبًا أَوْ كَبِير الْقَدْر وَالتَّشْدِيد فِي ذَلِكَ وَالْإِنْكَار عَلَى مَنْ رَخَّصَ فِيهِ أَوْ تَعَرَّضَ لِلشَّفَاعَةِ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ.
وَفِيهِ جَوَاز ضَرْبِ الْمَثَل بِالْكَبِيرِ الْقَدْرِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ عَنْ الْفِعْل وَمَرَاتِبُ ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ , وَلَا يَحِقُّ نَدْبُ الِاحْتِرَازِ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ لَا يَتَرَجَّح التَّصْرِيح بِحَسَب الْمَقَام كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْ اللَّيْث وَالشَّافِعِيّ.
وَيُؤْخَذ مِنْهُ جَوَاز الْإِخْبَار عَنْ أَمْر مُقَدَّر يُفِيد الْقَطْع بِأَمْرٍ مُحَقَّقٍ.
وَفِيهِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ لَا يَتَحَقَّق أَنَّهُ يَفْعَلهُ أَوْ لَا يَفْعَلهُ لَا يَحْنَثُ كَمَنْ قَالَ لِمَنْ خَاصَمَ أَخَاهُ : وَاَللَّهِ لَوْ كُنْت حَاضِرًا لَهَشَّمْت أَنْفَك , خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَحْنَث مُطْلَقًا وَفِيهِ جَوَاز التَّوَجُّع لِمَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بَعْد إِقَامَته عَلَيْهِ وَقَدْ حَكَى اِبْن الْكَلْبِيّ فِي قِصَّة أُمّ عَمْرو بِنْت سُفْيَان أَنَّ اِمْرَأَة أُسَيْد بْن حُضَيْر أَوَتْهَا بَعْد أَنْ قُطِعَتْ وَصَنَعَتْ لَهَا طَعَامًا وَأَنَّ أُسَيْدًا ذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالْمُنْكِرِ عَلَى اِمْرَأَتِهِ فَقَالَ : رَحِمَتْهَا رَحِمَهَا اللَّهُ.
وَفِيهِ الِاعْتِبَار بِأَحْوَالِ مَنْ مَضَى مِنْ الْأُمَم وَلَا سِيَّمَا مَنْ خَالَفَ أَمْرَ الشَّرْعِ , وَتَمَسَّكَ بِهِ بَعْضُ مَنْ قَالَ إِنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا لِأَنَّ فِيهِ إِشَارَة إِلَى تَحْذِيرٍ مِنْ فِعْلِ الشَّيْءِ الَّذِي جَرَّ الْهَلَاك إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا لِئَلَّا نَهْلِكَ كَمَا هَلَكُوا وَفِيهِ نَظَرٌ , وَإِنَّمَا يَتِمّ أَنْ لَوْ لَمْ يَرِدْ قَطْعُ السَّارِقِ فِي شَرْعِنَا , وَأَمَّا اللَّفْظُ الْعَامُّ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعَى أَصْلًا.
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّتْهُمْ الْمَرْأَةُ الْمَخْزُومِيَّةُ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا مَنْ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا
عن عائشة : قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا» تابعه عبد الرحمن بن خالد وابن أخي الزهري ومعمر عن الزهري.<br>
عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تقطع يد السارق في ربع دينار.»
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «تقطع اليد في ربع دينار»
عن هشام ، عن أبيه قال: أخبرتني عائشة : «أن يد السارق لم تقطع على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا في ثمن مجن، حجفة أو ترس.»حدثنا عثمان، حدثنا حميد...
عن عائشة قالت: «لم تكن تقطع يد السارق في أدنى من حجفة أو ترس، كل واحد منهما ذو ثمن» رواه وكيع وابن إدريس عن هشام عن أبيه مرسلا.<br>
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «لم تقطع يد سارق على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في أدنى من ثمن المجن، ترس أو حجفة، وكان كل واحد منهما ذا ثمن.»
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم.» تابعه محمد بن إسحاق وقال الليث: حدثني نافع قيمته
عن ابن عمر قال: «قطع النبي صلى الله عليه وسلم في مجن، ثمنه ثلاثة دراهم.»
عن عبد الله قال: «قطع النبي صلى الله عليه وسلم في مجن، ثمنه ثلاثة دراهم.»