6857- عن أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات.»
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله ( حَدَّثَنِي سُلَيْمَان ) هُوَ اِبْن بِلَال وَلِغَيْرِ أَبِي ذَرّ " حَدَّثَنَا " وَأَبُو الْغَيْث هُوَ سَالِم.
قَوْل ( اِجْتَنِبُوا السَّبْع الْمُوبِقَات ) بِمُوَحَّدَةٍ وَقَاف أَيْ الْمُهْلِكَات , قَالَ الْمُهَلَّب : سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا سَبَب لِإِهْلَاكِ مُرْتَكِبهَا.
قُلْت : وَالْمُرَاد بِالْمُوبِقَةِ هُنَا الْكَبِيرَة كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة مِنْ وَجْه آخَر أَخْرَجَهُ الْبَزَّار وَابْن الْمُنْذِر مِنْ طَرِيق عُمَر بْن أَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَفَعَهُ " الْكَبَائِر الشِّرْك بِاَللَّهِ وَقَتْل النَّفْس " الْحَدِيث مِثْل رِوَايَة أَبِي الْغَيْث , إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ بَدَل السِّحْر الِانْتِقَال إِلَى الْأَعْرَابِيَّة بَعْد الْهِجْرَة , وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان وَالْحَاكِم مِنْ طَرِيق صُهَيْب مَوْلَى الْعَتْوَارِيِّينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة وَأَبِي سَعِيد قَالَا : " قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا مِنْ عَبْد يُصَلِّي الْخَمْس وَيَجْتَنِب الْكَبَائِر السَّبْع إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَاب الْجَنَّة " الْحَدِيث , وَلَكِنْ لَمْ يُفَسِّرهَا , وَالْمُعْتَمَد فِي تَفْسِيرهَا مَا وَقَعَ فِي رِوَايَة سَالِم , وَقَدْ وَافَقَهُ كِتَاب عَمْرو بْن حَزْم الَّذِي أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَابْن حِبَّان فِي صَحِيحه وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيق سُلَيْمَان بْن دَاوُدَ عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ أَبِي بَكْر بْن مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن حَزْم عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه قَالَ : " كَتَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَاب الْفَرَائِض وَالدِّيَات وَالسُّنَن وَبَعَثَ بِهِ مَعَ عَمْرو بْن حَزْم إِلَى الْيَمَن " الْحَدِيث بِطُولِهِ , وَفِيهِ " وَكَانَ فِي الْكِتَاب : وَإِنَّ أَكْبَرَ الْكَبَائِر الشِّرْك " فَذَكَرَ مِثْل حَدِيث سَالِم سَوَاء , وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيث سَهْل بْن أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ عَلِيّ رَفَعَهُ " اِجْتَنَبَ الْكَبَائِر السَّبْع " فَذَكَرَهَا لَكِنْ ذَكَرَ التَّعَرُّب بَعْد الْهِجْرَة بَدَل السِّحْر , وَلَهُ فِي الْأَوْسَط مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد مِثْله وَقَالَ : " الرُّجُوع إِلَى الْأَعْرَاب بَعْد الْهِجْرَة " وَلِإِسْمَاعِيل الْقَاضِي مِنْ طَرِيق الْمُطَّلِب بْن عَبْد اللَّه بْن حَنْطَب عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو قَالَ : " صَعِدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَر ثُمَّ قَالَ أَبْشِرُوا مَنْ صَلَّى الْخَمْس وَاجْتَنَبَ الْكَبَائِر السَّبْع نُودِيَ مِنْ أَبْوَاب الْجَنَّة " فَقِيلَ لَهُ : أَسَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرهُنَّ ؟ قَالَ : نَعَمْ , فَذَكَرَ مِثْل حَدِيث عَلِيّ سَوَاء وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق " أَنْبَأَنَا مَعْمَر عَنْ الْحَسَن قَالَ الْكَبَائِر الْإِشْرَاك بِاَللَّهِ " فَذَكَرَ حَدِيث الْأُصُول سَوَاء إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : " الْيَمِين الْفَاجِرَة " بَدَل السِّحْر , وَلِابْنِ عَمْرو فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ فِي " الْأَدَب الْمُفْرَد " وَالطَّبَرِيّ فِي التَّفْسِير وَعَبْد الرَّزَّاق وَالْخَرَائِطِيّ فِي " مَسَاوِئ الْأَخْلَاق " وَإِسْمَاعِيل الْقَاضِي فِي " أَحْكَام الْقُرْآن " مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا قَالَ : " الْكَبَائِر تِسْع " فَذَكَرَ السَّبْعَة الْمَذْكُورَة وَزَادَ " الْإِلْحَاد فِي الْحَرَم وَعُقُوق الْوَالِدَيْنِ " وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ رِوَايَة عُبَيْد بْن عُمَيْر بْن قَتَادَة اللَّيْثِيّ عَنْ أَبِيهِ رَفَعَهُ " إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّه الْمُصَلُّونَ وَمَنْ يَجْتَنِب الْكَبَائِر قَالُوا : مَا الْكَبَائِر ؟ قَالَ : هُنَّ تِسْع , أَعْظَمُهُنَّ الْإِشْرَاك بِاَللَّهِ " فَذَكَرَ مِثْل حَدِيث اِبْن عُمَر سَوَاء إِلَّا أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ الْإِلْحَاد فِي الْحَرَم بِاسْتِحْلَالِ الْبَيْت الْحَرَام.
وَأَخْرَجَ إِسْمَاعِيل الْقَاضِي بِسَنَدٍ صَحِيح إِلَى سَعِيد بْن الْمُسَيِّب قَالَ : " هُنَّ عَشْر " فَذَكَرَ السَّبْعَة الَّتِي فِي الْأَصْل وَزَادَ " وَعُقُوق الْوَالِدَيْنِ وَالْيَمِين الْغَمُوس وَشُرْب الْخَمْر " وَلِابْنِ أَبِي حَاتِم مِنْ طَرِيق مَالِك بْن حُرَيْث عَنْ عَلِيّ قَالَ : " الْكَبَائِر " فَذَكَرَ التِّسْعَة إِلَّا مَال الْيَتِيم وَزَادَ الْعُقُوق وَالتَّغَرُّب بَعْد الْهِجْرَة وَفِرَاق الْجَمَاعَة وَنَكْث الصَّفْقَة , وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّهُمْ تَذَاكَرُوا الْكَبَائِر فَقَالُوا : الشِّرْك وَمَال الْيَتِيم وَالْفِرَار مِنْ الزَّحْف وَالسِّحْر وَالْعُقُوق وَقَوْل الزُّور وَالْغُلُول وَالزِّنَا.
فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَأَيْنَ تَجْعَلُونَ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّه ثَمَنًا قَلِيلًا ".
قُلْت وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَاب الْأَدَب عَدُّ الْيَمِين الْغَمُوس وَكَذَا شَهَادَة الزُّور وَعُقُوق الْوَالِدَيْنِ وَعِنْد عَبْد الرَّزَّاق وَالطَّبَرَانِيِّ عَنْ اِبْن مَسْعُود " أَكْبَرُ الْكَبَائِر الْإِشْرَاك بِاَللَّهِ وَالْأَمْن مِنْ مَكْر اللَّه وَالْقُنُوط مِنْ رَحْمَة اللَّه وَالْيَأْس مِنْ رَوْح اللَّه " وَهُوَ مَوْقُوف , وَرَوَى إِسْمَاعِيل بِسَنَدٍ صَحِيح مِنْ طَرِيق اِبْن سِيرِينَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو مِثْل حَدِيث الْأَصْل لَكِنْ قَالَ : " الْبُهْتَان " بَدَل السِّحْر وَالْقَذْف , فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : الْبُهْتَان يَجْمَعُ , وَفِي الْمُوَطَّأ عَنْ النُّعْمَان بْن مُرَّة مُرْسَلًا " الزِّنَا وَالسَّرِقَة وَشُرْب الْخَمْر فَوَاحِش " وَلَهُ شَاهِد مِنْ حَدِيث عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ عِنْد الْبُخَارِيّ فِي " الْأَدَب الْمُفْرَد " وَالطَّبَرَانِيِّ وَالْبَيْهَقِيّ وَسَنَده حَسَن , وَتَقَدَّمَ حَدِيث اِبْن عَبَّاس فِي النَّمِيمَة وَمَنْ رَوَاهُ بِلَفْظِ الْغِيبَة وَتَرْكِ التَّنَزُّه مِنْ الْبَوْل كُلّ ذَلِكَ فِي الطَّهَارَة , وَلِإِسْمَاعِيل الْقَاضِي مِنْ مُرْسَل الْحَسَن ذَكَرَ " الزِّنَا وَالسَّرِقَة " وَلَهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاق السَّبِيعِيّ " شَتْم أَبِي بَكْر وَعُمَر " وَهُوَ لِابْنِ أَبِي حَاتِم مِنْ قَوْل مُغِيرَة بْن مِقْسَم , وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ عَنْهُ بِسَنَدٍ صَحِيح " الْإِضْرَار فِي الْوَصِيَّة مِنْ الْكَبَائِر " وَعَنْهُ " الْجَمْع بَيْن الصَّلَاتَيْنِ مِنْ غَيْر عُذْر " رَفَعَهُ وَلَهُ شَاهِد أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي حَاتِم عَنْ عُمَر قَوْله , وَعِنْد إِسْمَاعِيل مِنْ قَوْل اِبْن عُمَر ذَكَرَ النُّهْبَة , وَمِنْ حَدِيث بُرَيْدَةَ عِنْد الْبَزَّار مَنْعُ فَضْلِ الْمَاءِ وَمَنْعُ طُرُوقِ الْفَحْلِ , وَمِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عِنْد الْحَاكِم " الصَّلَوَات كَفَّارَات إِلَّا مِنْ ثَلَاث : الْإِشْرَاك بِاَللَّهِ وَنَكْث الصَّفْقَة وَتَرْك السُّنَّة " ثُمَّ فَسَّرَ نَكْثَ الصَّفْقَةِ بِالْخُرُوجِ عَلَى الْإِمَام وَتَرْك السُّنَّة بِالْخُرُوجِ عَنْ الْجَمَاعَة أَخْرَجَهُ الْحَاكِم , وَمِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر عِنْد اِبْن مَرْدُوَيْهِ " أَكْبَرُ الْكَبَائِر سُوء الظَّنّ بِاَللَّهِ " وَمِنْ الضَّعِيف فِي ذَلِكَ نِسْيَان الْقُرْآن أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ عَنْ أَنَس رَفَعَهُ " نَظَرْت فِي الذُّنُوب فَلَمْ أَرَ أَعْظَمَ مِنْ سُورَة مِنْ الْقُرْآن أُوتِيَهَا رَجُل فَنَسِيَهَا " وَحَدِيث " مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ " أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ , فَهَذَا جَمِيع مَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِمَّا وَرَدَ التَّصْرِيح بِأَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِر أَوْ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِر صَحِيحًا وَضَعِيفًا مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا , وَقَدْ تَتَبَّعْته غَايَة التَّتَبُّع , وَفِي بَعْضه مَا وَرَدَ خَاصًّا وَيَدْخُل فِي عُمُوم غَيْره كَالتَّسَبُّبِ فِي لَعْن الْوَالِدَيْنِ وَهُوَ دَاخِل فِي الْعُقُوق وَقَتْل الْوَلَد وَهُوَ دَاخِل فِي قَتْل النَّفْس وَالزِّنَا بِحَلِيلَةِ الْجَار وَهُوَ دَاخِل فِي الزِّنَا وَالنُّهْبَة وَالْغُلُول وَاسْم الْخِيَانَة يَشْمَلهُ وَيَدْخُل الْجَمِيع فِي السَّرِقَة وَتَعَلُّم السِّحْر وَهُوَ دَاخِل فِي السِّحْر وَشَهَادَة الزُّور وَهِيَ دَاخِلَة فِي قَوْل الزُّور وَيَمِين الْغَمُوس وَهِيَ دَاخِلَة فِي الْيَمِين الْفَاجِرَة وَالْقُنُوط مِنْ رَحْمَة اللَّه كَالْيَأْسِ مِنْ رَوْح اللَّه , وَالْمُعْتَمَد مِنْ كُلّ ذَلِكَ مَا وَرَدَ مَرْفُوعًا بِغَيْرِ تَدَاخُل مِنْ وَجْه صَحِيح وَهِيَ السَّبْعَة الْمَذْكُورَة فِي حَدِيث الْبَاب وَالِانْتِقَال عَنْ الْهِجْرَة وَالزِّنَا وَالسَّرِقَة وَالْعُقُوق وَالْيَمِين الْغَمُوس وَالْإِلْحَاد فِي الْحَرَم وَشُرْب الْخَمْر وَشَهَادَة الزُّور وَالنَّمِيمَة وَتَرْك التَّنَزُّه مِنْ الْبَوْل وَالْغُلُول وَنَكْث الصَّفْقَة وَفِرَاق الْجَمَاعَة , فَتِلْكَ عِشْرُونَ خَصْلَة وَتَتَفَاوَت مَرَاتِبُهَا , وَالْمُجْمَع عَلَى عَدِّهِ مِنْ ذَلِكَ أَقْوَى مِنْ الْمُخْتَلَف فِيهِ إِلَّا مَا عَضَّدَهُ الْقُرْآن أَوْ الْإِجْمَاع فَيَلْتَحِق بِمَا فَوْقه وَيَجْتَمِع مِنْ الْمَرْفُوع وَمِنْ الْمَوْقُوف مَا يُقَارِبهَا , وَيُحْتَاج عِنْد هَذَا إِلَى الْجَوَاب عَنْ الْحِكْمَة فِي الِاقْتِصَار عَلَى سَبْع , وَيُجَاب بِأَنَّ مَفْهُوم الْعَدَد لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَهُوَ جَوَاب ضَعِيف , وَبِأَنَّهُ أَعْلَمَ أَوَّلًا بِالْمَذْكُورَاتِ ثُمَّ أَعْلَمَ بِمَا زَادَ فَيَجِب الْأَخْذ بِالزَّائِدِ , أَوْ أَنَّ الِاقْتِصَار وَقَعَ بِحَسَبِ الْمَقَام بِالنِّسْبَةِ لِلسَّائِلِ أَوْ مَنْ وَقَعَتْ لَهُ وَاقِعَة وَنَحْو ذَلِكَ.
وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ وَإِسْمَاعِيل الْقَاضِي عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قِيلَ لَهُ الْكَبَائِر سَبْع فَقَالَ : هُنَّ أَكْثَرُ مِنْ سَبْع وَسَبْع , وَفِي رِوَايَة عَنْهُ هِيَ إِلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ , وَفِي رِوَايَة إِلَى السَّبْعمِائَةِ , وَيُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى الْمُبَالَغَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ اِقْتَصَرَ عَلَى سَبْع , وَكَأَنَّ الْمُقْتَصِر عَلَيْهَا اِعْتَمَدَ عَلَى حَدِيث الْبَاب الْمَذْكُور.
وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُرِفَ فَسَاد مَنْ عَرَّفَ الْكَبِيرَةَ بِأَنَّهَا مَا وَجَبَ فِيهَا الْحَدُّ , لِأَنَّ أَكْثَرَ الْمَذْكُورَات لَا يَجِب فِيهَا الْحَدّ , قَالَ الرَّافِعِيّ فِي الشَّرْح الْكَبِير : الْكَبِيرَة هِيَ الْمُوجِبَة لِلْحَدِّ , وَقِيلَ مَا يَلْحَقُ الْوَعِيدُ بِصَاحِبِهِ بِنَصِّ كِتَاب أَوْ سُنَّة , هَذَا أَكْثَرُ مَا يُوجَد لِلْأَصْحَابِ وَهُمْ إِلَى تَرْجِيح الْأَوَّل أَمْيَلُ , لَكِنَّ الثَّانِي أَوْفَقُ لِمَا ذَكَرُوهُ عِنْد تَفْصِيل الْكَبَائِر , وَقَدْ أَقَرَّهُ فِي الرَّوْضَة , وَهُوَ يُشْعِر بِأَنَّهُ لَا يُوجَد عَنْ أَحَد مِنْ الشَّافِعِيَّة الْجَمْع بَيْن التَّعْرِيفَيْنِ , وَلَيْسَ كَذَلِكَ , فَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي " الْحَاوِي " : هِيَ مَا يُوجِب الْحَدّ أَوْ تَوَجَّهَ إِلَيْهَا الْوَعِيد , وَأَوْ فِي كَلَامه لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلشَّكِّ , وَكَيْف يَقُول عَالِم إِنَّ الْكَبِيرَة مَا وَرَدَ فِيهِ الْحَدّ مَعَ التَّصْرِيح فِي الصَّحِيحَيْنِ بِالْعُقُوقِ وَالْيَمِين الْغَمُوس وَشَهَادَة الزُّور وَغَيْر ذَلِكَ , وَالْأَصْل فِيمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيّ قَوْل الْبَغَوِيِّ فِي " التَّهْذِيب " مَنْ اِرْتَكَبَ كَبِيرَة مِنْ زِنًا أَوْ لِوَاط أَوْ شُرْب خَمْر أَوْ غَصْب أَوْ سَرِقَة أَوْ قَتْل بِغَيْرِ حَقّ تُرَدُّ شَهَادَته وَإِنْ فَعَلَهُ مَرَّة وَاحِدَة , ثُمَّ قَالَ : فَكُلّ مَا يُوجِب الْحَدّ مِنْ الْمَعَاصِي فَهُوَ كَبِيرَة , وَقِيلَ مَا يَلْحَق الْوَعِيد بِصَاحِبِهِ بِنَصِّ كِتَاب أَوْ سُنَّة اِنْتَهَى.
وَالْكَلَام الْأَوَّل لَا يَقْتَضِي الْحَصْر , وَالثَّانِي هُوَ الْمُعْتَمَد.
وَقَالَ اِبْن عَبْد السَّلَام : لَمْ أَقِف عَلَى ضَابِط الْكَبِيرَة يَعْنِي يَسْلَم مِنْ الِاعْتِرَاض , قَالَ : وَالْأَوْلَى ضَبْطُهَا بِمَا يُشْعِرُ بِتَهَاوُنِ مُرْتَكِبِهَا إِشْعَارَ أَصْغَرِ الْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا , قَالَ وَضَبَطَهَا بَعْضهمْ بِكُلِّ ذَنْب قُرِنَ بِهِ وَعِيد أَوْ لَعْن.
قُلْت : وَهَذَا أَشْمَلُ مِنْ غَيْره , وَلَا يَرِد عَلَيْهِ إِخْلَاله بِمَا فِيهِ حَدّ , لِأَنَّ كُلّ مَا ثَبَتَ فِيهِ الْحَدّ لَا يَخْلُو مِنْ وُرُود الْوَعِيد عَلَى فِعْله , وَيَدْخُل فِيهِ تَرْك الْوَاجِبَات الْفَوْرِيَّة مِنْهَا مُطْلَقًا وَالْمُتَرَاخِيَة إِذَا تَضَيَّقَتْ.
وَقَالَ اِبْن الصَّلَاح : لَهَا أَمَارَات مِنْهَا إِيجَاب الْحَدّ , وَمِنْهَا الْإِيعَاد عَلَيْهَا بِالْعَذَابِ بِالنَّارِ وَنَحْوهَا فِي الْكِتَاب أَوْ السُّنَّة , وَمِنْهَا وَصْف صَاحِبهَا بِالْفِسْقِ , وَمِنْهَا اللَّعْن , قُلْت : وَهَذَا أَوْسَعُ مِمَّا قَبْله.
وَقَدْ أَخْرَجَ إِسْمَاعِيل الْقَاضِي بِسَنَدٍ فِيهِ اِبْن لَهِيعَة عَنْ أَبِي سَعِيد مَرْفُوعًا " الْكَبَائِر كُلّ ذَنْب أَدْخَلَ صَاحِبه النَّار " وَبِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ قَالَ " كُلّ ذَنْب نَسَبَهُ اللَّه تَعَالَى إِلَى النَّار فَهُوَ كَبِيرَة " وَمِنْ أَحْسَنِ التَّعَارِيفِ قَوْلُ الْقُرْطُبِيّ فِي الْمُفْهِم " كُلّ ذَنْب أُطْلِقَ عَلَيْهِ بِنَصِّ كِتَاب أَوْ سُنَّة أَوْ إِجْمَاع أَنَّهُ كَبِيرَة أَوْ عَظِيم أَوْ أُخْبِرَ فِيهِ بِشِدَّةِ الْعِقَاب أَوْ عُلِّقَ عَلَيْهِ الْحَدّ أَوْ شُدِّدَ النَّكِير عَلَيْهِ فَهُوَ كَبِيرَة " وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي تَتَبُّع مَا وَرَدَ فِيهِ الْوَعِيد أَوْ اللَّعْن أَوْ الْفِسْق مِنْ الْقُرْآن أَوْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَالْحَسَنَة وَيُضَمّ إِلَى مَا وَرَدَ فِيهِ التَّنْصِيص فِي الْقُرْآن وَالْأَحَادِيث الصِّحَاح وَالْحِسَان عَلَى أَنَّهُ كَبِيرَة , فَمَهْمَا بَلَغَ مَجْمُوع ذَلِكَ عُرِفَ مِنْهُ تَحَيُّر عَدِّهَا , وَقَدْ شَرَعْت فِي جَمْع ذَلِكَ , وَأَسْأَل اللَّهُ الْإِعَانَةَ عَلَى تَحْرِيره بِمَنِّهِ وَكَرْمِهِ.
وَقَالَ الْحَلِيمِيّ فِي " الْمِنْهَاج " مَا مِنْ ذَنْب إِلَّا وَفِيهِ صَغِيرَة وَكَبِيرَة , وَقَدْ تَنْقَلِب الصَّغِيرَةُ كَبِيرَةً بِقَرِينَةٍ تُضَمّ إِلَيْهَا , وَتَنْقَلِب الْكَبِيرَةُ فَاحِشَةً كَذَلِكَ , إِلَّا الْكُفْر بِاَللَّهِ فَإِنَّهُ أَفْحَشُ الْكَبَائِر وَلَيْسَ مِنْ نَوْعه صَغِيرَة , قُلْت : وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ يَنْقَسِم إِلَى فَاحِش وَأَفْحَشَ.
ثُمَّ ذَكَرَ الْحَلِيمِيّ أَمْثِلَة لِمَا قَالَ فَالثَّانِي كَقَتْلِ النَّفْس بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنَّهُ كَبِيرَة , فَإِنْ قَتَلَ أَصْلًا أَوْ فَرْعًا أَوْ ذَا رَحِمٍ أَوْ بِالْحَرَمِ أَوْ بِالشَّهْرِ الْحَرَام فَهُوَ فَاحِشَة.
وَالزِّنَا كَبِيرَةٌ , فَإِنْ كَانَ بِحَلِيلَةِ الْجَار أَوْ بِذَاتِ رَحِم أَوْ فِي شَهْر رَمَضَان أَوْ فِي الْحَرَم فَهُوَ فَاحِشَة.
وَشُرْب الْخَمْر كَبِيرَة , فَإِنْ كَانَ فِي شَهْر رَمَضَان نَهَارًا أَوْ فِي الْحَرَم أَوْ جَاهَرَ بِهِ فَهُوَ فَاحِشَة.
وَالْأَوَّل كَالْمُفَاخَذَةِ مَعَ الْأَجْنَبِيَّة صَغِيرَةٌ , فَإِنْ كَانَ مَعَ اِمْرَأَة الْأَب أَوْ حَلِيلَة الِابْن أَوْ ذَات رَحِم فَكَبِيرَة.
وَسَرِقَة مَا دُون النِّصَاب صَغِيرَة , فَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوق مِنْهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَأَفْضَى بِهِ عَدَمُهُ إِلَى الضَّعْف فَهُوَ كَبِيرَة.
وَأَطَالَ فِي أَمْثِلَة ذَلِكَ.
وَفِي الْكَثِير مِنْهُ مَا يُتَعَقَّب , لَكِنَّ هَذَا عِنْوَانه , وَهُوَ مَنْهَج حَسَن لَا بَأْس بِاعْتِبَارِهِ , وَمَدَاره عَلَى شِدَّة الْمَفْسَدَة وَخِفَّتهَا وَاَللَّه أَعْلَمُ.
( تَنْبِيه ) : يَأْتِي الْقَوْل فِي تَعْظِيم قَتْل النَّفْس فِي الْكِتَاب الَّذِي بَعْد هَذَا , وَتَقَدَّمَ الْكَلَام عَلَى السِّحْر فِي آخِر كِتَاب الطِّبّ , وَعَلَى أَكْل مَال الْيَتِيم فِي كِتَاب الْوَصَايَا , وَعَلَى أَكْل الرِّبَا فِي كِتَاب الْبُيُوع , وَعَلَى التَّوَلِّي يَوْم الزَّحْف فِي كِتَاب الْجِهَاد , وَذَكَرَ هُنَا قَذْف الْمُحْصَنَات.
وَقَدْ شَرَطَ الْقَاضِي أَبُو سَعِيد الْهَرَوِيُّ فِي " أَدَب الْقَضَاء " أَنَّ شَرْطَ كَوْنِ غَصْبِ الْمَالِ كَبِيرَةً أَنْ يَبْلُغ نِصَابًا , وَيَطَّرِد فِي السَّرِقَة وَغَيْرهَا , وَأَطْلَقَ فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ , وَيَطَّرِد فِي أَكْل مَال الْيَتِيم وَجَمِيع أَنْوَاع الْجِنَايَة.
وَاَللَّه أَعْلَمُ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: «من قذف مملوكه وهو بريء مما قال، جلد يوم القيامة، إلا أن يكون كما قال.»
و 6860- عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني قالا: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنشدك الله إلا قضيت بيننا بكتاب الله، فقام خصمه، وكان أفق...
عن عمرو بن شرحبيل قال: قال عبد الله : «قال رجل: يا رسول الله أي الذنب أكبر عند الله؟ قال: أن تدعو لله ندا وهو خلقك، قال: ثم أي؟ قال: ثم أن تقتل ولدك...
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن يزال المؤمن في فسحة من دينه، ما لم يصب دما حراما.»
عن عبد الله بن عمر قال: «إن من ورطات الأمور، التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها، سفك الدم الحرام بغير حله.»
عن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أول ما يقضى بين الناس في الدماء.»
عن المقداد بن عمرو الكندي، حليف بني زهرة، حدثه، وكان شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «يا رسول الله إن لقيت كافرا فاقتتلنا، فضرب يدي بال...
عن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقتل نفس إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها.»
عن عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.»