6924-
عن أبي هريرة قال: «لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر، وكفر من كفر من العرب، قال عمر: يا أبا بكر، كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله، عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله.
6925 - قال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها.
قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق.»
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله ( أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة قَالَ ) فِي رِوَايَة مُسْلِم " عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " وَهَكَذَا رَوَاهُ الْأَكْثَرُ عَنْ الزُّهْرِيّ بِهَذَا السَّنَد عَلَى أَنَّهُ مِنْ رِوَايَة أَبِي هُرَيْرَة عَنْ عُمَر وَعَنْ أَبِي بَكْر , وَقَالَ يُونُس بْن يَزِيد عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أُمِرْت أَنْ أُقَاتِل النَّاس " الْحَدِيث فَسَاقَهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ مُسْنَد أَبِي هُرَيْرَة وَلَمْ يَذْكُر أَبَا بَكْر وَلَا عُمَر أَخْرَجَهُ مُسْلِم , وَهُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة سَمِعَ أَصْل الْحَدِيث مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَضَرَ مُنَاظَرَة أَبِي بَكْر وَعُمَر فَقَصَّهَا كَمَا هِيَ , وَيُؤَيِّدهُ أَنَّهُ جَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَا وَاسِطَة مِنْ طُرُق فَأَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ طَرِيق الْعَلَاء بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن يَعْقُوب عَنْ أَبِيهِ , وَمِنْ طَرِيق أَبِي صَالِح ذَكْوَانَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , وَأَخْرَجَهُ اِبْن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيق أَبِي الْعَنْبَس سَعِيد بْن كَثِير بْن عُبَيْد عَنْ أَبِيهِ , وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيق هَمَّام بْن مُنَبِّه , وَرَوَاهُ مَالِك خَارِج الْمُوَطَّأ عَنْ أَبِي الزِّنَاد عَنْ الْأَعْرَج , وَذَكَرَهُ اِبْن مَنْدَهْ فِي كِتَاب الْإِيمَان مِنْ رِوَايَة عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي عَمْرَة كُلّهمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , وَرَوَاهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا اِبْن عُمَر كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِل الْكِتَاب فِي كِتَاب الْإِيمَان وَجَابِر وَطَارِق الْأَشْجَعِيّ عِنْد مُسْلِم , وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث أَنَس وَأَصْله عِنْد الْبُخَارِيّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِل الصَّلَاة وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ أَنَس , وَهُوَ عِنْد اِبْن خُزَيْمَةَ مِنْ وَجْه آخَر عَنْهُ لَكِنْ قَالَ " عَنْ أَنَس عَنْ أَبِي بَكْر " وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّار مِنْ حَدِيث النُّعْمَان بْن بَشِير , وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيث سَهْل بْن سَعْد وَابْن عَبَّاس وَجَرِير الْبَجَلِيِّ وَفِي الْأَوْسَط مِنْ حَدِيث سَمُرَة , وَسَأَذْكُرُ مَا فِي رِوَايَاتهمْ مِنْ فَائِدَة زَائِدَة إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَوْله ( وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَب ) فِي حَدِيث أَنَس عِنْد اِبْن خُزَيْمَةَ " لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِرْتَدَّ عَامَّة الْعَرَب ".
قَوْله ( يَا أَبَا بَكْر كَيْف تُقَاتِل النَّاس ) فِي حَدِيث أَنَس " أَتُرِيدُ أَنْ تُقَاتِل الْعَرَب ".
قَوْله ( أُمِرْت أَنْ أُقَاتِل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ) كَذَا سَاقَهُ الْأَكْثَر , وَفِي رِوَايَة طَارِق عِنْد مُسْلِم " مَنْ وَحَّدَ اللَّهَ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَد مِنْ دُونه حَرُمَ دَمه وَمَاله " وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثه كَرِوَايَةِ الْجُمْهُور , وَفِي حَدِيث اِبْن عُمَر " حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه , وَيُقِيمُوا الصَّلَاة , وَيُؤْتُوا الزَّكَاة " وَنَحْوه فِي حَدِيث أَبِي الْعَنْبَس وَفِي حَدِيث أَنَس , عِنْد أَبِي دَاوُدَ " حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُوله , وَأَنْ يَسْتَقْبِلُوا قِبْلَتنَا , وَيَأْكُلُوا ذَبِيحَتنَا , وَيُصَلُّوا صَلَاتنَا " وَفِي رِوَايَة الْعَلَاء بْن عَبْد الرَّحْمَن " حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُوله , وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْت بِهِ " قَالَ الْخَطَّابِيّ : زَعَمَ الرَّوَافِض أَنَّ حَدِيث الْبَاب مُتَنَاقِض لِأَنَّ فِي أَوَّله أَنَّهُمْ كَفَرُوا وَفِي آخِره أَنَّهُمْ ثَبَتُوا عَلَى الْإِسْلَام إِلَّا أَنَّهُمْ مَنَعُوا الزَّكَاة , فَإِنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ فَكَيْف اِسْتَحَلَّ قِتَالهمْ وَسَبْيَ ذَرَارِيّهمْ , وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا فَكَيْف اِحْتَجَّ عَلَى عُمَر بِالتَّفْرِقَةِ بَيْن الصَّلَاة وَالزَّكَاة , فَإِنَّ فِي جَوَابه إِشَارَة إِلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مُقِرِّينَ بِالصَّلَاةِ.
قَالَ : وَالْجَوَاب عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ نُسِبُوا إِلَى الرِّدَّة كَانُوا صِنْفَيْنِ , صِنْف رَجَعُوا إِلَى عِبَادَة الْأَوْثَان , وَصِنْف مَنَعُوا الزَّكَاة وَتَأَوَّلُوا قَوْله تَعَالَى ( خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة تُطَهِّرهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتك سَكَن لَهُمْ ) فَزَعَمُوا أَنَّ دَفْع الزَّكَاة خَاصّ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ غَيْره لَا يُطَهِّرهُمْ وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِمْ فَكَيْف تَكُون صَلَاته سَكَنًا لَهُمْ , وَإِنَّمَا أَرَادَ عُمَر بِقَوْلِهِ " تُقَاتِل النَّاس " الصِّنْف الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا يَتَرَدَّد فِي جَوَاز قَتْل الصِّنْف الْأَوَّل , كَمَا أَنَّهُ لَا يَتَرَدَّد فِي قِتَال غَيْرهمْ مِنْ عُبَّاد الْأَوْثَان وَالنِّيرَان وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى , قَالَ : وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْضِر مِنْ الْحَدِيث إِلَّا الْقَدْر الَّذِي ذَكَرَهُ , وَقَدْ حَفِظَ غَيْره فِي الصَّلَاة وَالزَّكَاة مَعًا , وَقَدْ رَوَاهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن يَعْقُوب بِلَفْظٍ يَعُمّ جَمِيع الشَّرِيعَة حَيْثُ قَالَ فِيهَا " وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْت بِهِ " فَإِنَّ مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ جَحَدَ شَيْئًا مِمَّا جَاءَ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدُعِيَ إِلَيْهِ فَامْتَنَعَ وَنَصَبَ الْقِتَال أَنَّهُ يَجِب قِتَاله وَقَتْله إِذَا أَصَرَّ , قَالَ : وَإِنَّمَا عَرَضَتْ الشُّبْهَة لِمَا دَخَلَهُ مِنْ الِاخْتِصَار , وَكَأَنَّ رَاوِيه لَمْ يَقْصِد سِيَاق الْحَدِيث عَلَى وَجْهه وَإِنَّمَا أَرَادَ سِيَاق مُنَاظَرَة أَبِي بَكْر وَعُمَر وَاعْتَمَدَ عَلَى مَعْرِفَة السَّامِعِينَ بِأَصْلِ الْحَدِيث , اِنْتَهَى مُلَخَّصًا.
قُلْت وَفِي هَذَا الْجَوَاب نَظَر , لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْد عُمَر فِي الْحَدِيث " حَتَّى يُقِيمُوا الصَّلَاة وَيُؤْتُوا الزَّكَاة " مَا اِسْتَشْكَلَ قِتَالهمْ لِلتَّسْوِيَةِ فِي كَوْن غَايَة الْقِتَال تَرْكَ كُلّ مِنْ التَّلَفُّظ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَإِقَام الصَّلَاة وَإِيتَاء الزَّكَاة , قَالَ عِيَاض : حَدِيث اِبْن عُمَر نَصٌّ فِي قِتَال مَنْ لَمْ يُصَلِّ وَلَمْ يُزَكِّ كَمَنْ لَمْ يُقِرّ بِالشَّهَادَتَيْنِ , وَاحْتِجَاج عُمَر عَلَى أَبِي بَكْر وَجَوَاب أَبِي بَكْر دَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يَسْمَعَا فِي الْحَدِيث الصَّلَاة وَالزَّكَاة إِذْ لَوْ سَمِعَهُ عُمَر لَمْ يَحْتَجّ عَلَى أَبِي بَكْر وَلَوْ سَمِعَهُ أَبُو بَكْر لَرَدَّ بِهِ عَلَى عُمَر وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى الِاحْتِجَاج بِعُمُومِ قَوْله " إِلَّا بِحَقِّهِ ".
قُلْت : إِنْ كَانَ الضَّمِير فِي قَوْله " بِحَقِّهِ " لِلْإِسْلَامِ فَمَهْمَا ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ حَقّ الْإِسْلَام تَنَاوَلَهُ , وَلِذَلِكَ اِتَّفَقَ الصَّحَابَة عَلَى قِتَال مَنْ جَحَدَ الزَّكَاة.
قَوْله ( لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْن الصَّلَاة وَالزَّكَاة ) يَجُوز تَشْدِيد فَرَّقَ وَتَخْفِيفه , وَالْمُرَاد بِالْفَرْقِ مَنْ أَقَرَّ بِالصَّلَاةِ وَأَنْكَرَ الزَّكَاة جَاحِدًا أَوْ مَانِعًا مَعَ الِاعْتِرَاف , وَإِنَّمَا أُطْلِقَ فِي أَوَّل الْقِصَّة الْكُفْر لِيَشْمَل الصِّنْفَيْنِ , فَهُوَ فِي حَقّ مَنْ جَحَدَ حَقِيقَة وَفِي حَقّ الْآخَرِينَ مَجَاز تَغْلِيبًا , وَإِنَّمَا قَاتَلَهُمْ الصِّدِّيق وَلَمْ يَعْذِرْهُمْ بِالْجَهْلِ لِأَنَّهُمْ نَصَبُوا الْقِتَال فَجَهَّزَ إِلَيْهِمْ مَنْ دَعَاهُمْ إِلَى الرُّجُوع , فَلَمَّا أَصَرُّوا قَاتَلَهُمْ.
قَالَ الْمَازِرِيّ : ظَاهِر السِّيَاق أَنَّ عُمَر كَانَ مُوَافِقًا عَلَى قِتَال مَنْ جَحَدَ الصَّلَاة فَأَلْزَمَهُ الصِّدِّيق بِمِثْلِهِ فِي الزَّكَاة لِوُرُودِهِمَا فِي الْكِتَاب وَالسُّنَّة مَوْرِدًا وَاحِدًا.
قَوْله ( فَإِنَّ الزَّكَاة حَقّ الْمَال ) يُشِير إِلَى دَلِيل مَنْع التَّفْرِقَة الَّتِي ذَكَرَهَا أَنَّ حَقّ النَّفْس الصَّلَاة وَحَقّ الْمَال الزَّكَاة , فَمَنْ صَلَّى عَصَمَ نَفْسه , وَمَنْ زَكَّى عَصَمَ مَاله , فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ قُوتِلَ عَلَى تَرْك الصَّلَاة , وَمَنْ لَمْ يُزَكِّ أُخِذَتْ الزَّكَاة مِنْ مَاله قَهْرًا , وَإِنْ نَصَبَ الْحَرْب لِذَلِكَ قُوتِلَ.
وَهَذَا يُوَضِّح أَنَّهُ لَوْ كَانَ سَمِعَ فِي الْحَدِيث " وَيُقِيمُوا الصَّلَاة وَيُؤْتُوا الزَّكَاة ) لَمَا اِحْتَاجَ إِلَى هَذَا الِاسْتِنْبَاط , لَكِنَّهُ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون سَمِعَهُ وَاسْتَظْهَرَ بِهَذَا الدَّلِيل النَّظَرِيّ.
قَوْله ( وَاَللَّه لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا ) تَقَدَّمَ ضَبْطهَا فِي " بَاب أَخْذ الْعَنَاق " وَفِي " الصَّدَقَة " مِنْ كِتَاب الزَّكَاة , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة قُتَيْبَة عَنْ اللَّيْث عِنْد مُسْلِم " عِقَالًا " وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ فِي كِتَاب الِاعْتِصَام عَنْ قُتَيْبَة فَكَنَّى بِهَذِهِ اللَّفْظَة فَقَالَ " لَوْ مَنَعُونِي كَذَا " وَاخْتُلِفَ فِي هَذِهِ اللَّفْظَة فَقَالَ قَوْم هِيَ وَهْم , وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الْبُخَارِيّ بِقَوْلِهِ فِي " الِاعْتِصَام " عَقِب إِيرَاده " قَالَ لِي اِبْن بُكَيْر " يَعْنِي شَيْخه فِيهِ هُنَا , وَعَبْد اللَّه يَعْنِي اِبْن صَالِح عَنْ اللَّيْث " عَنَاقًا " وَهُوَ أَصَحّ , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة ذَكَرَهَا أَبُو عُبَيْدَة " لَوْ مَنَعُونِي جَدْيًا أَذْوَطَ , وَهُوَ يُؤَيِّد أَنَّ الرِّوَايَة " عَنَاقًا " وَالْأَذْوَط الصَّغِير الْفَكّ وَالذَّقَن , قَالَ عِيَاض وَاحْتَجَّ بِذَلِكَ مَنْ يُجِيز أَخْذ الْعَنَاق فِي زَكَاة الْغَنَم إِذَا كَانَتْ كُلّهَا سِخَالًا وَهُوَ أَحَد الْأَقْوَال , وَقِيلَ : إِنَّمَا ذَكَرَ الْعَنَاق مُبَالَغَة فِي التَّقْلِيل لَا الْعَنَاق نَفْسهَا , قُلْت : وَالْعَنَاق بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَالنُّون الْأُنْثَى مِنْ وَلَد الْمَعْز , قَالَ النَّوَوِيّ : الْمُرَاد أَنَّهَا كَانَتْ صِغَارًا فَمَاتَتْ أُمَّهَاتهَا فِي بَعْض الْحَوْل فَيُزَكَّيْنَ بِحَوْلِ الْأُمَّهَات وَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْأُمَّهَات شَيْء عَلَى الصَّحِيح , وَيُتَصَوَّر فِيمَا إِذَا مَاتَتْ مُعْظَم الْكِبَار وَحَدَثَتْ الصِّغَار فَحَالَ الْحَوْل عَلَى الْكِبَار عَلَى بَقِيَّتهَا وَعَلَى الصِّغَار.
وَقَالَ بَعْض الْمَالِكِيَّة الْعَنَاق وَالْجَذَعَة تُجْزِئ فِي زَكَاة الْإِبِل الْقَلِيلَة الَّتِي تُزَكَّى بِالْغَنَمِ , وَفِي الْغَنَم أَيْضًا إِذَا كَانَتْ جَذَعَة , وَيُؤَيِّدهُ أَنَّ فِي حَدِيث أَبِي بُرْدَة فِي الْأُضْحِيَّة " فَإِنَّ عِنْدِي عَنَاقًا جَذَعَة " وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْث فِي ذَلِكَ فِي كِتَاب الزَّكَاة.
وَقَالَ قَوْم : الرِّوَايَة مَحْفُوظَة وَلَهَا مَعْنًى مُتَّجَه.
وَجَرَى النَّوَوِيّ عَلَى طَرِيقَته فَقَالَ : هُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ قَالَهَا مَرَّتَيْنِ مَرَّة عَنَاقًا وَمَرَّة عِقَالًا.
قُلْت : وَهُوَ بَعِيد مَعَ اِتِّحَاد الْمَخْرَج وَالْقِصَّة , وَقِيلَ الْعِقَال يُطْلَق عَلَى صَدَقَة عَام يُقَال أُخِذَ مِنْهُ عِقَال هَذَا الْعَام يَعْنِي صَدَقَته حَكَاهُ الْمَازِرِيّ عَنْ الْكِسَائِيّ وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ الشَّاعِر : سَعَى عِقَالًا فَلَمْ يَتْرُك لَنَا سَنَدًا فَكَيْف لَوْ قَدْ سَعَى عَمْرو عِقَالَيْنِ وَعَمْرو الْمُشَار إِلَيْهِ هُوَ اِبْن عُتْبَةَ بْن أَبِي سُفْيَان , وَكَانَ عَمّه مُعَاوِيَة يَبْعَثهُ سَاعِيًا عَلَى الصَّدَقَات فَقِيلَ فِيهِ ذَلِكَ.
وَنَقَلَ عِيَاض عَنْ اِبْن وَهْب أَنَّهُ الْفَرِيضَة مِنْ الْإِبِل , وَنَحْوه عَنْ النَّضْر بْن شُمَيْلٍ , وَعَنْ أَبِي سَعِيد الضَّرِير : الْعِقَال مَا يُؤْخَذ فِي الزَّكَاة مِنْ أَنْعَام وَثِمَار لِأَنَّهُ عَقْل عَنْ مَالِكهَا.
وَقَالَ الْمُبَرِّد : الْعِقَال مَا أَخَذَهُ الْعَامِل مِنْ صَدَقَة بِعَيْنِهَا فَإِنْ تَعَوَّضَ عَنْ شَيْء مِنْهَا قِيلَ أَخَذَ نَقْدًا , وَعَلَى هَذَا فَلَا إِشْكَال فِيهِ.
وَذَهَبَ الْأَكْثَر إِلَى حَمْل الْعِقَال عَلَى حَقِيقَته وَأَنَّ الْمُرَاد بِهِ الْحَبْل الَّذِي يُعْقَل بِهِ الْبَعِير , نَقَلَهُ عِيَاض عَنْ الْوَاقِدِيّ عَنْ مَالِك بْن أَبِي ذِئْب قَالَا الْعِقَال عِقَال النَّاقَة.
قَالَ أَبُو عُبَيْد الْعِقَال اِسْم لِمَا يُعْقَل بِهِ الْبَعِير , وَقَدْ بَعَثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّد بْن مَسْلَمَةَ عَلَى الصَّدَقَة فَكَانَ يَأْخُذ مَعَ كُلّ فَرِيضَة عِقَالًا.
وَقَالَ النَّوَوِيّ : ذَهَبَ إِلَى هَذَا كَثِير مِنْ الْمُحَقِّقِينَ , وَقَالَ اِبْن التَّيْمِيّ فِي " التَّحْرِير " : قَوْل مَنْ فَسَّرَ الْعِقَال بِفَرِيضَةِ الْعَام تَعَسُّف , وَهُوَ نَحْو تَأْوِيل مَنْ حَمَلَ الْبَيْضَة وَالْحَبْل فِي حَدِيث لَعْن السَّارِق عَلَى بَيْضَة الْحَدِيد وَحَبْل السَّفِينَة.
قُلْت : وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَان ذَلِكَ فِي " بَاب حَدّ السَّرِقَة " إِلَى أَنْ قَالَ : وَكُلّ مَا كَانَ فِي هَذَا السِّيَاق أَحْقَرَ كَانَ أَبْلَغَ قَالَ : وَالصَّحِيح أَنَّ الْمُرَاد بِالْعِقَالِ مَا يُعْقَل بِهِ الْبَعِير , قَالَ : وَالدَّلِيل عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِهِ الْمُبَالَغَة قَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى " عَنَاقًا " وَفِي الْأُخْرَى " جَدْيًا " قَالَ : فَعَلَى هَذَا فَالْمُرَاد بِالْعِقَالِ قَدْر قِيمَته , قَالَ الثَّوْرِيّ : وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح الَّذِي لَا يَنْبَغِي غَيْره.
وَقَالَ عِيَاض : اِحْتَجَّ بِهِ بَعْضهمْ عَلَى جَوَاز أَخْذ الزَّكَاة فِي عُرُوض التِّجَارَة , وَفِيهِ بُعْد , وَالرَّاجِح أَنَّ الْعِقَال لَا يُؤْخَذ فِي الزَّكَاة لِوُجُوبِهِ بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا يُؤْخَذ تَبَعًا لِلْفَرِيضَةِ الَّتِي تُعْقَل بِهِ , أَوْ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ مُبَالَغَة عَلَى تَقْدِير أَنْ لَوْ كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَالَ النَّوَوِيّ : يَصِحّ قَدْر قِيمَة الْعِقَال فِي زَكَاة النَّقْد وَفِي الْمَعْدِن وَالرِّكَاز وَالْمُعَشَّرَات وَزَكَاة الْفِطْر , وَفِيمَا لَوْ وَجَبَتْ سِنّ فَأَخَذَ السَّاعِي دُونه , وَفِيمَا إِذَا كَانَتْ الْغَنَم سِخَالًا فَمَنَعَ وَاحِدَة وَقِيمَتهَا عِقَال.
قَالَ : وَقَدْ رَأَيْت كَثِيرًا مِمَّنْ يَتَعَانَى الْفِقْه يَظُنّ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّر وَإِنَّمَا هُوَ لِلْمُبَالَغَةِ.
, وَهُوَ غَلَط مِنْهُ.
وَقَدْ قَالَ الْخَطَّابِيّ : حَمَلَهُ بَعْضهمْ عَلَى زَكَاة الْعِقَال إِذَا كَانَ مِنْ عُرُوض التِّجَارَة , وَعَلَى الْحَبْل نَفْسه عِنْد مَنْ يُجِيز أَخْذ الْقِيَم , وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْل إِنَّهُ يَتَخَيَّر بَيْن الْعَرَض وَالنَّقْد , قَالَ : وَأَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ كُلّه قَوْل مَنْ قَالَ إِنَّهُ يَجِب أَخْذ الْعِقَال مَعَ الْفَرِيضَة كَمَا جَاءَ عَنْ عَائِشَة " كَانَ مِنْ عَادَة الْمُتَصَدِّق أَنْ يَعْمِد إِلَى قَرَن - بِفَتْحِ الْقَاف وَالرَّاء وَهُوَ الْحَبْل - فَيَقْرُن بِهِ بَيْن بَعِيرَيْنِ لِئَلَّا تَشْرُد الْإِبِل , وَهَكَذَا جَاءَ عَنْ الزُّهْرِيّ.
وَقَالَ غَيْره فِي قَوْل أَبِي بَكْر " لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " غَنِيَّة عَنْ حَمْله عَلَى الْمُبَالَغَة.
وَحَاصِله أَنَّهُمْ مَتَى مَنَعُوا شَيْئًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ قَلَّ فَقَدْ مَنَعُوا شَيْئًا وَاجِبًا إِذْ لَا فَرْق فِي مَنْع الْوَاجِب وَجَحْده بَيْن الْقَلِيل الْكَثِير , قَالَ : وَهَذَا يَعْنِي عَنْ جَمِيع التَّقَادِيرِ وَالتَّأْوِيلَات الَّتِي لَا يَسْبِق الْفَهْم إِلَيْهَا , وَلَا يُظَنّ بِالصِّدِّيقِ أَنَّهُ يَقْصِد إِلَى مِثْلهَا.
قُلْت : الْحَامِل لِمَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْمُبَالَغَة أَنَّ الَّذِي تَمَثَّلَ بِهِ فِي هَذَا الْمَقَام لَا بُدّ وَأَنْ يَكُون مِنْ جِنْس مَا يَدْخُل فِي الْحُكْم الْمَذْكُور , فَلِذَلِكَ حَمَلُوهُ عَلَى الْمُبَالَغَة وَاَللَّه أَعْلَمُ.
قَوْله ( فَوَاَللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْت أَنَّ اللَّه قَدْ شَرَحَ صَدْر أَبِي بَكْر لِلْقِتَالِ فَعَرَفْت أَنَّهُ الْحَقّ ) أَيْ ظَهَرَ لَهُ مِنْ صِحَّة اِحْتِجَاجه لَا أَنَّهُ قَلَّدَهُ فِي ذَلِكَ : وَفِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد غَيْر مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَاب الْإِيمَان : الِاجْتِهَاد فِي النَّوَازِل , وَرَدّهَا إِلَى الْأُصُول , وَالْمُنَاظَرَة عَلَى ذَلِكَ وَالرُّجُوع إِلَى الرَّاجِح , وَالْأَدَب فِي الْمُنَاظَرَة بِتَرْكِ التَّصْرِيح بِالتَّخْطِئَةِ وَالْعُدُول إِلَى التَّلَطُّف , وَالْأَخْذ فِي إِقَامَة الْحُجَّة إِلَى أَنْ يَظْهَر لِلْمَنَاظِرِ , فَلَوْ عَانَدَ بَعْد ظُهُورهَا فَحِينَئِذٍ يَسْتَحِقّ الْإِغْلَاظ بِحَسَبِ حَاله.
وَفِيهِ الْحَلِف عَلَى الشَّيْء لِتَأْكِيدِهِ.
وَفِيهِ مَنْع قَتْل مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَلَوْ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا , وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ هَلْ يَصِير بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ مُسْلِمًا ؟ الرَّاجِح لَا , بَلْ يَجِب الْكَفّ عَنْ قَتْله حَتَّى يُخْتَبَر , فَإِنْ شَهِدَ بِالرِّسَالَةِ وَالْتَزَمَ أَحْكَام الْإِسْلَام حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ , وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَة بِالِاسْتِثْنَاءِ بِهِ بِقَوْلِهِ " إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَام " قَالَ الْبَغَوِيُّ : الْكَافِر إِذَا كَانَ وَثَنِيًّا أَوْ ثَنَوِيًّا لَا يُقَرّ بِالْوَحْدَانِيَّةِ , فَإِذَا قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ ثُمَّ يُجْبَر عَلَى قَبُول جَمِيع أَحْكَام الْإِسْلَام وَيَبْرَأ مِنْ كُلّ دِين خَالَفَ دِين الْإِسْلَام , وَأَمَّا مَنْ كَانَ مُقِرًّا بِالْوَحْدَانِيَّةِ مُنْكِرًا لِلنُّبُوَّةِ فَإِنَّهُ لَا يُحْكَم بِإِسْلَامِهِ حَتَّى يَقُول مُحَمَّد رَسُول اللَّه , فَإِنْ كَانَ يَعْتَقِد أَنَّ الرِّسَالَة الْمُحَمَّدِيَّة إِلَى الْعَرَب خَاصَّة فَلَا بُدّ أَنْ يَقُول إِلَى جَمِيع الْخَلْق , فَإِنْ كَانَ كَفَرَ بِجُحُودِ وَاجِب أَوْ اِسْتِبَاحَة مُحَرَّم فَيَحْتَاج أَنْ يَرْجِع عَمَّا اِعْتَقَدَهُ , وَمُقْتَضَى قَوْله " يُجْبَر " أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَلْتَزِم تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَام الْمُرْتَدّ , وَبِهِ صَرَّحَ الْقَفَّال وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ الْبَاب فَادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَرِد فِي خَبَر مِنْ الْأَخْبَار " أُمِرْت أَنْ أُقَاتِل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه أَوْ أَنِّي رَسُول اللَّه " كَذَا قَالَ وَهِيَ غَفْلَة عَظِيمَة , فَالْحَدِيث فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم فِي كِتَاب الْإِيمَان مِنْ كُلّ مِنْهُمَا مِنْ رِوَايَة اِبْن عُمَر بِلَفْظِ " حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه " وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِقَوْلِهِ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه هُنَا التَّلَفُّظ بِالشَّهَادَتَيْنِ لِكَوْنِهَا سَارَتْ عَلَمًا عَلَى ذَلِكَ , وَيُؤَيِّدهُ وُرُودهمَا صَرِيحًا فِي الطُّرُق الْأُخْرَى , وَاسْتُدِلَّ بِهَا عَلَى أَنَّ الزَّكَاة لَا تَسْقُط عَنْ الْمُرْتَدّ , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمُرْتَدّ كَافِر وَالْكَافِرَ لَا يُطَالَب بِالزَّكَاةِ وَإِنَّمَا يُطَالَب بِالْإِيمَانِ , وَلَيْسَ فِي فِعْل الصِّدِّيق حُجَّة لِمَا ذُكِرَ وَإِنَّمَا فِيهِ قِتَال مَنْ مَنَعَ الزَّكَاة , وَاَلَّذِينَ تَمَسَّكُوا بِأَصْلِ الْإِسْلَام وَمَنَعُوا الزَّكَاة بِالشُّبْهَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا لَمْ يُحْكَم عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ قَبْل إِقَامَة الْحُجَّة.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الصَّحَابَة فِيهِمْ بَعْد الْغَلَبَة عَلَيْهِمْ هَلْ تُغْنَم أَمْوَالهمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيّهمْ كَالْكُفَّارِ أَوْ لَا كَالْبُغَاةِ ؟ فَرَأَى أَبُو بَكْر الْأَوَّل وَعَمِلَ بِهِ وَنَاظَرَهُ عُمَر فِي ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه فِي كِتَاب الْأَحْكَام إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى , وَذَهَبَ إِلَى الثَّانِي وَوَافَقَهُ غَيْره فِي خِلَافَته عَلَى ذَلِكَ , وَاسْتَقَرَّ الْإِجْمَاع عَلَيْهِ فِي حَقّ مَنْ جَحَدَ شَيْئًا مِنْ الْفَرَائِض بِشُبْهَةٍ فَيُطَالَب بِالرُّجُوعِ فَإِنْ نَصَبَ الْقِتَال قُوتِلَ وَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّة , فَإِنْ رَجَعَ وَإِلَّا عُومِلَ مُعَامَلَة الْكَافِر حِينَئِذٍ , وَيُقَال إِنَّ أَصْبَغَ مِنْ الْمَالِكِيَّة اِسْتَقَرَّ عَلَى الْقَوْل الْأَوَّل فَعُدَّ مِنْ نُدْرَة الْمُخَالِف.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض : يُسْتَفَاد مِنْ هَذِهِ الْقِصَّة أَنَّ الْحَاكِم إِذَا أَدَّاهُ اِجْتِهَاده فِي أَمْر لَا نَصَّ فِيهِ إِلَى شَيْء تَجِب طَاعَته فِيهِ وَلَوْ اِعْتَقَدَ بَعْض الْمُجْتَهِدِينَ خِلَافه , فَإِنْ صَارَ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدُ الْمُعْتَقِدُ خِلَافَهُ حَاكِمًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَمَل بِمَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ اِجْتِهَاده وَتَسُوغ لَهُ مُخَالَفَة الَّذِي قَبْله فِي ذَلِكَ , لِأَنَّ عُمَر أَطَاعَ أَبَا بَكْر فِيمَا رَأَى مِنْ حَقّ مَانِعِي الزَّكَاة مَعَ اِعْتِقَاده خِلَافه ثُمَّ عَمِلَ فِي خِلَافَته بِمَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ اِجْتِهَاده وَوَافَقَهُ أَهْل عَصْره مِنْ الصَّحَابَة وَغَيْرهمْ , وَهَذَا مِمَّا يُنَبَّه عَلَيْهِ فِي الِاحْتِجَاج بِالْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيّ , فَيُشْتَرَط فِي الِاحْتِجَاج بِهِ اِنْتِفَاء مَوَانِع الْإِنْكَار وَهَذَا مِنْهَا.
وَقَالَ الْخَطَّابِيّ : فِي الْحَدِيث إِنَّ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَام أُجْرِيَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامه الظَّاهِرَة وَلَوْ أَسَرَّ الْكُفْر فِي نَفْس الْأَمْر.
وَمَحَلّ الْخِلَاف إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ اُطُّلِعَ عَلَى مُعْتَقَدِهِ الْفَاسِد فَأَظْهَرَ الرُّجُوع هَلْ يُقْبَل مِنْهُ أَوْ لَا ؟ وَأَمَّا مَنْ جُهِلَ أَمْره فَلَا خِلَاف فِي إِجْرَاء الْأَحْكَام الظَّاهِرَة عَلَيْهِ.
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ قَالَ عُمَرُ يَا أَبَا بَكْرٍ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا قَالَ عُمَرُ فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ
عن أنس بن مالك يقول: «مر يهودي برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السام عليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعليك.<br> فقال رسول الله صلى الله...
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «استأذن رهط من اليهود على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك، فقلت: بل عليكم السام واللعنة، فقال: يا عائشة، إن...
عن ابن عمر رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن اليهود إذا سلموا على أحدكم إنما يقولون: سام عليك، فقل: عليك.»
قال عبد الله : «كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيا من الأنبياء، ضربه قومه فأدموه، فهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: رب اغفر لقومي فإنهم لا...
حدثنا سويد بن غفلة، قال علي رضي الله عنه: «إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا، فوالله لأن أخر من السماء، أحب إلي من أن أكذب عليه، وإذا...
عن أبي سلمة وعطاء بن يسار : «أنهما أتيا أبا سعيد الخدري، فسألاه عن الحرورية، أسمعت النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا أدري ما الحرورية؟ سمعت النبي ص...
عن عبد الله بن عمر، «وذكر الحرورية، فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية.»
عن أبي سعيد قال: «بينا النبي صلى الله عليه وسلم يقسم، جاء عبد الله بن ذي الخويصرة التميمي فقال: اعدل يا رسول الله، فقال: ويلك، من يعدل إذا لم أعدل.<b...
عن يسير بن عمرو قال: «قلت لسهل بن حنيف: هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الخوارج شيئا؟ قال: سمعته يقول، وأهوى بيده قبل العراق: يخرج منه قوم...