39- عن مالك، عن زيد بن أسلم أن تفسير هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} أن ذلك «إذا قمتم من المضاجع - يعني النوم -»
المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)
( ش ) :ذَهَبَ زَيْدٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِلَى أَنَّ الْقِيَامَ إنَّمَا هُوَ الْقِيَامُ مِنْ النَّوْمِ خَاصَّةً وَذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْآيَةَ قَدْ وَرَدَ فِيهَا ذِكْرُ سَائِرِ الْأَحْدَاثِ الْمُوجِبَةِ لِلْوُضُوءِ فَيَجِبُ حَمْلُ أَوَّلِهَا عَلَى الْقِيَامِ مِنْ النَّوْمِ لِيَجْتَمِعَ فِي الْآيَةِ أَنْوَاعُ الْأَحْدَاثِ الْمُوجِبَةِ لِلْوُضُوءِ وَذَهَبَ غَيْرُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ قَائِمٍ إِلَى الصَّلَاةِ إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَلَيْسَ هَذَا بِبَعِيدٍ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَعُمَّ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ جَمِيعَ الْأَحْدَاثِ ثُمَّ يَخُصَّ بَعْضَهَا بِالذِّكْرِ بَعْدَ ذَلِكَ.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مَعْنَاهُ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ لِلصَّلَاةِ قَالَ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ النِّيَّةِ فِي الطَّهَارَةِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ الْآيَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَمِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى وَهَذَا مَا لَمْ يَنْوِ الْوُضُوءَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاس أَنَّ هَذِهِ طَهَارَةٌ يُنْوَى مَحَلُّ مُوجِبِهَا مِنْ جِسْمِ الْمُكَلَّفِ فَافْتَقَرَتْ إِلَى النِّيَّةِ أَصْلُ ذَلِكَ التَّيَمُّمُ إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ فِي تَبْيِينِ مَا يَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ مِنْ الطَّهَارَةِ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي إيضَاحِ مَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ مِنْ النِّيَّاتِ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَحَلِّ النِّيَّةِ مِنْ الطَّهَارَةِ ( بَابُ فِيمَا يَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ مِنْ الطَّهَارَةِ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ يَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَالشَّيْخِ أَبِي إسْحَقَ أَنَّهَا لَا تَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ فَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا الْغُسْلَ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ لِمَا يَكُونُ بِالْإِنْسَانِ مِنْ الْعَرَقِ وَالصُّنَانِ الَّذِي يَلْزَمُ إزَالَتُهُ لِلصَّلَاةِ الَّتِي شُرِعَ لَهَا النَّظَافَةُ وَالتَّجَمُّلُ فَإِنَّهُ قَدْ اعْتَبَرَ فِيهَا مِنْ الْعَدَدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُعْتَبَرُ فِي الْعِبَادَاتِ الْمَحْضَةِ كَالْوُضُوءِ وَغُسْلِ الْجَنَابَةِ فَثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الْعِبَادَةِ فَافْتَقَرَتْ إِلَى النِّيَّةِ وَلِأَنَّهَا أَيْضًا تَتَعَدَّى مَحَلَّ مُوجِبِهَا لِأَنَّهَا تَلْزَمُ مَنْ لَا عَرَقَ لَهُ وَلَا صُنَانَ وَتَتَعَلَّقُ مِنْ الْأَعْضَاءِ بِمَا يُعْدَمُ فِيهِ ذَلِكَ كَمَا تَتَعَلَّقُ بِمَا يُوجَدُ فِيهِ ذَلِكَ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ وَأَبِي إسْحَقَ أَنَّهَا طَهَارَةٌ لِإِزَالَةٍ مَعْنًى فَاعْتُبِرَتْ إزَالَتُهُ دُونَ النِّيَّةِ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ ( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ فَإِنَّ افْتِقَارَهُ إِلَى النِّيَّةِ يَتَخَرَّجُ عَلَى وَجْهَيْنِ مَنْ جَعَلَهُ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ كَابْنِ الْقَاسِم اعْتَبَرَ فِيهِ النِّيَّةَ وَمَنْ رَأَى غَسْلَهُمَا عَلَى سَبِيلِ النَّظَافَةِ كَأَشْهَبَ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى فَلَا يَعْتَبِرُ فِي ذَلِكَ نِيَّةً وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ مَا يَقْتَضِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا ( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا غَسْلُ الذَّكَرِ مِنْ الْمَذْيِ فَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ كَغَسْلِ النَّجَاسَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضْيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ تَتَعَدَّى مَحَلَّ وُجُوبِهَا وَأَمَّا مَنْ خَلَعَ خُفَّيْهِ بَعْدَ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا فَأَرَادَ أَنْ يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ أَوْ يَمْسَحَ عَلَى خُفَّيْنِ أَسْفَلَيْنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضْيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ انْفَصَلَتْ مِنْ جُمْلَتِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ لَهَا وَكَذَلِكَ مَنْ نَسِيَ غَسْلَ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى ثُمَّ ذَكَرَهُ بَعْدَ أَنْ جَفَّ وُضُوءُهُ وَطَالَ أَمْرُهُ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ فِي غَسْلِهِ مِنْ النِّيَّةِ ( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ بِيَدِهِ فِي أَثْنَاءِ غُسْلِهِ قَبْلَ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ عِنْدَ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَمَنَعَ مَنْ ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( بَابٌ فِي إيضَاحِ مَا يُجْزِئُ مِنْ النِّيَّةِ ) وَأَمَّا الْبَابُ الثَّانِي فِيمَا يُجْزِئُ مِنْ النِّيَّةِ فِي الطَّهَارَةِ فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ فِي ذَلِكَ بِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا بِمَا يَتَنَاوَلُ مِنْ الْأَحْدَاثِ وَالْأَسْبَابِ وَالثَّانِي بِمَا يَتَنَاوَلُ مِنْ الْعِبَادَاتِ فَإِذَا تَسَاوَتْ الطَّهَارَتَانِ فِي أَنْفُسِهِمَا وَفِيمَا تَتَنَاوَلُهُ مِنْ الْأَحْدَاثِ وَالْأَسْبَابِ وَفِيمَا تَمْنَعُهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ نِيَّةَ إِحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ تَنُوبُ عَنْ الْأُخْرَى وَإِنْ تَسَاوَتَا فِي الْغُسْلِ وَاخْتَلَفَتَا فِي أَنَّ إحْدَاهُمَا عَنْ حَدَثٍ وَالْأُخْرَى سَبَبُ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَالْغُسْلِ لِلرَّوَاحِ لِلْجُمُعَةِ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ وَلَمْ يَنْوِ الْجَنَابَةَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُجْزِيهِ نِيَّةُ الْغُسْلِ لِلرَّوَاحِ عَنْ نِيَّةِ الْجَنَابَةِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ كِنَانَةَ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ نَافِعٍ تُجْزِيهِ وَرَوَوْهُ عَنْ مَالِكٍ فَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ فَلَا تُجْزِيهِ نِيَّةٌ عَنْ نِيَّةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَهُوَ وَاجِبٌ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ مَشْرُوعٌ مَأْمُورٌ بِهِ فَوَجَبَ أَنْ تُجْزِئَ نِيَّتُهُ عَنْ نِيَّةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ كَمَنْ تَوَضَّأَ لِنَافِلَةٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِهَا فَرِيضَةً ( فَرْعٌ ) وَإِنْ نَوَى الْجَنَابَةَ فَهَلْ يُجْزِيهِ عَنْ نِيَّةِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَأَشْهَبُ يُجْزِيهِ وَجْهُ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الْحَدَثِ وَلَا يَنْتَقِضُ بِالْحَدَثِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ أَشْهَبَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ فَإِنْ نَوَى الطَّهَارَتَيْنِ مَعًا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ تُجْزِيهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ لَا تُجْزِيهِ إِلَّا أَنْ يَغْتَسِلَ لِلْجَنَابَةِ وَيُجْزِيهِ ذَلِكَ عَنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ ( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ عَلَى وُضُوءٍ يَتَوَضَّأُ مُجَدِّدًا لِلطَّهَارَةِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ فَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِيهِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّهُ قَصَدَ النَّافِلَةَ وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْفَرْضِ فِي تَكْرَارِ الْوُضُوءِ يَجِبُ أَنْ يُفْعَلَ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ لِتَنُوبَ الْغَسْلَةُ الثَّانِيَةُ عَمَّا نَقَصَ مِنْ الْأُولَى فَإِنْ أَتَى بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ بِنِيَّةِ الْفَصْلِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي تَجْدِيدِ الطَّهَارَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضْيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّهُ لَا يَكُونُ التَّكْرَارُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ وَإِنَّمَا يُؤْتَى بِهِ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ بِمَنْزِلَةِ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّ النَّفْلَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْفَرْضِ فَتَتِمَّ بِهِ فَضِيلَتُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ صَلَّى صَلَاةَ فَرْضٍ فَذًّا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُعِيدَهَا فِي جَمَاعَةٍ لِلْفَضِيلَةِ فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُهَا إِلَّا بِنِيَّةِ الْفَرْضِ وَلَوْ صَلَّاهَا بِنِيَّةِ النَّفْلِ لَمَا كَمَلَتْ بِهَا فَضِيلَةُ الْأُولَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ ( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ لَمْ يَذْكُرْ جَنَابَةً فَاغْتَسَلَ عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَتْ بِهِ جَنَابَةٌ فَهَذَا الْغُسْلُ يَرْفَعُ حُكْمَهَا ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ جَنَابَةً فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُجْزِيهِ وَقَالَ عِيسَى يُجْزِيهِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ ابْنَ كِنَانَةَ قَالَ مَنْ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ نَاسِيًا لِلْجَنَابَةِ أَجْزَاهُ قَالَ عِيسَى فَكَيْفَ بِهَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضْيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ نِيَّةَ الطَّهَارَةِ الْوَاجِبَةِ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةِ الْوُجُوبِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَحْتَاجُ إِلَى نَظَرٍ وَتَقْسِيمٍ وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يَغْتَسِلُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَخْلُو أَنْ يَشُكَّ هَلْ أَجْنَبَ بَعْدَ غُسْلِهِ أَوْ أُرِيَ شَيْئًا فَشَكَّ أَهُوَ جَنَابَةٌ أَوْ غَيْرُهَا أَوْ لَمْ يَشُكَّ بَلْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ عَلَى طَهَارَةٍ فَإِنْ شَكَّ فِي الْجَنَابَةِ بَعْدَ الْغُسْلِ فَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَهَذَا الشَّكُّ عِنْدَهُ يَقُومُ مَقَامَ تَيَقُّنِ الْجَنَابَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُجْزِيهِ وَلَا أَنْ يُشَبِّهَهُ بِغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا إِنَّ الطَّهَارَةَ مَعَ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الشَّكِّ مُسْتَحَبَّةٌ وَأَمَّا مَنْ رَأَى بَلَلًا فَشَكَّ فِيهِ فَإِنَّهُ يَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّ الْغُسْلَ يَلْزَمُهُ وَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ زِيَادٍ أَنَّ الْغُسْلَ لَا يَلْزَمُهُ وَأَمَّا مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ فَاغْتَسَلَ مَعَ ذَلِكَ اسْتِظْهَارًا مُجَدِّدًا لِغُسْلِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَوَضَّأَ مُجَدِّدًا لِوُضُوئِهِ ( مَسْأَلَةٌ ) فَإِذَا تَسَاوَتْ الطَّهَارَتَانِ عَنْ حَدَثٍ وَاخْتَلَفَتْ مَوَانِعُهُمَا كَالْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ فَإِنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ الْوَطْءَ وَلَا تَمْنَعُهُ الْجَنَابَةُ فَإِنْ اغْتَسَلَتْ الْحَائِضُ تَنْوِي الْجَنَابَةَ دُونَ الْحَيْضِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ لَا يُجْزِئُ وَفِي كِتَابِ الْحَاوِي لِلْقَاضِي أَبِي الْفَرَجِ يُجْزِي وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ مِمَّا لَا تَمْنَعُ مِنْهُ الْجَنَابَةُ وَإِذَا رَفَعَ مُوجِبَ الْجَنَابَةِ لَمْ يَرْتَفِعْ جَمِيعُ مُوجِبِ الْحَيْضِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُجْزِيَهُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَيْنِ حَدَثَانِ مُوجِبُهُمَا وَاحِدٌ فَوَجَبَ أَنْ تَنُوبَ نِيَّةُ أَحَدِهِمَا عَنْ نِيَّةِ الْآخَرِ كَالْوُضُوءِ مِنْ النَّوْمِ وَالْبَوْلِ وَاخْتِلَافُ مَوَانِعِهِمَا لَا يُوجِبُ التَّنَافِيَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْحَائِضَ لَوْ نَوَتْ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ خَاصَّةً لَأَجْزَأَهَا ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ مَوَانِعِ الْحَيْضِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي مَسْأَلَتِنَا وَلِهَذَا اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي الْجُنُبِ يَتَيَمَّمُ نَاسِيًا لِجَنَابَتِهِ يَنْوِي مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَمَنَعَ مِنْهُ مَالِكٌ وَجَوَّزَهُ ابْنُ مَسْلَمَةَ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ ( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ نَوَتْ بِغُسْلِهَا الْحَيْضَ دُونَ الْجَنَابَةِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يُجْزِيهَا عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَهَذَا مُطَّرِدٌ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ لَا يَرَى لِلْحَائِضِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ عِنْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ وَعَلَى رِوَايَةِ مَنْ لَا يَرَى لَهَا قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ جُمْلَةً وَأَمَّا مَنْ حَمَلَ قَوْلَ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ عَلَى تَجْوِيزِ الْقِرَاءَةِ لَهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ فَإِنَّهُ يَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ نِيَّةَ الْحَيْضِ لَا تُجْزِي عَنْ نِيَّةِ الْجَنَابَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ ( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا مَا تَخْتَلِفُ مُوجِبَاتُهُ وَمَوَانِعُهُ كَالْجَنَابَةِ وَالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَإِنَّ نِيَّةَ الْأَعَمِّ مِنْهُ تَنُوبُ عَنْ نِيَّةِ مَا هُوَ أَخَصُّ مِنْهُ فَتَنُوبُ نِيَّةُ الْجَنَابَةِ عَنْ نِيَّةِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَلَا تُجْزِئُ نِيَّةُ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ عَنْ نِيَّةِ الْأَكْبَرِ فِي الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ وَأَمَّا فِي التَّيَمُّمِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِاخْتِلَافِ مَوَانِعِهِمَا وَاتِّفَاقِ مُوجِبِهِمَا.
( فَصْلٌ ) وَأَمَّا تَنَاوُلُ النِّيَّةِ لِلْعِبَادَاتِ وَالْأَفْعَالِ فَإِنْ نَوَى بِالطَّهَارَةِ اسْتِبَاحَةَ جَمِيعِ مَا يَمْنَعُهُ حَدَثُهَا أَجْزَأَ ذَلِكَ وَهُوَ أَعَمُّ وُجُوهِهَا فَإِنْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ فِعْلٍ بِعَيْنِهِ فَإِنَّ الْأَفْعَالَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ أَحَدُهَا مَا تَكُونُ الطَّهَارَةُ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ وَالثَّانِي مَا شُرِعَتْ فِيهِ الطَّهَارَةُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ وَالثَّالِثُ مَا لَمْ تُشْرَعْ فِيهِ طَهَارَةٌ بِوَجْهٍ فَإِنْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ فِعْلٍ شُرِعَتْ الطَّهَارَةُ فِي صِحَّتِهِ فَلَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُجْزِي وَيُسْتَبَاحُ بِهَا ذَلِكَ الْفِعْلُ مِثْلُ أَنْ يَنْوِيَ الْجُنُبُ الصَّلَاةَ أَوْ مَسَّ الْمُصْحَفِ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضْيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعِنْدِي أَنَّهُ يُجْرَى مَجْرَى ذَلِكَ أَنْ يَنْوِيَ الْجُنُبُ دُخُولَ الْمَسْجِدِ أَوْ يَنْوِيَ الْمُحْدِثُ صَلَاةَ نَافِلَةٍ ( فَرْعٌ ) وَهَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَبِيحَ بِهِ سَائِرَ مَوَانِعِ ذَلِكَ الْحَدَثِ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَنْ نَوَى صَلَاةً بِعَيْنِهَا أَوْ مَسَّ مُصْحَفٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَسْتَبِيحُ بِهِ كُلَّ مَا يَمْنَعُ مِنْهُ ذَلِكَ الْحَدَثُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ فِيمَنْ نَوَى بِطَهَارَتِهِ اسْتِبَاحَةَ صَلَاةٍ بِعَيْنِهَا دُونَ غَيْرِهَا إنَّهُ يَتَخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ فِي رَفْعِ نِيَّةِ الطَّهَارَةِ فَإِنْ قُلْنَا إِنَّ الطَّهَارَةَ لَا تُرْفَعُ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَا نَوَى وَغَيْرَهَا وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا تُرْفَعُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ غَيْرَهَا لِأَنَّهُ قَدْ نَوَى رَفْضَ طَهَارَتِهِ بَعْدَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ شَيْئًا بَعْدَهَا وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ صَلَاةٍ بِعَيْنِهَا وَبَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ صَلَاةٍ بِعَيْنِهَا دُونَ غَيْرِهَا ( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي فَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ بِطَهَارَتِهِ فِعْلًا شُرِعَتْ فِيهِ اسْتِحْبَابًا مِثْلُ أَنْ يَتَوَضَّأَ الْمُحْدِثُ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ أَوْ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ النَّوْمِ فَقَدْ حَكَى أَبُو الْفَرَجِ فِيمَنْ تَوَضَّأَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِوُضُوئِهِ ذَلِكَ وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمُخْتَصَرِ فِيمَنْ تَوَضَّأَ لِيَكُونَ عَلَى طُهْرٍ وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ لِلنَّوْمِ وَمِثْلُ هَذَا يَلْزَمُ فِي الْوُضُوءِ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ أَوْ السَّعْيِ أَوْ الْغُسْلِ لِلْجُمُعَةِ وَدُخُولِ مَكَّةَ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَأَلْحَقَ ابْنُ حَبِيبٍ بِذَلِكَ مَنْ تَوَضَّأَ لِيَدْخُلَ عَلَى الْأَمِيرِ وَرَوَاهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّالِثُ وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ بِوُضُوئِهِ اسْتِبَاحَةَ مَا لَمْ تُشْرَعْ فِيهِ الطَّهَارَةُ أَصْلًا فَإِنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ صَلَاةً وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ نَعْلَمُهُ وَمَنْ تَوَضَّأَ لِيُعَلِّمَ الْوُضُوءَ أَوْ لِيَتَعَلَّمَهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُصَلِّي بِهِ وَفِي النَّوَادِرِ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا مُكْرَهًا لَمْ يُجْزِهِ ( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَيَلْزَمُ الْجُنُبَ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَنْوِيَ بِطَهَارَتِهِ الْجَنَابَةَ أَوْ مَا يُغْسَلُ مِنْهُ جَمِيعُ الْجَسَدِ وُجُوبًا أَوْ اسْتِحْبَابًا وَالثَّانِي أَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ جَمِيعِ مَوَانِعِهَا وَبَعْضِهَا وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَيَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةِ الطَّهَارَةِ مِنْ مَعْنًى تَجِبُ مِنْهُ أَوْ شُرِعَتْ فِيهِ اسْتِحْبَابًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ تَعْيِينُ الْحَدَثِ وَنِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ الْمَوَانِعِ وَبَعْضِهَا فَإِنْ اغْتَسَلَ وَلَمْ يُعَيِّنْ حَدَثًا فَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إسْحَقَ مَنْ اغْتَسَلَ يَنْوِي التَّطْهِيرَ وَلَا يَنْوِي الْجَنَابَةَ قَالَ مَالِكٌ مَرَّةً لَا يُجْزِيهِ وَقَالَ مَرَّةً يُجْزِيهِ وَعَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَيَلْزَمُ فِي التَّيَمُّمِ تَعْيِينُ الْفِعْلِ الَّذِي يُسْتَبَاحُ بِهِ وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْوُجُوبِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( بَابٌ فِي مَحَلِّ النِّيَّةِ مِنْ الطَّهَارَةِ ) وَمَحَلُّ النِّيَّةِ مِنْ الطَّهَارَةِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ فِي أَوَّلِهَا عِنْدَ التَّلَبُّسِ بِهَا وَقَدْ رَأَيْت ذَلِكَ لِغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَظَاهِرُ قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَحَلَّهَا عِنْدَ ابْتِدَائِهِ بِفَرْضِ الطَّهَارَةِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَوَجَّهَ إِلَى الْبَحْرِ أَوْ الْحَمَّامِ يَنْوِي غُسْلَ الْجَنَابَةِ فَلَمَّا أَخَذَ فِي الطُّهْرِ نَسِيَ الْجَنَابَةَ أَنَّهُ يُجْزِيهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ يُجْزِيهِ فِي الْبَحْرِ وَلَا يُجْزِيهِ فِي الْحَمَّامِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْزِلَةُ ذَلِكَ مَنْزِلَةُ مَنْ يُوضَعُ لَهُ الْمَاءُ وَهُوَ يَقْصِدُ الِاغْتِسَالَ مِنْ الْجَنَابَةِ فَنَسِيَ حَتَّى فَرَغَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُ عَنْهُ لِأَنَّهُ عَلَى نِيَّتِهِ مَا دَامَ مُشْتَغِلًا بِالْعَمَلِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ النِّسْيَانُ وَفَرَّقَ سَحْنُونٌ بَيْنَ الْبَحْرِ وَالْحَمَّامِ بِأَنَّ الْبَحْرَ لَا يَقْصِدُهُ فِي الْغَالِبِ إِلَّا لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ وَأَمَّا الْحَمَّامُ فَيَقْصِدُهُ لِيَغْتَسِلَ فِيهِ تَنَظُّفًا وَهَذَا التَّعْلِيلُ صَحِيحٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ غَيْرَ أَنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي نِيَّةِ الصَّلَاةِ إنَّهَا مُقَارِنَةٌ لِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مِنْ حُكْمِ نِيَّاتِ الْعِبَادَةِ أَنْ تُقَارِنَ افْتِتَاحَهَا إِلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ كَمَا يَمْنَعُ مِنْ الصَّوْمِ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ الصَّوْمَ فِي غُرَّةٍ أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ لَيْلَتِهِ وَأَمَّا الطَّهَارَةُ فَإِنَّهَا تُفْتَتَحُ بِنَوَافِلِهَا فَلَوْ قَارَنَتْ النِّيَّةُ الْفَرْضَ لَعَرَا غَسْلُ الْيَدَيْنِ وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ عَنْ النِّيَّةِ فَجَازَ لَهُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْمَشْيِ إِلَى مَوْضِعِ الْمَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْوُضُوءُ مَعَ اتِّصَالِ الْعَمَلِ بِهِ إِلَى الشُّرُوعِ فِي الْوُضُوءِ وَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تُفْتَتَحُ بِفَرْضٍ مِنْ فَرَوْضِهَا وَلَا يَخْفَى عَلَى الْمُكَلَّفِ الدُّخُولُ فِيهَا لِأَنَّهُ يَفْعَلُهُ فَوَجَبَ أَنْ تُقَارِنَ النِّيَّةُ افْتِتَاحَهَا وَكَذَلِكَ الْحَجُّ.
( فَصْلٌ ) وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَغَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَغُسْلِ الْكِتَابِيَّةِ إِذَا انْقَطَعَ عَنْهَا دَمُ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ وَمَنْ وَضَّأَ غَيْرَهُ لِمَرَضٍ أَوْ زَمَانَةٍ فَإِنَّ الشَّيْخَ أَبَا مُحَمَّدٍ قَالَ النِّيَّةُ عَلَى الْمُوَضَّأِ لَا عَلَى الْغَاسِلِ.
( فَصْلٌ ) ذَكَرَ ابْنُ الْجَهْمِ أَنَّ فَرْضَ الْوُضُوءِ نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَكَانَ الطُّهْرُ بِمَكَّةَ مِنْ النَّوَادِرِ وَهَذَا أَمْرٌ لَوْ صَحَّ لَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ صَحِيحٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ الْوُضُوءُ بِمَكَّةَ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَارِدًا مِنْ قَبْلِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْوُجُوبِ لَكِنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ الْقُرْآنُ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
( فَصْلٌ ) قَوْلُهُ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَذَكَرَ الْمُلَامَسَةَ وَالْمَجِيءَ مِنْ الْغَائِطِ مَعَ النَّوْمِ وَهِيَ أُصُولُ أَسْبَابِ الطَّهَارَةِ إِلَّا أَنَّ فِي الْآيَةِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا تَقْدِيرُهَا عَلَى التَّحْقِيقِ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا قَالَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ
و حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ تَفْسِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } أَنَّ ذَلِكَ إِذَا قُمْتُمْ مِنْ الْمَضَاجِعِ يَعْنِي النَّوْمَ
عن نافع، أن ابن عمر كان «ينام جالسا ثم يصلي ولا يتوضأ»
عن المغيرة بن أبي بردة، وهو من بني عبد الدار أنه سمع أبا هريرة يقول: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إنا نركب البحر، ونحم...
عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة، عن خالتها كبشة بنت كعب بن مالك، وكانت تحت ابن أبي قتادة الأنصاري، أنها أخبرتها: أن أبا قتادة دخل عليها فسكبت له وضوءا، فجا...
عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، أن عمر بن الخطاب خرج في ركب، فيهم عمرو بن العاص، حتى وردوا حوضا، فقال عمرو بن العاص لصاحب الحوض: يا صاحب الحوض هل ترد ح...
عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول: «إن كان الرجال والنساء، في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليتوضئون جميعا»
عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، أنها سألت أم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني امرأة أطيل ذيلي، وأمشي في المكان القذر.<br> قالت...
عن مالك، أنه رأى ربيعة بن أبي عبد الرحمن «يقلس، مرارا وهو في المسجد، فلا ينصرف، ولا يتوضأ، حتى يصلي»
عن نافع، أن عبد الله بن عمر «حنط ابنا لسعيد بن زيد وحمله ثم دخل المسجد، فصلى ولم يتوضأ»
عن عبد الله بن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أكل كتف شاة، ثم صلى، ولم يتوضأ»