1369- عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع»
أخرجه الشيخان
المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)
( ش ) : قَوْلُهُ مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ الْمَطْلُ هُوَ مَنْعُ قَضَاءِ مَا اسْتُحِقَّ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ فَلَا يَكُونُ مَنْعُ مَا لَمْ يَحِلَّ أَجَلُهُ مِنْ الدُّيُونِ مَطْلًا , وَإِنَّمَا يَكُونُ مَطْلًا بَعْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ , وَتَأْخِيرِ مَا بِيعَ عَلَى النَّقْدِ عَنْ الْوَقْتِ الْمُعْتَادِ فِي ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ مَا جَرَتْ عَلَيْهِ عَادَةُ النَّاسِ مِنْ الْقَضَاءِ قَدْ جَاءَ التَّشْدِيدُ فِيهِ.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ , وَوَصَفَهُ بِالظُّلْمِ إِذَا كَانَ غَنِيًّا خَاصَّةً , وَلَمْ يَصِفْهُ بِذَلِكَ مَعَ الْعُسْرِ , وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ , وَإِذَا كَانَ غَنِيًّا فَمَطَلَ بِمَا قَدْ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ فَقَدْ ظَلَمَ , وَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ وَسَحْنُونٌ , وَتُرَدُّ بِذَلِكَ شَهَادَتُهُ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّاهُ ظَالِمًا , وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ , فَعِرْضُهُ التَّظَلُّمُ مِنْهُ بِقَوْلِ مَطَلَنِي وَظَلَمَنِي , وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُقُوبَتُهُ سِجْنُهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ إِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ مَعْنَاهُ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْحَوَالَةُ , وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إِنَّ الْأَصْلَ بِالْحَوَالَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ , وَالْحَوَالَةُ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الدَّيْنُ , وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ عَلَى أَجَلٍ آخَرَ مِثْلِهِ فَيُحِيلُ بِهِ غَرِيمُهُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ مِثْلُهُ , وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي قَوْلِهِ فَلْيَتْبَعْ أَنَّهُ عَلَى النَّدْبِ , وَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ ; لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ , وَقَالَ إِنَّ الْحَوَالَةَ اُسْتُثْنِيَتْ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا اُسْتُثْنِيَتْ الْعَرِيَّةُ , وَبَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضِى اللَّهُ عَنْهُ وَالصَّحِيحُ فِي الْحَوَالَةِ عِنْدِي أَنَّ الْحَوَالَةَ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ إِذَا قُلْنَا أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إِلَّا مِنْ دَيْنٍ ثَابِتٍ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ , وَذَلِكَ أَنَّ الْمُحِيلَ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِنَفْسِ الْإِحَالَةِ فَهِيَ مِنْ بَابِ النَّقْدِ , وَمَعْنَى الْحَوَالَةِ عِنْدِي أَنْ تَكُونَ عَلَى الْإِبَاحَةِ , وَأَنَّ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَسْتَحِيلَ عَلَى غَرِيمِ غَرِيمِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَطْلُبَ غَرِيمَهُ , وَيَقُولُ لَهُ اقْضِنِي حَقِّي وَشَأْنَك بِصَاحِبِك , وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الِاسْتِحَالَةُ , وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا نَقْلُ حَقٍّ مِنْ ذِمَّةٍ إِلَى ذِمَّةٍ فَلَمْ يَجِبْ ذَلِكَ بِالشَّرْعِ أَصْلُ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَإِنْ شَاءَ الْمُحَالُ أَنْ يَسْتَحِيلَ بِحَقِّهِ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي ذَلِكَ بِرِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ ذَكَرَ ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ , وَقَالَ دَاوُدُ لَا تَصِحُّ حَوَالَتُهُ إِلَّا بِرِضَا مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ أَوْ الْإِبَاحَةُ , وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي ذَلِكَ رِضَا الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ , وَإِنَّمَا شُرِطَ فِي ذَلِكَ رِضَا الْمُحِيلِ ; لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتْبَعُ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ الدَّيْنُ عَلَى مَنْ لَهُ هُوَ عَلَيْهِ مِثْلُهُ , وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهَا اسْتِنَابَةُ مَنْ يَقْضِي هَذَا الْحَقَّ كَالْوَكِيلِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ شَرَطَ الْمُسْتَحِيلُ عَلَى الْمُحِيلِ أَنَّهُ إِنْ أَفْلَسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ أَوْ نَقَصَ رَجَعَ عَلَيْهِ فَهُوَ حَوْلٌ ثَابِتٌ , وَلَهُ شَرْطُهُ إِنْ أَفْلَسَ رَوَاهُ سَحْنُونٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ فِي الْعُتْبِيَّةِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَوَالَةَ صَحِيحَةٌ وَقَدْ شَرَطَ فِيهَا سَلَامَةَ ذِمَّتِهِ , وَلَهُ شَرْطُهُ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَمِنْ شَرْطِ هَذِهِ الْحَوَالَةِ أَنْ يَكُونَ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا أَحَالَ بِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ ; لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْحَوَالَةِ بَيْعُ الدَّيْنِ الَّذِي لِلْمُحَالِ بِالدَّيْنِ الَّذِي لِلْمُحِيلِ , وَيَحُولُ الْحَقُّ مِنْ ذِمَّةٍ إِلَى ذِمَّةٍ , وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ دَيْنٌ تَحْصُلُ الْمُعَاوَضَةُ بِهِ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ , وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ غَيْرَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فَإِنَّ الْحَوَالَةَ تَصِحُّ عِنْدَهُ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ شَيْءٌ إِذَا كَانَتْ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْتِزَامَهُ لِلْحَوَالَةِ يُثْبِتُ حَقَّ الْمُحَالِ فِي ذِمَّتِهِ , وَتَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمُحِيلِ , وَيَلْزَمُهُ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي هَذِهِ الْحَوَالَةِ رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ , وَالْأَظْهَرُ فِي هَذَا أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا عَلَيْهِ لِلْمُحَالِ فَهُوَ مِنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ أَوْ مِنْ بَابِ الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ , وَالدَّيْنُ بِالدَّيْنِ مُحَرَّمٌ , وَذَلِكَ أَنَّ الْمُحَالَ يَبِيعُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ دَيْنَهُ عَلَى الْمُحِيلِ بِدَيْنٍ يُثْبِتُهُ فِي ذِمَّتِهِ , وَتَبْقَى ذِمَّةُ الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ مَشْغُولَتَيْنِ , وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّيْنَيْنِ عِوَضٌ عَنْ الْآخَرِ , وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَلِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُكْمُ الْحَوَالَةِ , وَلَزِمَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حُكْمِ الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ الَّذِي طَرِيقُهُ الْمَعْرُوفُ , وَلَا يَشْغَلُ ذِمَّةَ الضَّامِنِ مَا عَلَى الْمَضْمُونِ إِلَّا عَلَى وَجْهِ الْقَرْضِ وَالرِّفْقِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ , وَأَمَّا الْحَوَالَةُ فَلَيْسَتْ مِنْ بَابِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ إِذَا قُلْنَا إنَّهَا لَا تَصْلُحُ إِلَّا مِنْ دَيْنٍ ثَابِتٍ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ , وَذَلِكَ أَنَّ الْمُحِيلَ تَبْرَأُ ذِمَّتَهُ بِنَفْسِ الْإِحَالَةِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ , وَقَدْ احْتَجَّ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْحَوَالَةَ تَلْزَمُ , وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَصْلِ دَيْنٍ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْ مِنْهُ ثَوْبَك , وَالثَّمَنُ عَلَيَّ فَهَذَا مِثْلُهُ فكأنه قَالَ أَعْطِهِ مِنْ مَالِك كَذَا , وَهُوَ لَك عَلَيَّ , وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ مِنْ بَابِ الْحَوَالَةِ , وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ حَمْلِ الثَّمَنِ عَنْهُ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمُحِيلِ مِنْ دَيْنِ الْمُحَالِ , وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ رُجُوعٌ , وَإِنْ مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا , وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ , وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ , وَإِنْ مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا أَوْ جَحَدَ الْحَقَّ , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ هَذَا الْحَدِيثُ , وَهُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ شَرْطَ الْمُلَاءَةِ مَعْنًى فِي الْحَوَالَةِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا رُجُوعَ عَلَى الْمُحِيلِ وَلَوْ كَانَ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ رُجُوعٌ لَمَا كَانَ لِشَرْطِ الْمَلَاءَةِ ; لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ تَلَفَ دَيْنِهِ بِإِفْلَاسِهِ , وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ حَوَالَةٌ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمُحِيلِ بِهَا فَلَمْ يَكُنْ لِلْمُحَالِ رُجُوعٌ عَلَى الْمُحِيلِ أَصْلُ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ أَحَالَهُ بِثَمَنِ سِلْعَةٍ بَاعَهَا عَلَى الْمُشْتَرِي , وَهُوَ مُوسِرٌ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ السِّلْعَةُ أَوْ رُدَّتْ بِعَيْبٍ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْحَوْلُ ثَابِتٌ عَلَيْهِ يُؤَدِّيهِ , وَيَرْجِعُ بِهِ الْمُحِيلُ عَلَى الْبَائِعِ مِنْهُ قَالَ , وَبَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ , وَقَالَ أَشْهَبُ الْحَوْلُ سَاقِطٌ , وَيَرْجِعُ الْمُحَالُ عَلَى الْمُحِيلِ , وَلَوْ كَانَ قَدْ قَبَضَ مَا احْتَالَ بِهِ لَرَجَعَ عَلَيْهِ مِنْ دَفَعَهُ إِلَيْهِ , وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْحَوَالَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ فَلَا يُنْقَضُ فِي حَقِّ الْمُحَالِ بِاسْتِحْقَاقِ سِلْعَةٍ لَمْ يُعَاوِضْ بِهَا هُوَ فِيمَا قَبَضَهُ , وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الْحَوَالَةَ عَقْدٌ ثَبَتَ بَيْنَ الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ , وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ لِلْمُحِيلِ مِثْلُ ذَلِكَ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَإِذَا اُسْتُحِقَّتْ السِّلْعَةُ الَّتِي ثَبَتَ فِيهَا الْحَقُّ عَلَيْهِ وَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ , وَلَمْ يَنْعَقِدْ بَيْنَ الْمُحَالِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ عَقْدٌ يَلْزَمُ ; لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ رِضَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ , وَإِنَّمَا يَقْبِضُ الْمُحَالُ مَا كَانَ لِلْمُحِيلِ فَبِاسْتِحْقَاقِ السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ يَسْتَحِقُّ الْمُحَالُ عَلَيْهِ عَلَى الْمُحِيلِ رَدَّ مَا دَفَعَهُ إِلَيْهِ أَوْ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْهُ إِنْ كَانَ لَمْ يَدْفَعْهُ , وَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ رِضَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَإِنْ دَفَعَهُ إِلَى الْمُحَالِ دَفَعَهُ إِلَى الْمُحِيلِ , وَلَوْ اُسْتُحِقَّتْ السِّلْعَةُ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ الْمُحِيلُ بِقَبْضِ ثَمَنِهَا فَكَذَلِكَ مَنْ يَدْفَعُهُ إِلَيْهِ بِسَبَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ هَذَا أَحَبُّ إلَيَّ , وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ مَالِكٍ كُلِّهِمْ , وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بِيعَ عَلَى مُفْلِسٍ أَوْ مَيِّتٍ مَتَاعُهُ , وَقَبَضَ غُرَمَاؤُهُ مِنْ مُتَوَلِّي الْبَيْعِ أَوْ الْمُشْتَرِي لِحَوَالَتِهِمْ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتُحِقَّ مَا بِيعَ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى مَنْ قَبَضَهُ.
( فَرْعٌ ) وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا بِمِائَةٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى رَجُلٍ , وَأَحَالَهُ بِهَا , وَأَشْهَدَ لَهُ بِذَلِكَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ أَوْ رُدَّ بِعَيْبٍ فَقَدْ رَوَى أَصْبَغُ , وَابْنُ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ إِنْ قَبَضَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ الثَّمَنَ , وَفَاتَ عِنْدَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ , وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ كَمَا لَوْ قَبَضَهَا الْمُتَصَدِّقُ ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهَا , وَلَمْ تَفُتْ بِيَدِ الْمُعْطِي أَخَذَهَا مِنْهُ الْمُشْتَرِي , وَلَا شَيْءَ لِلْمُعْطِي.
( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ غَيَّرَ الْمُحِيلُ الْمُحَالَ مِنْ حَالِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ , وَقَدْ عَلِمَ بِإِفْلَاسِهِ كَانَ لِلْمُحَالِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ فَشَرْطُ الْمُلَاءَةِ , وَهَذَا غَيْرُ مَلِيءٍ , وَلِأَنَّ إفْلَاسَ الْغَرِيمِ عَيْبٌ فِيمَا تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ فَإِذَا دَلَّسَ بِهِ الْمُحِيلُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ.
( فَرْعٌ ) وَهَذَا إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ غَرَّهُ فِي الدَّيْنِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ جَهِلَ أَمْرَ الْمُحِيلِ فِي ذَلِكَ فَقَدْ قِيلَ لِمَالِكٍ فَعَلَى الْغَرِيمِ شَيْءٌ قَالَ يَنْظُرُ الْقَاضِي فِيهِ فَإِنْ كَانَ يُتَّهَمُ فِي ذَلِكَ أَحْلَفَهُ , وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ مِمَّنْ يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ يَرْضَى بِمِثْلِ هَذَا أُحْلِفَ أَنَّهُ مَا عَلِمَ مِنْهُ مَا يَغُرُّهُ بِهِ.
( فَرْقٌ ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ فَلَسِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَبَيْنِ سَائِرِ الْعُيُوبِ الَّتِي تُرَدُّ بِهَا السِّلَعُ الْمَعِيبَةُ , وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا الْبَائِعُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْعَيْبَ فِي السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ إنَّمَا هُوَ عَيْبٌ فِي نَفْسِ الْعِوَضِ , وَفَلَسُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ عَيْبٌ فِي مَحَلِّ الْعِوَضِ لَا فِي نَفْسِ الْعِوَضِ , وَالثَّانِي أَنَّ الْحَوَالَةَ إنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْبَرَاءَةِ فَلَا يَرْجِعُ مِنْ الْعُيُوبِ إِلَّا بِمَا عَلِمَهُ الْبَائِعُ , وَعَلَى هَذَا التَّوْجِيهُ تَجِبُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُحِيلِ أَنَّهُ مَا عَلِمَ بِفَلَسِهِ , وَلَا غَرَّ بِهِ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ , وَعَلَى رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي بَيْعِ الْبَرَاءَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ يَمِينٌ إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ الْمُحَالُ , وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ الذِّمَمَ مِمَّا ظَاهِرُهَا أَنَّهَا لَا تُعْلَمُ فَصَارَتْ كَالْمَبِيعِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ بَاطِنُهُ لَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْبَائِعَ قَدْ دَلَّسَ بِهِ فَعَلَى هَذَا لَا يَمِينَ عَلَى الْمُحِيلِ إِذَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ عَلِمَ بِالْفَلَسِ فَيَرْجِعُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ أَوْ يُتَّهَمُ بِذَلِكَ فَيَحْلِفُ , وَلَعَلَّهُ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ قَبْلَ هَذَا.
( مَسْأَلَةٌ ) وَإِذَا كَانَتْ الْحَوَالَةُ عَلَى مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ , وَقُلْنَا بِقَوْلِ مَالِكٍ فَإِنْ كَانَتْ بِسَبَبِ عَقْدٍ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ , وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِعْ مِنْ فُلَانٍ سِلْعَتَك هَذِهِ , وَعَلَى حَقِّك , وَقَالَ الْآخَرُ لِفُلَانٍ اعْمَلْ عَمَلَ كَذَا , وَحَقُّك عَلَيَّ , وَفِي الْوَاضِحَةِ مَنْ تَحَمَّلَ عَنْ نَاكِحٍ صَدَاقَهُ فِي عَقْدِ نِكَاحِهِ فَهُوَ لَهُ لَازِمٌ فِي حَيَاتِهِ , وَبَعْدَ مَمَاتِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْوَاضِحَةِ , وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إِنَّ ذَلِكَ لَهُ عِنْدَ مَالِكٍ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ بِسَبَبِهِ عَقْدٌ , وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَهِيَ عَلَى الْإِطْلَاقِ حَمَالَةٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَصْحَابِنَا سَوَاءٌ كَانَتْ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ أَوْ الْحَمَالَةِ إِلَّا مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ فَلَهَا حُكْمُ الْحَوَالَةِ , وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ فَهِيَ حَمَالَةٌ فَإِنْ مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا أَوْ فَلِسَ فِي حَيَاتِهِ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ أَحَالَ رَجُلًا عَلَى رَجُلٍ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ , وَشَرَطَ إنِّي بَرِيءٌ بِذَلِكَ , وَشَقَّ صَحِيفَتَهُ قَالَ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ , وَلَهُ شَرْطُهُ قَالَ مُحَمَّدٌ إِلَّا إِنْ أَفْلَسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْمُحَالَ فَإِنَّ الْمُحَالَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ ; لِأَنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ لَوْ قَضَاهُ لَرَجَعَ بِمَا قَضَاهُ عَلَى الْمُحِيلِ , وَرَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ , وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ شَيْءٌ , وَشَرَطَ فِي الْحَوَالَةِ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ الْمَالِ , وَقَالَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ أَحِلْنِي عَلَيْهِ , وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ الْمَالِ فَإِنَّهُ إِنْ عَلِمَ الْمُحَالُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ فَرَضِيَ بِالْحَوَالَةِ , وَأَبْرَأَ الْمُحِيلَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ , وَأَخَذَ بِإِقْرَارِهِ , وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِإِثْرِ ذَلِكَ , وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ أَنَا لَك بِمَا لَك قِبَلَ فُلَانٍ فَخَرِّقْ ذِكْرَ الْحَقِّ عَلَيْهِ , وَاطْلُبْنِي دُونَهُ , وَلَمْ تَكُنْ حَوَالَةٌ مِنْ دَيْنٍ كَانَ لِلْغَرِيمِ عَلَى الْقَابِلِ فاشهد الرَّجُلُ بِذَلِكَ عَلَيْهِ , وَشَقَّ الصَّحِيفَةَ وَطَلَبَهُ بِذَلِكَ الْحَقِّ حَتَّى أَفْلَسَ أَوْ مَاتَ مُفْلِسًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى غَرِيمِهِ ; لِأَنَّ الْمُتَحَمِّلَ وَعَدَ الْغَرِيمَ أَنْ يُسْلِفَهُ , وَلَا يَثْبُتُ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْغَرِيمِ حَتَّى يَقْضِيَ عَنْهُ فَقَدْ اتَّفَقَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَرِوَايَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ غَيْرَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ عَلَى أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ فِي الْفَلَسِ فَرِوَايَةُ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مُوَافِقَةٌ لِذَلِكَ , وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ ظَاهِرُهُ خِلَافُ هَذَا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ إِذَا عَلِمَ الْمُحَالُ , وَأَبْرَأَ حُكْمَ الْحَوَالَةِ الْمُحْصَنَة , وَأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ , وَلَمْ يَذْكُرْ فَلَسًا , وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مُخَالِفًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ , وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لَهُمْ , وَأَنَّهُ أَطْلَقَ اللَّفْظَ فِي الْمُدَوَّنَةِ , وَقَيَّدَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ.
( مَسْأَلَةٌ ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْفَلَسِ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ مَعَ الْيَسَارِ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيلِ مَا لَمْ يُفْلِسْ أَوْ يَمُتْ الْمُحَالُ عَلَيْهِ , وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي يَقُولُ لِلرَّجُلِ عَلَيَّ حَقُّك وَدَعْ صَاحِبَك لَا تُكَلِّمْهُ فَإِنَّ الْحَقَّ عَلَيَّ فَإِنْ كَانَ الْمُحِيلُ مَلِيئًا فَالْمُحَالُ بِالْخِيَارِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُحِيلِ وَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَدْ أَبْرَأَ الْمُحَالُ الْمُحِيلَ مِنْ دَيْنِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُحِيلِ إِلَّا بِأَنْ يَتَعَذَّرَ قَبْضُهُ مِمَّنْ يَضْمَنُ دَفْعَهُ إِلَيْهِ فَيَرْجِعَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ دَيْنُهُ بِذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ تَعَلُّقًا مِنْ أَجْلِ مُعَاوَضَةٍ , وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِهَا تَعَلُّقًا مِنْ جِهَةِ مُكَارَمَةٍ فَلَمْ يَلْزَمْهُ بِالْفَلَسِ وَلَا بِالْمَوْتِ وَلَزِمَتْهُ مَعَ الْيَسَارِ مُدَّةَ الْخِيَارِ , وَوَجْهُ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا عَلَى وَجْهِ الْحَمَالَةِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إبْرَاءٌ فِي انْتِقَالِهِ إِلَى مُطَالَبَةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ , وَإِنَّمَا وُجِدَ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي الِاسْتِيثَاقَ مِنْ حَقِّهِ , وَالْكَفَّ عَنْ مُطَالَبَتِهِ مَعَ بَقَاءِ حَقِّهِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْهُ إِلَى مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ , وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِمَكَارِمٍ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ مَا لَمْ يُوجَدْ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ غَيْرِهِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَإِذَا عُلِمَ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْغَرِيمِ مُقَابَحَةٌ وَمُعَادَاةٌ وَامْتِنَاعًا بِسُلْطَانٍ فَقَالَ الطَّالِبُ لِمَنْ اسْتَحَالَ عَلَيْهِ لَا أَطْلُبُ بِهِ غَرِيمًا , وَحَقِّي عَلَيْك فَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ مِنْ رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ الشَّرْطُ جَائِزٌ , وَحَقُّهُ عَلَيْهِ حَضَرَ الْغَرِيمُ أَوْ غَابَ فِي عُدْمِهِ , وَمَلَائِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى غَرِيمِهِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ , وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَا وَكَانَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّمَا يَقُولُهُ فِي الْقَبِيحِ الْمُطَالَبَةِ أَوْ ذِي السُّلْطَانِ , وَنَحْنُ نَرَاهُ فِي كُلِّ أَحَدٍ إِذَا بَيَّنَ , وَحَقَّقَ , وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ الشَّرْطُ بَاطِلٌ , وَهِيَ حَمَالَةٌ لَا يُطَالِبُهُ إِلَّا فِي غَيْبَةِ الْغَرِيمِ أَوْ عُدْمِهِ حَتَّى يُسَمِّيَ الْحَوَالَةَ , وَجْهُ رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَمْرٌ لَازِمٌ لِلْمُحِيلِ ; لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِحَقِّهِ دُونَ الْغَرِيمِ , وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يَلْزَمُ إِلَّا إِذَا سَقَطَ الْخِيَارُ فِي الرُّجُوعِ عَلَى الْغَرِيمِ , وَيَثْبُتُ لِمَا عَقَدَاهُ حُكْمُ الْحَوَالَةِ بِالتَّلَفُّظِ بِهَا.
( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ أَنَّ الْغَرِيمَ ذَهَبَ بِصَاحِبِ الْحَقِّ إِلَى غَرِيمٍ لَهُ فَأَمَرَهُ بِالْأَخْذِ مِنْهُ , وَأَمَرَ الْغَرِيمَ بِالدَّفْعِ إِلَيْهِ فَيَقْضِيهِ الْبَعْضُ أَوْ لَا يَقْضِيهِ شَيْئًا , وَقَدْ تَقَاضَاهُ فَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ لِلطَّالِبِ الرُّجُوعَ عَلَى الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِاحْتِيَالٍ , وَيَقُولُ إنَّمَا أَرَدْت أَنْ أَكْفِيَك التَّقَاضِي , وَإِنَّمَا وَجْهُ الْحَقِّ أَنْ يَقُولَ أُحِيلُك بِحَقِّك عَلَى هَذَا أَوْ أَبْرَأُ إلَيْك بِذَلِكَ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ أَحَلْت رَجُلًا عَلَى غَرِيمٍ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْك ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ لَك عَلَيْهِ إِلَّا بَعْضُ مَا أَحَلْته بِهِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ إِنْ قَابَلَ مَا لَك عَلَيْهِ فَهُوَ حَوْلٌ , وَهُوَ فِي الْبَاقِي حَمِيلٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَمِنْ شَرْطِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ قَبْلَ الْحَوَالَةِ فَلَوْ أَحَلْته , وَلَا شَيْءَ لَك عَلَى الْمُحَالِ ثُمَّ قَضَيْت الْمُحَالَ عَلَيْهِ ثُمَّ فَلِسَ أَوْ مَاتَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْك , وَإِنْ قُلْت كَانَتْ حَمَالَةً ثُمَّ صَارَتْ حَوْلًا فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيلِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُحِيلُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَ إِلَيْهِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَقْدُ الْحَوَالَةِ مَعْنَاهُ الْحَمَالَةُ ثُمَّ دَفَعَ الْمُحِيلُ إِلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ مَا لَا يُؤَدِّيهِ عَنْهُ بِسَبَبِ تِلْكَ الْحَمَالَةِ , وَهَذَا لَا يَنْتَقِلُ بِمَا عَقَدَاهُ إِلَى الْحَوَالَةِ , وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ مُقْتَضَاهُ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِيلَ مِنْ مُعَجَّلٍ عَلَى مُعَجَّلٍ وَمُؤَجَّلٍ , وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِيلَ مِنْ مُؤَجَّلٍ عَلَى مُعَجَّلٍ وَلَا مُؤَجَّلٍ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ دَيْنُهُ قَدْ حَلَّ فَاسْتَحَالَ مِنْهُ عَلَى مُعَجَّلٍ أَوْ مُؤَجَّلٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ ; لِأَنَّهُ فِي الْمُعَجَّلِ بِالْمُعَجَّلِ حَوَالَةٌ جَائِزَةٌ , وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ , وَإِذَا اسْتَحَالَ مِنْهُ عَلَى مُؤَجَّلٍ فَهُوَ مَعْرُوفٌ مِنْهُ مَحْضٌ ; لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَعَجَّلَ حَقَّهُ مِنْ الْمُحِيلِ أَوْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ إِنْ أَفْلَسَ الْمُحِيلُ فَلَيْسَ فِيهِ غَيْرُ مُجَرَّدِ الْمَعْرُوفِ , وَإِذَا كَانَ دَيْنُهُ مُؤَجَّلًا لَمْ تَكُنْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ , وَإِذَا أُحِيلَ مِنْهُ عَلَى دَيْنٍ مُعَجَّلٍ فَهُوَ مِنْ ضَعْ وَتَعَجَّلْ , وَإِذَا أُحِيلَ بِهِ عَلَى دَيْنٍ مُعَجَّلٍ فَهُوَ مِنْ حُطَّ عَنِّي الضَّمَانَ وَأَزِيدُك , وَالدَّيْنُ وَإِنْ كَانَ عَيْنًا فَلَيْسَ بِحَقِيقَةِ الْعَيْنِ ; لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَمِ , وَالذِّمَمُ لَا تَتَمَاثَلُ , وَلَوْ كَانَ لَهَا حُكْمُ الْعَيْنِ لَمَا جَازَتْ الْحَوَالَةُ إِلَّا مَعَ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ فَهُوَ كَمَنْ أَخَذَ بِدَيْنِهِ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِهِ مِنْ جِنْسِهِ بِمَا هُوَ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ , وَأَجْوَدُ أَوْ أَرْدَأُ لِتَعَذُّرِ تَمَاثُلِ الذِّمَمِ , وَمِثْلُ هَذَا يَجُوزُ عِنْدَ الْأَجَلِ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ أَقَلُّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرُ أَوْ أَدْنَى أَوْ أَعْلَى.
حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ
عن موسى بن ميسرة، أنه سمع رجلا يسأل سعيد بن المسيب فقال: إني رجل أبيع بالدين، فقال سعيد: «لا تبع إلا ما آويت إلى رحلك»
عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما رجل باع متاعا، فأفلس الذي ابتاعه منه، ولم يقبض الذي باعه من ثمن...
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما رجل أفلس، فأدرك الرجل ماله بعينه، فهو أحق به من غيره»
عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا فجاءته إبل من الصدقة، قال أبو رافع فأمرني رسول الله صل...
عن حميد بن قيس المكي، عن مجاهد أنه قال: استسلف عبد الله بن عمر من رجل دراهم، ثم قضاه دراهم خيرا منها، فقال الرجل: يا أبا عبد الرحمن هذه خير من دراهمي...
عن نافع، أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: «من أسلف سلفا فلا يشترط إلا قضاءه»
عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يبع بعضكم على بيع بعض»
عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تلقوا الركبان للبيع، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد، ولا تصروا الإبل...
عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهى عن النجش» قال مالك: «والنجش أن تعطيه بسلعته أكثر من ثمنها، وليس في نفسك اشتراؤها فيقتدي بك غي...