حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

إنما هو اليوم مال وارث وإنما هما أخواك وأختاك فاقتسموه على كتاب الله - موطأ الإمام مالك

موطأ الإمام مالك | كتاب الأقضية باب ما لا يجوز من النحل (حديث رقم: 1440 )


1440- عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: إن أبا بكر الصديق كان نحلها جاد عشرين وسقا من ماله بالغابة، فلما حضرته الوفاة قال: " والله يا بنية ما من الناس أحد أحب إلي غنى بعدي منك، ولا أعز علي فقرا بعدي منك، وإني كنت نحلتك جاد عشرين وسقا، فلو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك.
وإنما هو اليوم مال وارث، وإنما هما أخواك، وأختاك، فاقتسموه على كتاب الله، قالت عائشة، فقلت: يا أبت، والله لو كان كذا وكذا لتركته، إنما هي أسماء، فمن الأخرى؟ فقال أبو بكر: ذو بطن بنت خارجة، أراها جارية "

أخرجه مالك في الموطأ


هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين

شرح حديث (إنما هو اليوم مال وارث وإنما هما أخواك وأختاك فاقتسموه على كتاب الله)

المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)

( ش ) : قَوْلُهَا : أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ نَحَلَهَا جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ بِالْغَابَةِ الْحَدِيثُ يَقْتَضِي أَنَّهُ خَصَّهَا بِالنِّحْلَةِ دُونَ سَائِرِ أَخَوَاتِهَا وَرَأَى ذَلِكَ جَائِزًا لَهُ , وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم قَدْ قَالَ لِبَشِيرٍ فِي مَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ النُّعْمَانِ أَكُلَّ وَلَدِك نَحَلْته مِثْلَ هَذَا قَالَ لَا قَالَ أَرْجِعْهُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ تَأَوَّلَ فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ بَعْضَ الْوُجُوهِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا فِي تَفْسِيرِهِ , وَأَنَّ نِحْلَتَهُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمْ تَكُنْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , وَإِنَّمَا كَانَ لِفَضْلِ عَائِشَةَ عَلَى سَائِرِ إخْوَتِهَا , وَلِذَلِكَ قَالَ لَهَا لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبُّ إلَيَّ غِنًى بَعْدِي مِنْك وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الْوَلَدُ فَيَبَرُّهُ بَعْضُهُمْ فَيُرِيدُ أَنْ يُعْطِيَهُ عَطِيَّةً مِنْ مَالِهِ دُونَ غَيْرِهِ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ مِنْ مَالِهِ بِالْغَابَةِ الْغَابَةُ مَوْضِعٌ , وَذَلِكَ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْهِبَةِ , وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهَا قَبْضٌ , وَإِنَّمَا تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ بِقَوْلِ الْوَاهِبِ قَدْ وَهَبْته لَك وَفِي الصَّدَقَةِ قَدْ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَيْك وَقَوْلُ الْمَوْهُوبِ لَهُ , أَوْ الْمُتَصَدِّقُ عَلَيْهِ قَدْ قَبِلْت وَأَنْ يُؤَخِّرَ الْقَبْضَ فَيَلْزَمُ وَيُجْبَرُ الْوَاهِبُ وَالْمُتَصَدِّقُ عَلَى التَّسْلِيمِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا لَا تَنْعَقِدُ الْهِبَةُ إِلَّا بِالْقَبْضِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وَمِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم أَنَّهُ قَالَ الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ عَقْدٌ مِنْ الْعُقُودِ فَلَمْ يَفْتَقِرْ انْعِقَادُهُ إِلَى الْقَبْضِ كَالْبَيْعِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهَا فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ يَا بُنَيَّةُ وَاَللَّهِ مَا مِنْ النَّاسِ أَحَبُّ إلَيَّ غِنًى بَعْدِي مِنْك يُرِيدُ أَنَّهُ لَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ مِنْهُ وَأَحَسَّ مِنْ أَسْبَابِ الْمَوْتِ مَا تَيَقَّنَ بِهِ الْوَفَاةَ قَالَ لَهَا الْقَوْلَ الْمُتَقَدِّمَ عَلَى سَبِيلِ التَّأْنِيسِ لَهَا وَالْإِعْلَامِ لَهَا بِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ إمْضَاءِ هِبَتِهِ لَهَا عَدَمُ إشْفَاقِهِ عَلَيْهَا وَمَحَبَّتِهِ لَهَا وَإِنَّمَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا وَقَوْلُهُ أَحَبُّ غِنًى بَعْدِي مِنْك يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ " بَعْدِي " مِمَّنْ يَخْلُفُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ فِي حَيَاتِهِ وَيَكُونُ مَعْنًى " بَعْدِي " غَيْرِي.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَعْنَاهُ جِدَادُ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرِ نَخْلِهِ إِذَا جُدَّ , وَقَالَ ثَابِتٌ قَوْلُهُ جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ يَجِدُّ مِنْهَا وَيَصْرُمُ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ يُقَالُ هَذِهِ أَرْضُ جَادِّ مِائَةِ وَسْقٍ يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ يُجَدُّ مِنْهَا فَعَلَى تَفْسِيرِ عِيسَى قَوْلُهُ جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا صِفَةٌ لِلثَّمَرَةِ الْمَوْهُوبَةِ فَتَقْدِيرُهُ وَهَبَهَا عِشْرِينَ وَسْقًا مَجْدُودَةً وَعَلَى تَفْسِيرِ ثَابِتٍ قَوْلُهُ جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا صِفَةٌ لِلنَّخْلِ الَّتِي وَهَبَ ثَمَرَتَهَا فَمَعْنَاهُ وَهَبَهَا ثَمَرَةَ نَخْلٍ يَجِدُّ مِنْهَا عِشْرُونَ وَسْقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَلَوْ كُنْت جَدَدْتِيهِ وَاحْتَزْتِيهِ لَكَانَ لَك , يَقْتَضِي أَنَّ الْحِيَازَةَ وَالْقَبْضَ شَرْطٌ فِي تَمَامِ الْهِبَةِ وَأَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَحُزْ مَا وَهَبَهَا فِي صِحَّتِهِ لَمْ تَتِمَّ الْهِبَةُ فَإِنْ كَانَتْ هِبَةُ الثَّمَرَةِ عَلَى الْكَيْلِ فَإِنَّ الْحِيَازَةَ لَا تَكُونُ فِيهَا إِلَّا بِالْكَيْلِ بَعْدَ الْجَدِّ , وَلِذَلِكَ قَالَ لَهَا لَوْ كُنْت جَدَّدْتِيهِ وَحُزْتِيهِ , وَإِنْ كَانَ وَهَبَهَا ثَمَرَةَ نَخْلٍ مُعَيَّنَةٍ فَالْحِيَازَةُ فِيهَا عَلَى مَا يَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَرِضَ فَقَامَ الْمُعْطِي يَطْلُبُهُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فِيهِ اخْتِلَافٌ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ قَبْضَهُ الْآنَ لَا يَجُوزُ , وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَارِثٍ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يُعْطِ ذَلِكَ عَائِشَةَ لَمَّا مَرِضَ , وَقَالَ أَشْهَبُ يُقْضَى لَهُ الْآنَ بِثُلُثِهَا , وَإِنْ صَحَّ لَهُ بِبَاقِيهَا وَلَا أَرَى قَوْلَ مَنْ قَالَ تَجُوزُ كُلُّهَا مِنْ الثُّلُثِ وَلَا قَوْلَ مَنْ أَبْطَلَ جَمِيعَهَا.
وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمَرَضَ يَمْنَعُ الْحِيَازَةَ ; لِأَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ الْمَوْتِ وَيَمْنَعُ الْمَوْتُ الْحِيَازَةَ ; لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى إبْطَالِ حَقِّ الْوَرَثَةِ فَيَتَصَدَّقُ الرَّجُلُ بِمَالِهِ وَيَبْقَى بِيَدِهِ إِذَا تُوُفِّيَ أَخَذَ جَمِيعَهُ الْمُتَصَدِّقُ عَلَيْهِ فَمَنَعَ ذَلِكَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ مِنْ الْمَوَارِيثِ فَوَجَبَ أَنْ يُبْطِلَ وَلَمَّا كَانَ الْمَرَضُ مِنْ أَسْبَابِ الْمَوْتِ وَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ الْحِيَازَةَ كَمَا يَمْنَعُهَا الْمَوْتُ , وَفِي ذَلِكَ بَابَانِ : أَحَدُهُمَا : مَا يَكُونُ حِيَازَةً , وَالثَّانِي : مَا يَمْنَعُ الْحِيَازَةَ , فَأَمَّا الْحِيَازَةُ فَلَا تَخْلُو أَنْ تَكُونَ الْهِبَةُ حَاضِرَةً مَعَ الْمَوْهُوبِ لَهُ , أَوْ غَائِبَةً عَنْهُ فَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يُنْقَلُ وَلَا يُحَوَّلُ كَالْأَرَضِينَ وَالْأُصُولِ الثَّابِتَةِ , أَوْ يَكُونُ مِمَّا يُنْقَلُ كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُنْقَلُ وَلَا يُحَوَّلُ كَالْأَرَضِينَ فَإِنَّهَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي لَا عَمَلَ فِيهَا وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ مِنْ أَرْضِ الْمُزَارَعَةِ وَالْعَمَلِ فَأَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ الْإِشْهَادُ فِيمَا لَا يَعْمَلُ فِيهِ حِيَازَةً فَكَالدَّيْنِ وَالشَّيْءِ الْمُهْمَلِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا عَطِيَّةٌ كَمُلَ فِيهَا الْعَقْدُ اللَّازِمُ وَلَيْسَتْ فِي يَدِ الْمُعْطِي وَلَا فِيمَا يَنُوبُ عَنْ يَدِهِ فَلَمْ تَفْتَقِرْ إِلَى مُبَاشَرَةِ الْقَبْضِ كَالدَّيْنِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ مِنْ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ الْهِبَةُ فِي غَيْرِ إبَّانِ الْعَمَلِ , أَوْ فِي إبَّانِ الْعَمَلِ فَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ إبَّانِ الْعَمَلِ أَجْزَأَ مِنْهَا أَنْ تَكُونَ مَحْدُودَةً وَفِي كِتَابِ الْهِبَةِ وَيَشْهَدُ بِتَسْلِيمِهَا إِلَيْهِ وَأَتَمُّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقِفَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى حُدُودِهَا وَيُشْهِدُ مَعَ ذَلِكَ عَلَى قَبْضِهَا قَالَ ذَلِكَ مُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ , وَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى امْرَأَتِهِ بِمَزْرَعَةٍ فِي آخِرِ أَيَّامِ الْحَرْثِ وَأَشْهَدَ عَلَى الْحِيَازَةِ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ بِنَحْوِ شَهْرٍ وَلَمْ تُحْدِثْ الْمَرْأَةُ فِيهَا حَدَثًا وَلَا غَيْرَهُ إِنْ كَانَ لَهَا عُذْرٌ بَيِّنٌ مِثْلَ أَنْ يَفْجَأَ مَوْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُمْكِنَهَا عَمَلٌ , أَوْ إجْنَاءُ شَجَرٍ , أَوْ إحْيَاءٌ , أَوْ غَرْسٌ , أَوْ إصْلَاحٌ , أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَالصَّدَقَةُ مَاضِيَةٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهَا غَيْرَ هَذَا مِنْ الْحِيَازَةِ فَأَشْبَهَتْ مَا لَا يَعْمُرُ مِنْ الْأَرْضِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ حِيَازَةً فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَرْضِ إِذَا فَاتَتْ حِيَازَتُهَا الْمُخْتَصَّةُ بِهَا بِمَوْتِ الْوَارِثِ , أَوْ مَرَضِهِ مَرَضَ الْمَوْتِ فَأَمَّا إِنْ بَقِيَ الْوَاهِبُ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ عَمَلِهَا فَلَمْ يَعْمَلْهَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَا تَعَرَّضَ لِعَمَلِهَا حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ فَإِنَّ الْهِبَةَ تَبْطُلُ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا لَا يُنْقَلُ وَلَا يُحَوَّلُ فَإِنَّ الْحِيَازَةَ لَهُ بِالْعَمَلِ فِيهِ إِذَا أَمْكَنَ بِالْحِيَازَةِ فِي أَرْضِ الْعَمَلِ فِيهَا فِي إبَّانِهَا فَإِذَا جَاءَ إبَّانَ عَمَلِهَا وَتَرَكَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْعَمَلَ فِيهَا فَقَدْ تَرَكَ حِيَازَتَهَا.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِنْ تَعَرَّضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لِلْعَمَلِ فَمَنَعَهُ الْوَاهِبُ لَمْ يُبْطِلْ ذَلِكَ الْحِيَازَةَ قَالَهُ أَصْبَغُ ; لِأَنَّ الَّذِي أَمْكَنَهُ مِنْ الْحِيَازَةِ التَّعَرُّضُ لِلْعَمَلِ , وَقَدْ وُجِدَ مِنْهُ فَإِذَا مَنَعَ مِنْ الْعَمَلِ مَانِعٌ بِيَدٍ غَالِبَةٍ فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ إِلَّا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الطَّلَبِ وَالسَّعْيِ فِي التَّمَكُّنِ مِنْ الْعَمَلِ عَلَى حَالَةٍ يُعْلَمُ بِهَا أَنَّهُ غَيْرُ تَارِكٍ لِلْعَمَلِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِنْ مَنَعَهُ مِنْ الْعَمَلِ ضَعْفٌ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا عَنْ الْبَقَرِ وَالْآلَةِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ أَنْ يُكْرِيَ , أَوْ يُسَاقِيَ أَوْ يُرْفِقُ غَيْرَهُ , أَوْ يَكُونَ عَجَزَ عَنْ وُجُوهِ الْعَمَلِ كُلِّهَا فَإِنْ كَانَ لِضَعْفٍ فِي الْآلَةِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْعَمَلِ بِالْكِرَاءِ وَالِاكْتِرَاءِ , أَوْ الْمُسَاقَاةِ , أَوْ الْإِرْفَاقِ وَإِحْيَاءِ الشَّجَرِ فَالصَّدَقَةُ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَأَمَّا إِنْ عَجَزَ عَنْ الْعِمَارَةِ بِكُلِّ وَجْهٍ وَتَعَرَّضَ لَهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ فَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا فَإِنَّ الصَّدَقَةَ مَاضِيَةٌ وَالْإِشْهَادُ يُجْزِي فِي هَذَا الْحَوْزِ , وَلَوْ أَقَامَتْ أَعْوَامًا وَالْمَوْهُوبُ لَهُ يَعْرِضُهَا عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ فَلَا يَجِدُ مَعَ الِاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ فَالْحِيَازَةُ بِالْإِشْهَادِ تَامَّةٌ رَوَى مَعْنَى ذَلِكَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَزَادَ مَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا الْمُتَصَدِّقُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ وَهَبَهُ نَخْلًا هِبَةً مُطْلَقَةً وَفِيهَا ثَمَرٌ قَدْ أُبِّرَ فَالثَّمَرَةُ لِلْوَاهِبِ كَالْبَيْعِ وَجَوَّزَ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبْضَ النَّخْلِ وَالسَّقْيِ فِي مَالِ الْوَاهِبِ , وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَثْنَى ثَمَرَتَهَا عَشْرَ سِنِينَ , وَلَوْ كَانَتْ بِيَدِ الْوَاهِبِ يَسْقِيهَا الْعَشْرَ سِنِينَ فَقَدْ وَهَبَهَا بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ , أَوْ لَحِقَهُ دَيْنٌ بَطَلَتْ الْهِبَةُ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي تَمَامِ الْهِبَةِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَتْ الْهِبَةُ , وَإِنْ أَسْلَمَ إِلَيْهِ النَّخْلَ يَعْمُرُهَا الْمُعْطِي وَتَكُونُ الثَّمَرَةُ لِلْمُعْطَى صَحَّ الْقَبْضُ وَكَمُلَتْ الْهِبَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ وَهَبَ مَا فِي بُطُونِ غَنَمِهِ , أَوْ أَمَتِهِ فَحَازَ الْمُعْطَى الْأُمَّهَاتِ حَتَّى تَضَعَ فَتِلْكَ حِيَازَةٌ تَامَّةٌ كَالنَّخْلِ يَهَبُهُ الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَيَحُوزُ الرِّقَابَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ , وَكَذَلِكَ صُوفُ الْغَنَمِ وَلَبَنُهَا , قَالَ أَصْبَغُ : وَإِنْ حَازَهَا الْمُعْطَى فَذَلِكَ نَافِذٌ وَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِ المعطى , أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ بَيْعُهَا فِي دَيْنِ الْمَيِّتِ وَلَا إدْخَالُهَا فِي الْقِسْمِ حَتَّى تَضَعَ , وَقَالَهُ أَشْهَبُ فِي الصُّوفِ وَاللَّبَنِ وَالثَّمَرَةِ , قَالَ : وَأَمَّا الْأَجِنَّةُ فَلَا تَتِمُّ الْحِيَازَةُ فِيهَا إِلَّا بَعْدَ الْوِلَادَةِ ; لِأَنَّ الْعِتْقَ فِيهِ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ , وَقَدْ تُبَاعُ أَمَةٌ قَبْلَ ذَلِكَ فِي الدَّيْنِ الْمُسْتَحْدَثِ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ وَالزَّرْعِ فَإِنَّ الثَّمَرَ يُرْهَنُ وَلَا يُرْهَنُ الْجَنِينُ , وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ نَمَاءٌ حَادِثٌ فِي الْعَيْنِ يَنْفَصِلُ مِنْهُ فَكَمُلَتْ الْعَطِيَّةُ فِيهِ بِقَبْضِ الْأَصْلِ كَالصُّوفِ وَالثَّمَرَةِ , وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْعِتْقَ أَقْوَى مِنْ الْهِبَةِ ; لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى السِّرَايَةِ فَإِذَا لَمْ يَتَعَجَّلْ الْعِتْقَ فِي الْجَنِينِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ فَبِأَنْ لَا تَتَعَجَّلَ فِيهِ الْهِبَةُ أَوْلَى وَأَحْرَى وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي يَهَبُ لِلرَّجُلِ مَا تَلِدُ جَارِيَتُهُ عِشْرِينَ سَنَةً أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إِذَا قَبَضَ الْجَارِيَةَ , أَوْ وَضَعَتْ لَهُ عَلَى يَدِ حَائِزٍ لَهُ كَالنَّخْلِ يَهَبُ ثَمَرَتَهَا.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا هِبَةُ ثَمَرِ النَّخْلِ فَتَجُوزُ قَبْلَ الْإِبَارِ وَبَعْدَهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هِبَةَ الثَّمَرَةِ تَجُوزُ عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ الثَّمَرَةِ بَعْدَ وُجُودِهَا وَقَبْلَهُ وَكَذَلِكَ الْحِيَازَةُ إِذَا أَسْلَمَ الرَّقَبَةَ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ فِي الَّذِي يَهَبُ ثَمَرَةَ نَخْلِهِ عِشْرِينَ سَنَةً أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إِنْ حَازَ الْمَوْهُوبُ لَهُ النَّخْلَ , أَوْ جُعِلَتْ عَلَى يَدِ مَنْ يَحُوزُهَا لَهُ , وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَجُوزُ أَنْ يَهَبَ الرَّجُلُ ثَمَرَ نَخْلِهِ عِشْرِينَ سَنَةً إِذَا حَازَ الْمَوْهُوبُ لَهُ النَّخْلَ , أَوْ حِيزَتْ لَهُ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ قَبْضَ النَّخْلِ أَكْثَرَ مَا يُمْكِنُ مِنْ حِيَازَتِهَا وَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَسْلِيمِهَا.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِنْ كَانَتْ الْعَطِيَّةُ عَلَى وَجْهِ الْعَرِيَّةِ لَا يُحَاوَلُ الْمُعَرَّى عَمَلَهَا وَلَا الِانْفِرَادُ بِهَا فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْعَرِيَّةِ لَا يَصِحُّ حِيَازَتُهَا إِلَّا بِاجْتِمَاعِ أَمْرَيْنِ أَنْ يَطْلُعَ فِيهَا ثَمَرُهُ وَيَقْبِضُهَا الْمُعَرَّى فَإِنْ عَدِمَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُعَرَّى بَطَلَ الْإِعْرَاءِ , وَقَالَ أَشْهَبُ تَجُوزُ الْحِيَازَةُ بِوُجُودِ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : الْإِبَارُ أَوْ تَسْلِيمُ الْعَطِيَّةِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُعَرَّى إنَّمَا أَعْطَى الثَّمَرَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عَطَاءً مُؤَجَّلًا لَا يَقْتَضِي إخْرَاجَ الْأَصْلِ عَنْ يَدِهِ وَلَا قَبْضِ الثَّمَرَةِ إِلَّا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ , وَلِذَلِكَ كَانَ الْعَمَلُ عَلَى الْمُعَرَّى وَلَا يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الرِّقَابِ لِتَصِحَّ الْحِيَازَةُ ; لِأَنَّ عَطِيَّتَهُ لَمْ تَكُنْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَإِنْ سَلَّمَهَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ إِلَى الْمُعَرَّى صَحَّتْ الْحِيَازَةُ بَعْدَ أَنْ تَظْهَرَ الثَّمَرَةُ ; لِأَنَّهَا لَمْ تَتَضَمَّنْ عَطِيَّةً قَبْلَ وُجُودِهَا فَإِذَا وُجِدَتْ وَتَبَرَّعَ بِالتَّسْلِيمِ صَحَّتْ الْحِيَازَةُ , وَكَمُلَتْ الْعَطِيَّةُ وَيَجُوزُ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ الْإِبَارُ ; لِأَنَّهُ بِهِ تَظْهَرُ الثَّمَرَةُ وَدُخُولُهُ وَخُرُوجُهُ عِنْدِي حِيَازَةٌ فَالْخِلَافُ بَيْنَ أَشْهَبَ وَابْنِ حَبِيبٍ فِي فَصْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ عَدَمَ التَّأْبِيرِ عِنْدَ أَشْهَبَ يَمْنَعُ الْحِيَازَةَ وَعِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الْحِيَازَةَ مَعَ ظُهُورِ الطَّلْعِ ; لِأَنَّهُ عِنْدَ نَفْسِ الثَّمَرَةِ , وَإِنَّمَا هَذِهِ حَالَةٌ مِنْ أَحْوَالِهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ يُرَاعِي مَعَ كَوْنِ الثَّمَرَةِ عَلَى صِفَةٍ يَصِحُّ حِيَازَتُهَا أَنْ يُوجَدَ قَبْضُهَا لِقَبْضِ الْأَصْلِ , وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ أَشْهَبُ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ احْتَجَّ لِصِحَّةِ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ إِنَّ دُخُولَ الْمُعْطَى وَخُرُوجَهُ حِيَازَةٌ فَرَجَعَ الْأَمْرُ إِلَى أَنَّ هُنَالِكَ نَوْعًا مِنْ الْقَبْضِ بِهِ تَكُونُ الْحِيَازَةُ وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَيْضًا أَنَّهَا تَقْتَضِي حِيَازَةً فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَجْتَزِئَ فِي ذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ أَشْهَبُ مِنْ الْحِيَازَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُنَفِّذَ ذَلِكَ لِلْمُعَرَّى إِلَّا بِقَبْضِ الثَّمَرَةِ مَعَ الْأَصْلِ فِي حِيَازَةِ الْمُعَرَّى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ مِنْ الدُّورِ فَلَا تَخْلُو الدَّارُ أَنْ يَكُونَ الْوَاهِبُ يَسْكُنُهَا , أَوْ لَا يَسْكُنُهَا فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَسْكُنُهَا فَلَا تَصِحُّ فِيهَا حِيَازَةٌ إِلَّا بِإِخْلَاءِ الْوَاهِبِ لَهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَضْلٌ عَنْ سُكْنَاهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ , وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ ذَاتَ مَنَازِلَ يُسْكَنُ فِي بَعْضِهَا حِيزَتْ كُلُّهَا قَالَ , وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَزَيْدًا صَاحِبَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم حَبَسَا دَارَيْنِ لَهُمَا فَسَكَنَا فِيهَا حَتَّى مَاتَا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جُلَّهُمَا فَحَازَا مَا سَكَنَا وَمَا لَمْ يَسْكُنَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ , وَلَوْ كَانَتْ دُورًا فَسَكَنَ وَاحِدَةً مِنْهَا لَيْسَتْ جُلَّهُمَا وَهِيَ تَبَعٌ حَازَ مِنْهَا مَا سُكِنَ وَمَا لَمْ يُسْكَنْ سَوَاءٌ كَانَ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِ صَغِيرًا فِي حِجْرِهِ , أَوْ كَبِيرًا حَائِزًا لِنَفْسِهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ بَقِيَ فِيهَا بِاكْتِرَاءٍ , أَوْ إرْفَاقٍ , أَوْ إعْمَارٍ , أَوْ أَيِّ وَجْهٍ كَانَ فَإِنَّ عِيسَى رَوَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ ذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْحِيَازَةِ ; لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيهَا قَبْضٌ وَلَا حِيَازَةٌ مَعَ سُكْنَى الْوَاهِبِ لَهَا إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْوَاهِبَةُ زَوْجَةَ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَيَتَمَادَى عَلَى السُّكْنَى مَعَهَا فِيهَا رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْحِيَازَةِ , وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ الْوَاهِبُ لِلزَّوْجَةِ فَيَتَمَادَى عَلَى السُّكْنَى مَعَهَا فِيهَا لَمَنَعَ ذَلِكَ صِحَّةُ الْحِيَازَةِ ; لِأَنَّ سُكْنَاهَا عَلَى الزَّوْجِ دُونَ الزَّوْجَةِ فَسُكْنَى الزَّوْجَةِ مَعَ بَقَاءِ الزَّوْجِ لَيْسَ بِيَدٍ لَهَا , وَإِنَّمَا الْيَدُ لِلزَّوْجِ فِي الْمَسْكَنِ فَلِذَلِكَ صَحَّ أَنْ يَحُوزَهَا الزَّوْجُ مَعَ بَقَاءِ الزَّوْجَةِ فِيهَا وَلَمْ يَصِحَّ أَنْ تَحُوزَهَا الزَّوْجَةُ مَعَ بَقَاءِ الزَّوْجِ فِيهَا وَمِثْلُ هَذَا أَنْ يَخَافَ الْوَاهِبُ فَيَخْتَفِي عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي تِلْكَ الدَّارِ , أَوْ يُضَيِّفُهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَيَمْرَضُ فِيهَا وَيَمُوتُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ الْحِيَازَةَ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ , وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ حِيَازَةِ الْمُعْطَى بِيَوْمٍ ; لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِسُكْنَى فِي الْحَقِيقَةِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ رَجَعَ إلَيْهَا عَلَى وَجْهِ السُّكْنَى بِاكْتِرَاءٍ , أَوْ إرْفَاقٍ فَإِنْ كَانَ رَجَعَ إلَيْهَا بَعْدَ الْمُدَّةِ الْقَرِيبَةِ مِمَّا يَرَى أَنَّهُ قَصَدَ إِلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهُ مِنْهَا فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى إبْطَالِ الصَّدَقَةِ , وَأَمَّا بَعْدَ طُولِ الْمُدَّةِ فَاَلَّذِي رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ إِذَا سَكَنَهَا بَعْدَ أَنْ حَازَهَا الْمُعْطَى السَّنَةَ فَأَكْثَرَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ الْهِبَةَ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ إِذَا رَجَعَ إلَيْهَا الْمُعْطَى بِاكْتِرَاءٍ , أَوْ إسْكَانٍ بَعْدَ حِيَازَةِ الْمُعْطَى الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ وَمَاتَ فِيهَا فَإِنَّ الصَّدَقَةَ تَبْطُلُ.
وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُعْطَى إِذَا كَانَ مَالِكٌ أَمَرَهُ وَحَازَ لِنَفْسِهِ حِيَازَةً بَيِّنَةً تَبْعُدُ فِيهِ التُّهْمَةُ فَقَدْ صَحَّتْ الْهِبَةُ وَكَمُلَتْ فَلَا يَضُرُّهَا مَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ سُكْنَى الْمُعْطَى , وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ رُجُوعَ الْوَاهِبِ فِيمَا وَهَبَ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ السُّكْنَى وَمَوْتُهُ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ يُبْطِلُ الْحِيَازَةَ أَصْلُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ صَغِيرًا , وَأَمَّا إِنْ كَانَ الِابْنُ صَغِيرًا فَحَازَ عَلَيْهِ الْأَبُ , أَوْ غَيْرُهُ ثُمَّ رَجَعَ الْأَبُ إلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يَكْبُرُوا وَيَحُوزُونَ لِأَنْفُسِهِمْ سَنَةً فَهِيَ بَاطِلَةٌ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا يَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْكَبِيرَ الْحَائِزَ لِنَفْسِهِ يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِ الْأَبِ الْوَاهِبِ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُعَدُّ رُجُوعُهُ إلَيْهَا رُجُوعًا فِي هِبَتِهِ وَالصَّغِيرُ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَلَيْسَتْ حِيَازَةُ الْأَبِ حِيَازَةً تَامَّةً ; لِأَنَّهُ قَدْ يَطْرَأُ الْفَسَادُ فَلِذَلِكَ تَبْطُلُ الْهِبَةُ بِرُجُوعِ الْأَبِ إلَيْهَا.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) فَأَمَّا إِنْ كَانَ لَا يَسْكُنُهَا الْوَاهِبُ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْأَرَضِينَ غَيْرَ أَنَّهَا تَخْتَصُّ بِالْغَلْقِ وَالْقَفْلِ عَلَيْهَا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ الْحَائِزُ فِيهَا فَهُوَ تَمَامُ الْحِيَازَةِ لَهَا , وَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِدَارٍ فَدَفَعَ مِفْتَاحَهَا إِلَيْهِ وَبَرِئَ مِنْهَا أَنَّ تِلْكَ حِيَازَةٌ , وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْهَا الْمُعْطَى وَلَا أَسْكَنَهَا , وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ حِيَازَةَ الْأَبِ الْوَاهِبِ ابْنَهُ الصَّغِيرَ فِيهَا بِالْإِشْهَادِ خَاصَّةً , وَذَلِكَ عِنْدِي بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ السُّكْنَى بِالِاكْتِرَاءِ أَوْ الِانْتِفَاعِ الدَّائِمِ بِهَا , وَلَوْ كَانَتْ مُهْمَلَةً غَيْرَ مُغْلَقَةٍ وَلَا يُنْتَفَعُ بِهَا فِي كِرَاءٍ وَلَا غَيْرِهِ لَرَأَيْت أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْأَرْضِ الَّتِي لَمْ تُزْرَعْ فِي إبَّانِ زِرَاعَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْحَيَوَانُ وَكُلُّ مَا يَنْقَلُ وَيُحَوَّلُ فَإِنَّ الْحِيَازَةَ فِيهِ بِأَنْ يَقْبِضَهُ الْمُعْطَى وَيُخْرِجَهُ عَنْ يَدِ الْمُعْطِي وَانْتِفَاعِهِ بِهِ فَإِنْ كَانَ ثَوْبًا مُنِعَ الْمُعْطِي مِنْ لُبْسِهِ وَانْفَرَدَ الْمُعْطَى بِلُبْسِهِ وَإِمْسَاكِهِ , وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَتَاعِ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ وَالرَّقِيقِ الَّذِي يُسْتَخْدَمُ فَقَبْضُهُ أَنْ يُمْنَعَ الْمُعْطِي مِنْ اسْتِعْمَالِهِ عَلَى وَجْهٍ يَنْفَرِدُ بِهِ , وَلَوْ وَهَبَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ خَادِمًا , أَوْ مَتَاعًا مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى امْرَأَتِهِ بِخَادِمٍ وَهِيَ مَعَهُ فِي الْبَيْتِ تَخْدُمُهَا بِحَالِ مَا كَانَتْ فَذَلِكَ جَائِزٌ , وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ , وَكَذَلِكَ مَتَاعُ الْبَيْتِ وَبِهِ أَقُولُ , وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْكِتَابَيْنِ إِذَا أَشْهَدَ لَهَا بِهَذِهِ الْخَادِمِ فَتَكُونُ عِنْدَهَا كَمَا كَانَتْ فِي خِدْمَتِهَا فَهَذَا إِلَى الضَّعْفِ وَمَا هُوَ بِالْبَيِّنِ , وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَتْهُ هِيَ خَادِمَهَا وَمَتَاعًا فِي الْبَيْتِ فَأَقَامَ ذَلِكَ عَلَى حَالِهِ بِأَيْدِيهِمَا فَهُوَ ضَعِيفٌ , وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمُعْطَى يَصِحُّ مِنْهُ الْقَبْضُ لِلْخَادِمِ وَالْمَتَاعِ وَالْحِيَازَةُ لِمَا كَانَ لَهُ حَظٌّ مِنْ الْيَدِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَتَصَرُّفُهُ فِيمَا لَا يَلْزَمُ الْمُعْطَى بِخِلَافِ الدَّارِ إِنْ سَكَنَتْ الزَّوْجَةُ فِيهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَلْزَمُ الزَّوْجَ إسْكَانُهَا عَلَيْهِ , وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ الْهِبَةَ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا قَبْلَ الْعَطِيَّةِ فَلَا يَصِحُّ فِيهَا حِيَازَةٌ إِلَّا بِتَغَيُّرِهَا عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ بِالنَّقْلِ إِلَى مَا يَنْفَرِدُ بِهِ الْمُعْطَى وَخُرُوجِهَا عَنْ يَدِ الْمُعْطِي.
‏ ‏( فَرْعٌ ) وَهَذَا فِيمَا يُسْتَعْمَلُ غَالِبًا عَلَى الْوَجْهِ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ وَالِاسْتِعْمَالِ , وَأَمَّا مَا يُسْتَعْمَلُ مُنْفَرِدًا كَالْعَبْدِ يُخَارَجُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي امْرَأَةٍ نَحَلَتْ ابْنًا لَهَا صَغِيرًا عَبْدَهَا , وَلَهُ مَالٌ فَلَمْ يَحُزْهُ الْأَبُ وَلَا الْوَلَدُ حَتَّى مَاتَتْ الْأُمُّ إِنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ , فَأَمَّا الْغُلَامُ الَّذِي هُوَ لِلْخَرَاجِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ يَجُوزُ لِلصَّبِيِّ , وَأَمَّا الْغُلَامُ الَّذِي إنَّمَا هُوَ لِلْخِدْمَةِ فَيَخْدُمُهُ يَخْتَلِفُ مَعَهُ وَيَقُومُ فِي حَوَائِجِهِ فَإِنَّهُ حَوْزٌ , وَكَذَلِكَ لَوْ غَلَّ أَبُوهُ الْغُلَامَ وَهُوَ مَعَ أَبِيهِ لَكَانَ اخْتِلَافُهُ مَعَهُ وَخِدْمَتُهُ لَهُ حَوْزًا قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ , وَإِنْ خَدَمَ الْأَبَ مَعَ الْغُلَامِ إِلَى أَنْ مَاتَ الْأَبُ فَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى أُمِّ وَلَدِهِ بِخَادِمٍ وَابْنُهُ مِمَّا يَكُونُ مَعَهَا فِي الْبَيْتِ فَالْإِشْهَادُ فِي كُلِّ ذَلِكَ حَوْزٌ , وَأَمَّا الْعَبْدُ يُخَارَجُ وَالدَّارُ تُسْكَنُ وَالشَّجَرُ وَمَا هُوَ بَائِنٌ عَنْهُمَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَحُوزَهُ فَيَأْخُذَ الْخَرَاجَ مِنْ الْعَبْدِ وَيَخْرُجَ السَّيِّدُ مِنْ الدَّارِ وَيُجْنَى الشَّجَرُ وَنَحْوُ هَذَا وَأَمَّا الْعُرُوضُ فَبِالْقَبْضِ وَاللِّبَاسِ وَالْعَارِيَةِ وَنَحْوِ هَذَا حَوْزُهَا وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهَا , وَقَالَ أَصْبَغُ الْإِشْهَادُ حَوْزٌ , وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي يَدِهَا , وَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ اللِّبَاسَ وَلَا الْعَارِيَةَ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) وَأَمَّا مَا وَهَبَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ أَصْبَغَ إِنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِبَقَرٍ وَغَنَمٍ وَعَبِيدٍ فَاحْتَلَبَ الْغَنَمَ وَاعْتَمَلَ الْبَقَرَ وَاسْتَخْدَمَ الْعَبِيدَ أَمْرًا خَفِيفًا , أَوْ أَمْرًا مَمْزُوجًا مَرَّةً لِلضَّيْفِ وَمَرَّةً لِلِابْنِ وَمَرَّةً لَهُمَا فَذَلِكَ جَائِزٌ وَيَكُونُ حِيَازَةً وَصَدَقَةً تَامَّةً.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَهَذَا إِذَا كَانَتْ الْهِبَةُ حَاضِرَةً بِيَدِهِ وَالْمُعْطَى حَاضِرًا فَإِنْ كَانَ الْمُعْطِي وَالْمُعْطَى غَائِبَيْنِ , أَوْ أَحَدُهُمَا غَائِبًا فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ الْهِبَةُ بِيَدِ الْمُعْطَى , أَوْ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ وَكَانَ الْمُعْطِي وَالْمُعْطَى غَائِبَيْنِ عَنْ الْهِبَةِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ الْحَاضِرِ بِدَارٍ بِبَلْدَةٍ أُخْرَى فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى مَاتَ الِابْنُ إِنْ كَانَ صَغِيرًا فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ , وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَذَلِكَ بَاطِلٌ , وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ فِي الْخُرُوجِ , وَكَذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ , وَقَالَ أَشْهَبُ إِنْ أَشْهَدَ وَلَمْ يُفَرِّطْ فِي الْقَبْضِ وَلَعَلَّهُ تَهَيَّأَ لِلْخُرُوجِ , أَوْ وَكَّلَ فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى مَاتَ الْأَبُ فَهِيَ جَائِزَةٌ , وَإِنْ فَرَّطَ فَذَلِكَ بَاطِلٌ وَرَوَاهُ أَيْضًا ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ , وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ لِلْمُعْطِي قَبْلَ الْقَبْضِ أَنْ يُبْطِلَ الْهِبَةَ كَالْحَاضِرِ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْهِبَةَ قَدْ وُجِدَ طَرَفَاهَا مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَمْ يُوجَدْ تَفْرِيطُهُمَا فِي قَبْضِهَا يَبْطُلُ حُكْمُهَا فَوَجَبَ أَنْ تَصِحَّ كَمَا لَوْ أَنْفَذَهَا الْمُعْطِي إِلَى الْمُعْطَى.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّهَا تَصِحُّ مَعَ الِاجْتِهَادِ وَتَبْطُلُ بِالتَّفْرِيطِ فَجُهِلَ الْأَمْرُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ كِنَانَةَ أَنَّهَا عَلَى التَّفْرِيطِ حَتَّى يَثْبُتَ الِاجْتِهَادُ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ عَدَمَ الْقَبْضِ يَقْتَضِي إبْطَالَ الْعَطِيَّةِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ صُورَةُ تَرْكِ الْقَبْضِ فَلَا يُعْدَلُ بِهِ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ الِاجْتِهَادَ الَّذِي يُخْرِجُهُ عَنْ مُقْتَضَاهُ وَظَاهِرُهُ إِلَى مَا يَقُومُ مَقَامَ الْقَبْضِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَإِنْ كَانَ الْمُعْطَى غَائِبًا فَقَدْ رَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ بِعَبْدٍ , أَوْ دَارٍ فَمَاتَ الْأَبُ قَبْلَ الْحِيَازَةِ فَذَلِكَ بَاطِلٌ , وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَرِيبَ الْغَيْبَةِ فَمَاتَ الْأَبُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَنَحْوِهِ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ فِي سَفَرِهِ عَلَى امْرَأَتِهِ , أَوْ ابْنَتِهِ وَلَيْسَتَا مَعَهُ بَعْدُ فَمَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ أَنْ يَقْدُمَ وَالْعَبْدُ يَخْدُمُهُ أَنَّهُ إِنْ أَشْهَد عَلَى الْإِنْفَاذِ مَنْ يَعْرِفُ الْمَرْأَةَ , أَوْ الِابْنَةَ فَذَلِكَ نَافِذٌ , وَإِنْ أَشْهَدَ هَكَذَا مَنْ لَا يَعْرِفُهُمَا فَلَا أَدْرِي مَا هَذَا.
وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ مَوْتَ الْوَاهِبِ قَبْلَ الْقَبْضِ مُبْطِلٌ الْهِبَةَ أَصْلُ ذَلِكَ الْحَاضِرُ وَيُقَوِّي ذَلِكَ عَدَمُ الْقَبُولِ , وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْإِشْهَادَ بِإِنْفَاذِهَا أَكْثَرُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ مِنْ حِيَازَةِ الْهِبَةِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا يَشْتَرِيهِ الرَّجُلُ فِي الْحَجِّ مِنْ الْهَدَايَا وَيَحْمِلُهُ مَعَهُ أَوْ يَبْعَثُ لَهُ مِنْ صِلَةٍ , أَوْ هَدِيَّةٍ إِلَى غَائِبٍ فَيَمُوتُ الْمُعْطِي , أَوْ الْمُعْطَى قَبْلَ وُصُولِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إِنْ أَشْهَدَ بِذَلِكَ فَهِيَ لِلْمُعْطَى وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِذَلِكَ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا رَجَعَتْ إِلَى وَرَثَةِ الْمُعْطِي وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا رَجَعَتْ إِلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ فَمَعْنَى مَا فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ إِنْ مَاتَ الْمُعْطِي بَطَلَتْ الْهَدِيَّةُ فَرَجَعَتْ إِلَى وَرَثَتِهِ , وَإِنْ مَاتَ الْمُعْطَى صَحَّتْ الْهَدِيَّةُ فَكَانَتْ لِوَرَثَتِهِ وَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مِثْلُهُ مُفَسَّرًا أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا فَلَا حَقَّ فِيهَا لِلْمُعْطَى وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ يُفْسِدُ الْهَدِيَّةَ , وَإِنْ كَانَ الْمُهْدَى حَيًّا.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا : إِنَّ الْإِشْهَادَ يَقُومُ مَقَامَ الْحِيَازَةِ , فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَا يَكْفِي فِي ذَلِكَ أَنْ يُذْكَرَ ذَلِكَ لِلْعُدُولِ حِينَ الشِّرَاءِ , أَوْ غَيْرِهِمْ حَتَّى يُشْهِدَهُمْ وَاَلَّذِي يُجْزِئُ مِنْ الْإِشْهَادِ قَالَ مُحَمَّدٌ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا قَالَ أَشْهِدُوا عَلَيَّ فَهَذَا إشْهَادٌ تَامٌّ , وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إِنْ قَالَ لِرَسُولَيْنِ : ادْفَعَا ذَلِكَ إِلَى فُلَانٍ فَإِنِّي وَهَبْته ذَلِكَ فَهِيَ شَهَادَةٌ , وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فَإِنِّي وَهَبْته فَلَيْسَ بِشَيْءٍ , وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتِمُّ , وَإِنْ شَهِدَا بِذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ قَدْ أَشْهَدَهُمَا عَلَى ذَلِكَ إشْهَادًا , أَوْ يَصِلَ ذَلِكَ إِلَى الْمُعْطَى فِي حَيَاةِ الْمُعْطِي.
وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إِذَا سَمِعَا مِنْهُ مَا يَقْتَضِي تَبْتِيلَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يَقُومُ مَقَامَ الْإِشْهَادِ بِهَا فِي الْإِتْيَانِ بِأَكْثَرَ مِمَّا يُمْكِنُ مِنْ تَبْتِيلِهَا , فَقَوْلُهُ إنِّي قَدْ وَهَبْته إيَّاهَا مَعَ أَمْرِ الْحَامِلِينَ بِإِيصَالِهَا إِلَى الْمُعْطَى يَقُومُ مَقَامَ الْإِشْهَادِ بِهَا , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يُجْزِي إِلَّا الْقَصْدُ إِلَى الْإِشْهَادِ بِهَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُفْعَلَ فِي أَمْرِهَا فَأَمَّا إِذَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ الْعُدُولَ حِينَ الشِّرَاءِ , أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَقْصِدْ الْإِشْهَادَ فَإِنْ وَصَلَتْ إِلَيْهِ فِي حَيَاةِ الْمُعْطِي فَهِيَ لَهُ , وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ حِيَازَةً ; لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْقَصْدُ إِلَى ذَلِكَ مِنْ الْمُعْطِي وَلَا قُبِضَتْ فِي حَيَاتِهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ بِغَيْرِ يَدِ الْمُعْطَى فَحِيَازَةُ الْمُعْطِي بِالطَّلَبِ لَهَا أَقْوَى , وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ بِعَبْدِهِ الْآبِقِ عَلَى رَجُلٍ فَطَلَبَهُ الْمُعْطِي وَاجْتَهَدَ فَلَمْ يَجِدْهُ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُعْطَى قَالَ هُوَ نَافِذٌ لَهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِيَدِ الْمُعْطَى فَالْإِشْهَادُ فِيهِ وَطَلَبُ الْمُعْطِي لَهُ حَوْزٌ كَالدَّيْنِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةٌ فَقَالَ : اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ تَصَدَّقْت بِهَا عَلَى فُلَانٍ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِقَبْضِهَا ثُمَّ مَاتَ الْمُتَصَدِّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ عَلِمَ الَّذِي هُوَ عِنْدَهُ فَتِلْكَ حِيَازَةٌ وَإِنَّ لَمْ يَعْلَمْ بَطَلَتْ الصَّدَقَةُ ; لِأَنَّهُ إِذَا عَلِمَ صَارَ حَائِزًا لِلْمُعْطَى فَلَوْ دَفَعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْمُعْطِي ضَمِنَهَا رَوَاهُ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةُ , وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَكَتَبَ إِلَى وَكِيلِهِ يَدْفَعُهَا إِلَيْهِ فَأَعْطَاهُ الْوَكِيلُ خَمْسِينَ وَمَاتَ الْمُعْطَى قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْخَمْسِينَ الْبَاقِيَةَ لَا شَيْءَ لَهُ غَيْرَ مَا قَبَضَ ; لِأَنَّ وَكِيلَهُ بِمَنْزِلَتِهِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُودَعِ أَنَّ الْوَكِيلَ مَأْمُورٌ بِالدَّفْعِ فَهُوَ فِيهِ نَائِبٌ عَنْ الْمُعْطِي وَالْمُودَعُ لَيْسَ بِمَأْمُورٍ بِذَلِكَ , وَإِنَّمَا هُوَ مَأْمُورٌ بِحِفْظِ الْوَدِيعَةِ , فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهَا قَدْ صَارَتْ لِلْمُعْطَى صَارَ حَافِظًا لَهَا وَصَارَتْ يَدُهُ يَدَهُ , قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي الْوَدِيعَةِ إِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَأَشْهَدَ صَحَّتْ قَالَ : وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ الْمُعْطِي دَعْهَا لِي بِيَدِك وَمَعْنَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ تَعُودَ يَدُ الْمُودَعِ لِلْمُعْطِي فَيَكُونُ قَابِضًا لَهُ وَحَافِظًا لِمَا أَعْطَى بِأَمْرِهِ فَتَصِحُّ بِذَلِكَ الْحِيَازَةُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ أَعْطَى رَجُلًا غَلَّةَ كَرْمِهِ سِنِينَ , أَوْ أَسْكَنَهُ دَارَهُ ثُمَّ تَصَدَّقَ بِالرَّقَبَةِ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ , قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ : ذَلِكَ جَائِزٌ وَالصَّدَقَةُ لِلِابْنِ , وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ بِأَنَّهُ جَعَلَ لِلسَّاكِنِ الْحِيَازَةَ لِابْنِهِ , وَلَوْ أَشْهَدَ بِذَلِكَ لَكَانَ حَسَنًا , قَالَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ ; لِأَنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِيهَا وَهُوَ جَائِزٌ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْهُمْ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ فَهُوَ حِيَازَةٌ لِمَنْ أَعْطَى الرَّقَبَةَ , وَإِنْ كَانَ أَسْكَنَ ثُمَّ أَعْطَى الرَّقَبَةَ فَإِنْ رَجَعَتْ الرَّقَبَةُ وَالْمُعْطِي حَيٌّ فَهِيَ لِلْمُعْطَى وَإِنْ مَاتَ الْمُعْطِي , أَوْ أَفْلَسَ , أَوْ مَرِضَ قَبْلَ أَنْ يُرْجِعَ الرَّقَبَةَ فَلَا شَيْءَ لِلْمُعْطَى قَالَ : وَكَذَلِكَ مَنْ أَخْدَمَ رَجُلًا عَبْدًا ثُمَّ بَتَلَ رَقَبَتَهُ لِلْآخَرِ , وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ يَدَ السَّاكِنِ لَيْسَتْ بِيَدِ الْمُعْطِي فَجَازَ أَنْ يَجُوزَ لِلْمُعْطَى كَمَا لَوْ كَانَ الْإِسْكَانُ وَالْعَطِيَّةُ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ السَّاكِنَ لَمَّا انْفَرَدَتْ عَطِيَّتُهُ وَتَقَدَّمَتْ وَحَازَ لِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ حَائِزًا لِغَيْرِهِ كَالْمُعْطِي.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ وَهَبَ مَا عِنْدَ الْمُعْطَى بِعَارِيَةٍ , أَوْ وَدِيعَةٍ , أَوْ إجَارَةٍ فَقَوْلُ الْمُعْطَى قَبِلْت حِيَازَةٌ , وَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ , وَأَمَّا إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِبَلَدِ غَيْرِ الْمُعْطَى بِأَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ ذَلِكَ نَافِذٌ إِذَا شَهِدَ , وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّمَا ذَلِكَ إِذَا كَانَتْ بِيَدِ رَجُلٍ يُحْسِنُ يُرِيدُ حَيَاتَهُ , أَوْ عَارِيَةً فَيَجُوزُ لِلْمُعْطَى وَإِنْ مَاتَ الْمُعْطِي , وَأَمَّا فِي الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ فَلَا يَكُونُ حَوْزًا إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَهُ مَعَ الرَّقَبَةِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَصْوَبُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ قَابِضٌ لِنَفْسِهِ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ صِحَّةَ الْحِيَازَةِ لِلْمُعْطَى كَالْمُعَارِ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي : أَنَّ الْمُعْطَى يَأْخُذُ عِوَضَ الْمَنَافِعِ فِي الْإِجَارَةِ فَصَارَتْ يَدُ الْمُسْتَأْجِرِ يَدَهُ , وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْحِيَازَةِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ وَهَبَهُ مَا بِيَدِ غَاصِبِهِ لَمْ تَكُنْ حِيَازَةُ الْغَاصِبِ لَهُ حِيَازَةً رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ , وَقَالَ أَشْهَبُ ذَلِكَ قَبْضٌ وَحِيَازَةٌ لِلْمُعْطَى قَالَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ أَحْسَنُ ; لِأَنَّ الْغَاصِبَ ضَامِنٌ فَهُوَ كَدَيْنٍ عَلَيْهِ يَجُوزُ بِالْإِشْهَادِ , وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ يَدَ الْغَاصِبِ يَدٌ مَانِعَةٌ لِلْمُعْطَى فَلَمْ تَصِحَّ بِهَا الْحِيَازَةُ كَيَدِ الْمُعْطِي , وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِيَدٍ لِلْمُعْطِي وَإِذَا اسْتَوَتْ يَدُ الْمُعْطِي وَالْمُعْطَى صَحَّتْ حِيَازَةُ الْمُعْطَى كَالْأَرْضِ الْمَبُورَةِ وَالدَّيْنِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ وَهَبْته دَيْنًا لَك عَلَى غَرِيمٍ لَك غَائِبٌ فَدَفَعْت إِلَيْهِ ذَلِكَ الْحَقَّ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذِكْرُ حَقٍّ فَأَشْهَدْت وَقَبِلَ الْمُعْطَى جَازَ ; لِأَنَّ الدَّيْنَ هَكَذَا يُقْبَضُ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ , وَقَالَ أَشْهَبُ ; لِأَنَّ الْغَرِيمَ لَوْ حَضَرَ لَمْ يَكُنْ الْحَوْزُ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا , وَلَوْ قَالَ لَا أَرْضَى لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ وُهِبَ الْمُسْتَوْدَعُ مَا عِنْدَهُ فَلَمْ يَقُلْ قَبِلْت حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ , وَقَالَ أَشْهَبُ بَلْ هِيَ حِيَازَةٌ جَائِرَةٌ إِلَّا أَنْ يَقُولَ لَا أَقْبَلُ قَالَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ , وَذَلِكَ أَنَّ الْعَطِيَّةَ بِيَدِ الْمُعْطَى فَتَأَخُّرُ الْقَبُولِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا قَالَ , وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ وَهَبْته هِبَةً فَلَمْ يَقُلْ قَبِلْت وَقَبَضَهَا لِيَنْظُرَ رَأْيَهُ فَمَاتَ الْمُعْطِي فَهِيَ مَاضِيَةٌ إِنْ رَضِيَهَا وَلَهُ رَدُّهَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَعَثَ بِهِبَةٍ إِلَى رَجُلٍ فَأَشْهَدَ فَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ حَتَّى مَاتَ الْمُعْطِي فَلَهُ أَنْ يَقْبَلَهَا فَتَكُونَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَلَهُ رَدُّهَا , وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الْهِبَةَ يَمْنَعُ صِحَّتُهَا عَدَمُ الْقَبْضِ فَبِأَنْ يَمْنَعَ صِحَّتَهَا عَدَمُ الْقَبُولِ أَوْلَى وَأَحْرَى.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَمَعْنَى الْقَبْضِ أَنْ يَقْبِضَ الْمُعْطِي الْعَطِيَّةَ وَتَصِيرَ فِي يَدِهِ , وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ عِلْمِ الْمُعْطِي وَلَا إذْنِهِ فَمَاتَ الْمُعْطِي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ وَيَرْضَى فَذَلِكَ حَوْزٌ عِنْدَ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ : لِأَنَّهُ لَوْ مَنَعَهُ قَضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَبْضَ حَوْزٌ لِلْمُعْطَى لَيْسَ لِلْمُعْطِي مَنْعُهُ مِنْهُ فَصَحَّ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ فَقُضِيَ بِهِ عَلَيْهِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) وَلَوْ مَاتَ الْمُعْطِي وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَامَ غَرِيمُهُ فَحَازَهُ وَالْمُعْطَى غَائِبٌ فَبَقِيَتْ بِيَدِهِ حَتَّى مَاتَ الْمُعْطَى فَتِلْكَ حِيَازَةٌ تَامَّةٌ حَازَهَا بِسُلْطَانٍ , أَوْ بِغَيْرِهِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَهَلْ تَصِحُّ الْحِيَازَةُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمُعْطِي رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنَتِهِ وَهِيَ ذَاتُ زَوْجٍ بِمَسْكَنٍ فَخَزَّنَ فِيهِ الزَّوْجُ طَعَامًا حَتَّى مَاتَ الْأَبُ إِنَّ ذَلِكَ حِيَازَةٌ لِابْنَتِهِ مَعَ أَنَّ الْأَبَ إنَّمَا سَلَّمَ ذَلِكَ إِلَيْهِ لِيَحُوزَ لِابْنَتِهِ قَالَ أَصْبَغُ : لَا يَكُونُ ذَلِكَ حِيَازَةً لَهَا إِلَّا أَنْ تُوَكِّلَهُ وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.
وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْهِبَةَ لَمْ تَبْقَ بِيَدِ الْوَاهِبِ بَلْ هِيَ عَلَى حَالَةٍ يَتَسَاوَى فِيهَا الْمُعْطِي وَالْمُعْطَى فَلَمْ تَمْنَعْ صِحَّةُ الْحِيَازَةِ كَالدَّيْنِ , وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّهَا هِبَةٌ لَمْ يَقْبِضْهَا الْمُعْطَى وَلَا مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ فَلَمْ تَتِمَّ حِيَازَتُهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ بِيَدِ الْمُعْطِي , وَهَذَا الْأَصْلُ قَدْ أَوْجَبَ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي عِدَّةِ مَسَائِلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ تَصَدَّقَ بِدَارٍ ثُمَّ أَنْكَرَ ذَلِكَ فَخَاصَمَهُ الْمُعْطَى وَأَثْبَتَ بِبَيِّنَةٍ فَحُكِمَ لَهُ بِهَا فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى مَاتَ الْمُعْطِي فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ الْحُكْمُ بِحَوْزٍ كَمَا لَوْ أَخَذَ الْمُعْطِي وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُعْطَى , وَقَالَ أَصْبَغُ وَمُطَرِّفٌ هُوَ حَوْزٌ كَمَا لَوْ أَقَامَ الْبَائِعُ بِطَلَبِ سِلْعَتِهِ فِي التَّفْلِيسِ وَتَقُومُ بَيِّنَةٌ فَيَمُوتُ الْمُفْلِسُ قَبْلَ الْحُكْمِ أَنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِهَا , وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَنَّ الْمُفْلِسَ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ لِخَصْمِهِ , وَأَمَّا بَيِّنَةُ الْمُعْطَى فَإِنَّهَا بَيَّنَتْ إقْرَارَ الْمُعْطِي , وَوَجْهُ قَوْلِ مُطَرِّفٍ أَنَّ مَنْعَ الْمُعْطِي الْعَطِيَّةَ مَعَ طَلَبِ الْمُعْطَى لَهَا لَيْسَ بِأَثْبَتَ مِنْ إنْفَاذِهِ لَهَا فَيَمُوتُ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إِلَى الْمُعْطَى , وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْحِيَازَةَ فَمَنْعُهُ إيَّاهَا عُذْرٌ يَصِحُّ مَعَهُ الْحِيَازَةُ , وَقَدْ وُجِدَ مِنْ الْمُعْطَى الْقَبُولُ وَالطَّالِبُ الَّذِي يَقُومُ مَقَامَ الْقَبْضِ وَاَلَّذِي بَعَثَ إِلَيْهِ بِالْهَدِيَّةِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ قَبُولٌ وَلَا طَلَبٌ , وَقَدْ قَضَى بِحِيَازَتِهِ لِعُذْرِ الْمَسَافَةِ فَفِي مَسْأَلَتِنَا أَوْلَى , وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إِذَا وَقَفَ الْإِمَامُ الْعَطِيَّةَ حَتَّى يَنْظُرَ فِي حُجَّتِهَا فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِهَا كَمَا لَوْ قَامَ فِي الْفَلْسِ فِي سِلْعَتِهِ فَلَمْ يَقْضِ لَهُ بِهَا حَتَّى مَاتَ الْمُفْلِسُ , فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ الْبَائِعُ أَحَقُّ بِهَا , وَقَالَ أَشْهَبُ أَمَّا إدْخَالُ الْقَاضِي بَيْنَ الْوَاهِبِ وَبَيْنَهَا حَتَّى لَا يَجُوزَ حُكْمُهُ فِيهَا فَيَقْضِي بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ فِيهَا كَمَا كَانَ يَقْضِي فِي حَيَاتِهِ , وَأَمَّا إِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَاهِبُ مَنَعَ مِنْهَا الْمُعْطَى فَلَمْ يَطْلُبْهَا فَهِيَ بَاطِلٌ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ بَاعَ الْمُعْطِي الْهِبَةَ فَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى مَاتَ الْمُعْطِي قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ الْبَيْعُ حِيَازَةٌ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ , وَقَالَ أَصْبَغُ لَيْسَ الْبَيْعُ بِحِيَازَةٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ إِلَّا الْعِتْقُ وَحْدَهُ.
وَجْهُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْبَيْعَ إخْرَاجٌ عَنْ الْمِلْكِ فَأَغْنَى عَنْ الْحِيَازَةِ كَالْعِتْقِ , وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ الْعِتْقَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ وَيُؤَثِّرُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ , وَذَلِكَ إِذَا أَعْتَقَ حِصَّةً مِنْ عَبْدٍ فَإِنَّهُ يُعْتِقُ عَلَيْهِ سَائِرَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ فَإِنَّهُ لَا يَسْرِي إِلَى غَيْرِ مِلْكِهِ فَلَمْ يُغْنِ عَنْ الْحِيَازَةِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ وَهَبَهُ الْمُعْطِي ثُمَّ مَاتَ الْمُعْطِي فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْهِبَةَ حَوْزٌ , وَبِهِ قَالَ مُطَرِّفٌ , وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَكُونُ حِيَازَةً ; لِأَنَّهَا مُحْتَاجَةٌ إِلَى حِيَازَةٍ.
وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ خُرُوجَ الْعَطِيَّةِ عَنْ الْمِلْكِ حِيَازَةٌ كَالْبَيْعِ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهَا لَا تَسْتَغْنِي عَنْ الْحِيَازَةِ فِي نَفْسِهَا فَلَمْ يُغْنِ عَنْهَا غَيْرُهَا مِنْ الْهِبَاتِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ مَالِكٍ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ إِذَا وَهَبَهُ الْمُعْطِي لِآخَرَ فَمَاتَ الْمُعْطِي قَبْلَ أَنْ يَحُوزَهُ فَهُوَ لَهُ إِذَا وَجَدَهُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ , أَوْ الْوَاهِبِ الْأَوَّلِ وَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلَمْ يَقْبِضْهُ الْآخَرُ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ الْأَوَّلُ فَلَا شَيْءَ لَهُ.
‏ ‏( بَابٌ فِيمَا يَمْنَعُ الْحِيَازَةَ وَيُبْطِلُ الْعَطِيَّةَ ) وَهُوَ أَنْ يَمُوتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحِيَازَةِ , أَوْ يُفْلِسَ , أَوْ يَمْرَضَ مَرَضَ مَوْتِهِ فَإِذَا مَرِضَ تَوَقَّفَ عَنْ إنْفَاذِ الْهِبَةِ فَإِنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ قُضِيَ لَهُ بِإِبْطَالِهَا , وَإِنْ صَحَّ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ لَمْ يَمْرَضْ فِي صِحَّةِ عَطِيَّتِهِ وَإِبْطَالِهَا , وَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , وَقَدْ بَلَغَ مِنْ مَرَضِهِ مَبْلَغًا تَيَقَّنَ الْمَوْتَ مِنْهُ فَلَوْ كُنْت جَدَدْتِيهِ وَاحْتَزْتِيهِ كَانَ ذَلِكَ , وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ وَارِثٍ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَذَا حُكْمُ الْهِبَةِ لِلْوَاحِدِ يَبْطُلُ جَمِيعُهَا , أَوْ يَصِحُّ جَمِيعُهَا فَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَوَلَدِهِ الْكَبِيرِ , أَوْ أَجْنَبِيٍّ فَلَمْ يَقْبِضْ الْأَجْنَبِيُّ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ تَبْطُلُ حِصَّةُ الصِّغَارِ وَحِصَّةُ الْكِبَارِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُعْرَفُ إنْفَاذُ الْحَبْسِ لِلصِّغَارِ إِلَّا بِحِيَازَةِ الْكِبَارِ وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ وَعَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ نَصِيبُ الصَّغِيرِ جَائِزٌ وَيَبْطُلُ نَصِيبُ الْكَبِيرِ بِخِلَافِ الْحَبْسِ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ الْجَمِيعَ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي هِبَةِ الْجُزْءِ الْمُشَاعِ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ عَطِيَّةٌ فَإِذَا بَطَلَ بَعْضُهَا لِعَدَمِ الْحِيَازَةِ بَطَلَ جَمِيعُهَا كَالْحَبْسِ , وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالْحَبْسِ أَنَّ الصَّدَقَةَ لِجَمَاعَةٍ مُقْتَضَاهَا الْقِسْمَةُ فَجَازَ أَنْ يَبْطُلُ بَعْضُهَا وَيَصِحُّ بَعْضُهَا وَالْحَبْسُ يُنَافِي الْقِسْمَةَ ; لِأَنَّ الرَّقَبَةَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ , وَإِنَّمَا تُقَسَّمُ الْغَلَّةُ فَإِذَا بَطَلَ بَعْضُ الْحَبْسِ لِعَدَمِ الْحِيَازَةِ بَطَلَ جَمِيعُهُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا ذَهَابُ الْعَقْلِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي امْرَأَةٍ تَصَدَّقَتْ بِعَبْدٍ , أَوْ بِدَنَانِيرَ فِي صِحَّتِهَا فَلَمْ يَجُزْ عَنْهَا حَتَّى ذَهَبَ عَقْلُهَا إنَّهَا بَاطِلَةٌ كَالْمَوْتِ وَالتَّفْلِيسِ وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ تَكُونَ مَوْقُوفَةً فَإِنْ بَرِئَتْ مِنْ ذَلِكَ فَهِيَ عَلَى صَدَقَتِهَا , وَإِنْ اتَّصَلَ ذَلِكَ بِمَوْتِهَا بَطَلَتْ الصَّدَقَةُ بِمَوْتِهَا , وَقَدْ يُرْوَى هَذَا اللَّفْظُ , وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ مَعْنَى الْحِيَازَةِ , وَكَذَلِكَ رَوَى عَنْهُ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ إِذَا مَرِضَ الْمُتَصَدِّقُ قَبْلَ الْحَوْزِ فَقَدْ بَطَلَتْ , وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَتَّصِلَ مَرَضُهُ بِالْمَوْتِ , وَلَوْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ لَكَانَ عَلَى صَدَقَتِهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْمُفْلِسُ فَإِذَا حُجِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ حِيَازَةِ الْعَطِيَّةِ بَطَلَتْ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ إِنْ بِيعَ جَمِيعُهُ , وَإِنْ بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ قَصُرَ بَعْضُهُ عَنْ مَبْلَغِ الدَّيْنِ لِلتَّبْعِيضِ يُبَاعُ جَمِيعُهُ فَيُقْضَى مِنْهُ الدَّيْنُ وَيُعْطَى مَا بَقِيَ لِلْمُتَصَدِّقِ وَلَا شَيْءَ فِيهِ لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ لَمَّا اسْتَحَقُّوهُ مِنْ يَدِهِ فَبِيعَ لَهُمْ فِي دَيْنِهِمْ بَطَلَتْ الصَّدَقَةُ كَمَا لَوْ اسْتَحَقَّهُ مُسْتَحِقٌّ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَهَذَا حُكْمُ عَدَمِ الْحِيَازَةِ فَأَمَّا إِذَا حَازَ الْعَبْدُ , وَقَدْ كَانَ تَدَايَنَ دَيْنًا يُحِيطُ بِمَالِهِ قَبْلَ الْعَطِيَّةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الْعَطِيَّةَ قُبِضَتْ , أَوْ لَمْ تُقْبَضْ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَالَ غَيْرِهِ , وَأَمَّا إِنْ أَدَانَ بَعْدَ الْعَطِيَّةِ وَقَبْلَ الْحِيَازَةِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ الدَّيْنَ أَوْلَى وَتَبْطُلُ الصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ قَالَ أَصْبَغُ الصَّدَقَةُ أَوْلَى مِنْ الدَّيْنِ الْمُسْتَحْدَثِ بَعْدَهَا , وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ , وَإِنَّمَا يُرَاعَى فِي ذَلِكَ يَوْمُ الصَّدَقَةِ لَا يَوْمُ الْحِيَازَةِ وَإِنَّمَا يُرَاعِي فِي ذَلِكَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يَوْمَ الْحِيَازَةِ لَا يَوْمَ الْعَطِيَّةِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا بِمُرَاعَاةِ الصَّدَقَةِ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ إِذَا تَقَدَّمَ لَهُ الدَّيْنُ , وَقَدْ كَانَ لَهُ وَفَاءً يَوْمَ الصَّدَقَةِ , أَوْ لَمْ يَدْرِ الدَّيْنَ قَبْلَ الصَّدَقَةِ , أَوْ بَعْدَهَا فَالصَّدَقَةُ الْمَقْبُوضَةُ أَوْلَى , وَإِنْ كَانَ الْأَبُ حَازَهَا لِوَلَدِهِ الصِّغَارِ حَتَّى يَعْرِفَ خِلَافَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اسْتَغَلَّ مَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَدْرِ اسْتَغَلَّ لِنَفْسِهِ , أَوْ لَهُمْ فَإِنَّ الصَّدَقَةَ مَاضِيَةٌ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يَسْتَغِلُّهَا لِنَفْسِهِ دُونَهُمْ , وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ عَنْهُ فِي الصَّدَقَةِ الْمَقْبُوضَةِ عَنْهُ لَا يَدْرِي الدَّيْنَ قَبْلَهَا , أَوْ بَعْدَهَا الصَّدَقَةُ أَوْلَى حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ الدَّيْنَ كَانَ قَبْلَ الصَّدَقَةِ , وَلَوْ كَانَ الْأَبُ حَازَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ لَكَانَ الدَّيْنُ أَوْلَى حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ الصَّدَقَةَ قَبْلَهُ وَنَحْوُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ , أَوْ وَهَبَهُ فَلَمْ يَحُزْ عَنْهُ حَتَّى بَاعَهُ فَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ أَنَّ الْبَيْعَ أَوْلَى وَتَبْطُلُ الصَّدَقَةُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ اضْطَرَبَ فِيهَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَرَوَى عَنْهُ أَبُو زَيْدٍ يَرُدُّ الْبَيْعَ وَيَأْخُذُ الْمُعْطَى صَدَقَتَهُ , وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إِذَا عَلِمَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِالصَّدَقَةِ فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى بَاعَهَا الْمُتَصَدِّقُ نَفَذَ الْبَيْعُ وَالثَّمَنُ لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ , وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِالصَّدَقَةِ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ مَا دَامَ الْمُتَصَدِّقُ حَيًّا فَإِنْ مَاتَ الْمُتَصَدِّقُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَالْبَيْعُ مَاضٍ , وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ أَقْوَى ; لِأَنَّ عَقْدَهُ حِيَازَةٌ يَضْمَنُ بِهِ الْمَبِيعَ , وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ كِلَا الْعَقْدَيْنِ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ فَكَانَ أَسْبَقُهُمَا أَوْلَى كَالْبَيْعَتَيْنِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِنْ قُلْنَا إِنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّمَا ذَلِكَ إِذَا كَانَ الْعَطَاءُ لِمُعَيَّنٍ يُقْضَى لَهُ بِهِ فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ مِثْلِ أَنْ يَجْعَلَ دَارَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ يَبِيعُهَا لَمْ أَفْسَخِ الْبَيْعَ ; لِأَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهَا , وَإِنْ قُلْنَا إِنَّ الْبَيْعَ يَنْفُذُ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ تَبْطُلُ الصَّدَقَةُ وَلَا شَيْءَ لِلْمُعْطَى مِنْ الثَّمَنِ , وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ لَا شَكَّ فِيهِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ إِنْ كَانَ الْمُعْطَى حَاضِرًا فَلَمْ يَقُمْ حِينَ عَلِمَ بِالْبَيْعِ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى رَدِّهِ وَلَهُ الثَّمَنُ عَلَى الْمُعْطِي فَإِنْ مَاتَ الْمُعْطِي قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الثَّمَنَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَأَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ فَمَبْنِيٌّ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ أَشْهَبُ مِنْ أَنَّ الصَّدَقَةَ تَبْطُلُ وَأَنَّ الْبَيْعَ الْحَادِثَ قَدْ مَنَعَ مِنْ الْحِيَازَةِ , وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ صَحِيحَةٌ فَإِنْ قَامَ الْمُعْطَى عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ وَلَمْ يُقِرَّ بِإِبْطَالِ الْبَيْعِ لِكَوْنِ الْعَطِيَّةِ مِلْكًا لَهُ , وَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ كَانَ كَمَنْ بِيعَ مِلْكُهُ وَهُوَ عَالِمٌ فَلَمْ يُنْكِرْ فَلَهُ الثَّمَنُ إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَصْلُهُ الْهِبَةَ وَالْعَطِيَّةَ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهِ حِيَازَةٌ فَإِنْ قَبَضَهُ قَبْلَ فَوَاتِ الْحِيَازَةِ بِمَوْتِ الْمُعْطِي كَمُلَتْ الْعَطِيَّةُ وَإِلَّا بَطَلَتْ , وَلِذَلِكَ قَالَ مُطَرِّفٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُعْطَى غَائِبًا فَقَدِمَ فِي حَيَاةِ الْمُعْطِي كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ رَدِّ الْبَيْعِ أَوْ أَخْذِ الثَّمَنِ , وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ والعتبي مِثْلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ أَعْطَاهَا الْوَاهِبُ لِرَجُلٍ آخَرَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْأَوَّلُ فَإِنْ حَازَهَا الثَّانِي فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْأَوَّلُ أَوْلَى وَتُنْزَعُ مِنْ الثَّانِي , قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ : لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ وَالْحَائِزُ أَوْلَى وَهُوَ قَوْلُ الْمُغِيرَةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَالِكَ الْأَوَّلَ أَحَقُّ بِهِ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْهِبَةَ الثَّانِيَةَ لَمَّا قَوِيَتْ بِالْحِيَازَةِ صَارَتْ كَالْبَيْعِ فَمَتَى قُدِّمَ الْبَيْعُ عَلَى الْهِبَةِ لَزِمَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْهِبَةِ الثَّانِيَةِ إِذَا قَارَنَتْهَا الْحِيَازَةُ وَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ إِنْ كَانَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ عَلِمَ بِالصَّدَقَةِ فَلَا شَيْءَ لَهُ , وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْلَمْ , أَوْ عَلِمَ وَلَمْ يُفَرِّطْ وَنَدِمَ الْمُتَصَدِّقُ فَفَاجَأَهُ بِأَنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهَا إِنْ أَدْرَكَهَا قَائِمَةً وَإِنْ فَاتَتْ كَانَ لَهُ قِيمَتُهَا عَلَى الْمُتَصَدِّقِ بِهَا وَإِنْ فَاتَتْ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ عَبْدًا , أَوْ أَمَةً فَأَعْتَقَهُ الْوَاهِبُ قَبْلَ الْقَبْضِ , أَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَنْفُذُ الْعِتْقُ وَالِاسْتِيلَادُ وَلَا شَيْءَ لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ يَرُدُّ الْعِتْقَ وَإِذَا حَمَلَتْ مِنْهُ الْأَمَةُ فَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ , وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا بُنِيَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ مِنْ التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ , وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ الْهِبَةَ تَقْتَضِي التَّمْلِيكَ فَلَا يَصِحُّ فِيهَا عِتْقُ الْمُمَلَّكِ كَالْبَيْعِ وَعَلَيْهِ فِي الْأَمَةِ الْقِيمَةُ لِشُبْهَةِ عَدَمِ الْقَبْضِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَكَاتَبَ الْوَاهِبُ الْعَبْدَ , أَوْ دَبَّرَهُ , أَوْ أَعْتَقَهُ إِلَى أَجَلٍ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ لَا يُرَدُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ لِلْمُعْطَى فِي خِدْمَةِ الْمُدَبَّرِ وَلَا كِتَابَةَ الْمُكَاتَبِ وَلَا رَقَبَتَهُ , وَإِنْ عَجَزَ قَالَ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ , وَلَوْ قَتَلَهَا رَجُلٌ فَالْقِيمَةُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ قَتْلَ الْقَاتِلِ لَهُ لَيْسَ بِمَعْنَى الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ , وَأَمَّا الْعِتْقُ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ فَإِنَّهُ رُجُوعٌ فِي الْهِبَةِ وَمُبْطِلٌ لَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَإِنْ كَانَ الْمُعْطِي رَهَنَ الْعَطِيَّةَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ حَبَسَ عَلَى ابْنِهِ ثُمَّ رَهَنَهُ فَمَاتَ يَبْطُلُ الرَّهْنُ وَيَثْبُتُ الْحَبْسُ , وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا أَحْدَثَهُ الْوَاهِبُ فِي الْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَأَمَّا مَا أَحْدَثَهُ فِي الْهِبَةِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فِي حِجْرِهِ فَبَقِيَتْ فِي يَدِهِ ثُمَّ بَاعَهَا فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَجُلٍ تَصَدَّقَ بِثُلُثَيْ غَنَمٍ مُعَيَّنَةٍ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَثُلُثُهُ صَدَقَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَقِيَتْ فِي يَدَيْهِ زَمَانًا ثُمَّ عَدَا عَلَيْهَا فَبَاعَهَا ثُمَّ مَاتَ وَالِابْنُ صَغِيرٌ إِنَّ صَدَقَةَ الِابْنِ ثَابِتَةٌ يَأْخُذُهَا مِنْ مَالِهِ وَلَا شَيْءَ لِلسَّيِّدِ ; لِأَنَّ حَظَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ حَتَّى مَاتَ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ , وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمُ مَالُ وَارِثٍ يُرِيدُ أَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ قَدْ تَعَلَّقَ فَيَمْنَعُ ذَلِكَ الْحِيَازَةَ كَمَا يَمْنَعُ الْحِيَازَةَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِ الْمُفْلِسِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ قَالَهُ لَمَّا تَيَقَّنَ الْوَفَاةَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ تَوَقُّفًا لَهَا , وَذَلِكَ يَمْنَعُ الْحِيَازَةَ أَيْضًا عَلَى وَجْهِ التَّوْقِيفِ فِيهَا ; لِأَنَّهَا مُتَرَقِّبَةٌ مِمَّنْ حَازَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِنْ صَحَّ صَحَّحَت إفَاقَتُهُ الْحِيَازَةَ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) قَالَ : وَإِنَّمَا هُمَا أَخَوَاك وَأُخْتَاك هَكَذَا وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ إِنْ وَرَثَته مِنْ ذِكْرٍ وَقَدْ وَرِثَهُ مَعَ ذَلِكَ زَوْجُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ وَزَوْجُهُ بِنْتُ خَارِجَةَ وَتَرَكَ أَبَاهُ أَبَا قُحَافَةَ عُثْمَانَ بْنَ عَامِرٍ وَمَاتَ بَعْدَهُ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِلَّا أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ رَدَّ سُدُسَهُ عَلَى وَلَدِ أَبِي بَكْرٍ وَلَعَلَّهُ قَدْ كَانَ وَعَدَهُ بِذَلِكَ قَبْلَ وَفَاتِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ إنَّمَا يَرِثُنِي بِالْبُنُوَّةِ أَنْتَ وَأَخَوَاك وَأُخْتَاك يُرِيدُ أَنَّ الَّذِينَ يُشَارِكُونَك فِي هَذِهِ الْعَطِيَّةِ إنَّمَا هُمْ إخْوَتُك عَلَى مَعْنَى التَّسْلِيَةِ لَهَا عَمَّا صَارَ إِلَى غَيْرِهَا مِنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مَنْ يَصِيرُ إِلَيْهِمْ ذَلِكَ مِمَّنْ يَسُرُّك غِنَاهُمْ فَقَالَتْ لَوْ كَانَ كَذَا وَكَذَا لَتَرَكْته وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُرِيدَ لَتَرَكْته إِذَا لَمْ أَسْتَحِقَّهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُرِيدَ لَتَرَكْته , وَإِنْ كَانَ لِي مِمَّنْ ذَكَرْته مِمَّنْ أُحِبُّ لَهُ الْغِنَى وَالْخَيْرَ مِمَّنْ يُشْفَقُ عَلَيْهِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهَا : وَإِنَّمَا هِيَ أَسْمَاءُ فَمَنْ الْأُخْرَى لَمَّا لَمْ تَعْلَمْ لِنَفْسِهَا أُخْتًا غَيْرَ أَسْمَاءَ فَقَالَ لَهَا ذُو بَطْنِ بِنْتِ خَارِجَةَ يُرِيدُ أَنَّ حَمْلَهُ يُوجَدُ وَيُقَالُ : إِنَّ اسْمَهَا حَبِيبَةُ بِنْتُ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرِ بْنِ مَالِكٍ الْخَزْرَجِيِّ يَعْتَقِدُ فِيهَا أَنَّهَا جَارِيَةٌ قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا : وَذَلِكَ لِرُؤْيَا رَآهَا أَبُو بَكْرٍ تَأَوَّلَ فِيهَا ذَلِكَ , وَهَذَا لَا يَمْتَنِعُ فَوَلَدَتْ بِنْتُ خَارِجَةَ بِنْتًا سُمِّيَتْ أُمَّ كُلْثُومٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.


حديث والله يا بنية ما من الناس أحد أحب إلي غنى بعدي منك ولا أعز

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏و حَدَّثَنِي ‏ ‏مَالِك ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ شِهَابٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏أَنَّهَا قَالَتْ ‏ ‏إِنَّ ‏ ‏أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ ‏ ‏كَانَ ‏ ‏نَحَلَهَا ‏ ‏جَادَّ ‏ ‏عِشْرِينَ ‏ ‏وَسْقًا ‏ ‏مِنْ مَالِهِ ‏ ‏بِالْغَابَةِ ‏ ‏فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ وَاللَّهِ يَا بُنَيَّةُ مَا مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ غِنًى بَعْدِي مِنْكِ وَلَا أَعَزُّ عَلَيَّ فَقْرًا بَعْدِي مِنْكِ وَإِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا فَلَوْ كُنْتِ ‏ ‏جَدَدْتِيهِ ‏ ‏وَاحْتَزْتِيهِ كَانَ لَكِ وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ وَارِثٍ وَإِنَّمَا هُمَا أَخَوَاكِ وَأُخْتَاكِ فَاقْتَسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ قَالَتْ ‏ ‏عَائِشَةُ ‏ ‏فَقُلْتُ يَا ‏ ‏أَبَتِ وَاللَّهِ لَوْ كَانَ كَذَا وَكَذَا لَتَرَكْتُهُ إِنَّمَا هِيَ ‏ ‏أَسْمَاءُ ‏ ‏فَمَنْ الْأُخْرَى فَقَالَ ‏ ‏أَبُو بَكْرٍ ‏ ‏ذُو بَطْنِ ‏ ‏بِنْتِ خَارِجَةَ ‏ ‏أُرَاهَا جَارِيَةً ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث موطأ الإمام مالك

هو لابني قد كنت أعطيته إياه من نحل نحلة فلم يحزها...

عن عبد الرحمن بن عبد القاري، أن عمر بن الخطاب قال: ما بال رجال ينحلون أبناءهم نحلا، ثم يمسكونها فإن مات ابن أحدهم، قال: ما لي بيدي لم أعطه أحدا، وإن م...

من وهب هبة لصلة رحم أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع ف...

عن أبي غطفان بن طريف المري، أن عمر بن الخطاب قال: «من وهب هبة لصلة رحم، أو على وجه صدقة، فإنه لا يرجع فيها، ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد بها الثواب،...

أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنها للذي يعطاها

عن جابر بن عبد الله الأنصاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما رجل أعمر عمرى له، ولعقبه، فإنها للذي يعطاها، لا ترجع إلى الذي أعطاها أبدا، لأ...

ما أدركت الناس إلا وهم على شروطهم في أموالهم وفيما...

عن عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع مكحولا الدمشقي، يسأل القاسم بن محمد، عن العمرى وما يقول الناس فيها؟ فقال القاسم بن محمد: «ما أدركت الناس إلا وهم على ش...

عبد الله بن عمر ورث من حفصة بنت عمر دارها

عن نافع، أن عبد الله بن عمر ورث من حفصة بنت عمر دارها، قال: «وكانت حفصة قد أسكنت بنت زيد بن الخطاب، ما عاشت، فلما توفيت بنت زيد، قبض عبد الله بن عمر ا...

ما لك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الش...

عن يزيد مولى المنبعث، عن زيد بن خالد الجهني، أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة؟ فقال: «اعرف عفاصها ووكاءها، ثم عرفها س...

عرفها على أبواب المساجد واذكرها لكل من يأتي من الش...

عن معاوية بن عبد الله بن بدر الجهني، أن أباه أخبره: أنه نزل منزل قوم بطريق الشام فوجد صرة فيها ثمانون دينارا، فذكرها لعمر بن الخطاب، فقال له عمر: «عر...

لا آمرك أن تأكلها ولو شئت لم تأخذها

عن نافع أن رجلا وجد لقطة فجاء إلى عبد الله بن عمر، فقال له: إني وجدت لقطة فماذا ترى فيها؟ فقال له عبد الله بن عمر: «عرفها»، قال: قد فعلت؟ قال: «زد»، ق...

وجد بعيرا بالحرة فعقله ثم ذكره لعمر بن الخطاب فأمر...

عن سليمان بن يسار، أن ثابت بن الضحاك الأنصاري أخبره، أنه وجد بعيرا بالحرة فعقله، ثم ذكره لعمر بن الخطاب، «فأمره عمر أن يعرفه ثلاث مرات»، فقال له ثابت:...