1455- عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما حق امرئ مسلم، له شيء يوصى فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة»
أخرجه الشيخان
المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)
( ش ) : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصَى فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ حَقُّهُ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ , وَإِنَّمَا مِنْ حَقِّهِ تَقْدِيمُ وَصِيَّتِهِ وَالتَّحَرُّزُ وَالِاسْتِظْهَارُ بِتَقْدِيمِهَا وَتَحْصِينُ مَالِهِ عَلَيْهِ بِهَا فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ بِمَعْنَى تُبَرِّئُهُ عَنْهَا وَالْوَصِيَّةُ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فِي وُجُوهِ مَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ , وَأَمَّا مَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ دُيُونٌ , فَقَدْ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا : إِنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ , قَالَ فِي النَّوَادِرِ : وَأَمَّا مَنْ عَلَيْهِ تَبَاعَةٌ , أَوْ مَا فَرَّطَ فِيهِ مِنْ كَفَّارَةٍ وَغَيْرِهَا مِنْ زَكَاةٍ , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ بِمَا يُوصَى فِيهِ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يُوصَى بِذَلِكَ , وَإِنَّمَا يُرَخَّصُ فِي تَرْكِ التَّطَوُّعِ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ عَلَى قِسْمَيْنِ , فَأَمَّا الدُّيُونُ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ تَنْعَقِدَ بِهَا الْعُقُودُ وَلَيْسَتْ مِمَّا يَتَكَرَّرُ كَالدُّيُونِ الَّتِي لَهَا قَدْرُ الْأَمَانَاتِ مِنْ الْوَدَائِعِ وَالْوَصَايَا تَكُونُ بِيَدِهِ مِنْ مَالِ أَيْتَامٍ , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ , وَأَمَّا مَا يَكُونُ مِنْ يَسِيرِ الدُّيُونِ الَّتِي تَتَكَرَّرُ وَتُؤَدَّى فِي كُلِّ يَوْمٍ وَتَزِيدُ وَتَنْقُصُ وَتَتَجَدَّدُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَشُقُّ فِيهَا ; لِأَنَّهُ كَانَ يَقْتَضِي أَنْ يُجَدِّدَ وَصِيَّتَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَمَعَ السَّاعَاتِ , وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي فِي الْأَمْوَالِ الَّتِي تَبْقَى , وَهَذَا عِنْدِي مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم لَهُ شَيْءٌ يُوصَى فِيهِ أَنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْوُجُوبِ فَإِنَّ لَفْظَ الْحَقِّ أَظْهَرُ فِي الْوُجُوبِ وَإِنْ كَانَ يُحْتَمَلُ النَّدْبُ إِذَا قَالَ : إنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ وَإِذَا أَضَافَ الْحَقَّ إِلَيْهِ وَجَعَلَهُ لَهُ فَهَذَا أَظْهَرُ فِي النَّدْبِ فَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْوُجُوبِ فَالْمُرَادُ بِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْحُقُوقِ الَّتِي تَكُونُ عَلَيْهِ مِمَّا لَا يَشُقُّ تَنْفِيذُهَا وَالْوَصِيَّةُ بِهَا , وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ لَهُ شَيْءٌ يُوصَى فِيهِ مَا يُؤَدَّى مِنْهُ تِلْكَ الْحُقُوقُ , وَإِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى النَّدْبِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْوَصِيَّةَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فِي وُجُوهِ الْقُرْبِ , وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ : " لَهُ شَيْءٌ يُوصَى فِيهِ " الْمَالَ الْوَاسِعَ الَّذِي يَحْتَمِلُ الْوَصِيَّةَ بِالثُّلُثِ أَوْ أَقَلَّ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ الْخَيْرُ الْمَالُ قَالَ قَتَادَةُ : الْخَيْرُ أَلْفُ دِينَارٍ فَمَا فَوْقَ , وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَحْوَهُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ عُمَرَ حِينَ قَالَ لَهُ أَرَادَ أَنْ يُوصِيَ وَلَهُ مَا بَيْنَ السَّبْعِمِائَةِ إِلَى التِّسْعِمِائَةِ لَا تُوصِ فَإِنَّك لَمْ تَتْرُكْ خَيْرًا فَتُوصِي وَفِي الْجُمْلَةِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِمَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَلَا حَقَّ لِأَحَدٍ عِنْدَهُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ , وَإِنْ كَانَتْ مَنْدُوبًا إلَيْهَا مَعَ الْيَسَارِ وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الصَّدَقَةَ الَّتِي يُنَفِّذُهَا فِي حَيَاتِهِ أَفْضَلُ , وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : أَنْ تَتَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ حَرِيصٌ تَأْمُلُ الْغِنَى وَتَخْشَى الْفَقْرَ وَلَا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْت لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا , وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ , وَأَمَّا غَيْرُ الْمُوسِرِ فَقَدْ حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِعَلِيلٍ ذَكَرَ الْوَصِيَّةَ لَهُ لَا تُوصِ إنَّمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِنْ تَرَكَ خَيْرًا وَأَنْتَ لَا تَتْرُكُ إِلَّا الْيَسِيرَ دَعْ مَالَك لِبَنِيك وَكَانَ مَالُهُ مِنْ السَّبْعِمِائَةِ إِلَى التِّسْعِمِائَةِ.
وَقِيلَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَيُوصِي مَنْ تَرَكَ أَرْبَعَمِائَةٍ وَلَهُ عِدَّةٌ مِنْ الْوَلَدِ بَنُونَ ؟ فَقَالَتْ : مَا فِي هَذَا فَضْلٌ عَنْ وَلَدِهِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم أَنَّهُ قَالَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ إنَّك إِنْ تَذَرْ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ الْوَصِيَّةُ تَتَضَمَّنُ مُوصِيًا وَمُوصًى لَهُ وَمُوصًى بِهِ وَنَحْنُ نُفْرِدُ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ ذَلِكَ بَابًا نُبَيِّنُ فِيهِ حُكْمَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
( الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْمُوصِي ) فَأَمَّا الْمُوصِي فَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُون عَاقِلًا يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَدْ أَثْبَتَ فِيهَا بِالْكِتَابِ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ مَا يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ مِنْ حَقٍّ عَلَيْهِ , أَوْ وَجْهِ بِرٍّ يُوصِي فِيهِ بِشَيْءٍ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ كَانَ مَنْ أَدْرَكْتُ يَكْتُبُونَ التَّشَهُّدَ قَبْلَ ذِكْرِ الْوَصِيَّةِ وَمَا زَالَ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِ النَّاسِ بِالْمَدِينَةِ وَأَنَّهُ لَيُعْجِبُنِي وَأُرَاهُ حَسَنًا , قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ : كُلُّ ذَلِكَ لَا بَأْسَ بِهِ تَشَهَّدَ , أَوْ لَمْ يَتَشَهَّدْ , وَقَدْ تَشَهَّدَ نَاسٌ فُقَهَاءُ صَالِحُونَ وَتَرَكَ ذَلِكَ بَعْضُ النَّاسِ وَهُوَ قَلِيلٌ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَمْ يَذْكُرْ مَالِكٌ كَيْفَ التَّشَهُّدُ وَرَوَى ابْنُ عَوْنٍ فِي وَصِيَّةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ بَنِيهِ وَأَهْلَهُ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ وَيُصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِهِمْ وَيُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ أَوْصَاهُمْ بِمَا أَوْصَى بِهِ إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَأَنْ لَا تَرْغَبُوا أَنْ تَكُونُوا إخْوَانًا لِلْأَنْصَارِ وَمَوَالِيهمْ فَإِنَّ الْعِفَّةَ وَالصِّدْقَ خَيْرٌ وَأَبْقَى وَأَكْرَمُ مِنْ الرِّيَاءِ وَالْكَذِبِ , ثُمَّ أَوْصَى فِيمَا تَرَكَ إِنْ حَدَثَ بِهِ حَادِثُ الْمَوْتِ قَبْلَ أَنْ يُعَيِّنَ وَصِيَّتَهُ ثُمَّ ذَكَرَ حَاجَتَهُ , قَالَ ابْنُ عَوْنٍ : فَذَكَرَ لَنَا نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ : كَانَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ تُوصِي بِهَذَا , وَحَدَّثَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ : كَانُوا يُوصُونَ أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , وَأَوْصَى مَنْ تَرَكَ مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ وَيُصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِهِمْ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ وَأَوْصَى بِمَا أَوْصَى بِهِ إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَأَوْصَى أَنَّهُ إِنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ هَذَا قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ : قِيلَ لَهُ إِنَّ رَجُلًا كَتَبَ فِي ذَلِكَ أُومِنُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ حُلْوِهِ وَمُرِّهِ قَالَ : مَا أَرَى هَذَا أَلَا وَكُتُبُ الْظَّفَرِيَّةِ وَالْإِبَاضِيَّةِ قَدْ كَتَبَ مَنْ مَضَى وَصَايَاهُمْ فَلَمْ يَكْتُبُوا مِثْلَ هَذَا.
( مَسْأَلَةٌ ) فَمَنْ كَتَبَ وَصِيَّتَهُ بِخَطِّهِ فَوُجِدَتْ فِي تَرِكَتِهِ وَعُرِفَ أَنَّهُ خَطُّهُ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ فَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْهَا حَتَّى يُشْهِدَ عَلَيْهَا , وَقَدْ يَكْتُبُ وَلَا يَعْزِمُ وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ , وَلَوْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالشَّهَادَةِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَقُولَ : إنَّهَا وَصِيَّتِي وَإِنَّ مَا فِيهَا حَقٌّ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهَا وَكَذَلِكَ لَوْ قَرَءُوهَا وَقَالُوا : نَشْهَدُ أَنَّهَا وَصِيَّتُكَ وَأَنَّ مَا فِيهَا حَقٌّ , وَإِنْ لَمْ يَقْرَءُوهَا , وَكَذَلِكَ لَوْ قَرَءُوهَا وَقَالُوا : نَشْهَدُ فَقَالَ نَعَمْ , أَوْ قَالَ بِرَأْسِهِ نَعَمْ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فَذَلِكَ جَائِزٌ , قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ , وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهَا عَلَيْهِمْ فَلْيَشْهَدُوا أَنَّهَا وَصِيَّتُهُ أَشْهَدَنَا عَلَى مَا فِيهَا.
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ مَنْشُورَةً يَرَوْنَ أَنَّ جَمِيعَهَا مَكْتُوبَةٌ ثُمَّ نَظَرُوا إِلَى تَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ فِي أَثَرِهَا فَلْيَشْهَدُوا وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ قِرَاءَةُ الْوَصِيَّةِ فَقَدْ يُرِيدُ التَّسَتُّرَ عَنْهُمْ بِمَا فِيهَا , وَقَدْ يَطُولُ عَقْدُ الْوَصِيَّةِ فَيَشُقُّ عَلَى كُلِّ شَاهِدٍ أَنْ يَقْرَأَهُ مَعَ غِنَاهُ عَنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يَشْهَدُ عَلَى الْمُوصِي بِمَا أَشْهَدَهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ إنْفَاذُهُ أَنْفَذَ , وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَجُوزُ إنْفَاذُهُ رَدَّ فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ عَلَى الشَّاهِدِ , وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْعُقُودِ وَالسِّجِلَّاتِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الِاسْتِدْعَاءَاتِ الَّتِي تَتَقَيَّدُ عَلَى عِلْمِ الشُّهُودِ فَهَذَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْرَأَ جَمِيعَ ذَلِكَ وَيَفْهَمَهُ ; لِأَنَّهُ يُخْبِرُ عَنْ جَمِيعِهِ أَنَّهُ فِي عِلْمِهِ وَعَلَى ذَلِكَ يَكْتُبُ شَهَادَتَهُ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَفَّحَهُ لِيَعْلَمَ أَنَّ جَمِيعَهُ فِي عِلْمِهِ وَمِمَّا يَصِحُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ كَتَبَ وَصِيَّتَهُ وَخَتَمَ عَلَيْهَا , وَقَالَ لِلشُّهُودِ اشْهَدُوا عَلَى مَا فِيهَا فَكَتَبُوا شَهَادَتَهُمْ ثُمَّ مَاتَ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ إِنْ لَمْ يَشُكَّ الشَّاهِدُ فِي الطَّابَعِ فَلْيَشْهَدْ , وَإِنْ شَكَّ فَلَا يَشْهَدُ إِذَا لَمْ يَكُنْ الْكِتَابُ عِنْدَهُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ خَاتَمُهُ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يُفِضْ وَأَجْوَدُهُمْ عِنْدِي شَهَادَةُ الَّذِي الْوَصِيَّةُ فِي يَدَيْهِ وَالْآخَرُونَ يَشْهَدُونَ بِمَبْلَغِ عِلْمِهِمْ وَيَحْمِلُونَ مَا تَحَمَّلُوا , وَقَالَ أَيْضًا , وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَلَا أَدْرِي كَيْفَ يَشْهَدُونَ ؟ وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ.
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ جَاءَ بِكِتَابٍ مَخْتُومٍ يَقُولُ أَنَّهُ وَصِيَّتُهُ وَيَدْعُو الشُّهُودَ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ بِمَا فِيهَا فَإِنَّهُمْ إِنْ يَخْتِمُوا عَلَيْهَا بِخَوَاتِيمِهِمْ فَلَمْ يَجُزْ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَكْتُبْ فِيهَا شَيْئًا ثُمَّ يَكْتُبُ مَا شَاءَ بَعْدَ إشْهَادِهِ لَهُمْ وَيَزِيدُ إِنْ شَاءَ عَلَى مَا كَانَ فِيهَا يَوْمَ الشَّهَادَةِ لَهُمْ فِيهِ وَدُونَ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ أَشْهَدُهُمْ عَلَيْهِ يَوْمَ الْإِشْهَادِ , وَإِنَّمَا أَحْدَثَهُ بَعْدَ ذَلِكَ , وَأَمَّا إِذَا رَأَوْا أَنَّهَا مَكْتُوبَةٌ فَإِنَّهَا تَجُوزُ لَهُمْ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ ; لِأَنَّهُمْ لَا يَسْلَمُونَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ , وَلَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ عَلَى حَالِهَا عِنْدَ أَحَدِ الشُّهُودِ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ , وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الشُّهُودِ فَقَالَ مَالِكٌ لَا أَدْرِي كَيْفَ يَشْهَدُونَ , وَأَمَّا إِذَا أَخْتَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَيْهَا بِخَاتَمِهِ وَعَرَفَ خَتْمَهُ عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ سَوَاءً كَانَ فِيهَا شَيْءٌ مَكْتُوبٌ , أَوْ لَمْ يَكُنْ وَقَيَّدَ فِيهَا الْمُوصِي مَا شَاءَ مِنْ الْأَبَاطِيلِ ; لِأَنَّهُ لَا مَضَرَّةَ عَلَى الشَّاهِدِ فِي ذَلِكَ.
حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصَى فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ
عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن أبيه، أن عمرو بن سليم الزرقي، أخبره أنه قيل لعمر بن الخطاب: إن هاهنا غلاما يفاعا لم يحتلم من غسان، ووارثه بالشام، وه...
عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه أنه قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع.<br> من وجع اشتد بي.<br> فقلت: يا رسول الله قد ب...
عن هشام بن عروة عن أبيه، أن مخنثا كان عند أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.<br> فقال لعبد الله بن أبي أمية ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع: يا...
عن يحيى بن سعيد، أنه قال: سمعت القاسم بن محمد، يقول: كانت عند عمر بن الخطاب امرأة من الأنصار فولدت له عاصم بن عمر، ثم إنه فارقها، فجاء عمر قباء فوجد ا...
عن يحيى بن سعيد أن أبا الدرداء، كتب إلى سلمان الفارسي، أن هلم إلى الأرض المقدسة فكتب إليه سلمان: «إن الأرض لا تقدس أحدا.<br> وإنما يقدس الإنسان عمله.<...
عن عمر بن عبد الرحمن بن دلاف المزني، عن أبيه، أن رجلا من جهينة كان يسبق الحاج فيشتري الرواحل.<br> فيغلي بها.<br> ثم يسرع السير فيسبق الحاج.<br> فأفلس...
عن سعيد بن المسيب، أن عثمان بن عفان، قال: «من نحل ولدا له صغيرا لم يبلغ أن يحوز نحله فأعلن ذلك له.<br> وأشهد عليها.<br> فهي جائزة.<br> وإن وليها أبوه»
عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أعتق شركا له في عبد.<br> فكان له مال يبلغ ثمن العبد، قوم عليه قيمة العدل.<br> فأعطى شركاء...
عن الحسن بن أبي الحسن البصري، وعن محمد بن سيرين، أن رجلا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق عبيدا له ستة عند موته فأسهم رسول الله صلى الله عليه...