1532- عن مالك أن أبا الزناد أخبره أن عاملا لعمر بن عبد العزيز أخذ ناسا في حرابة ولم يقتلوا أحدا فأراد أن يقطع أيديهم أو يقتل، فكتب إلى عمر بن عبد العزيز في ذلك فكتب إليه عمر بن عبد العزيز: «لو أخذت بأيسر ذلك»
المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)
( ش ) : قَوْلُهُ أَنَّ عَامِلًا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَذَ نَاسًا فِي حِرَابَةٍ , الْمُحَارِبُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاطِعُ لِلطَّرِيقِ الْمُخِيفُ لِلسَّبِيلِ الشَّاهِرُ لِلسِّلَاحِ لِطَلَبِ الْمَالِ فَإِنْ أُعْطَى وَإِلَّا قَاتَلَ عَلَيْهِ كَانَ فِي الْمِصْرِ أَوْ خَارِجًا عَنْ الْمِصْرِ , قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَقَدْ يَكُونُ مُحَارِبًا وَإِنْ خَرَجَ بِغَيْرِ سِلَاحٍ وَفَعَلَ فِعْلَ الْمُحَارِبِينَ مِنْ التَّلَصُّصِ وَأَخْذِ الْمَالِ مُكَابَرَةً , وَقَدْ يَكُونُ الْوَاحِدُ مُحَارِبًا , وَإِنْ خَرَجَ بِغَيْرِ سِلَاحٍ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ مَنْ خَرَجَ لِقَطْعِ السَّبِيلِ لِغَيْرِ مَالٍ فَهُوَ مُحَارِبٌ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَا أَدَعُ هَؤُلَاءِ يَخْرُجُونَ إِلَى الشَّامِ أَوْ إِلَى مِصْرَ أَوْ إِلَى مَكَّةَ فَهَذَا مُحَارِبٌ , وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ حَمَلَ السِّلَاحَ عَلَى النَّاسِ وَأَخَافَهُمْ لِغَيْرِ عَدَاوَةٍ وَلَا نَائِرَةٍ فَهُوَ مُحَارِبٌ , قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَاطِعٌ لِلسَّبِيلِ مُفْسِدٌ فِي الْأَرْضِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَتْلُ الْغِيلَةِ أَيْضًا مِنْ الْمُحَارَبَةِ أَنْ يَغْتَالَ رَجُلًا أَوْ صَبِيًّا فَيَخْدَعَهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ مَوْضِعًا فَيَأْخُذَ مَا مَعَهُ فَهُوَ كَالْحِرَابَةِ , وَكُلُّ مَنْ قَتَلَ أَحَدًا عَلَى مَا مَعَهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَهُوَ مُحَارِبٌ فَعَلَ ذَلِكَ بِحُرٍّ أَوْ عَبْدٍ وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا بِعَصًا لِيَأْخُذَ مَا مَعَهُ فَمَاتَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ , وَإِنْ لَمْ يُرِدْ قَتْلَهُ ; لِأَنَّهُ مِنْ الْحِرَابَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِيَأْخُذَ مَا مَعَهُ لَكِنْ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُمْ وَشَرٍّ فَفِيهِ الْقِصَاصُ أَوْ الْعَفْوُ وَقَالَهُ كُلَّهُ مَالِكٌ وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ لَقِيَ رِجَالًا فَأَطْعَمَهُمْ السَّوِيقَ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ وَأَبْسَطَ بِالْبَاقِينَ فَلَمْ يَفِيقُوا إِلَى مِثْلِهَا فَقَالَ مَا أَرَدْت قَتْلَهُمْ , وَإِنَّمَا أَرَدْت أَخْذَ مَا مَعَهُمْ , وَإِنَّمَا أَعْطَانِي السَّوِيقَ رَجُلٌ وَقَالَ يُسْكِرُ فَقَالَ مَالِكٌ يُقْتَلُ قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَلَوْ قَالَ لَمْ أُرِدْ قَتْلَهُمْ وَلَا أَخْذَ أَمْوَالِهِمْ , وَإِنَّمَا هُوَ سَوِيقٌ لَا شَيْءَ فِيهِ إِلَّا أَنَّهُمْ لَمَّا مَاتُوا أَخَذْت أَمْوَالَهُمْ قَالَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرَ رَدِّ الْمَالِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمُعْلِنُ وَالْمُسْتَخْفِي مِنْ الْمُحَارِبِينَ سَوَاءٌ إِذَا أَخَذَ الْأَمْوَالَ وَالرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالْأَحْرَارَ وَالْعَبِيدَ , وَالْمُسْلِمُونَ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَإِذَا أَخَذَ السَّارِقُ الْمَتَاعَ لَيْلًا فَطَلَبَ رَبُّ الْمَالِ الْمَتَاعَ مِنْهُ فَكَابَرَهُ عَلَيْهِ بِالسِّلَاحِ أَوْ بِالسِّكِّينِ أَوْ بِالْعَصَا حَتَّى خَرَجَ بِهِ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى كَثُرَ عَلَيْهِ النَّاسُ فَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ هُوَ مُحَارِبٌ , وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُرَاعَى فِي الْحِرَابَةِ إخْرَاجُ الْمَتَاعِ مِنْ الْحِرْزِ وَلَوْ أَدْرَكَهُ رَبُّ الْمَتَاعِ فَجَاءَ بِهِ إِيَّاهُ حَتَّى أَخَذَهُ فَهُوَ مُحَارِبٌ , وَإِنْ حَارَبَهُ كَمَا يَفْعَلُ الْمُخْتَلِسُ فَلَيْسَ بِمُحَارِبٍ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ لَقِيَ رَجُلٌ رَجُلًا مَعَهُ طَعَامٌ فَسَأَلَهُ طَعَامًا فَأَبَى عَلَيْهِ فَكَتَّفَهُ وَنَزَعَ مِنْهُ الطَّعَامَ وَنَزَعَ ثَوْبَهُ فَقَالَ هَذَا يُشْبِهُ الْمُحَارِبَ يُرِيدُ أَنَّهُ مُغَالِبٌ عَلَى أَخْذِ الْمَالِ مُكَابَرَةً وَصِفَتُهُ صِفَةُ الْمُحَارِبِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَالْمُحَارِبُ فِي الْمِصْرِ وَغَيْرِ الْمِصْرِ سَوَاءٌ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ هُمْ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَكُونُ مُحَارِبًا إِلَّا بِقَطْعِهِ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبَرِّيَّةِ النَّائِيَةِ عَنْ الْبَلَدِ , وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ : لَا يَكُونُونَ مُحَارِبِينَ فِي الْقَرْيَةِ إِلَّا أَنْ يُرِيدُوا بِذَلِكَ الْقَرْيَةَ كُلَّهَا فَأَمَّا الْمُخْتَفِي فِي الْقَرْيَةِ لَا يُؤْذِي إِلَّا الْوَاحِدَ وَالْمُسْتَضْعَفَ , فَلَيْسَ فِي الْقُرَى مُحَارَبَةٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مُحَارِبٌ فِي الْقَرْيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ وَهَذَا عَامٌّ فِي الْحَضَرِ وَغَيْرِهِ , وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ مِنْهُ إخَافَةُ السَّبِيلِ وَقَطْعُ الطَّرِيقِ وَقَتْلُهُ لِأَخْذِ الْمَالِ فَاسْتَحَقَّ اسْمَ الْمُحَارِبِ , وَحُكْمُهُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ وَلِأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يُوجِبُ حَدًّا فِي الصَّحْرَاءِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ مِثْلَهُ فِي الْحَضَرِ كَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا.
( مَسْأَلَةٌ ) وَيَسْتَحِقُّ الْمُحَارِبُ بِأَخْذِ الْمَالِ الْيَسِيرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِأَخْذِ الْكَثِيرِ.
( مَسْأَلَةٌ ) قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَمْ يَخْتَلِفْ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فِي إجَازَةِ قَتْلِ الْمُحَارِبِينَ وَإِنَّ مَنْ قُتِلَ فِي ذَلِكَ خَيْرُ قَتِيلٍ , قَالَ مَالِكٌ وَيُنَاشِدُهُ اللَّهَ ثَلَاثًا فَإِنْ عَاجَلَهُ قَاتَلَهُ , وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يَدْعُوهُ وَلْيُبَادِرْ إِلَى قَتْلِهِ , وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ يُوعَظُ وَيُذَكَّرُ فَعَسَى أَنْ يَتُوبَ وَيَنْصَرِفَ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ فَيَكُونَ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ مُعَاجَلَتِهِ بِالْمُقَاتَلَةِ الَّتِي رُبَّمَا أَدَّتْ إِلَى قَتْلِ أَحَدِهِمَا , وَرُبَّمَا غَلَبَ الْمُحَارِبُ فَاسْتَأْصَلَ النَّفْسَ وَالْمَالَ , وَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّ حُكْمَ الْحِرَابَةِ بِخُرُوجِهِ فَالصَّوَابُ إِذَا وَثِقَ بِالظُّهُورِ عَلَيْهِ أَنْ يُعَاجِلَ مُدَافَعَتَهُ وَالْقَتْلَ لَهُ مَا لَمْ يَظْفَرْ بِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ فَإِنْ ظَفَرَ بِهِ فَلَا يَقْتُلْهُ وَلْيَدْفَعْهُ إِلَى الْإِمَامِ إِلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ لَا يُقِيمَ عَلَيْهِ الْحُكْمَ فَلْيَلِ هُوَ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ يَلِيهِ الْإِمَامُ.
( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ طَلَبَ اللِّصُّ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ مِنْ الْمَالِ كَالْإِطْعَامِ وَالثَّوْبِ وَمَا خَفَّ قَالَ مَالِكٌ يُعْطَاهُ , وَلَا يُقَاتَلُ وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا لَا يُعْطَى شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ , وَلْيُقَاتَلْ وَلِأَنَّهُ أَقْطَعُ لِطَمَعِهِمْ , وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ : لَا يُعْطَى اللُّصُوصُ شَيْئًا طَلَبُوهُ وَإِنْ قَلَّ , وَهَذَا فِي الْعَدَدِ الْمُنَاصِفِ لَهُمْ وَالرَّاجِي لِقَتْلِهِمْ , وَأَمَّا مَنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَا قُوَّةَ لَهُ بِهِمْ وَلَا عُدَّةَ وَلَا مُنَاصَفَةَ فَهُوَ كَالْأَسِيرِ , وَعَسَى أَنْ يُعْذَرَ فِيمَا يُعْطِيهِمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
( مَسْأَلَةٌ ) وَيُقَاتَلُ اللُّصُوصُ إِذَا أَبَوْا إِلَّا الْقِتَالَ أَوْ يَطْلُبُوا مَا لَا يَجِبُ أَنْ يُعْطَوْهُ , قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ جِهَادُهُمْ , وَقَالَ عَنْهُ أَشْهَبُ مِنْ أَفْضَلِ الْجِهَادِ وَأَعْظَمِهِ أَجْرًا قَالَ مَالِكٌ فِي أَعْرَابٍ قَطَعُوا الطَّرِيقَ : جِهَادُهُمْ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ جِهَادِ الرُّومِ , وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَإِذَا قُتِلَ دُونَ مَالِهِ وَمَالِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ أَعْظَمُ لِأَجْرِهِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَمَّنَ الْمُحَارِبُ إِذَا طَلَبَ الْأَمْنَ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِ إِذَا أَمَّنْتهُ عَلَى حَالِهِ وَبِيَدِهِ أَمْوَالُ النَّاسِ وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُؤَمِّنَ الْمُحَارِبَ وَيُنْزِلَهُ عَلَى ذَلِكَ , وَلَا أَمَانَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ فِي سُلْطَانِك وَعَلَى دِينِك , وَإِنَّمَا امْتَنَعَ لِعِزَّةٍ لَا لِدِينٍ وَلَا مِلَّةٍ , رَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَإِذَا امْتَنَعَ الْمُحَارِبُ بِنَفْسِهِ حَتَّى أُعْطِيَ الْأَمَانَ فَأُخِذَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ يُتَمُّ لَهُ ذَلِكَ , وَقِيلَ لَهُ لَيْسَ ذَلِكَ وَيُؤْخَذُ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَهُ أَصْبَغُ سَوَاءٌ امْتَنَعَ فِي حِصْنٍ أَوْ مركب أَوْ فَرَسٍ سَوَاءٌ أَمَّنَهُ السُّلْطَانُ أَوْ غَيْرُهُ قَالَ ; لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يُزَالُ إِلَّا بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِتَجْوِيزِ الْأَمَانِ لَهُ أَنَّهُ فَاسِقٌ مُمْتَنِعٌ فَإِذَا عُوهِدَ لَزِمَ الْأَمَانُ كَالْكَافِرِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلِ أَصْبَغَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُحَارِبُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَقَاتَلَنَا مَعَهُمْ فَأُسِرَ اسْتَتَابَهُ الْإِمَامُ فَإِنْ تَابَ سَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ بِالرِّدَّةِ , وَأُخِذَ بِأَحْكَامِ الْحِرَابَةِ قَبْلَ الرِّدَّةِ فِي حَقِّ اللَّهِ وَحُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُزِيلُ عَنْهُ ذَلِكَ , وَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ وَالْحِرَابَةِ قَالَهُ سَحْنُونٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ وَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَرَبِيعَةَ وَأَبِي الزِّنَادِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُسْقِطُ حُقُوقَ الْمُسْلِمِينَ الثَّابِتَةَ عَلَيْهِ قَبْلَ رِدَّتِهِ كَمَا لَوْ دَايَنَ أَوْ غَصَبَ أَمْوَالَ النَّاسِ , ثُمَّ ارْتَدَّ لَمَا سَقَطَ عَنْهُ بِرِدَّتِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَأَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا تَعَلَّقَتْ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ لَمْ تَسْقُطْ بِالرِّدَّةِ , وَإِنَّمَا يَسْقُطُ مِنْهَا مَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْآدَمِيِّينَ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ فَرَّ الْمُحَارِبُ فَدَخَلَ حِصْنًا مِنْ حُصُونِ الرُّومِ فَحَاصَرَهُمْ الْمُسْلِمُونَ فَنَزَلَ أَهْلُهُ بِعَهْدٍ وَنَزَلَ الْمُحَارِبُ بِأَمَانٍ أَمَّنَهُ أَمِيرُ السَّرِيَّةِ قَالَ سَحْنُونٌ : لَا أَمَانَ لَهُ وَلَا يُزِيلُ حُكْمَ الْحِرَابَةِ عَنْهُ جَهْلُ مَنْ أَمَّنَهُ , وَقَدْ ظَفَرَ قَبْلَ التَّوْبَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ حُقُوقَ النَّاسِ قَدْ تَعَلَّقَتْ بِهِ مِنْ قِصَاصٍ وَإِتْلَافِ أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَاهَدَ عَلَى إسْقَاطِهَا , وَلَوْ عَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ إسْقَاطُ الْإِمَامِ لَهَا عَنْهُ أَصْلَ ذَلِكَ الْغَاصِبِ وَالْقَاتِلِ بِغَيْرِ الْمُحَارِبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَإِذَا فَرَّ اللُّصُوصُ فَقَدْ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إِنْ كَانَ قَتَلَ أَحَدًا فَلْيُتَّبَعْ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَتَلَ أَحَدًا فَمَا أُحِبُّ أَنْ يُتَّبَعَ وَلَا يُقْتَلَ , وَقَالَ سَحْنُونٌ يُتَّبَعُونَ وَلَوْ بَلَغُوا بِرَكَ الْغَمَا , وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يُتَّبَعُ مُنْهَزِمُهُمْ , وَيُقْتَلُونَ مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ وَمُنْهَزِمِينَ , وَلَيْسَ هُرُوبُهُمْ تَوْبَةً , وَأَمَّا التَّذْفِيفُ عَلَى جَرِيحِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ هَزِيمَتَهُمْ وَخِيفَ كَرَّتُهُمْ ذُفِّفَ عَلَى جَرِيحِهِمْ , وَإِنْ اسْتَحَقَّتْ الْهَزِيمَةُ فَجَرِيحُهُمْ أَسِيرٌ وَالْحُكْمُ فِيهِ إِلَى الْإِمَامِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُجْهَزُ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلَمْ يَرَهُ سَحْنُونٌ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَإِذَا أُخِذَ اللُّصُوصُ قَبْلَ التَّوْبَةِ لَزِمَهُمْ الْحَدُّ وَهُوَ الْقَتْلُ وَالصَّلْبُ أَوْ قَطْعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ وَالنَّفْيُ وَالْحَبْسُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَاكَ عَلَى التَّخْيِيرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ حَدُّهُمْ عَلَى التَّرْتِيبِ فَلَا يُقْتَلُ مَنْ لَمْ يَقْتُلْ , وَلَا يُصْلَبُ وَلَا يُقَطَّعُ , فَإِنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا قُتِلَ فَقَطْ , وَلَمْ يُصْلَبْ وَلَمْ يُقَطَّعْ وَإِنْ أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ قُطِّعَ , وَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ إِنْ شَاءَ جَمَعَ الْقَتْلَ وَالْقَطْعَ , وَإِنْ شَاءَ جَمَعَ الْقَتْلَ وَالصَّلْبَ ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ الصَّلْبِ , وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقْتُلُهُمْ حَتْفًا ثُمَّ يَصْلُبُهُمْ , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ وَلَفْظُهُ أَوْ ظَاهِرُهَا التَّخْيِيرُ وَلَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَكُونُوا قَتَلُوا.
( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ عَلَى التَّخْيِيرِ فَإِنَّهُ تَخْيِيرٌ مُتَعَلِّقٌ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَمَصْرُوفٌ إِلَى نَظَرِهِ وَمَشُورَةِ الْفُقَهَاءِ بِمَا يَرَاهُ أَتَمَّ لِلْمَصْلَحَةِ وَأَذَبَّ عَنْ الْفَسَادِ , قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى هَوَى الْإِمَامِ وَلَكِنْ عَلَى الِاجْتِهَادِ يُرِيدُ بِقَدْرِ مَا خَبَرَهُ , فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ عَلَى الِاجْتِهَادِ فَإِنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَ الْمُحَارِبَ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ وَلَا أَخَذَ مَالًا وَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إمَّا أَنْ يَكُونَ طَالَ أَمْرُهُ وَأَخَاف السَّبِيلَ أَوْ أُخِذَ بِحَضْرَةِ خُرُوجِهِ , فَإِنْ كَانَ طَالَ أَمْرُهُ وَأَخَاف السَّبِيلَ وَلَمْ يَقْتُلْ وَلَا أَخَذَ مَالًا فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي قَتْلِهِ أَوْ صَلْبِهِ أَوْ قَطْعِهِ مِنْ خِلَافٍ أَوْ ضَرْبِهِ وَنَفْيِهِ , وَذَلِكَ بِقَدْرِ ذَنْبِهِ , وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ إِذَا أُخِذَ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَ طُولِ زَمَانٍ قَالَ أَشْهَبُ فِي الَّذِي أُخِذَ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ وَلَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ فَهَذَا الَّذِي قَالَ فِيهِ مَالِكُ لَوْ أَخَذَ فِيهِ بِأَيْسَرِ ذَلِكَ قَالَ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُجْلَدَ وَيُنْفَى وَيُحْبَسَ حَيْثُ نُفِيَ إِلَيْهِ , قَالَ أَشْهَبُ فَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يَقْتُلَهُ أَوْ يَقْطَعَهُ مِنْ خِلَافٍ فَذَلِكَ لَهُ عَلَى الِاجْتِهَادِ فِيهِ فَيَقْتَضِي هَذَا أَنَّهُ عَلَى التَّخْيِيرِ بِشَرْطِ الِاجْتِهَادِ , وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَصْرُوفًا إِلَى نَظَرِ الْإِمَامِ فَمَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ كَانَ لَهُ إنْفَاذُهُ وَمَا قَالَهُ مَالِكٌ مِنْ اخْتِيَارِهِ لِكُلِّ جِنَايَةٍ نَوْعًا مِنْ الْعُقُوبَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ , وَيُذْكَرُ بَعْدَ هَذَا فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهٍ يُبَيِّنُ وَجْهَ الِاجْتِهَادِ وَالْإِرْشَادِ إِلَى الصَّوَابِ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ وَالَّذِي طَالَ أَمْرُهُ وَأَخَافَ السَّبِيلَ وَشَهَرَ ذِكْرُهُ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ أَمْوَالًا فَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ وَمُحَمَّدٍ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا إِنْ طَالَ أَمْرُهُ وَأَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يُقْتَلُ وَلَا يَخْتَارُ الْإِمَامُ فِيهِ غَيْرَ الْقَتْلِ قَالَ أَشْهَبُ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي قَتْلِهِ أَوْ صَلْبِهِ أَوْ قَطْعِهِ مِنْ خِلَافٍ , وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ إِذَا أَخَافَ السَّبِيلَ وَأَعْظَمَ الْفَسَادَ وَأَخَذَ الْأَمْوَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا فَلْيَقْتُلْهُ الْإِمَامُ إِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِ قَالَ : وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ أَوْ قَطْعِ الْخِلَافِ أَوْ النَّفْيِ.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ إِنَّ عَامِلًا لَهُ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَذَ نَاسًا فِي حِرَابَةٍ فَأَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ أَيْدِيَهُمْ أَوْ يَقْتُلَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَوْ أَخَذْت بِأَيْسَرِ ذَلِكَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْعَامِلَ رَأَى قَتْلَهُمْ أَوْ قَطْعَ أَيْدِيهِمْ وَلَا يَعْلَمُ مَا بَلَغَتْ وَأَعْلَمُهُ , وَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَوْ أَخَذْت بِأَيْسَرِ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْحَضِّ وَالنَّدْبِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ لَوْ أَخَذْت بِأَيْسَرِ ذَلِكَ , وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ أُخِذُوا بِأَثَرِ خُرُوجِهِمْ قَبْلَ أَنْ يُخِيفُوا سَبِيلًا أَوْ يَقْتُلُوا أَحَدًا أَوْ يَأْخُذُوا مَالًا , وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ لَوْ أَخَذَ فِيهِمْ بِالْأَيْسَرِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْجَلْدُ وَالنَّفْيُ , وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ قَالَ : الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ وَيَقْتَضِي مِنْ قَوْلِ عُمَرَ أَنَّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِاجْتِهَادِهِ , وَإِنْ رَأَى خِلَافَ رَأْيِ الْإِمَامِ إِذَا كَانَ مِمَّا يُسْرِعُ فِيهِ الِاجْتِهَادَ وَقَالَ بِهِ الْعُلَمَاءُ , وَلَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَلَزِمَ الْعَامِلَ أَنْ لَا يُنَفِّذَ إِلَّا رَأْيَ الْإِمَامِ لَقُدِّمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ إِذَا رَآهُ الْأَفْضَلَ , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ شَاوَرَهُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ لَهُ فِيهِ اعْتِقَادُ صِحَّتِهِ مِنْ قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ وَأَعْلَمَ عُمَرَ بِمَا ظَهَرَ إِلَيْهِ لِيَعْلَمَ بِذَلِكَ مُوَافَقَتَهُ لَهُ أَوْ لِيُظْهِرَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْحُكْمِ الَّذِي يَخْتَارُهُ دَلِيلًا يَرَى الرُّجُوعَ إِلَيْهِ وَالْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهُ , وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي مَسْأَلَةِ الْحَكَمَيْنِ أَنَّ لَهُمَا أَنْ يَحْكُمَا بِمَا أَدَّاهُمَا اجْتِهَادُهُمَا إِلَيْهِ , وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِرَأْيِ مَنْ أَرْسَلَهُمَا.
( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْقَتْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْآيَةِ وَاخْتَارَهُ مَالِكٌ فِيمَنْ طَالَتْ إخَافَتُهُ السَّبِيلَ وَأَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا أَنْ يُقْتَلَ فَقَطْ , وَلَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَا يُجْلَدُ بِالسِّيَاطِ قَبْلَ الْقَتْلِ قَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ وَلَا رِجْلُهُ مَعَ الْقَتْلِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الصَّلْبُ فَهُوَ الرَّبْطُ عَلَى الْجُذُوعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ولأصلبنكم فِي جُذُوعِ النَّخْلِ قَالَ مُحَمَّدٌ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ يُصَلَّبُوا أَيْ يُصَلِّبَهُ ثُمَّ يَقْتُلَهُ مَصْلُوبًا بِطَعْنَتِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ , وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ أَشْهَبُ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ ثُمَّ يَصْلُبُهُ وَلَهُ أَنْ يَصْلُبَهُ ثُمَّ يَقْتُلُهُ مَصْلُوبًا , وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ , وَهُوَ الَّذِي يَرْوِيهِ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ يُقْتَلُ بِالْأَرْضِ ثُمَّ يُصْلَبُ أَنَّ التَّغْلِيظَ بِالْقَتْلِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي نَفْسِ الْمُحَارِبِ وَلَا غَيْرِهِ , وَإِنَّمَا التَّغْلِيظُ بِمَا يُفْعَلُ بِهِ حِينَ الْمَوْتِ مِنْ الصَّلْبِ وَالتَّشْنِيعِ , وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الْقَتْلَ فِي الْحُدُودِ يَمْنَعُ مَا قَبْلَهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِذَلِكَ لَا يُقْطَعُ وَلَا يُضْرَبُ قَبْلَ الْقَتْلِ , ثُمَّ يُقْتَلُ فَلَمَّا امْتَنَعَ التَّغْلِيطُ بِالضَّرْبِ قَبْلَ الْقَتْلِ وَوَرَدَ بِهِ النَّصُّ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْقَتْلِ.
( فَرْعٌ ) وَلَوْ حَبَسَهُ الْإِمَامُ لَيَصْلُبَهُ فَمَاتَ فِي السِّجْنِ فَإِنَّهُ لَا يُصْلَبُ وَلَوْ قَتَلَهُ أَحَدٌ فِي السِّجْنِ أَوْ قَتَلَهُ الْإِمَامُ فَلْيَصْلُبْهُ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ فَقَدْ فَاتَتْ الْعُقُوبَةُ فِيهِ فَلَا مَعْنَى لِصَلْبِهِ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ الْقَتْلِ أَوْ تَشْنِيعٌ لِلْقَتْلِ بَعْدَ وُقُوعِهِ فَإِذَا فَاتَ الْقَتْلُ بِالْمَوْتِ سَقَطَتْ صِفَتُهُ وَتَوَابِعُهُ , وَإِنَّمَا يُصْلَبُ لَيَظْهَرَ قَتْلُهُ وَلِيَبْقَى فَيُنْظَرَ إِلَيْهِ فَيُزْدَجَرَ بِهِ , وَإِذَا مَاتَ فَلَا مَعْنَى لِصَلْبِهِ لِيَبْقَى عَلَى هَذِهِ الْحَالِ ; لِأَنَّهَا حَالُ كُلِّ نَفْسٍ , وَأَمَّا إِذَا قُتِلَ فِي السِّجْنِ فَقَدْ وَجَبَ الْقَتْلُ فَثَبَتَ تَوَابِعُهُ.
( فَرْعٌ ) وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي بَقَائِهِ عَلَى الْجِذْعِ فَقَالَ أَصْبَغُ لَا بَأْسَ أَنْ يُخَلَّى لِمَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ إنْزَالَهُ فَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ , وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ إِذَا صُلِبَ وَقُتِلَ نَزَلَ تِلْكَ السَّاعَةَ يُدْفَعُ إِلَى وَلِيِّهِ يَدْفِنُهُ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ , وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْهُ أَهْلُهُ وَلَا غَيْرُهُمْ حَتَّى تَفْنَى الْخَشَبَةُ وَتَأْكُلَهُ الْكِلَابُ , وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَيِّتٌ عَلَى الْإِسْلَامِ قُتِلَ فِي عُقُوبَةٍ فَثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالدَّفْنِ كَسَائِرِ مَنْ قُتِلَ فِي حَدٍّ , وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ إنَّمَا صُلِبَ لِتَشْنِيعِ أَمْرِهِ وَيَبْقَى مَعْنَى الِازْدِجَارِ بِهِ , وَذَلِكَ يُنَافِي إنْزَالَهُ.
( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا يُنْزَلُ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ يُنْزَلُ فَيُغَسِّلُهُ أَهْلُهُ , وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ إِنْ رَأَى إعَادَتَهُ إِلَى الْخَشَبَةِ فَعَلَ , وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِمَنْ سَأَلَهُ مِنْ الْأَنْدَلُسِ قَالَ : وَأَمَّا الَّذِي قَالَ لِي أَنَا فَلَا يُعَادُ إِلَى الْخَشَبَةِ وَلَا يُتْرَكُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْقَتْلِ , وَلَكِنْ يُنْزَلُ وَيُدْفَعُ إِلَى أَهْلِهِ فَمَعْنَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَبْقَى عَلَى الْخَشَبَةِ لِيَبْقَى وَجْهُ الِازْدِجَارِ بِهِ , وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ يُقْتَلُ بَعْدَ الصَّلْبِ لِتَشْنِيعِ صِفَةِ قَتْلِهِ خَاصَّةً وَلَيْسَ الصَّلْبُ لِبَقَاءِ حَالِهِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَإِذَا رَأَى الْإِمَامُ قَطْعَهُ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ يَدَهُ وَرِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ , وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ وَذَلِكَ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى , وَلَوْ كَانَ أَقْطَعَ الْيُمْنَى أَوْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى , وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الْقَطْعَ أَوَّلَ مَرَّةٍ مُتَعَلِّقٌ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَالرِّجْلِ الْيُسْرَى فَإِذَا مَنَعَ مِنْ قَطْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى مَانِعٌ انْتَقَلَ إِلَى الْيَدِ الْيُسْرَى وَبَقِيَ الْقَطْعُ فِي الرِّجْلِ الْيُسْرَى عَلَى مَا كَانَ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ , وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْخِلَافَ مَشْرُوعٌ فِي قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ فَإِذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ بِقَطْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى وَالرِّجْلِ الْيُسْرَى وَانْتَقَلَ إِلَى الْيُسْرَى وَجَبَ أَنْ يَنْتَقِلَ قَطْعُ الرِّجْلِ إِلَى الْيُمْنَى , وَبِذَلِكَ يُوجَدُ الْخِلَافُ قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَا يُجْلَدُ مَعَ الْقَطْعِ مِنْ خِلَافٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
( فَرْعٌ ) وَالْقَطْعُ فِي الْيَدَيْنِ مِنْ الْكُوعِ رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ , وَلِذَلِكَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ وَقَالَ فِي السَّرِقَةِ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنْ اللَّهِ فَكَانَ الْقَطْعُ فِي الْحِرَابَةِ كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ إِلَّا أَنَّ الْمُحَارِبَ يُقْطَعُ فِي يَسِيرِ مَا يَأْخُذُهُ وَكَثِيرِهِ , وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ نِصَابٌ وَالسَّرِقَةُ يُعْتَبَر فِيهَا النِّصَابُ ; لِأَنَّ آيَاتِهَا مَخْصُوصَةٌ بِالسُّنَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ , وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُقْطَعُ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ مَا لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحِرْزُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ النِّصَابُ كَإِسْقَاطِ الْعَدَالَةِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا النَّفْيُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ يُؤْخَذُ بِأَيْسَرِ ذَلِكَ , وَهُوَ الْجَلْدُ وَالنَّفْيُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ النَّفْيُ الْمُرَادُ بِهِ فِي آيَةِ الْمُحَارِبِينَ هُوَ إخْرَاجُهُمْ مِنْ الْبَلَدِ الَّذِي كَانُوا فِيهِ إِلَى غَيْرِهِ وَحَبْسُهُمْ فِيهِ وَقَالَ أَشْهَبُ : وَإِنَّ جَلْدَهُ مَعَ النَّفْيِ لَضَعِيفٌ , وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَهُ لِمَا خُفِّفَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِهِ , وَلَوْ قَالَهُ قَائِلٌ لَمْ أَعِبْهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يُنْفَى وَيُحْبَسُ حَيْثُ يُنْفَى إِلَيْهِ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ , قَالَ أَصْبَغُ يُكْتَبُ إِلَى عَامِلِ الْبَلَدِ الَّذِي نُفِيَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَلَيْسَ لِجِلْدِهِ حَدٌّ إِلَّا اجْتِهَادُ الْإِمَامِ فِيهِ , وَقَالَ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ إِذَا اسْتَحَقَّ عِنْدَهُ النَّفْيَ فَلْيَضْرِبْهُ وَيَسْجُنْهُ بِبَلَدِهِ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ , فَذَلِكَ عِنْدَنَا نَفْيٌ وَتَغْرِيبٌ , وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ عِنْدَنَا النَّفْيُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُنْفَى مِنْ قَرْيَةٍ إِلَى قَرْيَةٍ يُسْجَنُ بِهَا , وَإِنَّمَا يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ مَعْنَاهُ أَنْ يُطْلَبُوا فَيَخْتَفُونَ , وَأَنْتُمْ تَطْلُبُونَهُمْ لِتُقَامَ عَلَيْهِمْ الْعُقُوبَةُ فَإِذَا ظَفَرَ بِهِمْ فَلَا بُدَّ مِنْ إِحْدَى ثَلَاثِ عُقُوبَاتٍ الْقَتْلُ وَالصَّلْبُ أَوْ الْقَطْعُ هُوَ فِي ذَلِكَ مُخَيَّرٌ قَالَ وَهَكَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالْمُغِيرَةُ وَابْنُ دِينَارٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ نَفْيٌ وَجَلْدٌ أُقِيمَ مَقَامَ الْقَتْلِ فَكَانَ نَفْيًا وَتَغْرِيبًا إِلَى بَلَدٍ آخَرَ كَتَغْرِيبِ الزَّانِي.
( فَرْعٌ ) إِذَا ثَبَتَ حُكْمُ النَّفْيِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالْأَحْرَارِ , وَأَمَّا الْعَبِيدُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ لَا نَفْيَ عَلَى الْعَبِيدِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ اعْتِبَارًا بِالزِّنَا , وَقَالَ رَبِيعَةُ لَا يُنْفَى الْمُسْلِمُ الْمُحَارِبُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ وَلَكِنْ يُسْجَنُ فِي أَرْضِ الْقَرْيَةِ.
.
( فَصْلٌ ) إِذَا أُخِذَ الْمُحَارِبُ قَبْلَ أَنْ يَتُوبَ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ أَنْ لَا عَفْوَ فِيهِ لِإِمَامٍ وَلَا وَلِيِّ قَتِيلٍ وَلَا لِرَبِّ مَتَاعٍ , وَهُوَ حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا شَفَاعَةَ فِيهِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَإِذَا رَأَى الْقَاضِي فِي مُحَارِبٍ أَنْ يُسَلِّمَهُ إِلَى أَوْلِيَاءِ مَنْ قَتَلَ فَعَفَوْا عَنْهُ فَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ فَقَالَ هُوَ حُكْمٌ قَدْ نَفَذَ لَا يُنْقَضُ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ , وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ وَقَالَ أَشْهَبُ يُنْقَضُ وَيُقْتَلُ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا عَفْوَ فِيهِ , وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ يُرِيدُ أَشْهَبُ أَنَّ الشَّاذَّ لَا يُعَدُّ خِلَافًا , وَإِذَا قَتَلَ وَاحِدٌ مِنْ اللُّصُوصِ قَتِيلًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَدْ اسْتَوْجَبَ جَمِيعُهُمْ الْقَتْلَ , وَلَوْ كَانُوا مِائَةَ أَلْفٍ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَقَالَ إِذَا قَتَلَ أَحَدُهُمْ وَكَانَ سَائِرُهُمْ رِدْءًا وَأَعْوَانًا لَمْ يُبَاشِرُوا الْقَتْلَ فَإِنَّ جَمِيعَهُمْ يُقْتَلُونَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ لَا يُقْتَلُ إِلَّا الْقَاتِلُ , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُ أَنَّ مَنْ حَضَرَ الْوَقِيعَةَ يُشَارِكُ فِي الْغَنِيمَةِ وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ الْقَتْلَ فَكَذَلِكَ هَذَا.
( مَسْأَلَةٌ ) لَا يُرَاعَى فِي الْقَتْلِ بِالْحِرَابَةِ تَكَافُؤُ الدِّمَاءِ فَيُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ وَالْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ لَا يُقْتَلُ إِلَّا مَنْ يُكَافِئُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا قَتْلٌ لَا يَسْقُطُ بِالْعَفْوِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِعَدَمِ التَّكَافُؤِ , أَصْلُ ذَلِكَ الْقَتْلُ بِالرِّدَّةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ : وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِ قِصَاصٍ وَإِنَّمَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى تَأَمُّلٍ ; لِأَنَّ قَتْلَ الْحِرَابَةِ لِلْإِمَامِ تَرْكُهُ إِذَا رَأَى غَيْرَهُ أَفْضَلَ , وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الْقَتْلِ إِذَا كَانَ قَدْ قَتَلَ , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّينَ تَغَلَّظَ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ قَتْلٌ عَلَى وَجْهِ الْحِرَابَةِ فَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ الْعَفْوُ عَنْهُ , وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
.
( فَصْلٌ ) وَإِذَا تَابَ الْمُحَارِبُ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ الَّذِي يَسْتَحِبُّهُ مَالِكٌ فِي تَوْبَةِ الْمُحَارِبِ مَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنْ يَأْتِيَ لِلسُّلْطَانِ , وَإِنْ أَظْهَرَ تَوْبَتَهُ عِنْدَ جِيرَانِهِ وَأَخْلَدَ إِلَى الْمَسَاجِدِ حَتَّى يُعْرَفَ ذَلِكَ مِنْهُ فَجَائِزٌ أَيْضًا , قَالَ أَصْبَغُ : وَكَذَلِكَ إِنْ قَعَدَ فِي بَيْتِهِ وَعُرِفَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ تَرْكٌ مَعْرُوفٌ بَيِّنٌ يَبُوحُ بِهِ وَبِالتَّوْبَةِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ , وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ إِنْ لَمْ تَكُنْ تَوْبَتُهُ إِلَّا إتْيَانَهُ السُّلْطَانَ وَقَوْلَهُ جِئْتُك تَائِبًا لَمْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ حَتَّى يُظْهِرَ تَوْبَتَهُ قَبْلَ مَجِيئِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ , يُرِيدُ أَنَّ هَذَا قَدْ قُدِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ , وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ إتْيَانَهُ السُّلْطَانَ عَلَى وَجْهِ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِسْلَامِ وَالِانْقِيَادِ لِلْحَقِّ هُوَ نَفْسُ التَّوْبَةِ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلُهُ تَعَالَى إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ إظْهَارُ التَّوْبَةِ وَاعْتِقَادُهَا بِالْقَلْبِ فَلَا طَرِيقَ لَنَا إِلَى مَعْرِفَتِهَا , وَإِذَا أَتَى الْمُحَارِبُ السُّلْطَانَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَقَدْ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ , وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ تَوْبَةَ الْمُحَارِبِ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ تُسْقِطُ عَنْهُ مَا كَانَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حَدِّ الْحِرَابَةِ وَيُتَّبَعُ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ بِحَسْبِ مَا لَوْ فَعَلَهَا بِغَيْرِ حِرَابَةٍ فَإِنْ قَتَلَ فِي حِرَابَتِهِ قُتِلَ بِهِ قَتْلَ قِصَاصٍ فَاعْتُبِرَتْ الْمُكَافَأَةُ فَلَا يُقْتَلُ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ بِعَبْدٍ وَلَا بِذِمِّيٍّ , وَعَلَيْهِ دِيَةُ النَّصْرَانِيِّ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ فِي مَالِهِ , وَيُقْتَلُ بِالْحُرِّ الْمُسْلِمِ إِنْ شَاءَ ذَلِكَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ وَيَجُوزُ عَفْوُهُمْ , وَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ لِعَدَمِ مُكَافَأَةٍ أَوْ لِعَفْوٍ ضُرِبَ مِائَةَ سَوْطٍ وَيُسْجَنُ سَنَةً , حَكَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ حُقُوقَ الْبَارِي قَدْ سَقَطَتْ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ وَبَقِيَتْ حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ فَاعْتُبِرَ فِيهَا مَا يُعْتَبَرُ فِي حُقُوقِهِمْ إِذَا تَجَرَّدَتْ , وَقَدْ رَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ أَشْهَبَ إِذَا تَابَ الْمُحَارِبُ , وَقَدْ كَانَ زَنَى أَوْ سَرَقَ فِي حِرَابَتِهِ لَمْ يُوضَعْ ذَلِكَ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ إذْنٌ سَقَطَ عَنْهُ حَدُّ الْحِرَابَةِ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ الْحُدُودِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَإِذَا قَتَلَ أَحَدُ الْمُتَحَارِبِينَ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ إِذَا وَلِيَ أَحَدُ الْمُحَارِبِينَ قَتْلَ رَجُلٍ مِمَّنْ قَطَعُوا عَلَيْهِ , وَلَمْ يُعَاوِنْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قُتِلُوا أَجْمَعِينَ وَلَا عَفْوَ فِيهِمْ لِإِمَامٍ وَلَا لِوَلِيٍّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : وَلَوْ تَابُوا كُلُّهُمْ فَإِنَّ لِلْوَلِيِّ قَتْلَهُمْ أَجْمَعِينَ وَلَهُمْ قَتْلُ مَنْ شَاءُوا وَالْعَفْوُ عَمَّنْ شَاءُوا عَلَى دِيَةٍ أَوْ دُونَ دِيَةٍ , وَقَالَ أَشْهَبُ إِنْ تَابُوا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ سَقَطَ عَنْهُمْ حَدُّ الْحِرَابَةِ , وَلَمْ يُقْتَلْ مِنْهُمْ إِلَّا مَنْ وَلِيَ الْقَتْلَ أَوْ أَعَانَ عَلَيْهِ , أَوْ أَمْسَكَهُ لِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَهُ وَلَا يُقْتَلُ الْآخَرُونَ وَيُضْرَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةً وَيُسْجَنُ عَامًا.
( مَسْأَلَةٌ ) وَإِذَا أَخَذَ الْمُحَارِبُونَ مَالًا فَقُدِرَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ التَّوْبَةِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إِنْ أَخَذَ الْمَالَ أَحَدُهُمْ فَقُدِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّوْبَةِ وَقَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَى غَيْرِهِ , فَإِنَّهُ يَلْزَمُ غُرْمُ جَمِيعِ ذَلِكَ الْمَالِ أَخَذَ مِنْ ذَلِكَ حِصَّةً أَوْ لَمْ يَأْخُذْ , وَلَوْ تَابَ أَحَدُهُمْ وَقَدْ اقْتَسَمُوا الْمَالَ فَإِنَّ هَذَا التَّائِبَ يَغْرَمُ جَمِيعَ الْمَالِ ; لِأَنَّ الَّذِي أَخَذَ الْمَالَ إنَّمَا قَوِيَ بِهِمْ , وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا نَرَى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَّا مَا أَخَذَ فَعَلَى هَذَا سَلَّمَ أَشْهَبُ فِي الْمَالِ , وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَتْلِ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا ابْنُ الْقَاسِمِ فِي.
أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُؤْخَذُ بِمَا جَنَى أَصْحَابُهُ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَإِذَا أُقِيمَ عَلَى الْمُحَارِبِ حَدُّ الْحِرَابَةِ فَقُتِلَ أَوْ قُطِعَ أَوْ نُفِيَ لَمْ يُتَّبَعْ بِشَيْءٍ مِمَّا جَنَاهُ فِي عَدَمِهِ , وَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِذَا تَابَ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ اُتُّبِعَ فِي عَدَمِهِ بِأَمْوَالِ النَّاسِ كَالسَّارِقِ , وَيُقْطَعُ فِي السَّرِقَةِ قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
.
( فَصْلٌ ) وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الَّذِينَ قُطِعَ عَلَيْهِمْ الطَّرِيقُ عَلَى اللُّصُوصِ أَنَّهُمْ قَطَعُوا عَلَيْهِمْ الطَّرِيقَ قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ قَالُوا لِأَنَّهُ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى , وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِمَا أَخَذَ لَهُمْ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِنَفْسِهِ وَلَا لِابْنِهِ , وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَنَّ هَذَا قَتَلَ ابْنَهُ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِالْحِرَابَةِ لَا بِالْقِصَاصِ إذْ لَا عَفْوَ فِيهِ , وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَعْدَ أَنْ تَابَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ ; لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فِي الْعَفْوِ وَالْقِصَاصِ قَالَ سَحْنُونٌ : لِأَنَّ الْمُحَارِبِينَ إنَّمَا يَقْطَعُونَ بِالْمَفَاوِزِ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ إِلَّا مَنْ قَطَعُوا عَلَيْهِ وَيُقْضَى عَلَى الْمُحَارِبِينَ بِرَدِّ مَا أَخَذُوا , وَإِنْ كَانُوا أَمْلِيَاءَ , قَالَ وَذَلِكَ إِذَا كَانُوا عُدُولًا فَإِنْ كَانُوا عَبِيدًا أَوْ نَصَارَى أَوْ غَيْرَ عُدُولٍ لَمْ يُقْبَلُوا , وَلَكِنْ إِذَا اسْتَفَاضَ ذَلِكَ مِنْ الذِّكْرِ وَكَثْرَةِ الْقَوْلِ أَدَّبَهُمْ الْإِمَامُ وَيَنْفِيهِمْ.
( مَسْأَلَةٌ ) قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ إِذَا بَلَغَ مِنْ شُهْرَةِ الْمُحَارِبِ بِاسْمِهِ مَا تَأَكَّدَ تَوَاتُرُهُ فَأَتَى مَنْ يَشْهَدُ أَنَّ هَذَا فُلَانٌ , وَقَالُوا لَمْ نَشْهَدْ قَطْعَهُ لِلطَّرِيقِ أَوْ قَطْعَهُ عَلَى النَّاسِ وَأَخْذَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا أَنَّا نَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ , وَقَدْ اسْتَفَاضَ عِنْدَنَا وَاشْتَهَرَ قَطْعُهُ لِلطَّرِيقِ أَوْ قَطْعُهُ لِلنَّاسِ أَوْ أَخْذُ أَمْوَالِهِمْ وَمَا شُهِرَ بِهِ مِنْ الْقَتْلِ وَأَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَالْفَسَادِ قَالَ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقْتُلُهُ بِهَذِهِ الشُّهْرَةِ , وَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ شَاهِدَيْنِ عَلَى الْعِيَانِ أَرَأَيْت دبوطا أَيَحْتَاجُ إِلَى مَنْ يَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ عَايَنَهُ يَقْطَعُ وَيَقْتُلُ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَمَا وُجِدَ بِأَيْدِي اللُّصُوصِ فَادَّعَوْا أَنَّهُ مَالٌ لَهُمْ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ هُوَ لَهُمْ , وَإِنْ كَثُرَ حَتَّى يُقِيمَ مُدَّعُوهُ الْبَيِّنَةَ , وَأَمَّا إِذَا أَقَرُّوا أَنَّهُ مِمَّا أَخَذُوهُ بِالْحِرَابَةِ فَيُقْبَلُ فِي ذَلِكَ شَهَادَةُ الرُّفْقَةِ أَهْلُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَلَا يَجُوزُ لِنَفْسِهِ , وَمَنْ ادَّعَى شَيْئًا وَلَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَكِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ يُدْفَعُ إِلَيْهِ بَعْدَ الِاسْتِينَاءِ وَبَعْدَ أَنْ يَفْشُوَ ذَلِكَ وَلَا يَطُولَ جِدًّا بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ مُدَّعُوهُ وَيَضْمَنُوا ذَلِكَ , وَلَا يُطْلَبُ مِنْهُمْ حُمَلَاءُ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ ادَّعَاهُ رَجُلَانِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا حَلَفَا , وَكَانَ بَيْنَهُمَا وَمَنْ نَكَلَ مِنْهُمَا فَهُوَ لِصَاحِبِهِ إِنْ حَلَفَ فَإِنْ نَكَلَا لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا , قَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْيَمِينَ هَاهُنَا لَا بُدَّ لِلسُّلْطَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
و حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك أَنَّ أَبَا الزِّنَادِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَامِلًا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَذَ نَاسًا فِي حِرَابَةٍ وَلَمْ يَقْتُلُوا أَحَدًا فَأَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ أَيْدِيَهُمْ أَوْ يَقْتُلَ فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي ذَلِكَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَوْ أَخَذْتَ بِأَيْسَرِ ذَلِكَ
عن محمد بن يحيى بن حبان، أن عبدا سرق وديا من حائط رجل.<br> فغرسه في حائط سيده.<br> فخرج صاحب الودي يلتمس وديه فوجده.<br> فاستعدى على العبد مروان بن ال...
عن السائب بن يزيد، أن عبد الله بن عمرو بن الحضرمي جاء بغلام له إلى عمر بن الخطاب فقال له: اقطع يد غلامي هذا فإنه سرق.<br> فقال له عمر: «ماذا سرق؟» فقا...
عن ابن شهاب، أن مروان بن الحكم، أتي بإنسان قد اختلس متاعا فأراد قطع يده.<br> فأرسل إلى زيد بن ثابت يسأله عن ذلك.<br> فقال زيد بن ثابت: «ليس في الخلسة...
عن يحيى بن سعيد، أنه قال: أخبرني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، أنه أخذ نبطيا قد سرق خواتم من حديد.<br> فحبسه ليقطع يده.<br> فأرسلت إليه عمرة بنت عبد...
عن السائب بن يزيد، أنه أخبره أن عمر بن الخطاب، خرج عليهم فقال: إني وجدت من فلان ريح شراب.<br> فزعم أنه شراب الطلاء وأنا سائل عما شرب.<br> فإن كان يسكر...
عن ثور بن زيد الديلي، أن عمر بن الخطاب، استشار في الخمر يشربها الرجل فقال له علي بن أبي طالب: نرى أن تجلده ثمانين.<br> فإنه إذا شرب سكر.<br> وإذا سكر...
عن ابن شهاب، أنه سئل عن حد العبد في الخمر؟ فقال بلغني «أن عليه نصف حد الحر في الخمر، وأن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن عمر» قد جلدوا عبي...
عن يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن المسيب، يقول: «ما من شيء إلا الله يحب أن يعفى عنه ما لم يكن حدا»
عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في بعض مغازيه.<br> قال عبد الله بن عمر: فأقبلت نحوه.<br> فانصرف قبل أن أبلغه.<br> فسألت...