حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

لا قطع في ثمر ولا كثر فأمر مروان بالعبد فأرسل - موطأ الإمام مالك

موطأ الإمام مالك | كتاب الحدود باب ما لا قطع فيه (حديث رقم: 1533 )


1533- عن محمد بن يحيى بن حبان، أن عبدا سرق وديا من حائط رجل.
فغرسه في حائط سيده.
فخرج صاحب الودي يلتمس وديه فوجده.
فاستعدى على العبد مروان بن الحكم فسجن مروان العبد وأراد قطع يده.
فانطلق سيد العبد إلى رافع بن خديج فسأله عن ذلك.
فأخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا قطع في ثمر.
ولا كثر والكثر الجمار».
فقال الرجل: فإن مروان بن الحكم، أخذ غلاما لي.
وهو يريد قطعه.
وأنا أحب أن تمشي معي إليه فتخبره بالذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى معه رافع إلى مروان بن الحكم فقال: أخذت غلاما لهذا.
فقال: نعم.
فقال: فما أنت صانع به.
قال: أردت قطع يده.
فقال له رافع سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا قطع في ثمر ولا كثر» فأمر مروان بالعبد فأرسل

أخرجه مالك في الموطأ


هذا حديث منقطع

شرح حديث (لا قطع في ثمر ولا كثر فأمر مروان بالعبد فأرسل)

المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)

( ش ) : قَوْلُهُ أَنَّ عَبْدًا سَرَقَ وَدِيًّا مِنْ حَائِطِ رَجُلٍ فَغَرَسَهُ فِي حَائِطِ سَيِّدِهِ فَأَرَادَ مَرْوَانُ قَطْعَ يَدِهِ وَالْوَدِيُّ هُوَ الْفَسِيلُ وَهُوَ صِغَارُ النَّخْلِ , وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ نَخْلَةً صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً , قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ : وَلَا قَطْعَ فِي الْجُمَّارِ , وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ وَالْكَثَرُ الْجُمَّارُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ : فِي الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ لَا قَطْعَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَضَعْهُ عِنْدَك مَنْ يَقْصِدُ إحْرَازَهُ , وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الثَّمَرَ فِي الشَّجَرِ لَيْسَ بِمَوْضِعٍ عَلَى وَجْهِ الْإِحْرَازِ , وَكَذَلِكَ النَّخْلَةُ وَالْوَدِيُّ لَوْ وُضِعَا فِي مَنْبَتِهِمَا لِلْإِحْرَازِ , وَإِنَّمَا وُضِعَتْ لِلنَّمَاءِ فَلَمْ يَكُنْ حِرْزًا يُؤَثِّرُ فِي إثْبَاتِ الْقَطْعِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ اقْتَلَعَ النَّخْلَةَ مِنْ مَوْضِعِهَا وَهِيَ مَقْطُوعَةُ الرَّأْسِ , وَخَرَجَ بِهَا لَمْ يُقْطَعْ وَلَوْ كَانَتْ خَشَبَةً مُلْقَاةً تُرِكَتْ فِي الْحَائِطِ لَكَانَ فِيهَا الْقَطْعُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إِذَا قَطَعَهَا رَبُّهَا وَوَضَعَهَا فِي الْجِنَانِ قُطِعَ سَارِقُهَا , وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الشَّجَرِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَظُنُّهُ لَا حِرْزَ لَهَا إِلَّا حَيْثُ أُلْفِيَتْ فِيهِ , وَلَوْ وُضِعَتْ فِيهِ لِتُحْمَلَ إِلَى حِرْزٍ لَهَا لَمْ يُقْطَعْ حَتَّى تُضَمَّ إِلَيْهِ , وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ وَأَحْسَبُ فِيهِ اخْتِلَافًا.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَلَا قَطْعَ فِي الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ رَوَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ ذَلِكَ مَا كَانَ فِي الْحَوَائِطِ وَالْبَسَاتِينِ فَأَمَّا مَنْ سَرَقَ مِنْ ثَمَرَةِ نَخْلَةٍ فِي دَارِ رَجُلٍ وَمَنْزِلِهِ , فَهَذَا يُقْطَعُ إِذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ رُبُعَ دِينَارٍ فَجَعَلَ لِلدَّارِ تَأْثِيرًا فِي حِرْزٍ مِثْلِ هَذَا يَكُونُ صَاحِبُ الدَّارِ سَاكِنًا مَعَهَا , وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِذَا جَدَّ التَّمْرُ أَوْ وُضِعَ فِي أَصْلِ النَّخْلَةِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ الْقَطْعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ حَارِسٌ كَمَا لَا يُرَاعَى فِي الْحِرْزِ حَارِسٌ وَيَقْتَضِي مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مَسْأَلَةِ الزَّرْعِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ وَاحْتَجَّ أَشْهَبُ بِأَنَّ بَقَاءَهُ يَطُولُ هُنَاكَ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحِرْزٍ ; لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى فِيهِ , وَإِنَّمَا هُوَ مَوْضِعٌ يَنْتَقِلُ مِنْهُ إِلَى الْجَرِينِ , وَإِذَا آوَاهُ الْجَرِينُ قُطِعَ سَارِقُهُ رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا , وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُقْطَعُ فِي الْأَشْيَاءِ الرَّطْبَةِ , وَمَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ مَالٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ , فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ كَمَا لَوْ سَرَقَ يَابِسًا.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الزَّرْعُ يُحْصَدُ وَيُرْبَطُ يَابِسًا وَيُضَمُّ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ لِيُحْمَلَ إِلَى الْجَرِينِ فَيُسْرَقَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ يُقْطَعُ سَارِقُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ حَارِسٌ , وَلَيْسَ كَالزَّرْعِ الْقَائِمِ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَمَوْضِعُهُ لَهُ حِرْزٌ وَرُبَّمَا طَالَ مَقَامُهُ فِيهِ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُقْطَعُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ حَائِطٌ فَيُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ مِنْهُ , وَبِهِ قَالَ أَصْبَغُ وَوَجْهُهُ مَا تَقَدَّمَ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ سَرَقَ مِنْ ثَمَرِ الْمَقْثَأَةِ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ حَتَّى يُجْمَعَ فِي الْجَرِينِ , وَهُوَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُجْمَعُ فِيهِ لِيُحْمَلَ إِلَى الْبَيْعِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَخَرَجَ صَاحِبُ الْوَدِيِّ يَلْتَمِسُ وَدِيَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ وَجَدَهُ مَغْرُوسًا فِي حَائِطِ سَيِّدِ الْعَبْدِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَجَدَهُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُعَلَّقَ أَوْ بَعْدَ مَا عُلِّقَ , وَيُمْكِنُ إِذَا اقْتَلَعَ أَنْ يُعَلَّقَ أَوْ بَعْدَ أَنْ يَفُوتَ ذَلِكَ فِيهِ وَعَلَى الْحَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ صَاحِبُ الْوَدِيِّ مُخَيَّرٌ بَيْنَ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَنَقْلُ الْوَدِيِّ إِلَى الْمَوْضِع الْقَرِيبِ الَّذِي لَا مَشَقَّةَ فِي رَدِّهِ وَلَا قِيمَةَ لِحَمْلِهِ لَا يُفِيتُ اسْتِرْجَاعَهُ فَإِنْ نَقَلَهُ إِلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ تَلْحَقُ الْمَشَقَّةُ بِرَدِّهِ وَلِحَمْلِهِ قِيمَةٌ كَثِيرَةٌ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ سَرَقَ طَعَامًا فَنَقَلَهُ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ فَلَقِيَهُ رَبُّهُ فَلَيْسَ لِرَبِّهِ أَخْذُهُ , وَإِنَّمَا لَهُ أَخْذُهُ بِمِثْلِهِ فِي بَلَدٍ سَرَقَهُ بِهِ , إِلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى مَا يَجُوزُ فِي السَّلَفِ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ إنَّمَا لَهُ مِثْلُهُ بِبَلَدِ سَرِقَتِهِ لَا قِيمَتِهِ وَلَا أَخَذَهُ حَيْثُ وَجَدَهُ , وَقَالَ أَشْهَبُ هُوَ مُخَيَّرٌ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَمَّا أَلْزَمَهُ مِثْلَهُ فِي بَلَدِ سَرِقَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ حَيْثُ وَجَدَهُ إِلَّا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ إِنْ أَسْلَفَهُ إِيَّاهُ حَيْثُ وَجَدَهُ , وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِنَقْلِهِ , وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْمُسْتَحِقَّ مِنْ أَخْذِ عَيْنِ مَالِهِ كَمَا لَوْ أَحْدَثَ فِيهِ عَمَلًا يُغَيِّرُ عَيْنَهُ وَهَذَا أَبْيَنُ ; لِأَنَّهُ لَا تَتَغَيَّرُ عَيْنُهُ بِالنَّقْلِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا تَغْيِيرُ السَّارِقِ لِلْمَتَاعِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْحِرْزِ أَوْ خَارِجًا مِنْ الْحِرْزِ فَإِنْ وَجَدَهُ دَاخِلَ الْحِرْزِ كَالشَّاةِ يَذْبَحُهَا أَوْ الطِّيبِ يَتَطَيَّبُ بِهِ أَوْ الثَّوْبِ يَقْطَعُهُ فَإِنْ بَلَغَ قِيمَتُهُ مَا خَرَجَ بِهِ مِنْهُ النِّصَابَ لَزِمَهُ الْقَطْعُ , وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ مِنْ الْحِرْزِ نِصَابًا فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَطْعُ وَمَا أَتْلَفَهُ فِي الْحِرْزِ فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُ السَّرِقَةِ , وَإِنَّمَا لَهُ حُكْمُ الْإِتْلَافِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ أَكَلَ طَعَامًا فِي الْحِرْزِ يَبْلُغُ النِّصَابَ لَمْ يَجِبْ بِهِ الْقَطْعُ وَلَوْ ابْتَلَعَ دَنَانِيرَ ثُمَّ خَرَجَ لَزِمَهُ الْقَطْعُ ; لِأَنَّ الدَّنَانِيرَ لَمْ تَتْلَفْ بِابْتِلَاعِهِ وَالطَّعَامُ قَدْ تَلِفَ بِذَلِكَ , وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ , وَلَوْ غَيَّرَ ذَلِكَ بَعْدَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقَطْعُ ; لِأَنَّ الْقَطْعَ وَجَبَ عَلَيْهِ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ قُطِعَ السَّارِقُ وَوَجَدَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَلَهُ أَخْذُهُ , وَإِنْ أَتْلَفَ السَّارِقُ الشَّيْءَ الْمَسْرُوقَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا اُتُّبِعَ بِقِيمَتِهِ , وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجْمَعُ عَلَيْهِ الْغُرْمُ وَالْقَطْعُ , وَكَانَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ مُخَيَّرًا إِنْ شَاءَ أَغْرَمَهُ وَلَمْ يُقْطَعْ , وَإِنْ شَاءَ أَقْطَعَهُ وَلَمْ يُغَرِّمْهُ , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ : وَلِأَنَّ الْغُرْمَ وَالْقَطْعَ لَا يَتَنَافَيَانِ لِاخْتِلَافِ سَبَبِهِمَا ; لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْغُرْمِ إتْلَافُ الْمَالِ وَالْمُوجِبَ لِلْقَطْعِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَتْكِ الْحِرْزِ , وَإِذَا لَمْ يَتَنَافَيَا جَازَ أَنْ يَجْتَمِعَا كَالْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ فِيهِ الْحَدُّ وَالْقِيمَةُ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَلَّقٍ عَلَيْهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي هَتْكِ الْحِرْزِ , وَإِذَا لَمْ يَتَنَافَيَا جَازَ أَنْ يَجْتَمِعَا كَمَا لَوْ غَصَبَ أَمَةً فَوَطِئَهَا , وَهَلَكَتْ عِنْدَهُ لَلَزِمَهُ الْغُرْمُ وَالْحَدُّ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) وَإِذَا كَانَ مُعْسِرًا قُطِعَ وَلَمْ يُتْبَعْ بِشَيْءٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ : وَلِأَنَّ إتْلَافَ الْمَالِ لَا تَجِبُ فِيهِ عُقُوبَتَانِ وَالِاتِّبَاعُ بِالْغُرْمِ عُقُوبَةٌ فَلَمَّا تَعَاقَبَ بِالْقَطْعِ لَمْ يُجْعَلْ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ أُخْرَى وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ إِحْدَى الْمُطَالَبَتَيْنِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ , وَالثَّانِيَةَ مُنْفَصِلَةٌ عَنْهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَالِهِ فَلِذَلِكَ اجْتَمَعَتَا.
‏ ‏( فَرْعٌ ) وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْقَطْعِ مَا أَتْلَفَهُ خَارِجَ الْحِرْزِ وَإِذَا مَا أَتْلَفَهُ دَاخِلَ الْحِرْزِ فَلَا يُسْقِطُهُ عَنْهُ بِالْقَطْعِ فِي يُسْرِهِ وَعُسْرِهِ ; لِأَنَّ الْقَطْعَ إنَّمَا يَجِبُ بِمَا أَخْرَجَهُ مِنْ الْحِرْزِ , وَأَمَّا مَا أَتْلَفَهُ دَاخِلَ الْحِرْزِ فَلَمْ يَجِبْ بِهِ قَطْعٌ فَلَزِمَهُ قِيمَتُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَاسْتَعْدَى عَلَى الْعَبْدِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْوَدِيِّ إنَّمَا اسْتَعْدَى عَلَى الْعَبْدِ فِي أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِ وَدِيَّهُ , وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اسْتَعْدَاهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ طَلَبَهُ بِأَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ فَيَكُونَ مَعْنَاهُ أَعْلَمَهُ مِنْهُ بِمَا يُوجِبُ الْقَطْعَ عَلَيْهِ , وَكَانَ سَبَبًا لِثُبُوتِ ذَلِكَ عِنْدَهُ إمَّا لِأَنَّهُ أَقَامَ عِنْدَهُ بِذَلِكَ بَيِّنَةً أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ سَبَبًا لِإِقْرَارِ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ , وَلَوْ بَلَغَ ذَلِكَ مَرْوَانَ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ صَاحِبِ الْوَدِيِّ لَكَانَ لَهُ قَطْعُهُ ; لِأَنَّ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى مُطَالَبَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَيُقْطَعُ غَابَ أَوْ حَضَرَ , وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ يُحْبَسُ إِلَى أَنْ يَحْضُرَ وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً , وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلِمَ يَفْتَقِرْ إِلَى حُضُورِ مَنْ لَهُ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِهِ أَصْلُ ذَلِكَ الزَّانِي.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ وَأَنَّ مَرْوَانَ سَجَنَ الْعَبْدَ , وَأَرَادَ قَطْعَ يَدِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَجَنَهُ ; لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَتِمَّ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مُنْكِرًا يَسْجُنُهُ لِتَتِمَّ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ وَيَكُونَ مَعْنَى أَرَادَ قَطْعَهُ أَنَّهُ اعْتَقَدَ ذَلِكَ إِنْ تَمَّتْ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ , وَاعْتَقَدَ هُوَ وُجُوبَ الْقَطْعِ وَلَكِنَّهُ سَجَنَهُ إِلَى أَنْ يُشَاوِرَ فِي ذَلِكَ أَهْلَ الْعِلْمِ فَيَعْلَمَ مُوَافَقَتَهُمْ لَهُ عَلَى ذَلِكَ وَمُخَالَفَتَهُمْ فِيهِ , وَلَعَلَّهُ اعْتَقَدَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ عُمُومِ الْآيَةِ أَوْ مِنْ جِهَةِ نَظَرٍ فَيُوقَفُ طَلَبًا أَوْ نَظَرًا أَوْ لِطَلَبِ نَصٍّ أَوْ ظَاهِرِ مُخَالَفَةِ نَظَرِهِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَذَهَبَ سَيِّدُ الْعَبْدِ إِلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ مَا يَجِبُ ذَلِكَ فَإِنْ وَجَبَ الْقَطْعُ اسْتَسْلَمَ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمَّا لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ رَفَعَهُ عَنْ عَبْدِهِ بِإِظْهَارِهِ إِلَى مَرْوَانَ أَوْ لَعَلَّهُ رَجَا أَنْ يَجِدَ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْعُدُولِ عَنْ الْقَطْعِ فَأَخْبَرَهُ رَافِعٌ بِأَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يَقُولُ لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ وَالْكَثَرُ الْجُمَّارُ وَهَذَا خَاصٌّ يَخْتَصُّ بِمَوْضِعِ الْخِلَافِ , وَلَمَّا عَلِمَ ذَلِكَ سَيِّدُ الْعَبْدِ سَأَلَهُ أَنْ يَبْلُغَ مَعَهُ إِلَى مَرْوَانَ وَيُعْلِمَهُ بِمَا عِنْدَهُ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَأَعْلَمَهُ بِمَا يُرِيدُ مِنْ قَطْعِ يَدِهِ بِمَا اعْتَقَدَهُ مِنْ خِلَافِ مَا عِنْدَ رَافِعٍ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ مَعَهُ رَافِعٌ إِلَى مَرْوَانَ قِيَامًا بِالْحَقِّ وَإِظْهَارًا لَهُ لَا سِيَّمَا فِي مَوْضِعٍ يَخَافُ أَنْ يُنْفِذَ غَيْرُهُ خِلَافَهُ فَلَمَّا عَلِمَ مَرْوَانُ بِمَا عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم رَجَعَ عَنْ رَأْيِهِ وَمَا اعْتَقَدَهُ مِنْ قَطْعِ يَدِ الْعَبْدِ , وَأَمَرَ بِهِ فَأُرْسِلَ يُرِيدُ إِلَى صَاحِبِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.


حديث لا قطع في ثمر

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏و حَدَّثَنِي ‏ ‏يَحْيَى ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَالِك ‏ ‏عَنْ ‏ ‏يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ ‏ ‏أَنَّ عَبْدًا سَرَقَ ‏ ‏وَدِيًّا ‏ ‏مِنْ ‏ ‏حَائِطِ ‏ ‏رَجُلٍ فَغَرَسَهُ فِي حَائِطِ سَيِّدِهِ فَخَرَجَ صَاحِبُ الْوَدِيِّ يَلْتَمِسُ وَدِيَّهُ فَوَجَدَهُ ‏ ‏فَاسْتَعْدَى ‏ ‏عَلَى الْعَبْدِ ‏ ‏مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ ‏ ‏فَسَجَنَ ‏ ‏مَرْوَانُ ‏ ‏الْعَبْدَ وَأَرَادَ قَطْعَ يَدِهِ فَانْطَلَقَ سَيِّدُ الْعَبْدِ إِلَى ‏ ‏رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ‏ ‏فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ ‏ ‏فَأَخْبَرَهُ ‏ ‏أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَقُولُ ‏ ‏لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا ‏ ‏كَثَرٍ ‏ ‏وَالْكَثَرُ ‏ ‏الْجُمَّارُ ‏ ‏فَقَالَ الرَّجُلُ فَإِنَّ ‏ ‏مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ ‏ ‏أَخَذَ غُلَامًا لِي وَهُوَ يُرِيدُ قَطْعَهُ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَمْشِيَ ‏ ‏مَعِيَ إِلَيْهِ فَتُخْبِرَهُ بِالَّذِي سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَمَشَى مَعَهُ ‏ ‏رَافِعٌ ‏ ‏إِلَى ‏ ‏مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ ‏ ‏فَقَالَ أَخَذْتَ غُلَامًا لِهَذَا فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ فَمَا أَنْتَ صَانِعٌ بِهِ قَالَ أَرَدْتُ قَطْعَ يَدِهِ ‏ ‏فَقَالَ لَهُ ‏ ‏رَافِعٌ ‏ ‏سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَقُولُ لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا ‏ ‏كَثَرٍ فَأَمَرَ ‏ ‏مَرْوَانُ ‏ ‏بِالْعَبْدِ فَأُرْسِلَ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث موطأ الإمام مالك

أرسله فليس عليه قطع خادمكم سرق متاعكم

عن السائب بن يزيد، أن عبد الله بن عمرو بن الحضرمي جاء بغلام له إلى عمر بن الخطاب فقال له: اقطع يد غلامي هذا فإنه سرق.<br> فقال له عمر: «ماذا سرق؟» فقا...

قال زيد بن ثابت ليس في الخلسة قطع

عن ابن شهاب، أن مروان بن الحكم، أتي بإنسان قد اختلس متاعا فأراد قطع يده.<br> فأرسل إلى زيد بن ثابت يسأله عن ذلك.<br> فقال زيد بن ثابت: «ليس في الخلسة...

إن عمرة تقول لك لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا

عن يحيى بن سعيد، أنه قال: أخبرني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، أنه أخذ نبطيا قد سرق خواتم من حديد.<br> فحبسه ليقطع يده.<br> فأرسلت إليه عمرة بنت عبد...

إن كان يسكر جلدته فجلده عمر الحد تاما

عن السائب بن يزيد، أنه أخبره أن عمر بن الخطاب، خرج عليهم فقال: إني وجدت من فلان ريح شراب.<br> فزعم أنه شراب الطلاء وأنا سائل عما شرب.<br> فإن كان يسكر...

نرى أن تجلده ثمانين فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى...

عن ثور بن زيد الديلي، أن عمر بن الخطاب، استشار في الخمر يشربها الرجل فقال له علي بن أبي طالب: نرى أن تجلده ثمانين.<br> فإنه إذا شرب سكر.<br> وإذا سكر...

جلدوا عبيدهم نصف حد الحر في الخمر

عن ابن شهاب، أنه سئل عن حد العبد في الخمر؟ فقال بلغني «أن عليه نصف حد الحر في الخمر، وأن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن عمر» قد جلدوا عبي...

ما من شيء إلا الله يحب أن يعفى عنه ما لم يكن حدا

عن يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن المسيب، يقول: «ما من شيء إلا الله يحب أن يعفى عنه ما لم يكن حدا»

نهى أن ينبذ في الدباء والمزفت

عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في بعض مغازيه.<br> قال عبد الله بن عمر: فأقبلت نحوه.<br> فانصرف قبل أن أبلغه.<br> فسألت...

رسول الله ﷺ نهى أن ينبذ في الدباء والمزفت

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهى أن ينبذ في الدباء والمزفت»