حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

لا هجرة ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا - صحيح مسلم

صحيح مسلم | كتاب الحج باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها، إلا لمنشد، على الدوام (حديث رقم: 3302 )


3302- عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح - فتح مكة - «لا هجرة، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا» وقال يوم الفتح - فتح مكة - «إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط إلا من عرفها، ولا يختلى خلاها»، فقال العباس: يا رسول الله، إلا الإذخر، فإنه لقينهم ولبيوتهم، فقال: «إلا الإذخر»، عن منصور، في هذا الإسناد، بمثله، ولم يذكر: «يوم خلق السماوات والأرض»، وقال: بدل القتال: «القتل» وقال: «لا يلتقط لقطته إلا من عرفها»

أخرجه مسلم


(لا هجرة) قال العلماء: الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام باقية إلى يوم القيامة.
والمعنى لا هجرة بعد الفتح من مكة: لأنها صارت دار إسلام.
وإنما تكون الهجرة من دار الحرب.
(ولكن جهاد ونية) معناه لكم طريق إلى تحصيل الفضائل التي في معنى الهجرة، وذلك بالجهاد ونية الخير في كل شيء.
(وإذا استنفرتم فانفروا) معناه إذا دعاكم السلطان إلى غزو فاذهبوا.
(لا يعضد) قال أهل اللغة: العضد القطع.
(ولا يختلى خلاها) الخلا هو الرطب من الكلأ.
قالوا: الخلا والعشب اسم للرطب منه.
والحشيش والهشيم اسم لليابس منه.
والكلأ يقع على الرطب واليابس.
ومعنى يختلى يؤخذ ويقطع.
(الإذخر) قال العلايلي في معجمه: الإذخر نبات عشبي، من فصيلة النجيليات، له رائحة ليمونية عطرة، أزهاره تستعمل منقوعا كالشاي، ويقال له أيضا: طيب العرب.
والإذخر المكي من الفصيلة نفسها، جذوره من الأفاويه، ينبت في السهول وفي المواضع الجافة الحارة.
ويقال له أيضا: حلفاء مكة.
(لقينهم ولبيوتهم) القين هو الحداد والصائغ.
ومعناه يحتاج إليه القين في وقود النار.
ويحتاج إليه في القبور لتسد به فرج اللحد المتخللة بين اللبنات.
ويحتاج إليه في سقوف البيوت، يجعل فوق الخشب.
(لقطته) اللقطة اسم الشيء الذي تجده ملقى فتأخذه.
والالتقاط هو أخذه.
وأصل اللقط الأخذ من حيث لا يحس

شرح حديث ( لا هجرة ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا)

شرح النووي على مسلم(المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج): أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ)

‏ ‏قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَوْم الْفَتْح فَتْح مَكَّة : لَا هِجْرَة وَلَكِنْ جِهَاد وَنِيَّة ) ‏ ‏قَالَ الْعُلَمَاء : الْهِجْرَة مِنْ دَار الْحَرْب إِلَى دَار الْإِسْلَام بَاقِيَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , وَفِي تَأْوِيل هَذَا الْحَدِيث قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : لَا هِجْرَة بَعْد الْفَتْح مِنْ مَكَّة ; لِأَنَّهَا صَارَتْ دَار إِسْلَام , وَإِنَّمَا تَكُون الْهِجْرَة مِنْ دَار الْحَرْب , وَهَذَا يَتَضَمَّن مُعْجِزَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهَا تَبْقَى دَار الْإِسْلَام لَا يُتَصَوَّر مِنْهَا الْهِجْرَة.
‏ ‏وَالثَّانِي : مَعْنَاهُ : لَا هِجْرَة بَعْد الْفَتْح فَضْلهَا كَفَضْلِهَا قَبْل الْفَتْح , كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : { لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْل الْفَتْح وَقَاتَلَ.
} الْآيَة.
‏ ‏وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَكِنْ جِهَاد وَنِيَّة ) ‏ ‏فَمَعْنَاهُ : وَلَكِنْ لَكُمْ طَرِيق إِلَى تَحْصِيل الْفَضَائِل الَّتِي فِي مَعْنَى الْهِجْرَة , وَذَلِكَ بِالْجِهَادِ , وَنِيَّة الْخَيْر فِي كُلّ شَيْء.
‏ ‏قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا ) ‏ ‏مَعْنَاهُ : إِذَا دَعَاكُمْ السُّلْطَان إِلَى غَزْو فَاذْهَبُوا , وَسَيَأْتِي بَسْط أَحْكَام الْجِهَاد وَبَيَان الْوَاجِب مِنْهُ فِي بَابه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
‏ ‏قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ هَذَا الْبَلَد حَرَّمَهُ اللَّه يَوْم خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض ).
‏ ‏وَفِي الْأَحَادِيث الْأُخْرَى الَّتِي ذَكَرهَا مُسْلِم بَعْد هَذَا " إِنَّ إِبْرَاهِيم حَرَّمَ مَكَّة " فَظَاهِرهَا الِاخْتِلَاف , وَفِي الْمَسْأَلَة خِلَاف مَشْهُور ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة وَغَيْره مِنْ الْعُلَمَاء فِي وَقْت تَحْرِيم مَكَّة , فَقِيلَ : إِنَّهَا مَا زَالَتْ مُحَرَّمَة مِنْ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَوَات وَالْأَرْض , وَقِيلَ : مَا زَالَتْ حَلَالًا كَغَيْرِهَا إِلَى زَمَن إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ ثَبَتَ لَهَا التَّحْرِيم مِنْ زَمَن إِبْرَاهِيم , وَهَذَا الْقَوْل يُوَافِق الْحَدِيث الثَّانِي , وَالْقَوْل الْأَوَّل يُوَافِق الْحَدِيث الْأَوَّل , وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ , وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيث الثَّانِي بِأَنَّ تَحْرِيمهَا كَانَ ثَابِتًا مِنْ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَوَات وَالْأَرْض , ثُمَّ خَفِيَ تَحْرِيمهَا وَاسْتَمَرَّ خَفَاؤُهُ إِلَى زَمَن إِبْرَاهِيم فَأَظْهَرهُ وَأَشَاعَهُ , لَا أَنَّهُ اِبْتَدَأَهُ , وَمَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي أَجَابَ عَنْ الْحَدِيث الْأَوَّل بِأَنَّ مَعْنَاة : أَنَّ اللَّه كَتَبَ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ أَوْ فِي غَيْره يَوْم خَلَقَ اللَّه تَعَالَى السَّمَوَات وَالْأَرْض : أَنَّ إِبْرَاهِيم سَيُحَرِّمُ مَكَّة بِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى.
وَاَللَّه أَعْلَم.
‏ ‏قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَهُوَ حَرَام بِحُرْمَةِ اللَّه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , وَأَنَّهُ لَمْ يَحِلّ الْقِتَال فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ يَحِلّ لِي إِلَّا سَاعَة مِنْ نَهَار , فَهُوَ حَرَام بِحُرْمَةِ اللَّه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ) ‏ ‏, وَفِي رِوَايَة : ( الْقَتْل ) بَدَل ( الْقِتَال ) , وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى : ( لَا يَحِلّ لِأَحَدٍ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر أَنْ يَسْفِك بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضِد بِهَا شَجَرَة , فَإِنْ أَحَد تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَقُولُوا لَهُ : إِنَّ اللَّه أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَن لَكُمْ , وَإِنَّمَا أُذِنَ لِي فِيهَا سَاعَة مِنْ نَهَار , وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتهَا الْيَوْم كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ وَلِيُبَلِّغ الشَّاهِد الْغَائِب ).
‏ ‏هَذِهِ الْأَحَادِيث ظَاهِرَة فِي تَحْرِيم الْقِتَال بِمَكَّة , قَالَ الْإِمَام أَبُو الْحَسَن الْمَاوَرْدِيُّ الْبَصْرِيّ , صَاحِب الْحَاوِي مِنْ أَصْحَابنَا فِي كِتَابه الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة : مِنْ خَصَائِص الْحَرَم أَلَّا يُحَارَب أَهْله , فَإِنْ بَغَوْا عَلَى أَهْل الْعَدْل فَقَدْ قَالَ بَعْض الْفُقَهَاء : يَحْرُم قِتَالهمْ , بَلْ يُضَيَّق عَلَيْهِمْ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى الطَّاعَة وَيَدْخُلُوا فِي أَحْكَام أَهْل الْعَدْل , قَالَ : وَقَالَ جُمْهُور الْفُقَهَاء : يُقَاتَلُونَ عَلَى بَغْيهمْ إِذَا لَمْ يُمْكِن رَدّهمْ عَنْ الْبَغْي إِلَّا بِالْقِتَالِ ; لِأَنَّ قِتَال الْبُغَاة مِنْ حُقُوق اللَّه الَّتِي لَا يَجُوز إِضَاعَتهَا فَحِفْظهَا أَوْلَى فِي الْحَرَم مِنْ إِضَاعَتهَا.
هَذَا كَلَام الْمَاوَرْدِيُّ , وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ جُمْهُور الْفُقَهَاء هُوَ الصَّوَاب , وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيّ فِي كِتَاب اِخْتِلَاف الْحَدِيث مِنْ كُتُبِ الْإِمَام , وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيّ أَيْضًا فِي آخِر كِتَابه الْمُسَمَّى بِ " سِيَر الْوَاقِدِيّ " مِنْ كُتُب الْأُمّ , وَقَالَ الْقَفَّال الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابنَا فِي كِتَابه " شَرْح التَّلْخِيص " فِي أَوَّل كِتَاب النِّكَاح فِي ذِكْر الْخَصَائِص : لَا يَجُوزُ الْقِتَال بِمَكَّة , قَالَ : حَتَّى لَوْ تَحَصَّنَ جَمَاعَة مِنْ الْكُفَّار فِيهَا لَمْ يَجُزْ لَنَا قِتَالهمْ فِيهَا , وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَفَّال غَلَط , نَبَّهْت عَلَيْهِ حَتَّى لَا يُغْتَرّ بِهِ.
‏ ‏وَأَمَّا الْجَوَاب عَنْ الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة هُنَا فَهُوَ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّافِعِيّ فِي كِتَابه " سِيَر الْوَاقِدِيّ " أَنَّ مَعْنَاهَا : تَحْرِيم نَصْب الْقِتَال عَلَيْهِمْ , وَقِتَالهمْ بِمَا يَعُمّ كَالْمَنْجَنِيقِ وَغَيْره إِذَا أَمْكَنَ إِصْلَاح الْحَال بِدُونِ ذَلِكَ , بِخِلَافِ مَا إِذَا تَحَصَّنَ الْكُفَّار فِي بَلَد آخَر , فَإِنَّهُ يَجُوز قِتَالهمْ عَلَى كُلّ وَجْه وَبِكُلِّ شَيْء.
وَاَللَّه أَعْلَم.
‏ ‏قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يُعْضَد شَوْكه.
وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا ) , وَفِي رِوَايَة : ( لَا تُعْضَد بِهَا شَجَرَة ) وَفِي رِوَايَة : ( لَا يُخْتَلَى شَوْكهَا ) , وَفِي رِوَايَة : ( لَا يُخْبَط شَوْكهَا ) قَالَ أَهْل اللُّغَة : ( الْعَضْد ) الْقَطْع , وَ ( الْخَلَا ) : - بِفَتْحِ الْخَاء الْمُعْجَمَة مَقْصُور - هُوَ الرَّطْب مِنْ الْكَلَأ , وَقَالُوا : الْخَلَا وَالْعُشْب اِسْم لِلرَّطْبِ مِنْهُ , وَالْحَشِيش وَالْهَشِيم اِسْم لِلْيَابِسِ مِنْهُ , وَ ( الْكَلَأ ) مَهْمُوز يَقَع عَلَى الرَّطْب وَالْيَابِس , وَعَدَّ اِبْن مَكِّيّ وَغَيْره مِنْ لَحْن الْعَوَامّ إِطْلَاقهمْ اِسْم الْحَشِيش عَلَى الرَّطْب , بَلْ هُوَ مُخْتَصّ بِالْيَابِسِ , وَمَعْنَى ( يُخْتَلَى ) : يُؤْخَذ وَيُقْطَع , وَمَعْنَى ( يُخْبَط ) : يُضْرَب بِالْعَصَا وَنَحْوهَا لِيَسْقُط وَرَقه , وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى تَحْرِيم قَطْع أَشْجَارهَا الَّتِي لَا يَسْتَنْبِتهَا الْآدَمِيُّونَ فِي الْعَادَة , وَعَلَى تَحْرِيم قَطْع خَلَاهَا , وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُنْبِتهُ الْآدَمِيُّونَ , وَاخْتَلَفُوا فِي ضَمَان الشَّجَر إِذَا قَطَعَهُ , فَقَالَ مَالِك : يَأْثَم وَلَا فِدْيَة عَلَيْهِ , وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة : عَلَيْهِ الْفِدْيَة , وَاخْتَلَفَا فِيهَا ; فَقَالَ الشَّافِعِيّ : فِي الشَّجَرَة الْكَبِيرَة بَقَرَة , وَفِي الصَّغِيرَة شَاة , وَكَذَا جَاءَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَابْن الزُّبَيْر , وَبِهِ قَالَ أَحْمَد , وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : الْوَاجِب فِي الْجَمِيع الْقِيمَة , قَالَ الشَّافِعِيّ : وَيَضْمَن الْخَلَا بِالْقِيمَةِ , وَيَجُوز عِنْد الشَّافِعِيّ وَمَنْ وَافَقَهُ رَعْي الْبَهَائِم فِي كَلَأ الْحَرَم , وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَحْمَد وَمُحَمَّد : لَا يَجُوز.
‏ ‏وَأَمَّا صَيْد الْحَرَم فَحَرَام بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْحَلَال وَالْمُحْرِم , فَإِنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاء عِنْد الْعُلَمَاء كَافَّة إِلَّا دَاوُدَ فَقَالَ : يَأْثَم وَلَا جَزَاء عَلَيْهِ , وَلَوْ دَخَلَ صَيْد مِنْ الْحِلّ إِلَى الْحَرَم فَلَهُ ذَبْحه وَأَكْله وَسَائِر أَنْوَاع التَّصَرُّف فِيهِ , هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب مَالِك وَدَاوُد , وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَحْمَد : لَا يَجُوز ذَبْحه وَلَا التَّصَرُّف فِيهِ , بَلْ يَلْزَمهُ إِرْسَاله , قَالَا : فَإِنْ أَدْخَلَهُ مَذْبُوحًا جَازَ أَكْله , وَقَاسُوهُ عَلَى الْمُحْرِم , وَاحْتَجَّ أَصْحَابنَا وَالْجُمْهُور بِحَدِيثِ : " يَا أَبَا عُمَيْر مَا فَعَلَ النُّغَيْر " وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا إِذَا دَخَلَ مِنْ الْحِلّ شَجَرَة أَوْ كَلَأ , وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدِ حَرَم.
‏ ‏قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يُعْضَد شَوْكه ) ‏ ‏فِيهِ دَلَالَة لِمَنْ يَقُول بِتَحْرِيمِ جَمِيع نَبَات الْحَرَم مِنْ الشَّجَر وَالْكَلَأ , سَوَاء الشَّوْك الْمُؤْذِي وَغَيْره , وَهُوَ الَّذِي اِخْتَارَهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَصْحَابنَا , وَقَالَ جُمْهُور أَصْحَابنَا : لَا يَحْرُمُ الشَّوْك ; لِأَنَّهُ مُؤْذٍ , فَأَشْبَهَ الْفَوَاسِق الْخَمْس , وَيَخُصُّونَ الْحَدِيث بِالْقِيَاسِ , وَالصَّحِيح مَا اِخْتَارَهُ الْمُتَوَلِّي.
وَاَللَّه أَعْلَم.
‏ ‏قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلّ الْقِتَال فِيهِ لِأَحَدٍ مِنْ قَبْلِي , وَلَمْ يَحِلّ لِي إِلَّا سَاعَة مِنْ نَهَار ) هَذَا مِمَّا يَحْتَجّ بِهِ مَنْ يَقُول : إِنَّ مَكَّة فُتِحْت عَنْوَة , وَهُوَ مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة وَكَثِيرِينَ أَوْ الْأَكْثَرِينَ , وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَغَيْره : فُتِحَتْ صُلْحًا , وَتَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ الْقِتَال كَانَ جَائِزًا لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَكَّة , وَلَوْ اِحْتَاجَ إِلَيْهِ لَفَعَلَهُ , وَلَكِنْ مَا اِحْتَاجَ إِلَيْهِ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
‏ ‏قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَا يُنَفَّر صَيْده ) ‏ ‏تَصْرِيح بِتَحْرِيمِ التَّنْفِير , وَهُوَ الْإِزْعَاج وَتَنْحِيَته مِنْ مَوْضِعه , فَإِنْ نَفَّرَهُ عَصَى , سَوَاء تَلِفَ أَمْ لَا , لَكِنْ إِنْ تَلِفَ فِي نِفَارَه قَبْل سُكُون نِفَاره ضَمِنَهُ الْمُنَفِّر , وَإِلَّا فَلَا ضَمَان , قَالَ الْعُلَمَاء : وَنَبَّهَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّنْفِيرِ عَلَى الْإِتْلَاف وَنَحْوه , لِأَنَّهُ إِذَا حَرُمَ التَّنْفِير فَالْإِتْلَاف أَوْلَى.
‏ ‏قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَته إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا ) ‏ ‏, وَفِي رِوَايَة : ( لَا تَحِلّ لُقَطَتهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ ).
الْمُنْشِد : هُوَ الْمُعَرِّف , وَأَمَّا طَالِبهَا فَيُقَال لَهُ : نَاشِد , وَأَصْل النَّشْد وَالْإِنْشَاد رَفْع الصَّوْت.
‏ ‏وَمَعْنَى الْحَدِيث لَا تَحِلّ لُقَطَتهَا لِمَنْ يُرِيد أَنْ يُعَرِّفهَا سَنَة ثُمَّ يَتَمَلَّكهَا كَمَا فِي بَاقِي الْبِلَاد , بَلْ لَا تَحِلّ إِلَّا لِمَنْ يُعَرِّفهَا أَبَدًا.
وَلَا يَتَمَلَّكهَا , وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيّ وَعَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ وَأَبُو عُبَيْد وَغَيْرهمْ , وَقَالَ مَالِك : يَجُوز تَمَلُّكهَا بَعْد تَعَرُّفهَا سَنَة , كَمَا فِي سَائِر الْبِلَاد , وَبِهِ قَالَ بَعْض أَصْحَاب الشَّافِعِيّ , وَيَتَأَوَّلُونَ الْحَدِيث تَأْوِيلَات ضَعِيفَة , وَ ( اللُّقَطَة ) بِفَتْحِ الْقَاف عَلَى اللُّغَة الْمَشْهُورَة , وَقِيلَ : بِإِسْكَانِهَا وَهِيَ الْمَلْقُوط.
‏ ‏قَوْله : ( إِلَّا الْإِذْخِر ) ‏ ‏هُوَ نَبْت مَعْرُوف طَيِّب الرَّائِحَة , وَهُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَالْخَاء.
‏ ‏قَوْله : ( فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتهمْ ) ‏ ‏, وَفِي رِوَايَة : ( نَجْعَلهُ فِي قُبُورنَا وَبُيُوتنَا ).
( قَيْنهمْ ) بِفَتْحِ الْقَاف , هُوَ الْحَدَّاد وَالصَّائِغ , وَمَعْنَاهُ : يَحْتَاج إِلَيْهِ الْقَيْن فِي وُقُود النَّار , وَيَحْتَاج إِلَيْهِ فِي الْقُبُور لِتُسَدّ بِهِ فُرَج اللَّحْد الْمُتَخَلِّلَة بَيْن اللَّبِنَات , وَيُحْتَاج إِلَيْهِ فِي سُقُوف الْبُيُوت يُجْعَل فَوْق الْخَشَب.
‏ ‏قَوْله : ( فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِلَّا الْإِذْخِر ) ‏ ‏هَذَا مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي الْحَال بِاسْتِثْنَاءِ الْإِذْخِر وَتَخْصِيصه مِنْ الْعُمُوم , أَوْ أُوحِيَ إِلَيْهِ قَبْل ذَلِكَ أَنَّهُ إِنْ طَلَبَ أَحَد اِسْتِثْنَاء شَيْء فَاسْتَثْنِهِ , أَوْ أَنَّهُ اِجْتَهَدَ فِي الْجَمِيع.
وَاَللَّه أَعْلَم.


حديث لا هجرة ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا وقال يوم الفتح فتح مكة

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ ‏ ‏أَخْبَرَنَا ‏ ‏جَرِيرٌ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَنْصُورٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مُجَاهِدٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏طَاوُسٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ عَبَّاسٍ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏يَوْمَ الْفَتْحِ فَتْحِ ‏ ‏مَكَّةَ ‏ ‏لَا هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا ‏ ‏اسْتُنْفِرْتُمْ ‏ ‏فَانْفِرُوا ‏ ‏وَقَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَتْحِ ‏ ‏مَكَّةَ ‏ ‏إِنَّ هَذَا ‏ ‏الْبَلَدَ ‏ ‏حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا ‏ ‏يُعْضَدُ ‏ ‏شَوْكُهُ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ وَلَا يَلْتَقِطُ إِلَّا مَنْ ‏ ‏عَرَّفَهَا ‏ ‏وَلَا ‏ ‏يُخْتَلَى ‏ ‏خَلَاهَا ‏ ‏فَقَالَ ‏ ‏الْعَبَّاسُ ‏ ‏يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا ‏ ‏الْإِذْخِرَ ‏ ‏فَإِنَّهُ ‏ ‏لِقَيْنِهِمْ ‏ ‏وَلِبُيُوتِهِمْ فَقَالَ إِلَّا ‏ ‏الْإِذْخِرَ ‏ ‏و حَدَّثَنِي ‏ ‏مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏يَحْيَى بْنُ آدَمَ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏مُفَضَّلٌ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَنْصُورٍ ‏ ‏فِي هَذَا الْإِسْنَادِ ‏ ‏بِمِثْلِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَقَالَ بَدَلَ الْقِتَالِ الْقَتْلَ وَقَالَ لَا يَلْتَقِطُ ‏ ‏لُقَطَتَهُ ‏ ‏إِلَّا مَنْ ‏ ‏عَرَّفَهَا ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

أحاديث أخرى من صحيح مسلم

إن كان في شيء ففي الربع والخادم والفرس

عن جابر يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن كان في شيء ففي الربع، والخادم، والفرس»

الشهر هكذا وهكذا وهكذا عشرا وعشرا وتسعا

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الشهر هكذا، وهكذا وهكذا، عشرا، وعشرا، وتسعا»

إن بالمدينة نفرا من الجن قد أسلموا فمن رأى شيئا من...

عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعته قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن بالمدينة نفرا من الجن قد أسلموا، فمن رأى شيئا من هذه العوامر فليؤذنه ثلاثا،...

لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف

عن علي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشا، وأمر عليهم رجلا، فأوقد نارا، وقال: ادخلوها، فأراد ناس أن يدخلوها، وقال الآخرون: إنا قد فررنا منها، ف...

ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره

عن أبو الزبير، أن عليا الأزدي، أخبره أن ابن عمر علمهم؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر، كبر ثلاثا، ثم قال: «سبحا...

من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله كما يذوب الملح

عن سعد بن أبي وقاص يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أراد أهل المدينة بسوء، أذابه الله كما يذوب الملح في الماء".<br> وحدثنا قتيبة بن سعيد....

لبيك عمرة وحجا لبيك عمرة وحجا

عن يحيى بن أبي إسحاق، وعبد العزيز بن صهيب، وحميد، أنهم سمعوا أنسا رضي الله عنه، قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بهما جميعا: §لبيك عمرة وح...

إن الله قد أمده لرؤيته فإن أغمي عليكم فأكملوا العد...

عن عمرو بن مرة، قال: سمعت أبا البختري، قال: أهللنا رمضان ونحن بذات عرق، فأرسلنا رجلا إلى ابن عباس رضي الله عنهما يسأله، فقال ابن عباس رضي الله عنهما،...

صلاها بين العشاءين بين المغرب والعشاء

عن علي؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم الأحزاب "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر.<br> ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا".<br> ثم صلاها بين...