حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

لا يسألوني اليوم خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها - سنن أبي داود

سنن أبي داود | كتاب الجهاد باب في صلح العدو (حديث رقم: 2765 )


2765- عن المسور بن مخرمة، قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم بالعمرة - وساق الحديث - قال: وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته، فقال الناس: حل، حل خلأت القصواء مرتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما خلأت، وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل».
ثم قال: «والذي نفسي بيده، لا يسألوني اليوم خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها»، ثم زجرها فوثبت، فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء، فجاءه بديل بن ورقاء الخزاعي، ثم أتاه - يعني عروة بن مسعود - فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فكلما كلمه أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على النبي صلى الله عليه وسلم ومعه السيف وعليه المغفر، فضرب يده بنعل السيف، وقال: أخر يدك عن لحيته، فرفع عروة رأسه، فقال: من هذا؟ قالوا: المغيرة بن شعبة، فقال: أي غدر أو لست أسعى في غدرتك، وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما الإسلام فقد قبلنا، وأما المال فإنه مال غدر لا حاجة لنا فيه» - فذكر الحديث - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله» وقص الخبر - فقال سهيل: وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا، فلما فرغ من قضية الكتاب قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «قوموا فانحروا، ثم احلقوا».
ثم جاء نسوة مؤمنات مهاجرات - الآية - فنهاهم الله أن يردوهن وأمرهم أن يردوا الصداق، ثم رجع إلى المدينة فجاءه أبو بصير رجل من قريش يعني، فأرسلوا في طلبه فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به حتى إذ بلغا ذا الحليفة نزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدا، فاستله الآخر فقال: أجل قد جربت به.
فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه فأمكنه منه، فضربه حتى برد، وفر الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد رأى هذا ذعرا».
فقال: قد قتل والله صاحبي، وإني لمقتول، فجاء أبو بصير فقال: قد أوفى الله ذمتك فقد رددتني إليهم، ثم نجاني الله منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد، فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر وينفلت أبو جندل فلحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة

أخرجه أبو داوود


إسناده صحيح.
الزهري: هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب, ومعمر: هو ابن راشد، ومحمد بن عبيد: هو ابن حساب الغبري.
وأخرجه بأطول مما هاهنا بقصة صلح الحديبية جميعها البخاري (٢٧٣١) (٢٧٣٢) من طريق عبد الرزاق، عن معمر، بهذا الإسناد.
وأخرج قصة الخروج إلى العمرة وإشعار الهدي وتقليده البخاري (١٦٩٤) (١٦٩٥)، والنسائي (٢٧٧١) من طريقين عن معمر، به.
وأخرج قصة المهاجرات البخاري (٢٧١١) و (٢٧١٢) من طريق عقيل بن خالد، ابن شهاب الزهري، به.
وهو في "مسند أحمد" (١٨٩٠٩) و (١٨٩١٠) و (١٨٩٢٨)، و"ابن حبان" (٤٨٧٢).
وقد سلفت قصة الخروج للعمرة وإشعار الهدي وتقليده عند المصنف برقم وستأتي عنده قصة عروة بن مسعود مع المغيرة بن شعبة برقم (٤٦٥٥).
قال الخطابي: قوله: "حل حل": كلمة معناها الزجر، يقال في زجر البعير: حل -بالتخفيف- ويقال: حلحلت الإبل إذا زجرتها لتنبعث.
وأما قوله: "خلأت القصواء" فإن.
الخلأ في الإبل، كالحران في الخيل، ومنه قول زهير: بآرزة الفقارة لم يخنها .
قطاف في الركاب ولا خلاء والقصواء: اسم ناقته، وكانت مقصوة الأذن -وهو أن يقطع طرفا من الأذن- يقال: نافة قصواء، ولم يقولوا: جمل أقصى، ومعناه المقصوة، جاء بلفظ فاعل ومعناه مفعول.
وقوله: "ما خلأت، وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل" يريد أن الخلاء لم يكن لها بخلق فيما مضى، ولكن الله حبسها عن دخول مكة كما حبس الفيل حين جاء به أبرهة الحبشي يريد هدم الكعبة واستباحة الحرم، ويشبه أن يكون المعنى في ذلك، وفي التمثيل بحبس الفيل أن أصحابه لو دخلوا مكة لوقع بينهم وبين قريش قتال في الحرم وأريق فيه دماء، وكان منه الفساد والفناء، ولعل الله سبحانه قد سبق في علمه ومضى في قضائه أنه سيسلم جماعة من أولئك الكفار في غابر الزمان، وسيخرج من أصلابهم قوم مؤمنون يعبدون الله ويوحدونه، فلو استبيحت مكة، وأتى القتل عليهم لانقطع ذلك النسل، ولبطلت تلك العواقب.
وقوله: "والذى نفسي بيده، لا يسألوني اليوم خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها" يريد -والله أعلم- المصالحة والجنوح إلى المسالمة، وترك القتال في الحرم، والكف عن إراقة الدم فيه، وهو معنى تعظيم حرمات الله.
وقوله: "حتى نزل على ثمد"، فالثمد: الماء القليل، ويقال: ماء مثمود إذا كثرت عليه الشفاه حتى يفنى وينزف.
قال: وأما مس عروة بن مسعود لحية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أثناء مخاطبته وتناوله إياها بيده، فإن ذلك شكل من أشكال العرب وعادة من عاداتهم، يفعل الرجل ذلك بصاحبه إذا حدثه، ويجري ذلك مجرى الملاطفة من بعضهم، وكان -صلى الله عليه وسلم- لا يدفعه عن ذلك، استمالة لقلبه، ولما كان يرجوه من إسلامه، ثم هداه الله بعد فحسن إسلامه، وكان رئيسا في ثقيف، وكان المغيرة بن شعبة يمنعه من ذلك الفعل تعظيما لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتوقيرا له وإجلالا لقدره.
وإنما يفعل الرجل ذلك بنظيره وخليطه المساوي له في الدرجة والمنزلة.
قال: وفي قيام المغيرة على رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دليل على أن إقامة الرئيس الرجال على رأسه في مقام الخوف ومواطن الحروب جائز، وأن الذي نهى عنه وتوعد فيه من قوله: "من أراد أن يمثل له الرجال صفوفا فليتبوأ مقعده من النار" إنما هو فيمن فعل ذلك قاصدا به الكبر، وذاهبا فيه مذاهب النخوة والجبرية.
وقوله: "أي غدر" فهو نعت، ينعت الرجل به عند المبالغة في الغدر.
وفي قوله -صلى الله عليه وسلم- للمغيرة: "أما الإسلام فقد قبلنا، وأما المال، فإنه مال غدر، لا حاجة لنا فيه" دليل على أن أموال أهل الشرك -وإن كانت مباحة للمسلمين مغنومة إذا أخذوها منهم قهرا- فإنها ممنوعة بالأمان لهم، مردودة إلى أربابها إذا أخذت في حال المسالمة والأمان، وذلك أن المغيرة إنما صحبهم صحبة الرفقاء في الأسفار"، والرفيق في السفر يأمن رفيقه على نفسه وماله، فكان ما أتاه المغيرة من سفك دمائهم وأخذ أموالهم غدرا منه، والغدر محظور غير جائز، والأمانة مؤادة إلى البر والفاجر.
ثم قال الخطابي: وفي إجابته -صلى الله عليه وسلم- إياهم إلى ذلك أن يرد إلى الكفار من جاءه منهم مسلما، دليل على جواز أن يقر الإمام فيما يصالح عليه العدو ببعض ما فيه الضيم على أهل الدين إذا كان يرجو لذلك فيما يستقبله عاقبة حميدة، سيما إذا وافق ذلك زمان ضعف المسلمين عن مقاومة الكفار، وخوفهم الغلبة منهم.
قال: وفي أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بعد فراغه من الكتاب أن ينحروا ويحلقوا رؤوسهم، دليل على أن من أحرم بحج أو عمرة فأحصر بعدو، فإنه ينحر الهدي مكانه ويحل، وإن لم يكن بلغ هديه الحرم، والموضع الذي نحر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هديه فيه بالحديبية حل، إذ كان مصدودا عن دخول الحرم.
وقوله في قصة أبي بصير: "فضربه بالسيف حتى برد" معناه حتى مات وسكنت منه حرارة الحياة، وأصل البرد: السكون والثبوت.
وقوله: "ويل أمه مسعر حرب" كلمة تعجب، يصفه بالمبالغة في الحروب، وجودة معالجتها، وسرعة النهوض فيها، يقال: فلان مسعر حرب: إذا كان أول من يوقد نارها ويصلى حرها، من قولك: سعرت النار، إذا أوقدتها، ومنه السعير: وهو النار الموقدة.

شرح حديث ( لا يسألوني اليوم خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها)

عون المعبود على شرح سنن أبي داود: أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي

‏ ‏( زَمَن الْحُدَيْبِيَة ) ‏ ‏: بِضَمِّ الْحَاء الْمُهْمَلَة وَفَتْح الدَّال الْمُهْمَلَة قَالَ فِي النِّهَايَة قَرْيَة قَرِيبَة مِنْ مَكَّة سُمِّيَتْ بِبِئْرٍ هُنَاكَ وَهِيَ مُخَفَّفَة الْيَاء وَكَثِير مِنْ الْمُحَدِّثِينَ يُشَدِّدُونَهَا.
وَقَالَ الْحَافِظ : هِيَ بِئْر سُمِّيَ الْمَكَان بِهَا.
قَالَ وَوَقَعَ عِنْد اِبْن سَعْد أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْم الِاثْنَيْنِ لِهِلَالِ ذِي الْقَعْدَة ‏ ‏( فِي بِضْع عَشْرَة مِائَة ) ‏ ‏: الْبِضْع بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَة وَبِفَتْحٍ مَا بَيْن الثَّلَاثَة إِلَى التِّسْعَة.
‏ ‏وَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَاف فِي عَدَد أَهْل الْحُدَيْبِيَة , ذَكَرَهُ الْحَافِظ فِي الْفَتْح فِي الْمَغَازِي , فَقَدْ جَاءَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَرْبَع عَشَر مِائَة أَوْ خَمْس عَشَر مِائَة , وَذَكَرُوا فِي التَّوْفِيق أَنَّهُمْ أَوَّل مَا خَرَجُوا كَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعمِائَةٍ ثُمَّ زَادُوا.
قَالَهُ السِّنْدِيُّ ‏ ‏( قَلَّدَ الْهَدْي وَأَشْعَرَهُ ) ‏ ‏: تَقْلِيده أَنْ يُعَلَّق شَيْء عَلَى عُنُق الْبَدَنَة لِيُعْلَم أَنَّهَا هَدْي وَإِشْعَاره أَنْ يُطَعْنَ فِي سَنَامه الْأَيْمَن أَوْ الْأَيْسَر حَتَّى يَسِيل الدَّم مِنْهُ لِيُعْلَم أَنَّهُ هَدْي قَالَهُ اِبْن الْمَلَك ‏ ‏( بِالثَّنِيَّةِ ) ‏ ‏بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّة وَهِيَ الْجَبَل الَّذِي عَلَيْهِ الطَّرِيق ‏ ‏( الَّتِي يُهْبَط ) ‏ ‏: بِصِيغَةِ الْمَجْهُول ‏ ‏( عَلَيْهِمْ ) ‏ ‏: أَيْ عَلَى أَهْل مَكَّة ‏ ‏( مِنْهَا ) ‏ ‏: أَيْ مِنْ الثَّنِيَّة ‏ ‏( بَرَكَتْ بِهِ ) ‏ ‏: أَيْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْبَاء لِلْمُصَاحَبَةِ ‏ ‏( حَلْ - حَلْ ) ‏ ‏: بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَسُكُون اللَّام كَلِمَة تُقَال لِلنَّاقَةِ إِذَا تَرَكَتْ السَّيْر وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : إِنْ قُلْت حَلْ وَاحِدَة فَالسُّكُون وَإِنْ أَعَدْتهَا نُوِّنَتْ فِي الْأُولَى وَسُكِّنَتْ فِي الثَّانِيَة.
وَحَكَى غَيْره السُّكُون فِيهِمَا وَالتَّنْوِين كَنَظِيرِهِ فِي بَخٍ بَخٍ ذَكَرَهُ الْحَافِظ ‏ ‏( خَلَأَتْ ) ‏ ‏: بِفَتْحِ الْخَاء الْمُعْجَمَة وَاللَّام وَالْهَمْزَة أَيْ بَرَكَتْ مِنْ غَيْر عِلَّة وَحَرَنَتْ ‏ ‏( الْقَصْوَى ) ‏ ‏: كَذَا فِي بَعْض النُّسَخ وَفِي بَعْضهَا الْقَصْوَاء بِالْمَدِّ.
‏ ‏قَالَ الْحَافِظ هُوَ اِسْم نَاقَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقِيلَ كَانَ طَرَف أُذُنهَا مَقْطُوعًا , وَالْقَصْو قَطْع طَرَف الْأُذُن , قَالَ وَكَانَ الْقِيَاس أَنْ تَكُون بِالْقَصْرِ , وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي بَعْض نُسَخ أَبِي ذَرّ.
وَزَعَمَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّهَا لَا تُسْبَق فَقِيلَ لَهَا الْقَصْوَاء لِأَنَّهَا بَلَغَتْ مِنْ السَّبَق أَقْصَاهُ ‏ ‏( مَا خَلَأَتْ ) ‏ ‏: أَيْ الْقَصْوَاء.
قَالَ الْقَارِيّ : أَيْ لِلْعِلَّةِ الَّتِي تَظُنُّونَهَا.
اِنْتَهَى ‏ ‏( وَمَا ذَلِكَ ) ‏ ‏: أَيْ الْخَلَاء وَهُوَ لِلنَّاقَةِ كَالْحِرَانِ لِلْفَرَسِ ‏ ‏( لَهَا بِخُلُقٍ ) ‏ ‏بِضَمَّتَيْنِ وَيُسَكَّن الثَّانِي أَيْ بِعَادَةٍ ‏ ‏( وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِس الْفِيل ) ‏ ‏: زَادَ اِبْن إِسْحَاق فِي رِوَايَته عَنْ مَكَّة أَيْ حَبَسَهَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ دُخُول مَكَّة كَمَا حَبَسَ الْفِيل عَنْ دُخُولهَا.
وَقِصَّة الْفِيل مَشْهُورَة , وَمُنَاسِبَة ذِكْرهَا أَنَّ الصَّحَابَة لَوْ دَخَلُوا مَكَّة عَلَى تِلْكَ الصُّورَة وَصَدَّهُمْ قُرَيْش عَنْ ذَلِكَ لَوَقَعَ بَيْنهمْ قِتَال قَدْ يُفْضِي إِلَى سَفْك الدِّمَاء وَنَهْب الْأَمْوَال كَمَا لَوْ قُدِّرَ دُخُول الْفِيل وَأَصْحَابه مَكَّة لَكِنْ سَبَقَ فِي عِلْم اللَّه تَعَالَى فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَنَّهُ سَيَدْخُلُ فِي الْإِسْلَام خَلْق مِنْهُمْ , وَيَسْتَخْرِج مِنْ أَصْلَابهمْ نَاس يُسْلِمُونَ وَيُجَاهِدُونَ.
وَكَانَ بِمَكَّة فِي الْحُدَيْبِيَة جَمْع كَثِير مُؤْمِنُونَ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ فَلَوْ طَرَقَ الصَّحَابَة مَكَّة لَمَا أُمِنَ أَنْ يُصَاب نَاس مِنْهُمْ بِغَيْرِ عَمْد كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ تَعَالَى فِي قَوْله { وَلَوْلَا رِجَال مُؤْمِنُونَ } الْآيَة.
كَذَا فِي فَتْح الْبَارِي ‏ ‏( لَا يَسْأَلُونِي ) ‏ ‏: بِتَخْفِيفِ النُّون وَيُشَدَّد , وَضَمِير الْجَمْع لِأَهْلِ مَكَّة , وَالْمَعْنَى لَا يَطْلُبُونَنِي ‏ ‏( خُطَّة ) ‏ ‏: بِضَمِّ الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْدِيد الْمُهْمَلَة أَيْ خَصْلَة ‏ ‏( يُعَظِّمُونَ بِهَا حُرُمَات اللَّه ) ‏ ‏: أَيْ مِنْ تَرْك الْقِتَال فِي الْحَرَم.
‏ ‏قَالَ الْخَطَّابِيُّ : مَعْنَى تَعْظِيم حُرُمَات اللَّه فِي هَذِهِ الْقِصَّة تَرْك الْقِتَال فِي الْحَرَم وَالْجُنُوح إِلَى الْمُسَالَمَة وَالْكَفّ عَنْ إِرَادَة سَفْك الدِّمَاء.
كَذَا فِي النَّيْل ‏ ‏( إِلَّا أَعْطَيْتهمْ إِيَّاهَا ) ‏ ‏: أَيْ أَجَبْتهمْ إِلَيْهَا وَالضَّمِير الْمَنْصُوب لِلْخُطَّةِ ‏ ‏( ثُمَّ زَجَرَهَا ) ‏ ‏: أَيْ الْقَصْوَاء ‏ ‏( فَوَثَبَتْ ) ‏ ‏: أَيْ قَامَتْ بِسُرْعَةٍ ‏ ‏( فَعَدَلَ عَنْهُمْ ) ‏ ‏: أَيْ مَالَ عَنْ طَرِيق أَهْل مَكَّة وَدُخُولهَا وَتَوَجَّهَ غَيْر جَانِبهمْ.
قَالَهُ الْقَارِيّ ‏ ‏( بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَة ) ‏ ‏: أَيْ بِآخِرِهَا مِنْ جَانِب الْحَرَم ‏ ‏( عَلَى ثَمَد ) ‏ ‏: بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَة وَالْمِيم أَيْ حَفِيرَة فِيهَا مَاء مَثْمُود أَيْ قَلِيل , وَقَوْله قَلِيل الْمَاء تَأْكِيد لِدَفْعِ تَوَهُّم أَنْ يُرَاد لُغَة مَنْ يَقُول إِنَّ الثَّمَد الْمَاء الْكَثِير.
قَالَهُ الْحَافِظ ‏ ‏( فَجَاءَهُ ) ‏ ‏: أَيْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏( بُدَيْل ) ‏ ‏: بِالتَّصْغِيرِ ‏ ‏( ثُمَّ أَتَاهُ ) ‏ ‏: الضَّمِير الْمَنْصُوب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفَاعِله عُرْوَة بْن مَسْعُود كَمَا فَسَّرَهُ الرَّاوِي ‏ ‏( أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ ) ‏ ‏: أَيْ لِحْيَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ عَادَة الْعَرَب أَنْ يَتَنَاوَل الرَّجُل لِحْيَة مَنْ يُكَلِّمهُ لَا سِيَّمَا عِنْد الْمُلَاطَفَة ‏ ‏( قَائِم عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ‏ ‏: أَيْ بِقَصْدِ الْحِرَاسَة وَنَحْوهَا مِنْ تَرْهِيب الْعَدُوّ ‏ ‏( فَضَرَبَ ) ‏ ‏: أَيْ الْمُغِيرَة ‏ ‏( يَده ) ‏ ‏: أَيْ يَد عُرْوَة حِين أَخَذَ لِحْيَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِجْلَالًا لَهُ لِأَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَصْنَع النَّظِير بِالنَّظِيرِ وَكَانَ عُرْوَة عَمّ الْمُغِيرَة ‏ ‏( بِنَعْلِ السَّيْف ) ‏ ‏: هُوَ مَا يَكُون أَسْفَل الْقِرَاب مِنْ فِضَّة أَوْ غَيْرهَا ‏ ‏( أَيْ غُدَر ) ‏ ‏: بِوَزْنِ عُمَر مَعْدُول عَنْ غَادِر مُبَالَغَة فِي وَصْفه بِالْغَدْرِ ‏ ‏( أَوَ لَسْت أَسْعَى فِي غَدْرَتك ) ‏ ‏: أَيْ فِي دَفْع شَرّ غَدْرَتك وَفِي إِطْفَاء شَرّك وَجِنَايَتك بِبَذْلِ الْمَال.
قَالَ اِبْن هِشَام فِي السِّيرَة : أَشَارَ عُرْوَة بِهَذَا إِلَى مَا وَقَعَ لِلْمُغِيرَةِ قَبْل إِسْلَامه , وَذَلِكَ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ ثَلَاثَة عَشَر نَفَرًا مِنْ ثَقِيف مِنْ بَنِي مَالِك فَغَدَرَ بِهِمْ وَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالهمْ , فَتَهَايَجَ الْفَرِيقَانِ بَنُو مَالِك وَالْأَحْلَاف رَهْط الْمُغِيرَة فَسَعَى عُرْوَة بْن مَسْعُود عَمّ الْمُغِيرَة حَتَّى أَخَذُوا مِنْهُ دِيَة ثَلَاثَة عَشَر نَفْسًا وَاصْطَلَحُوا.
وَفِي الْقِصَّة طُول.
قَالَ الْحَافِظ : وَقَدْ سَاقَ اِبْن الْكَلْبِيّ وَالْوَاقِدِيّ الْقِصَّة وَحَاصِلهَا أَنَّهُمْ كَانُوا خَرَجُوا زَائِرِينَ الْمُقَوْقَس بِمِصْرَ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ وَأَعْطَاهُمْ وَقَصَّرَ بِالْمُغِيرَةِ فَحَصَلَتْ لَهُ الْغَيْرَة مِنْهُمْ , فَلَمَّا كَانُوا بِالطَّرِيقِ شَرِبُوا الْخَمْر فَلَمَّا سَكِرُوا وَثَبَ الْمُغِيرَة فَقَتَلَهُمْ وَلَحِقَ بِالْمَدِينَةِ فَأَسْلَمَ.
‏ ‏( لَا حَاجَة لَنَا فِيهِ ) ‏ ‏: لِكَوْنِهِ مَأْخُوذًا عَلَى طَرِيقَة الْغَدْر.
وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَحِلّ أَخْذ أَمْوَال الْكُفَّار فِي حَال الْأَمْن غَدْرًا وَإِنَّمَا تَحِلّ بِالْمُحَارَبَةِ وَالْمُغَالَبَة كَذَا فِي الْفَتْح ‏ ‏( فَذَكَرَ الْحَدِيث ) ‏ ‏: أَيْ ذَكَرَ الرَّاوِي الْحَدِيث بِطُولِهِ وَقَدْ اِخْتَصَرَ الْمُصَنِّف الْحَدِيث فِي مَوَاضِع , فَعَلَيْك أَنْ تُطَالِعهُ بِطُولِهِ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ فِي كِتَاب الشُّرُوط وَالْمَغَازِي.
‏ ‏( اُكْتُبْ ) ‏ ‏أَيْ يَا عَلِيّ ‏ ‏( هَذَا مَا قَاضَى ) ‏ ‏: بِوَزْنِ فَاعَلَ مِنْ قَضَيْت الشَّيْء أَيْ فَصَلْت الْحُكْم فِيهِ.
وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ " فَجَاءَ سُهَيْل بْن عَمْرو فَقَالَ هَاتِ أَكْتُب بَيْننَا وَبَيْنكُمْ كِتَابًا فَدَعَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَاتِب , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اُكْتُبْ " إِلَخْ قَالَ الْحَافِظ فِي رِوَايَة اِبْن إِسْحَاق فَلَمَّا اِنْتَهَى إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَرَى بَيْنهمَا الْقَوْل حَتَّى وَقَعَ بَيْنهمَا الصُّلْح عَلَى أَنْ تُوضَع الْحَرْب بَيْنهمَا عَشْر سِنِينَ , وَأَنْ يَأْمَن النَّاس بَعْضهمْ بَعْضًا وَأَنْ يَرْجِع عَنْهُمْ عَامهمْ هَذَا ‏ ‏( وَعَلَى أَنَّهُ ) ‏ ‏: عَطْف عَلَى مُقَدَّر أَيْ عَلَى أَنْ لَا تَأْتِينَا فِي هَذَا الْعَام وَعَلَى أَنْ تَأْتِينَا الْعَام الْمُقْبِل , وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيك مِنَّا رَجُل إلَخْ وَالْحَدِيث قَدْ اِخْتَصَرَهُ الْمُؤَلِّف وَهُوَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ مُطَوَّلًا ‏ ‏( فَلَمَّا فَرَغَ ) ‏ ‏: أَيْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
‏ ‏( ثُمَّ جَاءَ نِسْوَة مُؤْمِنَات مُهَاجِرَات الْآيَة ) ‏ ‏: كَذَا فِي النُّسَخ وَالظَّاهِر أَنَّهُ سَقَطَ بَعْض الْأَلْفَاظ مِنْ هَذَا الْمَقَام.
وَفِي الْمِشْكَاة بِرِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ " ثُمَّ جَاءَ نِسْوَة مُؤْمِنَات فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَات مُهَاجِرَات } الْآيَة ".
‏ ‏قَالَ الْحَافِظ : ظَاهِره أَنَّهُمْ جِئْنَ إِلَيْهِ وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا جِئْنَ إِلَيْهِ بَعْد فِي أَثْنَاء الْمُدَّة ‏ ‏( فَنَهَاهُمْ اللَّه أَنْ يَرُدُّوهُنَّ ) ‏ ‏: نَسْخًا لِعُمُومِ الشَّرْط أَوْ لِأَنَّ الشَّرْط كَانَ مَخْصُوصًا بِالرِّجَالِ كَذَا فِي فَتْح الْوَدُود ‏ ‏( وَأَمَرَهُمْ ) ‏ ‏: أَيْ الصَّحَابَة ‏ ‏( الصَّدَاق ) ‏ ‏: أَيْ صَدَاقهنَّ إِلَى أَزْوَاجهنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ.
ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ ‏ ‏( ثُمَّ رَجَعَ ) ‏ ‏: أَيْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏( أَبُو بَصِير ) ‏ ‏: بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَة وَكَسْر الصَّاد الْمُهْمَلَة ‏ ‏( رَجُل مِنْ قُرَيْش ) ‏ ‏: بَدَل مِنْ أَبُو بَصِير.
وَزَادَ فِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ وَهُوَ مُسْلِم ‏ ‏( يَعْنِي فَأَرْسَلُوا ) ‏ ‏: أَيْ أَهْل مَكَّة رَجُلَيْنِ ‏ ‏( فِي طَلَبه ) ‏ ‏: أَيْ فِي طَلَب أَبِي بَصِير , وَلَعَلَّ هَذِهِ الْجُمْلَة أَعْنِي قَوْله " فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبه " كَانَتْ مَحْذُوفَة فِي لَفْظ حَدِيث الرَّاوِي الْأَوَّل.
كَذَا فِي بَعْض الْحَوَاشِي ‏ ‏( فَدَفَعَهُ ) ‏ ‏: أَيْ دَفَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَصِير جَرْيًا عَلَى مُقْتَضَى الْعَهْد ‏ ‏( فَاسْتَلَّهُ الْآخَر ) ‏ ‏: أَيْ صَاحِب السَّيْف أَخْرَجَهُ مِنْ غِمْده ‏ ‏( أَرِنِي ) ‏ ‏: أَمْر مِنْ الْإِرَاءَة ‏ ‏( فَأَمْكَنَهُ ) ‏ ‏: أَيْ أَقْدَرَهُ وَمَكَّنَهُ ‏ ‏( مِنْهُ ) ‏ ‏: أَيْ مِنْ السَّيْف ‏ ‏( بَرَدَ ) ‏ ‏: أَيْ مَاتَ.
وَالْمَعْنَى أَنَّهُ سَكَنَتْ مِنْهُ حَرَكَة الْحَيَاة وَحَرَارَتهَا ‏ ‏( يَعْدُو ) ‏ ‏: أَيْ مُسْرِعًا خَوْفًا مِنْ أَنْ يَلْحَقهُ أَبُو بَصِير فَيَقْتُلهُ ‏ ‏( ذُعْرًا ) ‏ ‏: بِضَمِّ الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْعَيْن الْمُهْمَلَة أَيْ فَزَعًا ‏ ‏( قُتِلَ ) ‏ ‏: بِصِيغَةِ الْمَجْهُول ‏ ‏( وَإِنِّي لَمَقْتُول ) ‏ ‏: أَيْ قَرِيب مِنْ الْقَتْل ‏ ‏( فَقَالَ ) ‏ ‏: أَيْ أَبُو بَصِير لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏( قَدْ أَوْفَى اللَّه ذِمَّتك ) ‏ ‏: أَيْ فَلَيْسَ عَلَيْك مِنْهُمْ عِقَاب فِيمَا صَنَعْت أَنَا ‏ ‏( وَيْل أُمّه ) ‏ ‏: بِضَمِّ اللَّام وَوَصْل الْهَمْزَة وَكَسْر الْمِيم الْمُشَدَّدَة وَهِيَ كَلِمَة ذَمّ تَقُولهَا الْعَرَب فِي الْمَدْح وَلَا يَقْصِدُونَ مَعْنَى مَا فِيهَا مِنْ الذَّمّ , لِأَنَّ الْوَيْل الْهَلَاك , فَهُوَ كَقَوْلِهِمْ لِأُمِّهِ الْوَيْل.
وَقَالَ فِي الْمِرْقَاة : قَوْله وَيْل أُمّه بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَصْدَر وَبِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر مَحْذُوف وَمَعْنَاهُ الْحُزْن وَالْمَشَقَّة وَالْهَلَاك , وَقَدْ يَرِد بِمَعْنَى التَّعَجُّب وَهُوَ الْمُرَاد هُنَا عَلَى مَا فِي النِّهَايَة , فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجَّبَ مِنْ حُسْن نَهْضَته لِلْحَرْبِ وَجَوْدَة مُعَالَجَته لَهَا مَعَ مَا فِيهِ خَلَاصه مِنْ أَيْدِي الْعَدُوّ اِنْتَهَى ‏ ‏( مِسْعَر حَرْب ) ‏ ‏: بِكَسْرِ الْمِيم وَسُكُون الْمُهْمَلَة وَفَتْح الْعَيْن الْمُهْمَلَة هُوَ بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيز وَأَصْله مِنْ مُسَعِّر حَرْب أَيْ يُسَعِّرهَا.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : كَأَنَّهُ يَصِفهُ بِالْإِقْدَامِ فِي الْحَرْب وَالتَّسْعِير لِنَارِهَا.
كَذَا فِي فَتْح الْبَارِي.
‏ ‏وَقَالَ الْقَارِيّ : وَيَرْفَع أَيْ هُوَ مَنْ يُحْمِي الْحَرْب وَيُهَيِّج الْقِتَال اِنْتَهَى.
وَفِي الْمُنْتَقَى : مِسْعَر حَرْب أَيْ مَوْقِد حَرْب , وَالْمِسْعَر وَالْمِسْعَار مَا يُحْمَى بِهِ النَّار مِنْ خَشَب وَنَحْوه اِنْتَهَى ‏ ‏( لَوْ كَانَ لَهُ أَحَد ) ‏ ‏: جَوَاب لَوْ مَحْذُوف يَدُلّ عَلَيْهِ السَّابِق , أَيْ لَوْ فُرِضَ لَهُ أَحَد يَنْصُرهُ لِإِسْعَارِ الْحَرْب لَأَثَارَ الْفِتْنَة وَأَفْسَدَ الصُّلْح.
فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ إِذْ لَا نَاصِر لَهُ.
قَالَهُ الْكَرْمَانِيُّ.
‏ ‏وَقَالَ الْحَافِظ : وَفِي رِوَايَة الْأَوْزَاعِيِّ لَوْ كَانَ لَهُ رِجَال , فَلَقَّنَهَا أَبُو بَصِير فَانْطَلَقَ.
وَفِيهِ إِشَارَة إِلَيْهِ بِالْفِرَارِ لِئَلَّا يَرُدّهُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ , وَرَمْز إِلَى مَنْ بَلَغَهُ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَلْحَقُوا بِهِ ‏ ‏( فَلَمَّا سَمِعَ ) ‏ ‏: أَبُو بَصِير ‏ ‏( ذَلِكَ ) ‏ ‏: أَيْ الْكَلَام الْمَذْكُور ‏ ‏( عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ ) ‏ ‏: قَالَ الْقَاضِي : إِنَّمَا عُرِفَ ذَلِكَ مِنْ قَوْله " مِسْعَر حَرْب لَوْ كَانَ لَهُ أَحَد " فَإِنَّهُ يُشْعِر بِأَنَّهُ لَا يُؤْوِيه وَلَا يُعِينهُ وَإِنَّمَا خَلَاصه عَنْهُمْ بِأَنْ يَسْتَظْهِر بِمَنْ يُعِينهُ عَلَى مُحَارَبَتهمْ ‏ ‏( سِيف الْبَحْر ) ‏ ‏: بِكَسْرِ السِّين وَسُكُون الْيَاء أَيْ سَاحِله ‏ ‏( وَيَنْفَلِت ) ‏ ‏: أَيْ تَخَلَّصَ مِنْ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ.
وَفِي تَعْبِيره بِالصِّيغَةِ الْمُسْتَقْبَلَة إِشَارَة إِلَى مُشَاهَدَة الْحَال ‏ ‏( عِصَابَة ) ‏ ‏: أَيْ جَمَاعَة مِنْ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ مَكَّة.
‏ ‏قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالنَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا عَنْ الْمِسْوَر وَمَرْوَان بْن الْحَكَم.


حديث ما خلأت وما ذلك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ ‏ ‏أَنَّ ‏ ‏مُحَمَّدَ بْنَ ثَوْرٍ ‏ ‏حَدَّثَهُمْ عَنْ ‏ ‏مَعْمَرٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الزُّهْرِيِّ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏خَرَجَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏زَمَنَ ‏ ‏الْحُدَيْبِيَةِ ‏ ‏فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا كَانُوا ‏ ‏بِذِي الْحُلَيْفَةِ ‏ ‏قَلَّدَ ‏ ‏الْهَدْيَ ‏ ‏وَأَشْعَرَهُ ‏ ‏وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ‏ ‏وَسَاقَ الْحَدِيثَ ‏ ‏قَالَ وَسَارَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏حَتَّى إِذَا كَانَ ‏ ‏بِالثَّنِيَّةِ ‏ ‏الَّتِي يَهْبِطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَرَكَتْ بِهِ ‏ ‏رَاحِلَتُهُ ‏ ‏فَقَالَ النَّاسُ ‏ ‏حَلْ حَلْ ‏ ‏خَلَأَتْ ‏ ‏الْقَصْوَاءُ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏مَا ‏ ‏خَلَأَتْ ‏ ‏وَمَا ذَلِكَ لَهَا بِخُلُقٍ وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ‏ ‏لَا يَسْأَلُونِي الْيَوْمَ ‏ ‏خُطَّةً ‏ ‏يُعَظِّمُونَ بِهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا ثُمَّ زَجَرَهَا فَوَثَبَتْ ‏ ‏فَعَدَلَ ‏ ‏عَنْهُمْ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى ‏ ‏الْحُدَيْبِيَةِ ‏ ‏عَلَى ‏ ‏ثَمَدٍ ‏ ‏قَلِيلِ الْمَاءِ فَجَاءَهُ ‏ ‏بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ ‏ ‏ثُمَّ أَتَاهُ ‏ ‏يَعْنِي ‏ ‏عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ ‏ ‏فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَكُلَّمَا كَلَّمَهُ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ ‏ ‏والْمُغِيَرةُ بْنُ شُعْبَةَ ‏ ‏قَائِمٌ عَلَى النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَمَعَهُ السَّيْفُ وَعَلَيْهِ ‏ ‏الْمِغْفَرُ ‏ ‏فَضَرَبَ يَدَهُ ‏ ‏بِنَعْلِ ‏ ‏السَّيْفِ وَقَالَ أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَتِهِ فَرَفَعَ ‏ ‏عُرْوَةُ ‏ ‏رَأْسَهُ فَقَالَ مَنْ هَذَا قَالُوا ‏ ‏الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ ‏ ‏فَقَالَ أَيْ ‏ ‏غُدَرُ أَوَلَسْتُ ‏ ‏أَسْعَى ‏ ‏فِي غَدْرَتِكَ وَكَانَ ‏ ‏الْمُغِيرَةُ ‏ ‏صَحِبَ قَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ فَقَالَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏أَمَّا الْإِسْلَامُ فَقَدْ قَبِلْنَا وَأَمَّا الْمَالُ فَإِنَّهُ مَالُ غَدْرٍ لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَقَالَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏اكْتُبْ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ ‏ ‏مُحَمَّدٌ ‏ ‏رَسُولُ اللَّهِ وَقَصَّ الْخَبَرَ فَقَالَ ‏ ‏سُهَيْلٌ ‏ ‏وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ قَالَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏لِأَصْحَابِهِ قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا ثُمَّ جَاءَ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ مُهَاجِرَاتٌ الْآيَةَ فَنَهَاهُمْ اللَّهُ أَنْ يَرُدُّوهُنَّ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرُدُّوا ‏ ‏الصَّدَاقَ ‏ ‏ثُمَّ رَجَعَ إِلَى ‏ ‏الْمَدِينَةِ ‏ ‏فَجَاءَهُ ‏ ‏أَبُو بَصِيرٍ ‏ ‏رَجُلٌ مِنْ ‏ ‏قُرَيْشٍ ‏ ‏يَعْنِي فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى إِذْ بَلَغَا ‏ ‏ذَا الْحُلَيْفَةِ ‏ ‏نَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ فَقَالَ ‏ ‏أَبُو بَصِيرٍ ‏ ‏لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ وَاللَّهِ إِنِّي ‏ ‏لَأَرَى سَيْفَكَ هَذَا يَا فُلَانُ جَيِّدًا فَاسْتَلَّهُ الْآخَرُ فَقَالَ أَجَلْ قَدْ جَرَّبْتُ بِهِ فَقَالَ ‏ ‏أَبُو بَصِيرٍ ‏ ‏أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْهِ فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ فَضَرَبَهُ حَتَّى ‏ ‏بَرَدَ ‏ ‏وَفَرَّ الْآخَرُ حَتَّى أَتَى ‏ ‏الْمَدِينَةَ ‏ ‏فَدَخَلَ ‏ ‏الْمَسجِدَ ‏ ‏يَعْدُو فَقَالَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏لَقَدْ رَأَى هَذَا ‏ ‏ذُعْرًا ‏ ‏فَقَالَ قَدْ قُتِلَ وَاللَّهِ صَاحِبِي وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ فَجَاءَ ‏ ‏أَبُو بَصِيرٍ ‏ ‏فَقَالَ قَدْ أَوْفَى اللَّهُ ‏ ‏ذِمَّتَكَ ‏ ‏فَقَدْ رَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ ثُمَّ نَجَّانِي اللَّهُ مِنْهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏وَيْلَ أُمِّهِ ‏ ‏مِسْعَرَ ‏ ‏حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى ‏ ‏سَيْفَ ‏ ‏الْبَحْرِ وَيَنْفَلِتُ ‏ ‏أَبُو جَنْدَلٍ ‏ ‏فَلَحِقَ ‏ ‏بِأَبِي بَصِيرٍ ‏ ‏حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ ‏ ‏عِصَابَةٌ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث سنن أبي داود

اصطلحوا على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيهن الناس

عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم، «أنهم اصطلحوا على وضع الحرب عشر سنين، يأمن فيهن الناس وعلى أن بيننا عيبة مكفوفة، وأنه لا إسلال ولا إغلال»

ستصالحون الروم صلحا آمنا وتغزون أنتم وهم عدوا من و...

عن جبير بن نفير، قال: قال جبير: انطلق بنا إلى ذي مخبر رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأتيناه، فسأله جبير عن الهدنة، فقال: سمعت رسول الله صلى ال...

لما استمكن منه قال دونكم فضربوه حتى قتلوه

عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله؟» فقام محمد بن مسلمة فقال: أنا يا رسول الله، أتحب أن أقتله؟...

الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن

عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن»

كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر ثلاث تكبيرا...

عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ويقول: «لا إله إلا الله وحد...

لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر

عن ابن عباس، قال: " {لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر} [التوبة: ٤٤]، الآية نسختها التي في النور: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله} [ا...

ألا تريحني من ذي الخلصة فأتاها فحرقها

عن جرير، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا تريحني من ذي الخلصة؟» فأتاها فحرقها، ثم بعث رجلا من أحمس إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبشره يك...

كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم...

عن كعب بن مالك، قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد، فركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس» - وقص ابن السرح الحديث - قال: «ونهى رسول...

كان إذا جاءه أمر سرور أو بشر به خر ساجدا شاكرا لل...

عن أبي بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان «إذا جاءه أمر سرور أو بشر به خر ساجدا شاكرا لله»