3204- عن أبي هريرة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى، فصف بهم، وكبر أربع تكبيرات»
إسناده صحيح.
وهو في "موطأ مالك" ١/ ٢٢٦ - ٢٢٧.
وأخرجه البخاري (١٢٤٥)، ومسلم (٩٥١)، وابن ماجه (١٥٣٤)، والترمذي (١٥٤٣)، والنسائي (١٩٧١) و (١٩٧٢) و (١٩٨٠) من طرق عن ابن شهاب الزهري،
به.
وقرن النسائي في الموضع الثاني بسعيد بن المسيب أبا سلمة بن عبد الرحمن.
وهو في "مسند أحمد" (٧١٤٧)، و"صحيح ابن حبان" (٣٠٦٨) و (٣٠٩٨).
قال الخطابي: النجاشي رجل مسلم قد آمن برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصدقه على نبوته إلا أنه كان يكتم إيمانه، والمسلم إذا مات وجب على المسلمين أن يصلوا عليه، إلا أنه كان بين ظهراني أهل الكفر، ولم يكن بحضرته من يقوم بحقه في الصلاة عليه، فلزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يفعل ذلك إذ هو نبيه ووليه وأحق الناس به، فهذا -والله أعلم- هو السبب الذي دعاه إلى الصلاة عليه بظهر الغيب، فعلى هذا إذا مات المسلم ببلد آخر غائبا عنه، فإن علم أنه لم يصل عليه لعائق أو مانع عذر كانت السنة أن يصلى عليه، ولا يترك ذلك لبعد المسافة، فإذا صلوا عليه استقبلوا القبلة، ولم يتوجهوا إلى بلد الميت إن كان إلى غير جهة القبلة.
وقد ذهب قوم إلى كراهية الصلاة على الميت الغائب، وزعموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مخصوصا بهذا الفعل، إذ كان في حكم المشاهد للنجاشي، لما روي في بعض الأخبار أنه قد سويت له أعلام الأرض حتى كان يبصر مكانه، وهذا تأويل فاسد، لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا فعل شيئا من أفعال الشريعة كان علينا متابعته والاتساء به، والتخصيص لا يعلم إلا بدليل، ومما يبين ذلك: أنه -صلى الله عليه وسلم- خرج بالناس إلى المصلى فصف بهم فصلوا معه، فعلمت أن هذا التأويل فاسد، والله أعلم.
عون المعبود على شرح سنن أبي داود: أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي
( نَعَى لِلنَّاسِ النَّجَاشِيّ ) : أَيْ أَخْبَرَ النَّاس بِمَوْتِهِ.
وَفِي رِوَايَة لِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِم عَنْ جَابِر قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَدْ تُوُفِّيَ الْيَوْم رَجُل صَالِح مِنْ الْحَبَش فَهَلُمُّوا فَصَلُّوا عَلَيْهِ , فَصَفَفْنَا خَلْفه فَصَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَنَحْنُ صُفُوف ".
وَفِي رِوَايَة الشَّيْخَيْنِ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيّ فِي الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا " وَأَخْرَجَاهُ عَنْ جَابِر أَيْضًا " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيّ فَكُنْت فِي الصَّفّ الثَّانِي أَوْ الثَّالِث " اِنْتَهَى.
وَعِنْد أَحْمَد مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " نَعَى النَّجَاشِيّ لِأَصْحَابِهِ ثُمَّ قَالَ اِسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ خَرَجَ بِأَصْحَابِهِ إِلَى الْمُصَلَّى , ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى بِهِمْ كَمَا يُصَلِّي عَلَى الْجَنَازَة " وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد عَنْ عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ أَخَاكُمْ النَّجَاشِيّ قَدْ مَاتَ فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَيْهِ , قَالَ قُمْنَا فَصَفَفْنَا عَلَيْهِ كَمَا يُصَفّ عَلَى الْمَيِّت وَصَلَّيْنَا عَلَيْهِ كَمَا يُصَلَّى عَلَى الْمَيِّت " قَالَ فِي الْفَتْح النَّجَاشِيّ بِفَتْحِ النُّون وَتَخْفِيف الْجِيم وَبَعْد الْأَلِف شِين مُعْجَمَة ثُمَّ يَاء ثَقِيلَة كَيَاءِ النَّسَب , وَقِيلَ بِالتَّخْفِيفِ وَرَجَّحَهُ الصَّغَانِيّ وَهُوَ لَقَب مَنْ مَلَكَ الْحَبَشَة.
وَحَكَى الْمُطَرِّزِيّ تَشْدِيد الْجِيم عَنْ بَعْضهمْ وَخَطَّأَهُ اِنْتَهَى.
وَاسْم النَّجَاشِيّ أَصْحَمَة قَالَ النَّوَوِيّ : هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَإِسْكَان الصَّاد وَفَتْح الْحَاء الْمُهْمَلَتَيْنِ , وَهَذَا الَّذِي وَقَعَ فِي رِوَايَة مُسْلِم هُوَ الصَّوَاب الْمَعْرُوف فِيهِ , وَهَكَذَا هُوَ فِي كُتُب الْحَدِيث وَالْمَغَازِي وَغَيْرهَا , وَوَقَعَ فِي مُسْنَد اِبْن شَيْبَة فِي هَذَا الْحَدِيث تَسْمِيَته صَحْمَة بِفَتْحِ الصَّاد وَإِسْكَان الْحَاء وَقَالَ هَكَذَا قَالَ لَنَا يَزِيد وَإِنَّمَا هُوَ صَمْحَة يَعْنِي بِتَقْدِيمِ الْمِيم عَلَى الْحَاء وَهَذَانِ شَاذَّانِ وَالصَّوَاب أَصْحَمَة بِالْأَلِفِ.
قَالَ اِبْن قُتَيْبَة وَغَيْره وَمَعْنَاهُ بِالْعَرَبِيَّةِ عَطِيَّة اِنْتَهَى ( إِلَى الْمُصَلَّى ) : بِضَمِّ الْمِيم وَفَتْح اللَّام الْمُشَدَّدَة وَهُوَ الْمَوْضِع الَّذِي يُتَّخَذ لِلصَّلَاةِ عَلَى الْمَوْتَى فِيهِ ( وَكَبَّرَ أَرْبَع تَكْبِيرَات ) : قَدْ اِسْتَدَلَّ الْمُؤَلِّف بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى الْغَائِب إِلَّا إِذَا وَقَعَ مَوْته بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ , كَمَا يَلُوح مِنْ تَرْجَمَة الْبَاب.
وَمِمَّنْ اِخْتَارَ هَذَا الشَّيْخ الْخَطَّابِيُّ وَشَيْخ الْإِسْلَام اِبْن تَيْمِيَّةَ وَالْعَلَّامَة الْمُقْبِلِيّ.
قَالَ الْحَافِظ فِي الْفَتْح : وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَشْرُوعِيَّة الصَّلَاة عَلَى الْمَيِّت الْغَائِب عَنْ الْبَلَد , وَبِذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَجُمْهُور السَّلَف , حَتَّى قَالَ اِبْن حَزْم لَمْ يَأْتِ عَنْ أَحَد مِنْ الصَّحَابَة مَنَعَه.
قَالَ الشَّافِعِيّ : الصَّلَاة عَلَى الْمَيِّت دُعَاء لَهُ وَهُوَ إِذَا كَانَ مُلَفَّفًا يُصَلَّى عَلَيْهِ فَكَيْف لَا يُدْعَى لَهُ وَهُوَ غَائِب أَوْ فِي الْقَبْر بِذَلِكَ الْوَجْه الَّذِي يُدْعَى لَهُ بِهِ وَهُوَ مُلَفَّف.
وَعَنْ الْحَنَفِيَّة وَالْمَالِكِيَّة لَا يُشْرَع ذَلِكَ.
وَقَدْ اِعْتَذَرَ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْغَائِب عَنْ قِصَّة النَّجَاشِيّ بِأُمُورٍ مِنْهَا أَنَّهُ كَانَ بِأَرْضٍ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ بِهَا أَحَد فَتَعَيَّنَتْ الصَّلَاة عَلَيْهِ لِذَلِكَ , وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَا يُصَلَّى عَلَى الْغَائِب إِلَّا إِذَا وَقَعَ مَوْته بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ , وَاسْتَحْسَنَهُ الرُّويَانِيّ مِنْ الشَّافِعِيَّة وَبِهِ تَرْجَمَ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَن الصَّلَاة عَلَى الْمُسْلِم يَلِيه أَهْل الشِّرْك بِبَلَدٍ آخَر , وَهَذَا مُحْتَمَل إِلَّا أَنَّنِي لَمْ أَقِف فِي شَيْء مِنْ الْأَخْبَار عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ فِي بَلَده اِنْتَهَى وَتَعَقَّبَهُ الزُّرْقَانِيُّ فِي شَرْح الْمُوَطَّأ فَقَالَ وَهُوَ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَام , فَلَمْ يُرْوَ فِي شَيْء مِنْ الْأَخْبَار أَنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِ أَحَد فِي بَلَده كَمَا جَزَمَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ وَمَحَلّه فِي اِتِّسَاع الْحِفْظ مَعْلُوم اِنْتَهَى.
قُلْت نَعَمْ مَا وَرَدَ فِيهِ شَيْء نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا لَكِنْ مِنْ الْمَعْلُوم أَنَّ النَّجَاشِيّ أَسْلَمَ وَشَاعَ إِسْلَامه , وَوَصَلَ إِلَيْهِ جَمَاعَة مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَرَّة بَعْد مَرَّة وَكَرَّة بَعْد كَرَّة , فَيَبْعُد كُلّ الْبَعْد أَنَّهُ مَا صَلَّى عَلَيْهِ أَحَد مِنْ بَلَده.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ وَأَحْمَد وَابْن مَاجَهْ وَغَيْرهمْ وَاللَّفْظ لِابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي الطُّفَيْل عَنْ حُذَيْفَة بْن أَسِيدٍ " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ بِهِمْ فَقَالَ صَلُّوا عَلَى أَخ لَكُمْ مَاتَ بِغَيْرِ أَرْضكُمْ , قَالُوا مَنْ هُوَ ؟ قَالَ النَّجَاشِيّ ".
وَلَفْظ غَيْره " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَخَاكُمْ مَاتَ بِغَيْرِ أَرْضكُمْ فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَيْهِ " فَلَيْسَ فِيهِ حُجَّة لِلْمَانِعِينَ بَلْ فِيهِ حُجَّة عَلَى الْمَانِعِينَ , فَإِنَّ الْمُرَاد بِأَرْضِكُمْ هِيَ الْمَدِينَة كَأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ النَّجَاشِيّ إِنْ مَاتَ فِي أَرْضكُمْ الْمَدِينَة لَصَلَّيْتُمْ عَلَيْهِ , لَكِنَّهُ مَاتَ فِي غَيْر أَرْضكُمْ الْمَدِينَة فَصَلُّوا عَلَيْهِ صَلَاة الْغَائِب فَهَذَا تَشْرِيع مِنْهُ وَسُنَّة لِلْأُمَّةِ الصَّلَاة عَلَى كُلّ غَائِب وَاَللَّه أَعْلَم.
قَالَ الْحَافِظ : وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل بَعْضهمْ كُشِفَ لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ حَتَّى رَآهُ فَتَكُون صَلَاته عَلَيْهِ كَصَلَاةِ الْإِمَام عَلَى مَيِّت رَآهُ وَلَمْ يَرَهُ الْمَأْمُومُونَ , وَلَا خِلَاف فِي جَوَازهَا.
قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : هَذَا يَحْتَاج إِلَى نَقْل وَلَا يَثْبُت بِالِاحْتِمَالِ , وَتَبِعَهُ بَعْض الْحَنَفِيَّة بِأَنَّ الِاحْتِمَال كَافٍ فِي مِثْل هَذَا مِنْ جِهَة الْمَانِع , وَكَأَنَّ مُسْتَنِد قَائِل ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْوَاحِدِيّ فِي أَسْبَابه بِغَيْرِ إِسْنَاد عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ " كُشِفَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَرِير النَّجَاشِيّ حَتَّى رَآهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ ".
وَلِابْنِ حِبَّان مِنْ حَدِيث عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ " فَقَامَ وَصَفُّوا خَلْفه وَهُمْ لَا يَظُنُّونَ إِلَّا أَنَّ جَنَازَته بَيْن يَدَيْهِ " أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيق الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِير عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّب عَنْهُ.
وَلِأَبِي عَوَانَة مِنْ طَرِيق أَبَانَ وَغَيْره عَنْ يَحْيَى " فَصَلَّيْنَا خَلْفه وَنَحْنُ لَا نَرَى إِلَّا أَنَّ الْجَنَازَة قُدَّامنَا ".
وَمِنْ الِاعْتِذَارَات أَيْضًا أَنَّ ذَلِكَ خَاصّ بِالنَّجَاشِيِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُت أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى مَيِّت غَائِب غَيْره قَالَهُ الْمُهَلَّب , وَكَأَنَّهُ لَمْ يَثْبُت عِنْده قِصَّة مُعَاوِيَة اللَّيْثِيّ وَقَدْ ذَكَرْت فِي تَرْجَمَته فِي الصَّحَابَة أَنَّ خَبَره قَوِيّ بِالنَّظَرِ إِلَى مَجْمُوع طُرُقه.
وَاسْتَنَدَ مَنْ قَالَ بِتَخْصِيصِ النَّجَاشِيّ بِذَلِكَ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ إِرَادَة إِشَاعَة أَنَّهُ مَاتَ مُسْلِمًا أَوْ اِسْتِئْلَاف قُلُوب الْمُلُوك الَّذِينَ أَسْلَمُوا فِي حَيَاته.
قَالَ النَّوَوِيّ : لَوْ فُتِحَ بَاب هَذَا الْخُصُوص لَانْسَدَّ كَثِير مِنْ ظَوَاهِر الشَّرْع , مَعَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ شَيْء مِمَّا ذَكَرُوهُ لَتَوَفَّرَتْ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْله.
وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ الْمَالِكِيّ : قَالَ الْمَالِكِيَّة : لَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لِمُحَمَّدٍ , قُلْنَا وَمَا عَمِلَ بِهِ مُحَمَّد تَعْمَل بِهِ أُمَّته يَعْنِي لِأَنَّ الْأَصْل عَدَم الْخُصُوصِيَّة قَالُوا طُوِيَتْ لَهُ الْأَرْض وَأُحْضِرَتْ الْجَنَازَة بَيْن يَدَيْهِ , قُلْنَا إِنَّ رَبّنَا عَلَيْهِ لَقَادِر , وَإِنَّ نَبِيّنَا لَأَهْل لِذَلِكَ , وَلَكِنْ لَا تَقُولُوا إِلَّا مَا رَوَيْتُمْ وَلَا تَخْتَرِعُوا حَدِيثًا مِنْ عِنْد أَنْفُسكُمْ , وَلَا تُحَدِّثُوا إِلَّا بِالثَّابِتَاتِ , وَدَعُوا الضِّعَاف فَإِنَّهَا سَبِيل تَلَافٍ إِلَى مَا لَيْسَ لَهُ تَلَافٍ.
وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ قَوْلهمْ رُفِعَ الْحِجَاب عَنْهُ مَمْنُوع , وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَكَانَ غَائِبًا عَنْ الصَّحَابَة الَّذِينَ صَلَّوْا عَلَيْهِ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قُلْت وَسَبَقَ إِلَى ذَلِكَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي تَعْلِيقه , وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث مُجَمِّع بْن جَارِيَة بِالْجِيمِ وَالتَّحْتَانِيَّة فِي قِصَّة الصَّلَاة عَلَى النَّجَاشِيّ قَالَ " فَصَفَفْنَا خَلْفه صَفَّيْنِ وَمَا نَرَى شَيْئًا " أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَصْله فِي اِبْن مَاجَهْ لَكِنْ أَجَابَ بَعْض الْحَنَفِيَّة عَنْ ذَلِكَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَصِير كَالْمَيِّتِ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَام وَهُوَ يَرَاهُ وَلَا يَرَاهُ الْمَأْمُومُونَ فَإِنَّهُ جَائِز اِتِّفَاقًا اِنْتَهَى.
وَفِي زَاد الْمَعَاد : وَلَمْ يَكُنْ مِنْ هَدْيه وَسُنَّته الصَّلَاة عَلَى كُلّ مَيِّت غَائِب فَقَدْ مَاتَ خَلْق كَثِير مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ غُيَّب فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ , وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيّ صَلَاته عَلَى الْمَيِّت , فَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاث طُرُق أَحَدهَا أَنَّ هَذَا تَشْرِيع مِنْهُ وَسُنَّة لِلْأُمَّةِ الصَّلَاة عَلَى كُلّ غَائِب , وَهَذَا قَوْل الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَمَالِك هَذَا خَاصّ بِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ , وَقَالَهُ أَصْحَابهمَا.
وَمِنْ الْجَائِز أَنْ يَكُون رُفِعَ لَهُ سَرِيره فَصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ يَرَى صَلَاته عَلَى الْحَاضِر الْمُشَاهَد وَإِنْ كَانَ عَلَى مَسَافَة مِنْ الْبُعْد وَالصَّحَابَة وَإِنْ لَمْ يَرَوْهُ فَهُمْ تَابِعُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاة.
قَالُوا : وَيَدُلّ عَلَى هَذَا أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى كُلّ الْغَائِبِينَ غَيْره وَتَرْكه سُنَّة كَمَا أَنَّ فِعْله سُنَّة , وَلَا سَبِيل إِلَى أَحَد بَعْده إِلَى أَنْ يُعَايِن سَرِير الْمَيِّت مِنْ الْمَسَافَة الْبَعِيدَة وَيُرْفَع لَهُ حَتَّى يُصَلِّي عَلَيْهِ , فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوص بِهِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى مُعَاوِيَة بْن مُعَاوِيَة وَهُوَ غَائِب وَلَكِنْ لَا يَصِحّ , فَإِنَّ فِي إِسْنَاده الْعَلَاء بْن زَيْد قَالَ عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ كَانَ يَضَع الْحَدِيث , وَرَوَاهُ مَحْبُوب بْن هِلَال عَنْ عَطَاء بْن أَبِي مَيْمُونَة عَنْ أَنَس قَالَ الْبُخَارِيّ لَا يُتَابَع عَلَيْهِ.
وَقَالَ شَيْخ الْإِسْلَام اِبْن تَيْمِيَّةَ : الصَّوَاب أَنَّ الْغَائِب إِنْ مَاتَ بِبَلَدٍ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ فِيهِ صُلِّيَ عَلَيْهِ صَلَاة الْغَائِب , كَمَا صَلَّى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّجَاشِيّ لِأَنَّهُ مَاتَ بَيْن الْكُفَّار وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ وَإِنْ صُلِّيَ حَيْثُ مَاتَ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ صَلَاة الْغَائِب لِأَنَّ الْفَرْض قَدْ سَقَطَ لِصَلَاةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى الْغَائِب وَتَرَكَهُ , وَفِعْله وَتَرْكه سُنَّة , هَذَا لَهُ مَوْضِع وَهَذَا لَهُ مَوْضِع , وَالْمَشْهُور عِنْد أَصْحَاب أَحْمَد الصَّلَاة عَلَيْهِ مُطْلَقًا اِنْتَهَى.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الْهِدَايَة , وَلِأَصْحَابِنَا عَنْهُ أَجْوِبَة أَحَدهَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُفِعَ لَهُ سَرِيره فَرَآهُ فَيَكُون الصَّلَاة عَلَيْهِ كَمَيِّتٍ رَآهُ الْإِمَام وَلَا يَرَاهُ الْمَأْمُومُونَ.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدِّين : وَهَذَا يَحْتَاج إِلَى نَقْلِ بَيِّنَة وَلَا يُكْتَفَى فِيهِ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَال.
قُلْت : وَرَدَ مَا يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ فَرَوَى اِبْن حِبَّان فِي صَحِيحه مِنْ حَدِيث عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ أَخَاكُمْ النَّجَاشِيّ تُوُفِّيَ فَقُومُوا صَلُّوا عَلَيْهِ , فَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفُّوا خَلْفه فَكَبَّرَ أَرْبَعًا وَهُمْ لَا يَظُنُّونَ إِلَّا أَنَّ جَنَازَته بَيْن يَدَيْهِ ".
الثَّانِي : أَنَّهُ مِنْ بَاب الضَّرُورَة لِأَنَّهُ مَاتَ بِأَرْضٍ لَمْ يَقُمْ فِيهَا عَلَيْهِ فَرِيضَة الصَّلَاة , فَتَعَيَّنَ فَرْض الصَّلَاة عَلَيْهِ لِعَدَمِ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ.
ثُمَّ يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ عَلَى غَائِبٍ غَيْره , وَقَدْ مَاتَ مِنْ الصَّحَابَة خَلْق كَثِير وَهُمْ غَائِبُونَ عَنْهُ وَسَمِعَ بِهِمْ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ إِلَّا غَائِبًا وَاحِدًا اِنْتَهَى.
وَقَالَ الزُّرْقَانِيُّ : وَدَلَائِل الْخُصُوصِيَّة وَاضِحَة لَا يَجُوز أَنْ يُشْرِكهُ فِيهَا غَيْره لِأَنَّهُ وَاَللَّه أَعْلَم أُحْضِرَ رُوحه بَيْن يَدَيْهِ أَوْ رُفِعَتْ لَهُ جَنَازَته حَتَّى شَاهَدَهَا كَمَا رُفِعَ لَهُ بَيْت الْمَقْدِس حِين سَأَلَتْهُ قُرَيْش عَنْ صِفَته اِنْتَهَى.
قُلْت دَعْوَى الْخُصُوصِيَّة لَيْسَ عَلَيْهَا دَلِيل وَلَا بُرْهَان , بَلْ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَهَلُمُّوا فَصَلُّوا عَلَيْهِ " وَقَوْله : " فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَيْهِ " وَقَوْل جَابِر " فَصَفَفْنَا خَلْفه فَصَلَّى عَلَيْهِ وَنَحْنُ صُفُوف " وَقَوْل أَبِي هُرَيْرَة " ثُمَّ قَالَ اِسْتَغْفِرُوا لَهُ ثُمَّ خَرَجَ بِأَصْحَابِهِ فَصَلَّى بِهِمْ كَمَا يُصَلِّي عَلَى الْجَنَازَة " وَقَوْل عِمْرَان " فَقُمْنَا فَصَفَفْنَا عَلَيْهِ كَمَا يُصَفّ عَلَى الْمَيِّت وَصَلَّيْنَا عَلَيْهِ كَمَا يُصَلَّى عَلَى الْمَيِّت " وَتَقَدَّمَتْ هَذِهِ الرِّوَايَات بِبُطْلِ دَعْوَى الْخُصُوصِيَّة لِأَنَّ صَلَاة الْغَائِب إِنْ كَانَتْ خَاصَّة بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا مَعْنَى لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابه بِتِلْكَ الصَّلَاة , بَلْ نَهَى عَنْهَا لِأَنَّ مَا كَانَ خَاصًّا بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَجُوز فِعْله لِأُمَّتِهِ , أَلَا تَرَى صَوْم الْوِصَال لَمْ يُرَخِّص لَهُمْ بِهِ مَعَ شِدَّة حِرْصهمْ لِأَدَائِهِ.
وَالْأَصْل فِي كُلّ أَمْر مِنْ الْأُمُور الشَّرْعِيَّة عَدَم الْخُصُوصِيَّة حَتَّى يَقُوم الدَّلِيل عَلَيْهَا , وَلَيْسَ هُنَا عَلَى الْخُصُوصِيَّة بَلْ قَامَ الدَّلِيل عَلَى عَدَمهَا.
وَأَمَّا قَوْلهمْ رُفِعَ لَهُ سَرِيره أَوْ أُحْضِرَ رُوحه بَيْن يَدَيْهِ , فَجَوَابه أَنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَقَادِر عَلَيْهِ وَأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَهْل لِذَلِكَ لَكِنْ لَمْ يَثْبُت ذَلِكَ فِي حَدِيث النَّجَاشِيّ بِسَنَدٍ صَحِيح أَوْ حَسَن , وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْوَاحِدِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس بِلَا سَنَد فَلَا يُحْتَجّ بِهِ , وَلِذَا قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَلَا تُحَدِّثُوا إِلَّا بِالثَّابِتَاتِ وَدَعُوا الضِّعَاف.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو عَوَانَة وَابْن حِبَّان مِنْ حَدِيث عِمْرَان بْنِ حُصَيْنٍ فَلَا يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ , فَإِنَّ لَفْظه " وَهُمْ لَا يَظُنُّونَ إِلَّا أَنَّ جَنَازَته بَيْن يَدَيْهِ " وَفِي لَفْظ " وَنَحْنُ لَا نَرَى إِلَّا الْجَنَازَة قُدَّامنَا " وَمَعْنَى هَذَا الْقَوْل أَنَّا صَلَّيْنَا عَلَيْهِ خَلْف النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يُصَلَّى عَلَى الْمَيِّت وَالْحَال أَنَّا لَمْ نَرَ الْمَيِّت لَكِنْ صَفَفْنَا عَلَيْهِ كَمَا يُصَفّ عَلَى الْمَيِّت كَأَنَّ الْمَيِّت قُدَّامنَا وَنَظُنّ أَنَّ جَنَازَته بَيْن يَدَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَلَاتِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَعَلَى الْحَاضِر الْمُشَاهَد , فَحِينَئِذٍ يُؤَوَّل مَعْنَى لَفْظ هَذَا الْحَدِيث إِلَى مَعْنَى لَفْظ أَحْمَد وَيُؤَيِّد هَذَا الْمَعْنَى حَدِيث مَجْمَع عِنْد الطَّبَرَانِيِّ " فَصَفَفْنَا خَلْفه صَفَّيْنِ وَمَا نَرَى شَيْئًا " وَمِنْ هَا هُنَا اِنْدَفَعَ قَوْل الْعَلَّامَة الزُّرْقَانِيِّ حَيْثُ شَنَّعَ عَلَى اِبْن الْعَرَبِيّ وَقَالَ قَدْ جَاءَ مَا يُؤَيِّد رَفْع الْحِجَاب بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث عِمْرَان فَمَا حَدَّثَنَا إِلَّا بِالثَّابِتَاتِ اِنْتَهَى.
, فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيث لَا يَدُلّ عَلَى رَفْع الْحِجَاب وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَكَانَ الْمَيِّت غَائِبًا عَنْ أَصْحَابه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ صَلَّوْا عَلَيْهِ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمَّا قَوْلهمْ فَيَكُون الصَّلَاة عَلَيْهِ كَمَيِّتِ رَآهُ الْإِمَام وَلَا يَرَاهُ الْمَأْمُومُونَ , فَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ هَذَا رَأْي وَتَصْوِير صُورَة فِي مُقَابَلَة النَّصّ الصَّرِيح وَهُوَ فَاسِد الِاعْتِبَار فَلَا يُعْبَأ بِهِ.
وَقَوْلهمْ وَتَرْكه سُنَّة كَمَا أَنَّ فِعْله سُنَّة فَمَنْظُور فِيهِ لِأَنَّ الْعَدَم وَالتَّرْك لَيْسَ بِفِعْلِ نَعَمْ إِذَا كَانَ الْعَدَم مُسْتَمِرًّا فِي زَمَان النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ فَفِعْله يَكُون بِدْعَة وَهَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ , وَإِنْ كَانَ الْمُرَاد أَنَّ مَعْنَى كَوْن الْعَدَم وَالتَّرْك سُنَّة مَعَ كَوْن الْفِعْل سُنَّة أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْتَفِي بِتَرْكِهِ أَيْضًا فَمُسَلَّم , لَكِنْ لَا شَكّ أَنَّ مِثْل هَذِهِ السُّنَّة لَا يُثَاب فَاعِله , فَإِنَّ مُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْد الْجُمُعَة إِنَّمَا يُثَاب عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ صَلَّاهُمَا لَا عَلَى تَرْك الْآخَرِينَ , نَعَمْ يَكْفِيه فِي اِتِّبَاع النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الرَّكْعَتَانِ , وَمُصَلِّي الْأَرْبَعَة فَثَوَابه أَكْمَل مِنْ ثَوَاب الْأَوَّل.
هَذَا مُلَخَّص كَلَام الْعَلَّامَة الشَّهِيد مُحَمَّد إِسْمَاعِيل الدَّهْلَوِيّ.
وَأَمَّا قَوْلهمْ أَنَّهُ مِنْ بَاب الضَّرُورَة لِأَنَّهُ مَاتَ بِأَرْضٍ لَمْ يُقَمْ فِيهَا عَلَيْهِ فَرِيضَة الصَّلَاة فَتَقَدَّمَ جَوَابه فِي ضِمْن كَلَام الْحَافِظ.
وَقَوْلهمْ وَلَمْ يُصَلِّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غَائِب غَيْر النَّجَاشِيّ وَقَدْ مَاتَ مِنْ الصَّحَابَة خَلْق كَثِير فَجَوَابه مِنْ وُجُوه.
الْوَجْه الْأَوَّل لِإِثْبَاتِ السُّنِّيَّة أَوْ لِاسْتِحْبَابِ فِعْل مِنْ الْأَفْعَال يَكْفِي فِيهِ وُرُود حَدِيث وَاحِد بِالسَّنَدِ الصَّحِيح , سَوَاء كَانَ قَوْلِيًّا أَوْ فِعْلِيًّا أَوْ سُكُوتِيًّا , وَلَا يَلْزَم لِإِثْبَاتِ السُّنِّيَّة كَوْن الْحَدِيث مَرْوِيًّا مِنْ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة فِي الْوَاقِعَات الْمُخْتَلِفَة وَإِلَّا لَا يَثْبُت كَثِير مِنْ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الَّتِي مَعْمُول بِهَا عِنْد جَمَاعَة مِنْ الْأَئِمَّة.
وَالْوَجْه الثَّانِي أَنَّ صَلَاة الْجَنَازَة اِسْتِغْفَار وَدُعَاء وَقَدْ بَيَّنَ لَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ طَرِيق أَدَائِهَا بِثَلَاثَةِ أَنْوَاع النَّوْع الْأَوَّل أَنْ يَكُون الْمَيِّت مَشْهُودًا حَاضِرًا قُدَّام الْمُصَلِّينَ فَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ , وَهَذَا النَّوْع هُوَ الْأَصْل فِي هَذَا الْبَاب وَالْعُمْدَة فِيهِ , وَلَا يَجُوز غَيْر هَذَا النَّوْع لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ , لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُت عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطّ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى الْمَيِّت الْحَاضِر الشَّاهِد ثُمَّ صَلَّى بَعْده عَلَى قَبْره أَوْ صَلَّى صَلَاة الْغَائِب عَلَيْهِ.
وَالنَّوْع الثَّانِي الصَّلَاة عَلَى قَبْر الْمَيِّت لِمَنْ كَانَ حَاضِرًا فِي تِلْكَ الْبَلْدَة أَوْ الْقَرْيَة لَكِنْ مَا أَمْكَنَ مِنْ الصَّلَاة عَلَى ذَلِكَ الْمَيِّت حَتَّى دُفِنَ أَوْ كَانَ غَائِبًا عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِع فَلَمَّا دَخَلَ أُخْبِرَ بِمَوْتِهِ فَصَلَّى عَلَى قَبْره كَمَا فَعَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاته عَلَى الْمِسْكِينَة أُمّ سَعْد وَأُمّ أَبِي أُمَامَةَ وَطَلْحَة بْن الْبَرَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ , النَّوْع الثَّالِث أَنْ يَكُون الْمَيِّت فِي بَلَد آخَر وَجَاءَ نَعْيه فِي بَلَد آخَر فَيُصَلُّونَ صَلَاة الْغَائِب عَلَى ذَلِكَ الْمَيِّت مِنْ الْمَسَافَة الْبَعِيدَة أَوْ الْقَصِيرَة كَمَا فَعَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّجَاشِيِّ وَمُعَاوِيَة بْن الْمُزَنِيِّ وَلَا شَكّ أَنَّ الْعُمْدَة فِي هَذَا هُوَ النَّوْع الْأَوَّل , وَالْفَرْض قَدْ يَسْقُط لِصَلَاةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ , وَأَمَّا النَّوْع الثَّانِي وَالثَّالِث فَدُعَاءٌ مَحْض وَاسْتِغْفَار خَالِص لِلْمَيِّتِ عَلَى سَبِيل الِاسْتِحْبَاب لَا عَلَى سَبِيل الْفَرْضِيَّة.
الْوَجْه الثَّالِث أَنَّ صَلَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَيِّت الْغَائِب فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى أَرْبَعَة مِنْ الصَّحَابَة : الْأَوَّل النَّجَاشِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَقِصَّته فِي الْكُتُب السِّتَّة وَغَيْرهَا مِنْ حَدِيث جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة بِأَسَانِيد صَحِيحَة , وَالِاعْتِمَاد فِي هَذَا الْبَاب عَلَى حَدِيث النَّجَاشِيّ وَيُضَمّ إِلَيْهِ غَيْره مِنْ الرِّوَايَات.
وَالْغَائِب الثَّانِي مُعَاوِيَة بْن مُعَاوِيَة الْمُزَنِيُّ.
وَالثَّالِث وَالرَّابِع زَيْد بْن حَارِثَة , وَجَعْفَر بْن أَبِي طَالِب.
أَمَّا مُعَاوِيَة بْن مُعَاوِيَة الْمُزَنِيُّ فَقَدْ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ وَجَمَاعَة فِي الصَّحَابَة وَقَالُوا مَاتَ فِي عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ وَرَدَتْ قِصَّته مِنْ حَدِيث أَبِي أُمَامَةَ وَأَنَس مُسْنَدَة , وَمِنْ طَرِيق سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ مُرْسَلَة , فَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَمُحَمَّد بْن أَيُّوب بْن الضُّرَيْس فِي فَضَائِل الْقُرْآن , وَسَمُّويَة فِي فَوَائِده , وَابْن مَنْدَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِل , كُلّهمْ مِنْ طَرِيق مَحْبُوب بْن هِلَال عَنْ عَطَاء بْن أَبِي مَيْمُونَة عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ " نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مُحَمَّد مَاتَ مُعَاوِيَة بْن مُعَاوِيَة الْمُزَنِيُّ أَتُحِبُّ أَنْ تُصَلِّي عَلَيْهِ ( قَالَ نَعَمْ ) : فَضَرَبَ بِجَنَاحَيْهِ فَلَمْ يُبْقِ أَكَمَة وَلَا شَجَرَة إِلَّا تَضَعْضَعَتْ , فَرَفَعَ سَرِيره حَتَّى نَظَرَ إِلَيْهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَخَلْفه صَفَّانِ مِنْ الْمَلَائِكَة كُلّ صَفّ سَبْعُونَ أَلْف مَلَك , فَقَالَ يَا جَبْرَئِيلُ بِمَا نَالَ مُعَاوِيَة هَذِهِ الْمَنْزِلَة ؟ قَالَ بِحُبِّ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } وَقِرَاءَته إِيَّاهَا جَاثِيًا وَذَاهِبًا وَقَائِمًا وَقَاعِدًا وَعَلَى كُلّ حَال.
وَأَوَّل حَدِيث اِبْن الضَّرِيس كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ بِالشَّامِ كَذَا ذَكَرَهُ الْحَافِظ فِي الْإِصَابَة.
وَأَخْرَجَ اِبْن سَعْد فِي الطَّبَقَات أَخْبَرَنَا عُثْمَان بْن الْهَيْثَم الْبَصْرِيّ حَدَّثَنَا مَحْبُوب بْن هِلَال الْمُزَنِيُّ عَنْ اِبْن مَيْمُونَة عَنْ أَنَس فَذَكَرَ نَحْوه , كَذَا فِي نَصْب الرَّايَة.
قَالَ : هَذَا إِسْنَاد لَا بَأْس بِهِ , عُثْمَان بْن الْهَيْثَم الْبَصْرِيّ قَالَ أَبُو حَاتِم كَانَ صَدُوقًا غَيْر أَنَّهُ كَانَ يَتَلَقَّن بِآخِرِهِ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : كَانَ صَدُوقًا كَثِير الْخَطَأ , وَرَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه , كَذَا فِي مُقَدِّمَة الْفَتْح.
وَأَمَّا مَحْبُوب بْن هِلَال الْمُزَنِيُّ فَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان : مَحْبُوب بْن هِلَال الْمُزَنِيُّ عَنْ عَطَاء بْن أَبِي مَيْمُونَة لَا يُعْرَف وَحَدِيثه مُنْكَر اِنْتَهَى.
وَفِي زَاد الْمَعَاد قَالَ الْبُخَارِيّ لَا يُتَابَع عَلَيْهِ اِنْتَهَى.
وَقَالَ الْحَافِظ فِي الْإِصَابَة : وَمَحْبُوب قَالَ أَبُو حَاتِم لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ , وَذَكَرَهُ اِبْن حِبَّان فِي الثِّقَات اِنْتَهَى.
وَعَطَاء بْن أَبِي مَيْمُونَة الْبَصْرِيّ مَوْلَى أَنَس وَثَّقَهُ يَحْيَى بْن مَعِين وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو زُرْعَة , وَقَالَ الْبُخَارِيّ : كَانَ يَرَى الْقَدَر وَهُوَ مِنْ رُوَاة الْبُخَارِيّ , كَذَا فِي الْمُقَدِّمَة.
وَالطَّرِيق الثَّانِيَة لِحَدِيثِ أَنَس هِيَ مَا ذَكَرَهَا اِبْن مَنْدَهْ مِنْ رِوَايَة يَحْيَى بْن أَبِي مُحَمَّد عَنْ أَنَس قَالَ اِبْن مَنْدَهْ وَرَوَاهُ نُوح بْن عَمْرو عَنْ بَقِيَّة عَنْ مُحَمَّد بْن زِيَاد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ نَحْوه , كَذَا ذَكَرَهُ الْحَافِظ فِي الْإِصَابَة وَلَمْ يَتَكَلَّم عَلَيْهِ وَيَحْيَى بْن أَبِي مُحَمَّد هَذَا هُوَ يَحْيَى بْن مُحَمَّد بْن قَيْس الْمُحَارِبِيّ أَبُو مُحَمَّد الْمَدَنِيّ نَزِيل الْبَصْرَة قَدْ ضُعِّفَ , لَكِنْ قَالَ أَبُو حَاتِم يُكْتَب حَدِيثه , وَقَالَ أَبُو زُرْعَة أَحَادِيثه مُتَقَارِبَة سِوَى حَدِيثَيْنِ , وَذَكَرَهُ اِبْن عَدِيّ فِي الْكَامِل وَذَكَرَ لَهُ أَرْبَعَة أَحَادِيث ثُمَّ قَالَ : عَامَّة أَحَادِيثه مُسْتَقِيمَة , وَرَوَى لَهُ مُسْلِم مُتَابَعَة كَذَا فِي الْمِيزَان وَالْخُلَاصَة.
وَالطَّرِيق الثَّالِثَة هِيَ مَا رَوَاهَا اِبْن سَعْد فِي الطَّبَقَات أَخْبَرَنَا يَزِيد بْن هَارُون حَدَّثَنَا الْعَلَاء أَبُو مُحَمَّد الثَّقَفِيّ سَمِعْت أَنَس بْن مَالِك قَالَ " كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَذَكَرَ نَحْوه.
كَذَا فِي نَصْب الرَّايَة.
وَقَالَ الْحَافِظ فِي الْإِصَابَة : وَأَخْرَجَهُ اِبْن الْأَعْرَابِيّ وَابْن عَبْد الْبَرّ وَغَيْرهمَا مِنْ طَرِيق يَزِيد بْن هَارُون أَنْبَأَنَا الْعَلَاء أَبُو مُحَمَّد الثَّقَفِيّ سَمِعْت أَنَس بْن مَالِك يَقُول " غَزَوْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَة تَبُوك فَطَلَعَتْ الشَّمْس يَوْمًا بِنُورٍ وَشُعَاع وَضِيَاء لَمْ نَرَهُ قَبْل ذَلِكَ , فَتَعَجَّبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَأْنهَا إِذْ أَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ مَاتَ مُعَاوِيَة بْن مُعَاوِيَة فَبَعَثَ اللَّه سَبْعِينَ أَلْف مَلَك يُصَلُّونَ عَلَيْهِ , قَالَ بِمَ ذَاكَ ؟ قَالَ بِكَثْرَةِ تِلَاوَته قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ , فَذَكَرَ نَحْوه وَفِيهِ فَهَلْ لَك أَنْ تُصَلِّي عَلَيْهِ فَأَقْبِض لَك الْأَرْض ؟ قَالَ نَعَمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ " وَالْعَلَاء أَبُو مُحَمَّد هُوَ اِبْن زَيْد الثَّقَفِيّ هُوَ وَاهٍ اِنْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ.
وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي الْخُلَاصَة : وَالْعَلَاء هَذَا اِبْن زَيْد وَيُقَال اِبْن زَيْد اِتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفه.
قَالَ الْبُخَارِيّ : وَابْن عَدِيّ وَأَبُو حَاتِم هُوَ مُنْكَر الْحَدِيث.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَرُوِيَ مِنْ طُرُق أُخْرَى ضَعِيفَة.
قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ.
وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان : الْعَلَاء بْن زَيْد الثَّقَفِيّ بَصْرِيّ رَوَى عَنْ أَنَس.
قَالَ اِبْن الْمَدِينِيّ يَضَع الْحَدِيث , وَقَالَ أَبُو حَاتِم وَالدَّارَقُطْنِيّ : مَتْرُوك الْحَدِيث , وَقَالَ الْبُخَارِيّ وَغَيْره : مُنْكَر الْحَدِيث وَقَالَ اِبْن حِبَّان : رُوِيَ عَنْ أَنَس نُسْخَة مَوْضُوعَة مِنْهَا الصَّلَاة بِتَبُوك صَلَاة الْغَائِب عَلَى مُعَاوِيَة بْن مُعَاوِيَة اللَّيْثِيّ.
قَالَ اِبْن حِبَّان : وَهَذَا مُنْكَر وَلَا أَحْفَظ فِي أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا وَالْحَدِيث فَقَدْ سَرَقَهُ شَيْخ شَامِيّ فَرَوَاهُ عَنْ بَقِيَّة عَنْ مُحَمَّد بْن زِيَاد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ اِنْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيث أَبِي أُمَامَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمه الْوَسَط وَكِتَاب مُسْنَد الشَّامِيِّينَ حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَعِيد الرَّازِيُّ حَدَّثَنَا نُوح بْن عَمْرو السَّكْسَكِيّ حَدَّثَنَا بَقِيَّة بْن الْوَلِيد عَنْ مُحَمَّد بْنِ زِيَاد الْأَلْهَانِيّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ " كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَبُوك فَنَزَلَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مُعَاوِيَة بْن مُعَاوِيَة الْمُزَنِيَّ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ أَتُحِبُّ أَنْ أَطْوِي لَك الْأَرْض فَتُصَلِّي عَلَيْهِ ؟ قَالَ نَعَمْ , فَضَرَبَ بِجَنَاحِهِ عَلَى الْأَرْض , فَرُفِعَ لَهُ سَرِيره , فَصَلَّى عَلَيْهِ وَخَلْفه صَفَّانِ مِنْ الْمَلَائِكَة فِي كُلّ صَفّ سَبْعُونَ أَلْف مَلَك ثُمَّ رَجَعَ , وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِبْرِيل بِمَ أَدْرَكَ هَذَا ؟ قَالَ بِحُبِّ سُورَة { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } وَقِرَاءَته إِيَّاهَا جَائِيًا وَقَائِمًا وَقَاعِدًا وَعَلَى كُلّ حَال " كَذَا فِي نَصْب الرَّايَة.
وَأَخْرَجَهُ أَبُو أَحْمَد الْحَاكِم قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَن أَحْمَد بِدِمَشْق حَدَّثَنَا نُوح بْن عَمْرو بْن حُوَيّ حَدَّثَنَا بَقِيَّة حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن زِيَاد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ " أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَبْرَئِيلُ وَهُوَ بِتَبُوك فَقَالَ يَا مُحَمَّد اِشْهَدْ جَنَازَة مُعَاوِيَة بْن مُعَاوِيَة الْمُزَنِيِّ , فَخَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابه , وَنَزَلَ جَبْرَئِيل فِي سَبْعِينَ أَلْفًا مِنْ الْمَلَائِكَة فَوَضَعَ جَنَاحه الْأَيْمَن عَلَى الْجِبَال فَتَوَاضَعَتْ , وَوَضَعَ جَنَاحه الْأَيْسَر عَلَى الْأَرْضِينَ فَتَوَاضَعَتْ حَتَّى نَظَرْنَا إِلَى مَكَّة وَالْمَدِينَة فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبْرَئِيلُ وَالْمَلَائِكَة , فَذَكَرَهُ.
قَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان فِي تَرْجَمَة نُوح : هَذَا حَدِيث مُنْكَر.
وَفِي الْإِصَابَة وَأَخْرَجَهُ أَبُو أَحْمَد الْحَاكِم فِي فَوَائِده وَالْخَلَّال فِي فَضَائِل { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } وَابْن عَبْد الْبَرّ جَمِيعًا مِنْ طَرِيق نُوح فَذَكَرَ نَحْوه اِنْتَهَى.
قَالَ الذَّهَبِيّ فِي تَرْجَمَة نُوح : قَالَ اِبْن حِبَّان يُقَال إِنَّهُ سَرَقَ هَذَا الْحَدِيث اِنْتَهَى , لَكِنْ قَالَ الْحَافِظ فِي الْإِصَابَة : وَقَالَ اِبْن حِبَّان فِي تَرْجَمَة الْعَلَاء مِنْ الضُّعَفَاء بَعْد أَنْ ذَكَرَ لَهُ هَذَا الْحَدِيث سَرَقَهُ شَيْخ مِنْ أَهْل الشَّام فَرَوَاهُ عَنْ بَقِيَّة فَذَكَرَهُ.
قُلْت : فَمَا أَدْرِي عَنَى نُوحًا أَوْ غَيْره فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُر نُوحًا فِي الضُّعَفَاء اِنْتَهَى كَلَام الْحَافِظ.
وَقَالَ الْحَافِظ اِبْن الْأَثِير فِي أُسْد الْغَابَة مُعَاوِيَة بْن مُعَاوِيَة بْن مُقَرِّن الْمُزَنِيُّ وَيُقَال اللَّيْثِيّ وَيُقَال مُعَاوِيَة بْن مُقَرِّن الْمُزَنِيُّ : قَالَ أَبُو عَمْرو هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ تُوُفِّيَ فِي حَيَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَى حَدِيثه مَحْبُوب بْن هِلَال الْمُزَنِيُّ عَنْ اِبْن أَبِي مَيْمُونَة عَنْ أَنَس , وَرَوَاهُ يَزِيد بْن هَارُون عَنْ الْعَلَاء أَبِي مُحَمَّد الثَّقَفِيّ عَنْ أَنَس , فَقَالَ مُعَاوِيَة بْن مُعَاوِيَة اللَّيْثِيّ , وَرَوَاهُ بَقِيَّة بْن الْوَلِيد عَنْ مُحَمَّد بْن زِيَاد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيّ نَحْوه.
وَقَالَ مُعَاوِيَة بْن مُقَرِّن الْمُزَنِيُّ : قَالَ أَبُو عُمَر : أَسَانِيد هَذِهِ الْأَحَادِيث لَيْسَتْ بِالْقَوِيَّةِ , قَالَ وَمُعَاوِيَة بْن مُقَرِّن الْمُزَنِيُّ وَإِخْوَته النُّعْمَان وَسُوَيْد وَمَعْقِل وَكَانُوا سَبْعَة مَعْرُوفِينَ فِي الصَّحَابَة مَشْهُورِينَ , قَالَ وَأَمَّا مُعَاوِيَة بْن مُعَاوِيَة الْمُزَنِيُّ فَلَا أَعْرِفهُ بِغَيْرِ مَا ذَكَرْت , وَفَضْل { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } لَا يُنْكَر اِنْتَهَى.
وَفِي تَجْرِيد أَسْمَاء الصَّحَابَة لِلْحَافِظِ الذَّهَبِيّ : مُعَاوِيَة بْن مُعَاوِيَة الْمُزَنِيُّ وَيُقَال مُعَاوِيَة بْنُ مُقَرِّن الْمُزَنِيُّ تُوُفِّيَ فِي حَيَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ صَحَّ فَهُوَ الَّذِي قِيلَ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ فَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِتَبُوك , وَرَفَعَ لَهُ جَبْرَئِيلُ الْأَرْض , وَلَهُ طُرُق كُلّهَا ضَعِيفَة اِنْتَهَى.
وَفِي الْإِصَابَة قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : أَسَانِيد هَذَا الْحَدِيث لَيْسَتْ بِالْقَوِيَّةِ وَلَوْ أَنَّهَا فِي الْأَحْكَام لَمْ يَكُنْ شَيْء مِنْهَا حُجَّة وَمُعَاوِيَة بْن مُقَرِّن الْمُزَنِيُّ مَعْرُوف هُوَ وَإِخْوَته وَأَمَّا مُعَاوِيَة بْنُ مُعَاوِيَة فَلَا أَعْرِفهُ.
قَالَ اِبْن حُجْرٍ : قَدْ يَحْتَجّ بِهِ مَنْ يُجِيز الصَّلَاة عَلَى الْغَائِب , وَيَدْفَعهُ مَا وَرَدَ أَنَّهُ رُفِعَتْ الْحُجُب حَتَّى شَهِدَ جَنَازَته فَهَذَا يَتَعَلَّق بِالْأَحْكَامِ اِنْتَهَى.
وَأَمَّا طَرِيق سَعِيد بْن الْمُسَيِّب فَقَالَ الْحَافِظ : رَوَيْنَاهَا فِي فَضَائِل الْقُرْآن لِابْنِ الضُّرَيْس مِنْ طَرِيق عَلِيّ بْن زَيْد بْن جُدْعَان عَنْ سَعِيد.
وَأَمَّا طَرِيق الْحَسَن الْبَصْرِيّ فَأَخْرَجَهَا الْبَغَوِيُّ وَابْن مَنْدَهْ مِنْ طَرِيق صَدَقَة بْن أَبِي سَهْل عَنْ يُونُس بْن عُبَيْد عَنْ الْحَسَن عَنْ مُعَاوِيَة بْن مُعَاوِيَة الْمُزَنِيِّ " أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ غَازِيًا بِتَبُوك فَأَتَاهُ جَبْرَئِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمَّد هَلْ لَك فِي جَنَازَة مُعَاوِيَة بْن مُعَاوِيَة الْمُزَنِيِّ " فَذَكَرَ الْحَدِيث , وَهَذَا الْمُرْسَل.
وَلَيْسَ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ عَنْ أَدَاة الرُّوَاة وَإِنَّمَا تَقْدِير الْكَلَام أَنَّ الْحَسَن أَخْبَرَ عَنْ قِصَّة مُعَاوِيَة الْمُزَنِيِّ اِنْتَهَى.
وَالْحَاصِل أَنَّ الْأَمْر كَمَا قَالَ الْحَافِظ بْنُ عَبْد الْبَرّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالذَّهَبِيّ أَنَّ أَسَانِيد هَذِهِ الْأَحَادِيث لَيْسَتْ بِالْقَوِيَّةِ لَكِنَّ فِيهِ التَّفْصِيل وَهُوَ أَنَّ حَدِيث أَنَس رُوِيَ مِنْ ثَلَاثَة طُرُق : فَطَرِيق أَبِي مُحَمَّد الْعَلَاء الثَّقَفِيّ عَنْهُ ضَعِيفَة جِدًّا لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِمِثْلِ هَذَا السَّنَد.
وَأَمَّا طَرِيق مَحْبُوب بْن هِلَال فَلَا بَأْس بِهِ لَا يَنْحَطّ دَرَجَته عَنْ الْحَدِيث الْحَسَن لِغَيْرِهِ وَمَحْبُوب وَإِنْ لَمْ يَعْرِفهُ الذَّهَبِيّ وَقَالَ حَدِيثه مُنْكَر فَقَدْ ذَكَرَهُ اِبْن حِبَّان فِي الثِّقَات وَإِنَّمَا قَالَ الْبُخَارِيّ لَا يُتَابَع عَلَيْهِ , وَقَالَ أَبُو حَاتِم لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ.
وَقَدْ قَالَ الذَّهَبِيّ فِي تَرْجَمَة عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ : فَانْظُرْ إِلَى أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِبَار وَالصِّغَار مَا فِيهِمْ أَحَد إِلَّا وَقَدْ اِنْفَرَدَ بِسُنَّةٍ وَكَذَلِكَ التَّابِعُونَ كُلّ وَاحِد عِنْده مَا لَيْسَ عِنْد الْآخَر مِنْ الْعِلْم , فَإِنَّ تَفَرُّد الثِّقَة الْمُتْقِن يُعَدّ صَحِيحًا غَرِيبًا , وَإِنَّ تَفَرُّدَ الصَّدُوق وَمَنْ دُونه يُعَدّ مُنْكَرًا اِنْتَهَى مُخْتَصَرًا وَمَحْبُوب لَا يَنْزِل عَنْ دَرَجَة الصَّدُوق وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا طَرِيق يَحْيَى بْن أَبِي مُحَمَّد فَهُوَ أَدْوَن مِنْ طَرِيق مَحْبُوب.
وَأَمَّا سَنَد حَدِيث أَبِي أُمَامَةَ أَيْضًا فَلَا بَأْس بِهِ وَعَلِيّ بْن سَعِيد الرَّازِيُّ شَيْخ الطَّبَرَانِيِّ هُوَ حَافِظُ رِجَال.
قَالَ اِبْن يُونُس : كَانَ يَفْهَم وَيَحْفَظ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : لَيْسَ بِذَاكَ تَفَرَّدَ بِأَشْيَاء اِنْتَهَى , وَهَذَا لَيْسَ بِجَرْحٍ , وَنُوح بْن عُمَر وَلَمْ يَثْبُت فِيهِ جَرْح وَرَوَى عَنْهُ اِثْنَانِ عَلِيّ بْن سَعِيد وَأَبُو الْحَسَن أَحْمَد , وَأَمَّا بَقِيَّة فَصَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ , وَمُحَمَّد بْن زِيَاد مِنْ الثِّقَات الْأَثْبَات , وَلِذَا قَالَ الْحَافِظ فِي الْفَتْح وَخَبَر مُعَاوِيَة قَوِيّ بِالنَّظَرِ إِلَى مَجْمُوع طُرُقه اِنْتَهَى.
قُلْت : اِعْتِمَادِي فِي هَذَا الْبَاب عَلَى حَدِيث النَّجَاشِيّ , وَأَمَّا غَيْره مِنْ الرِّوَايَات فَيَنْضَمّ إِلَى خَبَر النَّجَاشِيّ وَتَحْدُث لَهُ بِهِ الْقُوَّة.
وَأَمَّا كَشْف السَّرِير لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي قِصَّة مُعَاوِيَة فَهُوَ إِكْرَامًا لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا كُشِفَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاة الْكُسُوف الْجَنَّة وَالنَّار , فَهَلْ مِنْ قَائِل إِنَّ صَلَاة الْكُسُوف لَا تَجُوز إِلَّا لِمَنْ كُشِفَ لَهُ الْجَنَّة وَالنَّار.
وَأَمَّا صَلَاته عَلَى زَيْد بْن حَارِثَة وَجَعْفَر بْن أَبِي طَالِب فَأَخْرَجَهَا الْوَاقِدِيّ فِي كِتَاب الْمَغَازِي بِإِسْنَادِهِ إِلَى عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر قَالَ " لَمَّا اِلْتَقَى النَّاس بِمُؤْتَة جَلَسَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَر وَكُشِفَ لَهُ مَا بَيْنه وَبَيْن الشَّام فَهُوَ يَنْظُر إِلَى مَعْرَكَتهمْ فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الرَّايَة زَيْد بْن حَارِثَة فَمَضَى حَتَّى اُسْتُشْهِدَ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَعَا لَهُ وَقَالَ اِسْتَغْفِرُوا لَهُ قَدْ دَخَلَ الْجَنَّة وَهُوَ يَسْعَى ثُمَّ أَخَذَ الرَّايَة جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب فَمَضَى حَتَّى اُسْتُشْهِدَ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا لَهُ وَقَالَ اِسْتَغْفِرُوا لَهُ وَقَدْ دَخَلَ الْجَنَّة فَهُوَ يَطِير فِيهَا بِجَنَاحَيْنِ حَيْثُ شَاءَ " وَالْحَدِيث مُرْسَل , وَالْوَاقِدِيّ ضَعِيف جِدًّا وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : النَّجَاشِيّ رَجُل مُسْلِم قَدْ آمَنَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَدَّقَهُ عَلَى نُبُوَّته إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يَكْتُم إِيمَانه , وَالْمُسْلِم إِذَا مَاتَ يَجِب عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُصَلُّوا عَلَيْهِ , إِلَّا أَنَّهُ كَانَ بَيْن ظَهْرَانَيْ أَهْل الْكُفْر وَلَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَقُوم بِحَقِّهِ فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ , فَلَزِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَفْعَل ذَلِكَ إِذْ هُوَ نَبِيّه وَوَلِيّه وَأَحَقّ النَّاس بِهِ , فَهَذَا وَاَللَّه أَعْلَم هُوَ السَّبَب الَّذِي دَعَاهُ إِلَى الصَّلَاة عَلَيْهِ بِظَهْرِ الْغَيْب , فَإِذَا صَلَّوْا عَلَيْهِ اِسْتَقْبَلُوا الْقِبْلَة وَلَمْ يَتَوَجَّهُوا إِلَى بَلَد الْمَيِّت إِنْ كَانَ فِي غَيْر الْقِبْلَة اِنْتَهَى.
قُلْت : قَوْله إِنَّهُ كَانَ يَكْتُم إِيمَانه مَنْظُور فِيهِ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَقَدْ ذَهَبَ بَعْض الْعُلَمَاء إِلَى كَرَاهَة الصَّلَاة عَلَى الْمَيِّت الْغَائِب وَزَعَمُوا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَخْصُوصًا بِهَذَا الْفِعْل إِذْ كَانَ فِي حُكْم الْمُشَاهِد لِلنَّجَاشِيِّ.
لِمَا رُوِيَ فِي بَعْض الْأَخْبَار أَنَّهُ قَدْ سُوِّيَتْ لَهُ الْأَرْض حَتَّى يُبْصِر مَكَانه , وَهَذَا تَأْوِيل فَاسِد , لِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَعَلَ شَيْئًا مِنْ أَفْعَال الشَّرِيعَة كَانَ عَلَيْنَا الْمُتَابَعَة وَالِائْتِسَاء بِهِ وَالتَّخْصِيص لَا يُعْلَم إِلَّا بِدَلِيلِ.
وَمِمَّا يُبَيِّن ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ بِالنَّاسِ إِلَى الصَّلَاة فَصَفّ بِهِمْ وَصَلَّوْا مَعَهُ , فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا التَّأْوِيل فَاسِد اِنْتَهَى.
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْل : لَمْ يَأْتِ الْمَانِعُونَ مِنْ الصَّلَاة عَلَى الْغَائِب بِشَيْءٍ يُعْتَدّ بِهِ سِوَى الِاعْتِذَار بِأَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوص بِمَنْ كَانَ فِي أَرْض لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ فِيهَا وَهُوَ أَيْضًا جُمُود عَلَى قِصَّة النَّجَاشِيّ يَدْفَعهُ الْأَثَر وَالنَّظَر وَاَللَّه أَعْلَم.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ.
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى لِلنَّاسِ النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ
عن أبي بردة، عن أبيه، قال: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننطلق إلى أرض النجاشي - فذكر حديثه - قال النجاشي: أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه...
عن المطلب، قال: لما مات عثمان بن مظعون، أخرج بجنازته فدفن، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا أن يأتيه بحجر، فلم يستطع حمله، فقام إليها رسول الله صلى...
عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كسر عظم الميت ككسره حيا»
عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللحد لنا والشق لغيرنا»
عن عامر، قال: «غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي، والفضل، وأسامة بن زيد، وهم أدخلوه قبره»، قال: حدثنا مرحب أو أبو مرحب، أنهم أدخلوا معهم عبد الرحمن...
عن أبي مرحب، " أن عبد الرحمن بن عوف نزل في قبر النبي صلى الله عليه وسلم، قال: كأني أنظر إليهم أربعة "
عن أبي إسحاق، قال: أوصى الحارث أن يصلي عليه عبد الله بن يزيد، " فصلى عليه، ثم أدخله القبر من قبل رجلي القبر، وقال: هذا من السنة "
عن البراء بن عازب، قال: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر، ولم يلحد بعد فجلس النبي صلى الله عليه وسلم...
عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان إذا وضع الميت في القبر قال: «بسم الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم»، هذا لفظ مسلم