حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

سقتني حفصة شربة عسل فقالت جرست نحله العرفط - صحيح البخاري

صحيح البخاري | كتاب الطلاق باب لم تحرم ما أحل الله لك (حديث رقم: 5268 )


5268- عن ‌عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب العسل والحلواء، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن، فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس أكثر ما كان يحتبس، فغرت فسألت عن ذلك، فقيل لي: أهدت لها امرأة من قومها عكة من عسل فسقت النبي صلى الله عليه وسلم منه شربة، فقلت: أما والله لنحتالن له، فقلت لسودة بنت زمعة: إنه سيدنو منك، فإذا دنا منك فقولي: أكلت مغافير؟ فإنه سيقول لك: لا، فقولي له: ما هذه الريح التي أجد منك؟ فإنه سيقول لك: سقتني حفصة شربة عسل، فقولي له: جرست نحله العرفط، وسأقول ذلك، وقولي أنت يا صفية ذاك، قالت: تقول سودة: فوالله ما هو إلا أن قام على الباب فأردت أن أباديه بما أمرتني به فرقا منك، فلما دنا منها قالت له سودة: يا رسول الله، أكلت مغافير؟ قال: لا، قالت: فما هذه الريح التي أجد منك؟ قال: سقتني حفصة شربة عسل، فقالت: جرست نحله العرفط، فلما دار إلي قلت له نحو ذلك، فلما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك، فلما دار إلى حفصة قالت: يا رسول الله، ألا أسقيك منه؟ قال: لا حاجة لي فيه.
قالت: تقول سودة: والله لقد حرمناه، قلت لها: اسكتي.»

أخرجه البخاري


أخرجه مسلم في الطلاق باب وجوب الكفارة على من حرم امرأته ولم ينو الطلاق رقم 1474 (عكة) وعاء صغير يوضع فيه السمن أو العسل.
(مغافير) صمغ حلو له رائحة كريهة.
(جرست) رعت وجنت.
(العرفط) نوع من الشجر يخرج منه المغافير.
(أباديه) أبتدئه ببيان ما قلت لي.
(فرقا) خوفا

شرح حديث ( سقتني حفصة شربة عسل فقالت جرست نحله العرفط)

فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

‏ ‏قَوْله ( كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبّ الْعَسَل وَالْحَلْوَى ) ‏ ‏قَدْ أَفْرَدَ هَذَا الْقَدْر مِنْ هَذَا الْحَدِيث كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَطْعِمَة وَفِي الْأَشْرِبَة وَفِي غَيْرهمَا مِنْ طَرِيق أَبِي أُسَامَة عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , وَهُوَ عِنْده بِتَقْدِيمِ الْحَلْوَى عَلَى الْعَسَل , وَلِتَقْدِيمِ كُلّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَر جِهَة مِنْ جِهَات التَّقْدِيم , فَتَقْدِيم الْعَسَل لِشَرَفِهِ وَلِأَنَّهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُول الْحَلْوَى وَلِأَنَّهُ مُفْرَد وَالْحَلْوَى مُرَكَّبَة , وَتَقْدِيم الْحَلْوَى لِشُمُولِهَا وَتَنَوُّعهَا لِأَنَّهَا تُتَّخَذُ مِنْ الْعَسَل وَمِنْ غَيْره , وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ عَطْف الْعَامّ عَلَى الْخَاصّ كَمَا زَعَمَ بَعْضهمْ وَإِنَّمَا الْعَامّ الَّذِي يَدْخُل الْجَمِيع فِيهِ , الْحُلْو بِضَمِّ أَوَّله وَلَيْسَ بَعْد الْوَاو شَيْء , وَوَقَعَتْ الْحَلْوَاء فِي أَكْثَر الرِّوَايَات عَنْ أَبِي أُسَامَة بِالْمَدِّ وَفِي بَعْضهَا بِالْقَصْرِ وَهِيَ رِوَايَة عَلِيّ بْن مُسْهِر , وَذَكَرَتْ عَائِشَة هَذَا الْقَدْر فِي أَوَّل الْحَدِيث تَمْهِيدًا لِمَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ قِصَّة الْعَسَل , وَسَأَذْكُرُ مَا يَتَعَلَّق بِالْحَلْوَى وَالْعَسَل مَبْسُوطًا فِي كِتَاب الْأَطْعِمَة إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
‏ ‏قَوْله ( وَكَانَ إِذَا اِنْصَرَفَ مِنْ الْعَصْر ) ‏ ‏كَذَا لِلْأَكْثَرِ , وَخَالَفَهُمْ حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة فَقَالَ " الْفَجْر " أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْن حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيره عَنْ أَبِي النُّعْمَان عَنْ حَمَّاد , وَيُسَاعِدهُ رِوَايَة يَزِيد بْن رُومَان عَنْ اِبْن عَبَّاس فَفِيهَا " وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الصُّبْح جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ وَجَلَسَ النَّاس حَوْله حَتَّى تَطْلُع الشَّمْس , ثُمَّ يَدْخُل عَلَى نِسَائِهِ اِمْرَأَة اِمْرَأَة يُسَلِّم عَلَيْهِنَّ وَيَدْعُو لَهُنَّ , فَإِذَا كَانَ يَوْم إِحْدَاهُنَّ كَانَ عِنْدهَا " الْحَدِيث أَخْرَجَهُ اِبْن مَرْدَوَيْهِ , وَيُمْكِن الْجَمْع بِأَنَّ الَّذِي كَانَ يَقَع فِي أَوَّل النَّهَار سَلَامًا وَدُعَاء مَحْضًا , وَاَلَّذِي فِي آخِره مَعَهُ جُلُوس وَاسْتِئْنَاس وَمُحَادَثَة , لَكِنَّ الْمَحْفُوظ فِي حَدِيث عَائِشَة ذِكْر الْعَصْر وَرِوَايَة حَمَّاد بْن سَلَمَة شَاذَّةٌ.
‏ ‏قَوْله ( دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ ) ‏ ‏فِي رِوَايَة أَبِي أُسَامَة أَجَازَ إِلَى نِسَائِهِ أَيْ مَشَى , وَيَجِيء بِمَعْنَى قَطَعَ الْمَسَافَة وَمِنْهُ فَأَكُون أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّل مَنْ يُجِيز أَيْ أَوَّل مَنْ يَقْطَع مَسَافَة الصِّرَاط.
‏ ‏قَوْله ( فَيَدْنُو مِنْهُنَّ ) ‏ ‏أَيْ فَيُقَبِّلُ وَيُبَاشِر مِنْ غَيْر جِمَاع كَمَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى.
‏ ‏قَوْله ( فَاحْتَبَسَ ) ‏ ‏أَيْ أَقَامَ , زَادَ أَبُو أُسَامَة " عِنْدَهَا ".
‏ ‏قَوْله ( فَسَأَلْت عَنْ ذَلِكَ ) ‏ ‏وَوَقَعَ فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس بَيَان ذَلِكَ وَلَفْظه " فَأَنْكَرَتْ عَائِشَة اِحْتِبَاسه عِنْد حَفْصَة فَقَالَتْ جُوَيْرِيَةُ لِحَبَشِيَّةٍ عَنْدهَا يُقَال لَهَا خَضْرَاء : إِذَا دَخَلَ عَلَى حَفْصَة فَادْخُلِي عَلَيْهَا فَانْظُرِي مَا يَصْنَع ".
‏ ‏قَوْله ( أَهْدَتْ لَهَا اِمْرَأَة مِنْ قَوْمهَا عُكَّة عَسَل ) ‏ ‏لَمْ أَقِف عَلَى اِسْم هَذِهِ الْمَرْأَة وَوَقَعَ فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس " أَنَّهَا أُهْدِيَتْ لِحَفْصَةَ عُكَّة فِيهَا عَسَل مِنْ الطَّائِف ".
‏ ‏قَوْله ( فَقُلْت لِسَوْدَةَ بِنْت زَمْعَةَ إِنَّهُ سَيَدْنُو مِنْك ) ‏ ‏فِي رِوَايَة أَبِي أُسَامَة " فَذَكَرْت ذَلِكَ لِسَوْدَةَ وَقُلْت لَهَا : إِنَّهُ إِذَا دَخَلَ عَلَيْك سَيَدْنُو مِنْك " وَفِي رِوَايَة حَمَّاد بْن سَلَمَة " إِذَا دَخَلَ عَلَى إِحْدَاكُنَّ فَلْتَأْخُذْ بِأَنْفِهَا , فَإِذَا قَالَ : مَا شَأْنك ؟ فَقُولِي : رِيح الْمَغَافِير " وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْح الْمَغَافِير قَبْلُ.
‏ ‏قَوْله ( سَقَتْنِي حَفْصَة شَرْبَة عَسَل ) ‏ ‏فِي رِوَايَة حَمَّاد بْن سَلَمَة " إِنَّمَا هِيَ عُسَيْلَة سَقَتْنِيهَا حَفْصَةُ ".
‏ ‏قَوْله ( جَرَسَتْ ) ‏ ‏بِفَتْحِ الْجِيم وَالرَّاء بَعْدهَا مُهْمَلَة أَيْ رَعَتْ نَحْلُ هَذَا الْعَسَل الَّذِي شَرِبْته الشَّجَرَ الْمَعْرُوفَ بِالْعُرْفُطِ , وَأَصْل الْجَرْس الصَّوْتُ الْخَفِيُّ , وَمِنْهُ فِي حَدِيث صِفَة الْجَنَّة " يَسْمَع جَرْس الطَّيْر " وَلَا يُقَال جَرَسَ بِمَعْنَى رَعَى إِلَّا لِلنَّحْلِ , وَقَالَ الْخَلِيل جَرَسَتْ النَّحْلُ الْعَسَل تَجْرُسُهُ جَرْسًا إِذَا لَحِسَتْهُ , وَفِي رِوَايَة حَمَّاد بْن سَلَمَة " جَرَسَتْ نَحْلهَا الْعُرْفُط إِذًا " وَالضَّمِير لِلْعُسَيْلَةِ عَلَى مَا وَقَعَ فِي رِوَايَته.
‏ ‏قَوْله ( الْعُرْفُط ) ‏ ‏بِضَمِّ الْمُهْمَلَة وَالْفَاء بَيْنهمَا رَاء سَاكِنَة وَآخِره طَاء مُهْمَلَة هُوَ الشَّجَر الَّذِي صَمْغه الْمَغَافِير , قَالَ اِبْن قُتَيْبَة : هُوَ نَبَات مُرٌّ لَهُ وَرَقَة عَرِيضَة تُفْرَشُ بِالْأَرْضِ وَلَهُ شَوْكَة وَثَمَرَة بَيْضَاء كَالْقُطْنِ مِثْل زِرّ الْقَمِيص , وَهُوَ خَبِيث الرَّائِحَة.
قُلْت : وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حِكَايَة عِيَاض عَنْ الْمُهَلَّب مَا يَتَعَلَّق بِرَائِحَةِ الْعُرْفُط وَالْبَحْث مَعَهُ فِيهِ قَبْلُ.
‏ ‏قَوْله ( وَقُولِي أَنْتِ يَا صَفِيَّة ) ‏ ‏أَيْ بِنْت حُيَيٍّ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ , وَفِي رِوَايَة أَبِي أُسَامَة " وَقُولِيهِ أَنْتِ يَا صَفِيَّة " أَيْ قُولِي , الْكَلَام الَّذِي عَلَّمْتِهِ لِسَوْدَةَ , زَادَ أَبُو أُسَامَة فِي رِوَايَته " وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْتَدّ عَلَيْهِ أَنْ يُوجَد مِنْهُ الرِّيح " أَيْ الْغَيْر الطَّيِّب , وَفِي رِوَايَة يَزِيد بْن رُومَان عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَكَانَ أَشَدّ شَيْء عَلَيْهِ أَنْ يُوجَد مِنْهُ رِيحٌ سَيِّئٌ " وَفِي رِوَايَة حَمَّاد بْن سَلَمَة " وَكَانَ يَكْرَه أَنْ يُوجَد مِنْهُ رِيح كَرِيهَة لِأَنَّهُ يَأْتِيه الْمَلَك " وَفِي رِوَايَة اِبْن أَبِي مُلَيْكَة عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ يُوجَد مِنْهُ الرِّيح الطَّيِّب ".
‏ ‏قَوْله ( قَالَتْ تَقُول سَوْدَة : فَوَاَللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَامَ عَلَى الْبَاب فَأَرَدْت أَنْ أُبَادِئَهُ بِاَلَّذِي أَمَرَتْنِي بِهِ فَرَقًا مِنْك ) ‏ ‏أَيْ خَوْفًا , وَفِي رِوَايَة أَبِي أُسَامَة " فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى سَوْدَة قَالَتْ تَقُول سَوْدَة : وَاَللَّه لَقَدْ كِدْت أَنْ أُبَادِرهُ بِاَلَّذِي قُلْت لِي " وَضُبِطَ " أُبَادِئهُ " فِي أَكْثَر الرِّوَايَات بِالْمُوَحَّدَةِ مِنْ الْمُبَادَأَة وَهِيَ بِالْهَمْزَةِ , وَفِي بَعْضهَا بِالنُّونِ بِغَيْرِ هَمْزَة مِنْ الْمُنَادَاة , وَأَمَّا أُبَادِرهُ فِي رِوَايَة أَبِي أُسَامَة فَمِنْ الْمُبَادَرَة , وَوَقَعَ فِيهَا عِنْد الْكُشْمِيهَنِيّ وَالْأَصِيلِيّ وَأَبِي الْوَقْت كَالْأَوَّلِ بِالْهَمْزَةِ بَدَل الرَّاء , وَفِي رِوَايَة اِبْن عَسَاكِر بِالنُّونِ.
‏ ‏قَوْله ( فَلَمَّا دَارَ إِلَيَّ قُلْت نَحْوَ ذَلِكَ , فَلَمَّا دَارَ إِلَى صَفِيَّة قَالَتْ لَهُ مِثْل ذَلِكَ ) ‏ ‏كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَة بِلَفْظِ " نَحْوَ " عِنْد إِسْنَاد الْقَوْل لِعَائِشَة وَبِلَفْظِ مِثْل عِنْد إِسْنَاده لِصَفِيَّة , وَلَعَلَّ السِّرّ فِيهِ أَنَّ عَائِشَة لَمَّا كَانَتْ الْمُبْتَكِرَة لِذَلِكَ عَبَّرَتْ عَنْهُ بِأَيِّ لَفْظ حَسَن بِبَالِهَا حِينَئِذٍ فَلِهَذَا قَالَتْ نَحْو وَلَمْ تَقُلْ مِثْل , وَأَمَّا صَفِيَّة فَإِنَّهَا مَأْمُورَة بِقَوْلِ شَيْء فَلَيْسَ لَهَا فِيهِ تَصَرُّف , إِذْ لَوْ تَصَرَّفَتْ فِيهِ لَخَشِيَتْ مِنْ غَضَب الْآمِرَة لَهَا , فَلِهَذَا عَبَّرَتْ عَنْهُ بِلَفْظِ مِثْل , هَذَا الَّذِي ظَهَرَ لِي فِي الْفَرْق أَوَّلًا , ثُمَّ رَاجَعْت سِيَاق أَبِي أُسَامَة فَوَجَدْته عَبَّرَ بِالْمِثْلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ , فَغَلَبَ عَلَى الظَّنّ أَنَّ تَغْيِير ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّف الرُّوَاة وَاللَّهُ أَعْلَم.
‏ ‏قَوْله ( فَلَمَّا دَارَ إِلَى حَفْصَة ) ‏ ‏أَيْ فِي الْيَوْم الثَّانِي.
‏ ‏قَوْله ( لَا حَاجَة لِي فِيهِ ) ‏ ‏كَأَنَّهُ اِجْتَنَبَهُ لِمَا وَقَعَ عِنْده مِنْ تَوَارُد النِّسْوَة الثَّلَاث عَلَى أَنَّهُ نَشَأَتْ مِنْ شُرْبه لَهُ رِيح مُنْكَرَة فَتَرَكَهُ حَسْمًا لِلْمَادَّةِ.
‏ ‏قَوْله ( تَقُول سَوْدَة ) ‏ ‏زَادَ اِبْن أَبِي أُسَامَة فِي رِوَايَته " سُبْحَانَ اللَّهِ ".
‏ ‏قَوْله ( وَاَللَّه لَقَدْ حَرَمْنَاهُ ) ‏ ‏بِتَخْفِيفِ الرَّاء أَيْ مَنَعْنَاهُ.
‏ ‏قَوْله ( قُلْت لَهَا اُسْكُتِي ) ‏ ‏كَأَنَّهَا خَشِيَتْ أَنْ يَفْشُو ذَلِكَ فَيَظْهَر مَا دَبَّرَتْهُ مِنْ كَيَدِهَا لِحَفْصَةَ.
وَفِي الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد مَا جُبِلَ عَلَيْهِ النِّسَاءُ مِنْ الْغَيْرَة , وَأَنَّ الْغَيْرَاءَ تُعْذَر فِيمَا يَقَع مِنْهَا مِنْ الِاحْتِيَال فِيمَا يَدْفَعُ عَنْهَا تَرَفُّعَ ضَرَّتِهَا عَلَيْهَا بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ , وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّف فِي كِتَاب تَرْك الْحِيَل " مَا يُكْرَه مِنْ اِحْتِيَال الْمَرْأَة مِنْ الزَّوْج وَالضَّرَائِر " وَفِيهِ الْأَخْذ بِالْحَزْمِ فِي الْأُمُور وَتَرْك مَا يَشْتَبِهُ الْأَمْرُ فِيهِ مِنْ الْمُبَاح خَشْيَة مِنْ الْوُقُوع فِي الْمَحْذُور.
وَفِيهِ مَا يَشْهَد بِعُلُوِّ مَرْتَبَة عَائِشَة عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَتْ ضَرَّتهَا تَهَابهَا وَتُطِيعهَا فِي كُلّ شَيْء تَأْمُرهَا بِهِ حَتَّى فِي مِثْل هَذَا الْأَمْر مَعَ الزَّوْج الَّذِي هُوَ أَرْفَع النَّاس قَدْرًا.
وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى وَرَع سَوْدَة لِمَا ظَهَرَ مِنْهَا مِنْ التَّنَدُّم عَلَى مَا فَعَلَتْ لِأَنَّهَا وَافَقَتْ أَوَّلًا عَلَى دَفْع تَرَفُّع حَفْصَة عَلَيْهِنَّ بِمَزِيدِ الْجُلُوس عِنْدهَا بِسَبَبِ الْعَسَل , وَرَأَتْ أَنَّ التَّوَصُّل إِلَى بُلُوغ الْمُرَاد مِنْ ذَلِكَ لِحَسْمِ مَادَّة شُرْب الْعَسَل الَّذِي هُوَ سَبَب الْإِقَامَة , لَكِنْ أَنْكَرَتْ بَعْد ذَلِكَ أَنَّهُ يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مَنْع النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْر كَانَ يَشْتَهِيه وَهُوَ شُرْب الْعَسَل مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ اِعْتِرَاف عَائِشَة الْآمِرَة لَهَا بِذَلِكَ فِي صَدْر الْحَدِيث , فَأَخَذَتْ سَوْدَة تَتَعَجَّب مِمَّا وَقَعَ مِنْهُنَّ فِي ذَلِكَ , وَلَمْ تَجْسُر عَلَى التَّصْرِيح بِالْإِنْكَارِ , وَلَا رَاجَعَتْ عَائِشَة بَعْد ذَلِكَ لَمَّا قَالَتْ لَهَا " اُسْكُتِي " بَلْ أَطَاعَتْهَا وَسَكَتَتْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ اِعْتِذَارهَا فِي أَنَّهَا كَانَتْ تَهَابهَا وَإِنَّمَا كَانَتْ تَهَابهَا لِمَا تَعْلَم مِنْ مَزِيد حُبّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا أَكْثَر مِنْهُنَّ , فَخَشِيَتْ إِذَا خَالَفَتْهَا أَنْ تُغْضِبهَا , وَإِذَا أَغْضَبَتْهَا لَا تَأْمَن أَنْ تُغَيِّر عَلَيْهَا خَاطِر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَحْتَمِل ذَلِكَ , فَهَذَا مَعْنَى خَوْفهَا مِنْهَا.
وَفِيهِ أَنَّ عِمَادَ الْقَسْم اللَّيْلُ , وَأَنَّ النَّهَار يَجُوز الِاجْتِمَاع فِيهِ بِالْجَمِيعِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَقَع الْمُجَامَعَة إِلَّا مَعَ الَّتِي هُوَ فِي نَوْبَتهَا كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيره.
وَفِيهِ اِسْتِعْمَال الْكِنَايَات فِيمَا يُسْتَحَيَا مِنْ ذِكْره لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيث " فَيَدْنُو مِنْهُنَّ " وَالْمُرَاد فَيُقَبِّلُ وَنَحْو ذَلِكَ , وَيُحَقِّقُ ذَلِكَ قَوْل عَائِشَة لِسَوْدَةَ " إِذَا دَخَلَ عَلَيْك فَإِنَّهُ سَيَدْنُو مِنْك , فَقُولِي لَهُ إِنِّي أَجِد كَذَا " وَهَذَا إِنَّمَا يَتَحَقَّق بِقُرْبِ الْفَم مِنْ الْأَنْف , وَلَا سِيَّمَا إِذَا لَمْ تَكُنْ الرَّائِحَة طَافِحَة , بَلْ الْمَقَام يَقْتَضِي أَنَّ الرَّائِحَة لَمْ تَكُنْ طَافِحَة لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ طَافِحَة لَكَانَتْ بِحَيْثُ يُدْرِكهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَأَنْكَرَ عَلَيْهَا عَدَمَ وُجُودهَا مِنْهُ , فَلَمَّا أَقَرَّ عَلَى ذَلِكَ دَلَّ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّهَا لَوْ قُدِّرَ وُجُودهَا لَكَانَتْ خَفِيَّة وَإِذَا كَانَتْ خَفِيَّة لَمْ تُدْرَك بِمُجَرَّدِ الْمُجَالَسَة وَالْمُحَادَثَة مِنْ غَيْر قُرْب الْفَم مِنْ الْأَنْف , وَاللَّهُ أَعْلَم.


حديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب العسل والحلواء وكان إذا انصرف من العصر

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِيهِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَائِشَةَ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ‏ ‏قَالَتْ ‏ ‏كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يُحِبُّ الْعَسَلَ وَالْحَلْوَاءَ وَكَانَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ الْعَصْرِ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ فَيَدْنُو مِنْ إِحْدَاهُنَّ فَدَخَلَ عَلَى ‏ ‏حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ ‏ ‏فَاحْتَبَسَ أَكْثَرَ مَا كَانَ يَحْتَبِسُ فَغِرْتُ فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لِي أَهْدَتْ لَهَا امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّةً مِنْ عَسَلٍ فَسَقَتْ النَّبِيَّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏مِنْهُ شَرْبَةً فَقُلْتُ أَمَا وَاللَّهِ لَنَحْتَالَنَّ لَهُ فَقُلْتُ ‏ ‏لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ ‏ ‏إِنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ فَإِذَا دَنَا مِنْكِ فَقُولِي أَكَلْتَ ‏ ‏مَغَافِيرَ ‏ ‏فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ لَا فَقُولِي لَهُ مَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُ مِنْكَ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ سَقَتْنِي ‏ ‏حَفْصَةُ ‏ ‏شَرْبَةَ عَسَلٍ فَقُولِي لَهُ جَرَسَتْ نَحْلُهُ ‏ ‏الْعُرْفُطَ ‏ ‏وَسَأَقُولُ ذَلِكِ وَقُولِي أَنْتِ يَا ‏ ‏صَفِيَّةُ ‏ ‏ذَاكِ قَالَتْ تَقُولُ ‏ ‏سَوْدَةُ ‏ ‏فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَامَ عَلَى الْبَابِ فَأَرَدْتُ أَنْ أُبَادِيَهُ بِمَا أَمَرْتِنِي بِهِ فَرَقًا مِنْكِ فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا قَالَتْ لَهُ ‏ ‏سَوْدَةُ ‏ ‏يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَلْتَ ‏ ‏مَغَافِيرَ ‏ ‏قَالَ لَا قَالَتْ فَمَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُ مِنْكَ قَالَ ‏ ‏سَقَتْنِي ‏ ‏حَفْصَةُ ‏ ‏شَرْبَةَ عَسَلٍ فَقَالَتْ جَرَسَتْ نَحْلُهُ ‏ ‏الْعُرْفُطَ ‏ ‏فَلَمَّا دَارَ إِلَيَّ قُلْتُ لَهُ نَحْوَ ذَلِكَ فَلَمَّا دَارَ إِلَى ‏ ‏صَفِيَّةَ ‏ ‏قَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَلَمَّا دَارَ إِلَى ‏ ‏حَفْصَةَ ‏ ‏قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَسْقِيكَ مِنْهُ قَالَ لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ قَالَتْ تَقُولُ ‏ ‏سَوْدَةُ ‏ ‏وَاللَّهِ لَقَدْ حَرَمْنَاهُ قُلْتُ لَهَا اسْكُتِي ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث صحيح البخاري

إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعم...

عن ‌أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم» قال قتادة: إذا طلق في نفسه...

إنه قد زنى فأعرض عنه فتنحى لشقه الذي أعرض فشهد عل...

عن ‌جابر : «أن رجلا من أسلم أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فقال: إنه قد زنى، فأعرض عنه فتنحى لشقه الذي أعرض فشهد على نفسه أربع شهادات، فدع...

يا رسول الله إن الأخر قد زنى يعني نفسه فأعرض عنه

عن أبي هريرة قال: «أتى رجل من أسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فناداه فقال: يا رسول الله، إن الأخر قد زنى يعني: نفسه فأعرض عنه، فتنحى ل...

اقبل الحديقة وطلقها تطليقة

عن ‌ابن عباس «أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإس...

قال لها رسول الله ﷺ تردين حديقته قالت نعم فردتها...

عن ‌عكرمة «أن أخت عبد الله بن أبي بهذا، وقال: تردين حديقته؟ قالت: نعم، فردتها وأمره يطلقها» وقال إبراهيم بن طهمان عن خالد، عن عكرمة، عن النبي صلى الله...

تردين عليه حديقته فقالت نعم فردت عليه وأمره ففارقه...

عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق، إل...

إن بني المغيرة استأذنوا في أن ينكح علي ابنتهم فلا...

عن ‌المسور بن مخرمة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن بني المغيرة استأذنوا في أن ينكح علي ابنتهم فلا آذن.»

كان في بريرة ثلاث سنن إحدى السنن أنها أعتقت فخيرت...

عن ‌عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «كان في بريرة ثلاث سنن إحدى السنن أنها أعتقت فخيرت في زوجها، وقال رسول الله صلى الله عليه و...

رأى زوج بريرة عبدا

عن ‌ابن عباس قال: «رأيته عبدا، يعني: زوج بريرة.»