1432- عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ضرر ولا ضرار»
معنى هذا الحديث صحيح في الأصول
المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)
( ش ) : قَوْلُهُ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ التَّأْكِيدَ فَيَكُونَ مَعْنَى الضَّرَرِ وَالضِّرَارِ وَاحِدًا , وَاخْتَارَ ابْنُ حَبِيبٍ هَذَا الْقَوْلَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ لَا ضَرَرَ عَلَى أَحَدٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ إضْرَارُهُ بِغَيْرِهِ , وَقَالَ الْخُشَنِيُّ : الضَّرَرُ هُوَ مَا لَكَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَعَلَى جَارِك فِيهِ مَضَرَّةٌ , وَالضِّرَارُ مَا لَيْسَ لَك فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَعَلَى جَارِك فِيهِ مَضَرَّةٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الضَّرَرَ مَا قَصَدَ الْإِنْسَانُ بِهِ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ وَكَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى غَيْرِهِ وَأَنَّ الضِّرَارَ مَا قَصَدَ بِهِ الْإِضْرَارَ لِغَيْرِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الضَّرَرِ أَنْ يَضُرَّ أَحَدُ الْجَارَيْنِ بِجَارِهِ وَالضِّرَارُ أَنْ يَضُرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ ; لِأَنَّ هَذَا الْبِنَاءَ يُسْتَعْمَلُ كَثِيرًا بِمَعْنَى الْمُفَاعَلَةِ كَالْقِتَالِ وَالضِّرَابِ وَالسِّبَابِ وَالْجِلَادِ وَالزِّحَامِ , وَكَذَلِكَ الضِّرَارُ فَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَنْ يَنْفَرِدَ أَحَدُهُمَا وَغَيْرُهُ بِالْإِضْرَارِ بِجَارِهِ عَنْ أَنْ يَقْصِدَا ذَلِكَ جَمِيعًا وَلَيْسَ اسْتِيفَاءُ الْحُقُوقِ فِي الْقِصَاصِ مِنْ هَذَا الْبَابِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِيفَاءُ الْحُقُوقِ , أَوْ رَدْعٌ عَنْ اسْتِدَامَةِ ظُلْمٍ , وَإِنَّمَا الضِّرَارُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ إِلَّا مُجَرَّدُ الْإِضْرَارِ بِصَاحِبِهِ فَأَمَّا الضَّرَرُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فَمِثْلُ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي عرصته مِمَّا يَضُرُّ بِجِيرَانِهِ مِنْ بِنَاءِ حَمَّامٍ , أَوْ فُرْنٍ لِلْخُبْزِ أَوْ لِسَبْكِ ذَهَبٍ , أَوْ فِضَّةٍ , أَوْ كِيرٍ لِعَمَلِ الْحَدِيدِ أَوْ رَحَى مِمَّا يَضُرُّ بِالْجِيرَانِ , فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ لَهُمْ مَنْعَهُ , وَقَالَهُ فِي الدُّخَانِ قَالَ وَأَرَى التَّنُّورَ خَفِيفًا , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ ضَرَرَ الْفُرْنِ وَالْحَمَّامِ بِالْجِيرَانِ بِالدُّخَانِ الَّذِي يَدْخُلُ فِي دُورِهِمْ وَيَضُرُّ بِهِمْ وَهُوَ مِنْ الضَّرَرِ الْكَثِيرِ الْمُسْتَدَامِ وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مُنِعَ إحْدَاثُهُ عَلَى مَنْ يَسْتَضِرُّ بِهِ.
( مَسْأَلَةٌ ) فَأَمَّا الرَّحَا فَإِنَّ الَّذِي يَنَالُ مِنْهَا الْجِيرَانُ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا إفْسَادُ الْجُدْرَانِ وَالثَّانِي صَوْتُهَا فَأَمَّا إفْسَادُ الْجُدْرَانِ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا يَضُرُّ بِالْجُدْرَانِ يَهْدِمُهَا فَإِنَّهُ مِنْ الضَّرَرِ الَّذِي يَمْنَعُ , وَأَمَّا صَوْتُهَا فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْغَسَّالِ وَالضَّرَّابِ يُؤْذِي جَارَهُ وَقْعُ صَوْتِهِمَا أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُمَا مِنْ ذَلِكَ فَيَحْتَمِلُ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ الضَّرَرِ الَّذِي يَمْنَعُ مِنْهُ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عِنْدِي إنَّمَا ذَلِكَ فِي الصَّوْتِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ كَبِيرُ مَضَرَّةٍ , أَوْ يَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَلَا يُسْتَدَامُ , وَأَمَّا مَا كَانَ صَوْتًا شَدِيدًا أَوْ يُسْتَدَامُ كَحَوَانِيتِ الْكَمَّادِينَ تُتَّخَذُ عِنْدَ دَارِ الرَّجُلِ , أَوْ حَوَانِيتِ الصَّفَّارِينَ , أَوْ الرَّحَا الَّتِي لَهَا الصَّوْتُ الشَّدِيدُ فَإِنَّهُ ضَرَرٌ يُمْنَعُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ ضَرَرٌ يَصِلُ إِلَيْهِ فِي مَنْزِلِهِ فَتَعَلَّقَ الْمَنْعُ بِهِ كَضَرَرِ الرَّائِحَةِ.
( مَسْأَلَةٌ ) , وَأَمَّا الدَّبَّاغُ يُؤْذِي جِيرَانَهُ بِنَتِنِ دِبَاغِهِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ يُمْنَعُ مِنْهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّوْتِ عَلَى أَصْلِهِمَا أَنَّ هَذَا ضَرَرٌ دَائِمٌ فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ كَسَائِرِ مَا يَحْدُثُ مِنْ الضَّرَرِ الْمَمْنُوعِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَمِنْ ذَلِكَ الْكَنِيفُ يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فَيَضُرُّ بِجِدَارِ جَارِهِ بِمَا يَدْخُلُ مِنْ الرُّطُوبَةِ وَالْبَلَلِ فِي مِلْكِ جَارِهِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَحْدَثَ عَلَى جَارِهِ فَسَادًا فِي مَالِهِ فَمُنِعَ مِنْهُ كَالْهَدْمِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ كَانَ لَهُ أَنْدَرُ إِلَى جَانِبِ جِنَانِ رَجُلٍ يَضُرُّ بِهِ تِبْنُهُ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ : يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ , وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ : إِذَا كَانَ الْأَنْدَرُ قَبْلَ بُنْيَانِ الْجَنَّةِ لَمْ يُغَيِّرْ وَجْهَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْبُنْيَانَ وَإِنْ كَانَ مُحْدَثًا فَإِنَّ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَمْنَعَ صَاحِبَ الْأَنْدَرِ , وَإِنْ كَانَ قَدِيمًا يَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ تِبْنِهِ فِي أَرْضِهِ كَمَا يَمْنَعُ مَاشِيَةً قَدِيمَةً مِنْ الدُّخُولِ إِلَى أَرْضِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ , وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهَا مَنْفَعَةٌ اسْتَحَقَّهَا بِالْقِدَمِ فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا.
( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ رَفَعَ جِدَارَهُ فَمَنَعَ جَارَهُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ وَمَهَبِّ الرِّيحِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ فِي كِتَابِ الْبَيَانِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ , وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ إِلَّا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لِيَضُرَّ بِجَارِهِ دُونَ مَنْفَعَةٍ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْهُ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا فَعَلَهُ فِي مِلْكِهِ لَمْ يُوجِبْ إدْخَالَ شَيْءٍ مِمَّا لَمْ يَسْتَثْبِتْ مِنْهُ فِي مِلْكِ جَارِهِ وَلَا يَمْنَعُهُ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْ دَارِهِ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ عَمَلِهِ فِي أَرْضِهِ.
وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَبَطَلَ الْبُنْيَانُ ; لِأَنَّ مَا مِنْ أَحَدٍ يَبْنِي حَائِطًا فِي آخِرِ مِلْكِهِ إِلَّا وَلَا بُدَّ أَنْ يَمْنَعَ الشَّمْسَ مِنْ جَارِهِ وَيَمْنَعَ الرِّيحَ وَلَمَّا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ الْبُنْيَانِ , وَإِنْ مُنِعَ هَذَا فَكَانَ فِي مَسْأَلَتِنَا مِثْلُهُ.
( مَسْأَلَةٌ ) , وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ مُلَاصِقَةٌ أَنْدَرًا لِغَيْرِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا مَا يَمْنَعُ الرِّيحَ عَنْ الْأَنْدَرِ وَيَقْطَعُ مَنْفَعَتَهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُمْنَعُ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ فِي قَطْعِ مَرَافِقِ الْأَنْدَرِ الَّتِي تَقَادَمَ , وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحْدِثَ بِقُرْبِ الْأَنْدَرِ مَا يَضُرُّ بِصَاحِبِ الْأَنْدَرِ وَإِنْ احْتَاجَ إِلَى الْبُنْيَانِ , وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ وَقَالَهُ سَحْنُونٌ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ لِلْبَانِي أَنْ يَبْنِيَ فَإِنْ مَنَعَ هُبُوبَ الرِّيحِ مُنِعَ كَمَا لَوْ مَنَعَ هُبُوبَ الرِّيحِ وَضَوْءَ الشَّمْسِ مِنْ دَارِ جَارِهِ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَنْدَرِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْصِدَ مِنْهَا مَا يَمْنَعُ مِنْهَا كَسُكْنَى الدَّارِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ اتَّخَذَ كُوًى وَأَبْوَابًا يَشْرُفُ مِنْهَا عَلَى دَارِ جَارِهِ وَعِيَالِهِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ إِذَا كَانَ يَنَالُ بِالنَّظَرِ , وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْبُنْيَانِ إِذَا كَانَتْ مِنْ كُوًى لَاحِقَةٍ بِالسَّقْفِ , أَوْ مُقَارِبَةٍ لَا يَطَّلِعُ مِنْهَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ , وَأَمَّا مَا يَطَّلِعُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ , وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ نَحْوَهُ وَزَادَ لَا يُكَلَّفُ الْأَسْفَلُ أَنْ يُعَلِّي بُنْيَانَهُ حَتَّى لَا يَرَاهُ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ مَضَرَّةٌ أَحْدَثَهَا عَلَى جَارِهِ فِي مَسْكَنِهِ فَلَزِمَهُ إزَالَتُهَا.
( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا عَلَى ظَهْرِ حَوَانِيتَ لَهُ وَجَعَلَ لَهُ سَطْحًا يَطَّلِعُ مِنْهُ عَلَى دَارِ رَجُلٍ فَإِنَّ بَانِيَ الْمَسْجِدِ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَسْتُرَ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَيَمْنَعَ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ حَتَّى يُتِمَّ السِّتْرَ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَسْجِدَ قَدْ أَحْدَثَهُ الْبَانِي وَلَا يُمْكِنُ هَدْمُهُ وَلَا يُمْكِنُ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالرَّجُلِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتُرَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ أَحْدَثَ الضَّرَرَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَحْدَثَهُ فِي دَارِهِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ بَنَى غُرْفَةً وَفَتَحَ فِيهَا أَبْوَابًا وَكُوًى يَطَّلِعُ مِنْهَا عَلَى قَاعَةٍ لِغَيْرِهِ فَأَرَادَ صَاحِبُ الْقَاعَةِ مَنْعَهُ مِنْ ذَلِكَ , وَقَالَ هَذَا يَضُرُّ بِي إِذَا بَنَيْت فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ , وَقَالَ مُطَرِّفٌ لَهُ مَنْعُهُ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ وَبَعْدَ أَنْ يَبْنِيَ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا مَضَرَّةَ عَلَى صَاحِبِ الْقَاعَةِ فِيهِ حِينَ بِنَائِهِ , وَإِنَّمَا يُرَاعَى الضَّرَرُ حَالَ حُدُوثِهِ لَا مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ , وَوَجْهُ قَوْلِ مُطَرِّفٍ أَنَّ مِنْ مَنَافِعِ صَاحِبِ الْقَاعَةِ أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا دَارًا فَلَيْسَ لِمَنْ بَنَى الْغُرْفَةَ أَنْ يُحْدِثَ عَلَيْهِ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ وَلَا مَا يَضُرُّهُ فِيهَا.
( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ عِنْدَ إحْدَاثِ الِاطِّلَاعِ أَنَّهُ يَطَّلِعُ مِنْهُ عَلَى مَوْضِعٍ لَا يَسْتَضِرُّ بِالِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ , وَإِنْ بَنَى فِي الْقَاعَةِ دَارًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَيْضًا أَنْ يَمْنَعَهُ الِاطِّلَاعَ ; لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ لِقِدَمِ اطِّلَاعِهِ قَبْلَ بِنَاءِ دَارِهِ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضَىِ اللَّهُ عَنْهُوَأَذْكُرُ أَنِّي رَأَيْت لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَهُ مَنْعُهُ إِذَا بَنَى.
وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مَا تَقَدَّمَ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي الَّذِي أَوْرَدْته لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْهُ بِذَلِكَ مَنْفَعَةَ أَرْضِهِ وَلَا أَدْخَلَ عَلَيْهِ ضَرَرًا بِاطِّلَاعِهِ فَإِذَا بَنَى الثَّانِي دَارًا يَضُرُّ بِهِ الِاطِّلَاعُ كَانَ لَهُ مَنْعُهُ بِتَقَدُّمِ مِلْكِهِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الضَّرَرُ فِيمَا لَا يَتَزَايَدُ أَوْ فِيمَا يَتَزَايَدُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَزَايَدُ فَقَدْ رَوَى يُوسُفُ بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ مُزَيْنٍ مَا كَانَ مِنْ الضَّرَرِ بَاقٍ عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ لَا يَتَزَايَدُ كَفَتْحِ الْأَبْوَابِ وَالْكُوَى وَشِبْهِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَفْتِحُهُ مَنْ أَحْدَثَهُ بِطُولِ الزَّمَانِ وَمَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فَيُمْسِكُ عَنْهُ جَارُهُ لِمَا يَقُومُ عَلَيْهِ بَعْدَ زَمَانٍ فَمَا كَانَ يَتَزَايَدُ ضَرَرُهُ كَالْكَنِيفِ يُحْدِثُهُ فَإِنْ شَكَا جَارُهُ الضَّرَرَ بَعْدَ طُولِ زَمَانٍ فَلَهُ أَنْ يُغَيِّرَهُ , وَكَذَلِكَ مَا يَفْتَحُهُ كَمُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ , وَكَذَلِكَ الدِّبَاغُ إِنَّ ضَرَرَ ذَلِكَ يَتَزَايَدُ فَعَلَى هَذَا الضَّرَرِ الَّذِي هُوَ أَقْدَمُ مِمَّا يَضُرُّ بِهِ لَا بِغَيْرٍ قَوْلًا وَاحِدًا وَمَا أُحْدِثَ بَعْدَمَا يَضُرُّ بِهِ فَعَلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَتْرُكَ الْقِيَامَ عَلَيْهِ وَالْمَنْعَ مِنْهُ حَتَّى يَطُولَ زَمَانُهُ وَيَسْتَحِقَّ فَمَا كَانَ مِنْهُ لَا يَتَزَايَدُ أَوْ يَتَزَايَدُ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ , وَالْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ يُقَامَ بِمَنْعِهِ عِنْدَ إحْدَاثِهِ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ وَإِزَالَةِ الضَّرَرِ بِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ فَتَحَ مَطْلَعًا عَلَى دَارِ غَيْرِهِ فَلَمَّا قَامَ عَلَيْهِ سَدَّ ذَلِكَ فَطَلَبَ أَنْ يَسُدَّهَا مِنْ خَلْفِ بَابِهَا فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ : لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلْيَقْلَعْ الْبَابَ وَيَسُدَّهُ ; لِأَنَّ تَرْكَ الْبَابِ يُوجِبُ الْحِيَازَةَ بَعْدَ الْيَوْمِ يَشْهَدُونَ لَهُ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ هَذَا الْبَابَ مُنْذُ سِنِينَ كَثِيرَةٍ فَيَصِيرُ حِيَازَةً.
( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ بَاعَ دَارًا , وَقَدْ أَحْدَثَ عَلَيْهِ جَارُهُ مَطْلَعًا , أَوْ مَجْرَى مَاءٍ , أَوْ غَيْرَهُ مِنْ وُجُوهِ الضَّرَرِ فِيمَا لَهُ فِيهِ الْقِيَامُ فَقَدْ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ : إِنْ كَانَ الْمَانِعُ لَمْ يَقُمْ فِي ذَلِكَ حَتَّى بَاعَهَا فَلَا قِيَامَ لِلْمُشْتَرِي فَلَوْ كَانَ قَدْ قَامَ فَخَاصَمَ فَلَمْ يَتِمَّ لَهُ الْحُكْمُ حَتَّى بَاعَ بَعْدَ الْقِيَامِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقُومَ وَيَحِلَّ مَحَلَّهُ وَقَالَهُ أَصْبَغُ.
وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَرْكَ مَنْ أَحْدَثَ عَلَيْهِ الضَّرَرَ الْقِيَامُ فِي ذَلِكَ حَتَّى بَاعَ يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ وَأَنَّهُ بَاعَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ قَدْ تَخَلَّى عَنْهُ لِمُحْدِثِهِ وَإِذَا بَاعَ بَعْدَ الْقِيَامِ فِيهِ فَقَدْ أَظْهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُبِحْ لَهُ ذَلِكَ وَلَا أَقَرَّهُ عَلَيْهِ , وَقَدْ بَاعَ الدَّارَ بِجَمِيعِ مَنَافِعِهَا وَإِزَالَةُ الضَّرَرِ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَمِنْ كَانَتْ فِي دَارِهِ شَجَرَةٌ إِذَا صَعِدَ فِيهَا لِيَجْنِيَهَا اطَّلَعَ عَلَى دَارِ جَارِهِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَانَتْ قَدِيمَةً , أَوْ حَدِيثَةً بِخِلَافِ الْغُرْفَةِ وَلَكِنْ يُؤْذِنُ جَارَهُ وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ نَحْوَهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ هَذَا الِاطِّلَاعُ مِمَّا يُسْتَدَامُ , وَإِنَّمَا يُفْعَلُ فِي النُّدْرَةِ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِنَاءِ وَتَحْصِيلُ الْمَنَافِعِ لَا عَلَى وَجْهِ الِاطِّلَاعِ وَالنَّظَرِ كَمَا لَوْ اطَّلَعَ عَلَى سَقْفِهِ لِإِصْلَاحِهِ.
.
( فَصْلٌ ) وَهَذَا كُلُّهُ فِي الضَّرُورَةِ , وَأَمَّا الْعَامُّ فَمِثْلُ تَضْيِيقِ الطَّرِيقِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ فَهَذَا يُمْنَعُ مِنْهُ , وَأَمَّا إخْرَاجُ الْعَسَاكِرِ وَالْأَجْنِحَةِ عَلَى الْحِيطَانِ إِلَى طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَاشْتَرَى مَالِكٌ دَارًا لَهَا عَسْكَرٌ فَقَالَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ جَنَاحًا بِأَسْفَلِ الْجِدَارِ حَيْثُ يَضُرُّ بِأَهْلِ الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْهُ , وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُمْنَعُ مِنْهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ يَحْتَازُهَا لَا مَضَرَّةَ فِيهَا عَلَى غَيْرِهِ وَلَا تَضْيِيقَ لِفِنَائِهِ فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ كَضَوْءِ السِّرَاجِ وَظِلِّ الْحَائِطِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ بَنَى بُنْيَانًا يُطِلُّ مِنْهُ عَلَى غَيْرِهِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ مَنْ بَنَى عَلَى شَرَفٍ يُطِلُّ مِنْهُ عَلَى مَوْرِدَةِ الْقَرْيَةِ عَلَى قَدْرِ غَلْوَةٍ , أَوْ غَلْوَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ لِإِشْرَافِ مَكَانِهِ فَقَطْ لَمْ يُمْنَعْ , وَإِنْ وَجَدَ عَنْهُ مَنْدُوحَةً , وَكَذَلِكَ إِنْ أَطَلَّ مِنْ ذَلِكَ الشَّرَفِ عَلَى دُورِ جِيرَانِهِ أَنَّهُ لَمْ يُمْنَعْ إِذَا كَانَ ذَلِكَ حَالَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ قَبْلَ الْبِنَاءِ , وَإِنْ كَانَ اطِّلَاعُهُ عَلَى الْمَوْرِدَةِ يُعْلِيه فَتْحُ بَابِهَا إِلَى الْمَوْرِدَةِ , أَوْ كُوًى مُنِعَ ذَلِكَ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ خَلْقِ الْبَارِي تَعَالَى وَحَالَ بُقْعَةِ الْأَرْضِ لَمْ يُمْنَعْ ; لِأَنَّهُ أَمْرٌ قَدْ تَقَادَمَ وَاسْتَحَقَّ , وَإِنَّمَا يُغَيَّرُ الْمُحْدَثُ.
( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالضَّرَرُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مُحْدَثٌ وَقَدِيمٌ فَأَمَّا الْمُحْدَثُ فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ , وَأَمَّا الْقَدِيمُ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي قَنَاةٍ قَدِيمَةٍ فِي حَائِطِ رَجُلٍ لَا يُغَيِّرُ الْقَدِيمَ وَإِنْ أَضَرَّ بِجَارِهِ , وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْأَفْرَانِ تُوقَدُ لَلْفُخَّارِينَ بَيْنَ دُورِ قَوْمٍ رُبَّمَا شَكَا جِيرَانُهَا دُخَانَهَا أَنَّ الْقَدِيمَ مِنْهَا لَا يَعْرِضُ لَهُ , وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ مَنْ كَانَتْ لَهُ كُوَّةٌ قَدِيمَةٌ يَضُرُّ بِجَارِهِ لَا أَمْنَعُهُ مِنْ الْقَدِيمِ , وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى نَصٍّ غَيْرِ مَا ذُكِرَ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي تِبْنِ الْأَنْدَرِ فَإِنَّهُمَا مُنِعَا مِنْهُ وَيَلْزَمُهُمَا مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْقَنَاةِ الْقَدِيمَةِ فِي الْحَائِطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يمنع أحدكم جاره خشبة يغرزها في جداره» ثم يقول أبو هريرة: «ما لي أراكم عنها معرضين؟ والله لأرمين...
عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه أن الضحاك بن خليفة ساق خليجا له من العريض، فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة، فأبى محمد، فقال له الضحاك: لم تمنعني...
عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه، أنه قال: كان في حائط جده ربيع لعبد الرحمن بن عوف، فأراد عبد الرحمن بن عوف أن يحوله إلى ناحية من الحائط هي أقرب إلى أ...
عن ثور بن زيد الديلي، أنه قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما دار أو أرض قسمت في الجاهلية، فهي على قسم الجاهلية، وأيما دار أو أرض أدر...
عن حرام بن سعد بن محيصة، أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدت فيه.<br> فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، و...
عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، أن رقيقا لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة فانتحروها، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب، «فأمر عمر كثير بن الصلت أن يقطع أيديهم»،...
عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، وعن محمد بن النعمان بن بشير، أنهما حدثاه عن النعمان بن بشير، أنه قال: إن أباه بشيرا أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه و...
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: إن أبا بكر الصديق كان نحلها جاد عشرين وسقا من ماله بالغابة، فلما حضرته الوفاة قال: " والله يا بنية م...
عن عبد الرحمن بن عبد القاري، أن عمر بن الخطاب قال: ما بال رجال ينحلون أبناءهم نحلا، ثم يمسكونها فإن مات ابن أحدهم، قال: ما لي بيدي لم أعطه أحدا، وإن م...