1433- عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يمنع أحدكم جاره خشبة يغرزها في جداره» ثم يقول أبو هريرة: «ما لي أراكم عنها معرضين؟ والله لأرمين بها بين أكتافكم»
أخرجه الشيخان
المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)
( ش ) : نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَنْ يَمْنَعَ جَارَهُ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ رَوَى فِي الْمَجْمُوعَةِ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وَالتَّرْغِيبِ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْجَارِ وَلَا يُقْضَى بِهِ , وَقَدْ كَانَ أَبُو الْمُطَّلِبِ يَقْضِي بِهِ عِنْدَنَا وَمَا أَرَاهُ إِلَّا دَلَالَةً عَلَى الْمَعْرُوفِ وَإِنَّنِي مِنْهُ فِي شَكٍّ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ هُوَ أَمْرٌ رَغَّبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ , وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ وَلَا يَقْضِي بِهِ عَلَيْهِ , وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إِلَّا أَنَّ ظَاهِرَ الْأَمْرِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ الْوُجُوبُ وَلَكِنَّهُ يَعْدِلُ عَنْهُ بِالدَّلِيلِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ عَلَى الْوُجُوبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَضَرَّةٌ بَيِّنَةٌ عَلَى صَاحِبِ الْجِدَارِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْجِدَارَ مِلْكٌ مَوْضُوعُهُ الْمُشَاحَّةُ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَنَافِعَهُ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ كَرُكُوبِ دَابَّتِهِ وَلِبَاسِ ثَوْبِهِ , وَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَصِلُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَالِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَاَللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ فَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُهُ عَلَى الْوُجُوبِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُهُ عَلَى النَّدْبِ لَكِنَّهُ كَانَ يُوَبِّخُ مَنْ كَانَ يَتْرُكُ إبَاحَةَ ذَلِكَ لِجَارِهِ وَيَشُحُّ بِحَقِّهِ فَكَانَ يَجْرِي إِلَى تَوْبِيخِهِ عَلَى تَرْكِ الْأَخْذِ بِمَا نَدَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ وَرَغَّبَ فِيهِ , وَكَذَلِكَ إعْرَاضُ مَنْ كَانَ يُعْرِضُ عَنْهُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَحْمِلُونَهُ عَلَى النَّدْبِ وَيَعْرِضُونَ عَنْ حَمْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَهُ عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ مِنْ الْوُجُوبِ , وَإِنْ أَخَذُوا بِهِ بِخَاصَّةِ أَنْفُسِهِمْ وَأَبَاحُوا ذَلِكَ لِمَنْ جَاوَرَهُمْ رَغْبَةً فِيمَا رَغَّبَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُبَادَرَةً إِلَى مَا نَدَبَ إِلَيْهِ وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ جَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ عَلِمُوا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُهُ عَلَى النَّدْبِ وَالتَّرْغِيبِ وَيَعِيبُ مَنْ يَتْرُكُهُ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ فَيُعْرِضُونَ عَمَّا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ وَيُؤْثِرُونَ التَّمَسُّكَ بِمَا لَهُمْ التَّمَسُّكُ بِهِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَرَى إلْزَامَهُمْ ذَلِكَ لَحَكَمَ بِهِ وَوَبَّخَ الْحُكَّامَ عَلَى تَرْكِ الْحُكْمِ بِهِ وَلَمْ يُوَبِّخْ النَّاسَ عَلَى تَرْكِ الْإِبَاحَةِ لِمَا يَلْزَمُهُمْ إبَاحَتُهُ ; لِأَنَّ الْحُكَّامَ لَهُمْ إجْبَارُهُمْ وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي عَلَى رِوَايَةِ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي الْقَضَاءِ بِالْمَمَرِّ فِي أَرْضِ الرَّجُلِ لِجَارِهِ إِذَا لَمْ يَضُرَّ بِهِ أَنْ يَكُونَ فِي مَسْأَلَتِنَا مِثْلُهُ فَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
( فَرْعٌ ) قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَكُلُّ مَا طَلَبَهُ جَارُهُ مِنْ فَتْحِ بَابٍ وَإِرْفَاقٍ بِمَاءٍ أَوْ مُخْتَلَفٍ فِي طَرِيقٍ , أَوْ فَتْحِ طَرِيقٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَشِبْهِ ذَلِكَ فَهُوَ مِثْلُ ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي فِي التَّرْغِيبِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِمَّا لَا يَضُرُّهُ وَلَا يَنْفَعُهُ وَلَا يَحْكُمُ بِهِ عَلَيْهِ.
( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ أَبَاحَ لِجَارِهِ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا يَنْزِعُهُ إِلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى جِدَارِهِ لِأَمْرٍ لَا يُرِيدُ بِهِ الضَّرَرَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْزِعَهَا طَالَ الزَّمَانُ أَمْ قَصُرَ احْتَاجَ إِلَى جِدَارِهِ , أَوْ اسْتَغْنَى عَنْهُ مَاتَ , أَوْ عَاشَ بَاعَ , أَوْ وَرِثَ , وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ صَاحِبَ الْجِدَارِ أَمْلَكُ بِجِدَارِهِ , وَقَدْ أَبَاحَ لِجَارِهِ مَنْفَعَةً كَلَّفَهُ بِهَا مُؤْنَةً وَنَفَقَةً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ عَلَيْهِ نَفَقَتَهُ وَمَا يَمُونُ بِمُجَرَّدِ الْإِضْرَارِ بِهِ فَإِذَا كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ كَانَ أَحَقَّ بِمَالِهِ , وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ أَنْ لَا يَمْنَعَهُ , وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ عَلَى الْحَضِّ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا رُوِيَ وَإِذَا أَذِنَ لَهُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهَا عَطِيَّةٌ يَتَكَلَّفُ مِنْ أَجْلِهَا مُؤْنَةٌ وَعَمَلٌ كَمَا لَوْ وَعَدَهُ أَنْ يُعِيرَهُ شَيْئًا أَوْ يُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ شَيْئًا.
( فَرْعٌ ) وَهَلْ يَلْزَمُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ الظَّاهِرِ مِنْ قَوْلِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ إِذَا أَذِنَ لَهُ فَقَدْ لَزِمَهُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ إِذَا أَذِنَ لَهُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ , وَقَالَا : إِنَّ ذَلِكَ مُخْتَلَفٌ فِيمَا أَذِنَ فِيهِ مِمَّا يَقَعُ فِيهِ الْعَمَلُ وَالِارْتِفَاقُ مِنْ غَرْزِ الْخَشَبِ وَبِنَاءِ أَسَاسِ جِدَارٍ وَالْإِرْفَاقِ بِمَاءِ الْعُيُونِ وَالْآبَارِ لِمَنْ يُنْشِئُ عَلَيْهَا غَرْسًا وَيَبْتَدِئُ عَمَلًا مِمَّا قَلَعَهُ وَرَدَّهُ كَمَا كَانَ فَسَادًا , أَوْ ضَرَرًا صَغُرَتْ الْمُؤْنَةُ , أَوْ عَظُمَتْ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَاشَ , أَوْ مَاتَ بَاعَ , أَوْ وَرِثَ احْتَاجَ أَوْ اسْتَغْنَى وَهُوَ كَالْعَطِيَّةِ وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّفُ فِيهِ كَبِيرُ عَمَلٍ وَلَا إنْفَاقٌ مِنْ فَتْحِ بَابٍ , أَوْ فَتْحِ طَرِيقٍ إِلَى مَالِ الْآذِنِ , أَوْ أَرْضِهِ , أَوْ إرْفَاقٍ بِالشُّفْعَةِ , أَوْ لِسَقْيِ شَجَرَةٍ قَدْ سُقِيَتْ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ نَضَبَ مَاؤُهَا فَهَذَا لَهُ الرُّجُوعُ إِذَا شَاءَ وَيَقْطَعُ مَا أَذِنَ فِيهِ , وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ فِي فَتْحِ الْبَابِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا فَتْحٌ يَدْخُلُ مِنْهُ وَيَخْرُجُ فَصَحِيحٌ جَارٍ عَلَى أَصْلِهِمَا , قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ , وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ مِثْلَ قَوْلِهَا , وَقَالَ أَصْبَغُ ذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ عِنْدِي مَا فِيهِ عَمَلٌ وَإِنْفَاقٌ وَمَا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِذَا أَبَاحَهُ وَأَتَى عَلَيْهِ مِنْ الزَّمَانِ مَا يُعَارُ مِثْلُهُ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ فَلَهُ مَنْعُهُ إِلَّا فِي الْغَرْسِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
( فَرْعٌ آخَرُ ) فَإِذَا قُلْنَا لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا فِيهِ إنْفَاقٌ وَعَمَلٌ مَعَ إطْلَاقِ الْإِذْنِ فَإِنْ شَرَطَ الرُّجُوعَ فِي ذَلِكَ مَتَى شَاءَ فَقَدْ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ الشَّرْطُ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ هَذَا مِنْ شَرْطِ الضَّرَرِ وَالتَّغْرِيرِ بِالْعَامِلِ وَالْإِذْنُ نَافِذٌ بَعْدَ الْعَمَلِ وَهُوَ قَبْلَ الْعَمَلِ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ غَيْرُ نَافِذٍ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ فَاتَ بِالْعَمَلِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ عِوَضٌ فَيَرُدُّوا مَا قَبْلَ الْعَمَلِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ لِمَا قُرِنَ بِهِ مِنْ الشَّرْطِ الَّذِي لَا يَجُوزُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
( فَرْعٌ ) وَمَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ لِعَدَمِ الْإِنْفَاقِ فِيهِ مَعَ إطْلَاقِ الْإِذْنِ فَإِذَا قَيَّدَهُ بِأَجَلٍ فَقَدْ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ قَبْلَ بُلُوغِ الْأَجَلِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ وَهَبَ لَهُ مَنْفَعَةً مُقَدَّرَةً بِزَمَنٍ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي هِبَتِهِ.
( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ مَالِكٍ فَأَبَاحَ لَهُ وَضْعَ الْخَشَبِ إبَاحَةً مُطْلَقَةً مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِأَجَلٍ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ عَنْهُ فِيمَنْ أَبَاحَ لِرَجُلٍ الْبِنَاءَ فِي عرصته ثُمَّ أَرَادَ مَنْعَهُ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ فَلَهُ ذَلِكَ , وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ مَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إخْرَاجُهُ , وَقَدْ لَزِمَهُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ.
وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ أَذِنَ فِيمَا لَهُ مَنْعُهُ فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَتَعَلَّقَ حَقُّ الْمَأْذُونِ لَهُ فِيهِ بِالْعَمَلِ أَصْلُ ذَلِكَ إِذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ , وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ إِذَا أَذِنَ لَهُ فِي عَمَلٍ يَلْزَمُهُ بِهِ التَّمَوُّنُ وَالنَّفَقَةُ أَصْلُ ذَلِكَ إِذَا قَالَ اشْتَرِ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَأَنَا أُسَلِّفُك ثَمَنَهَا.
( فَرْعٌ ) وَأَمَّا إِذَا بَنَى ثُمَّ أَرَادَ إخْرَاجَهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ إِلَّا إِنْ أَعْطَاهُ قِيمَةَ مَا أَنْفَقَ وَرَوَى الدِّمْيَاطِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ وَإِنْ أَعْطَاهُ مَا أَنْفَقَ , وَقَالَ أَصْبَغُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ , وَإِنْ أَعْطَاهُ قِيمَتَهُ قَائِمًا وَاخْتَارَهُ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ , وَقَالَ أَشْهَبُ فِي كُتُبِهِ لَهُ إخْرَاجُهُ وَيَأْمُرُهُ بِقَلْعِ بُنْيَانِهِ , أَوْ يُعْطِيه قِيمَتَهُ مَنْقُوضًا.
وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ لَازِمٍ ; لِأَنَّهُ إذْنٌ فِي مَنْفَعَةٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَكِنَّهُ لَمَّا تَمَوَّنَ وَأَنْفَقَ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ إِلَّا أَنْ يُجْبَرَ عَلَيْهِ مَا كَانَ إذْنُهُ سَبَبًا لِإِتْلَافِهِ , وَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ لِمَا اقْتَرَنَ بِالْوَعْدِ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْمُؤْنَةِ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ أَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَلِلْآذِنِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ مَتَى شَاءَ وَالْمُعَارُ مُفَرِّطٌ حَيْثُ لَمْ يَتَوَثَّقْ بِضَرْبِ الْأَجَلِ وَبِهَذَا احْتَجَّ أَشْهَبُ.
( فَرْعٌ ) وَإِذَا قُلْنَا إخْرَاجُهُ إِذَا دَفَعَ إِلَيْهِ حَقُّهُ فَفِي نَوَادِرِ أَبِي مُحَمَّدٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَدْفَعُ إِلَيْهِ مَا أَنْفَقَ قَالَ , وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إِذَا دَفَعَ مَا أَنْفَقَ , وَهَذَا الَّذِي ثَبَتَ فِي كِتَابِي فِي الْمُدَوَّنَةِ , وَقَالَ سَحْنُونٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ وَابْنِ كِنَانَةَ يَدْفَعُ إِلَيْهِ قِيمَةَ بُنْيَانِهِ قَائِمًا وَنَحْوَهُ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ وَجْهُ قَوْلِهِ يَدْفَعُ إِلَيْهِ مَا أَنْفَقَ أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي يُمَوِّنُهُ لِسَبَبِ إذْنِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ إِذَا أَرَادَ إخْرَاجَهُ عَدَمُ ذَلِكَ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ قِيمَةَ نَفَقَتِهِ , وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ تَبْذِيرًا وَخَطَأً فَلَمْ يَجِدْهُ عَلَيْهِ إذْنُهُ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ أَنَّ الْبُنْيَانَ قَدْ مَلَكَهُ بِتَمَامِهِ بِالنَّفَقَةِ وَالتَّمَوُّنِ وَهُوَ الَّذِي أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ بِإِخْرَاجِهِ بَعْدَ الْإِذْنِ فَعَلَيْهِ غُرْمُ قِيمَتِهِ ذَلِكَ.
( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا لَيْسَ لَهُ إخْرَاجُهُ بِقُرْبِ تَمَامِ بُنْيَانِهِ فَمَتَى يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إِذَا اسْتَكْمَلَ مَا يَرَى النَّاسُ أَنَّهُ بُنِيَ لِيَسْكُنَ مِثْلَ هَذِهِ الْمُدَّةِ لِطُولِهَا وَرَوَى عَنْهُ الدِّمْيَاطِيُّ إِذَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ مِقْدَارُ مَا يُعَارُ إِلَى مِثْلِهِ فَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ وَرَوَى مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ كُلَّ بَانٍ وَغَارِسٍ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِإِذْنِهِمْ , أَوْ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَمْنَعُوهُ فَلَهُ قِيمَةُ ذَلِكَ قَائِمًا كَالْبَانِي بِشُبْهَةٍ , وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَارِيَةَ لَا تَقْتَضِي تَمْلِيكَ الرَّقَبَةِ وَإِنَّمَا تَقْتَضِي الْإِرْفَاقَ بِالْمَنَافِعِ مُدَّةً فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْمُدَّةُ مُقَدَّرَةً بِالْأَجَلِ رَجَعَ فِي ذَلِكَ إِلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وَقَوْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَهُمَا مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إخْرَاجُهُمَا بِإِبْطَالِ مَا بَنَيَاهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُمَا قِيمَتَهُ قَائِمًا كَالْبَانِي بِشُبْهَةٍ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا إِنْ ضَرَبَ لِذَلِكَ أَجَلًا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ وَقَبْلَ الْبِنَاءِ وَلَا بَعْدَهُ قَالَ ; لِأَنَّك قَدْ أَوْجَبْت ذَلِكَ لَهُ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَقْدٌ لَزِمَ لِمَا تَقَرَّرَ بِالْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ يَقُولُ لِرَجُلٍ أُسَلِّفُك , أَوْ أَرْهَنُك وَلَمْ يُقَرِّرْ السَّلَفَ وَلَا الْهِبَةَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ , وَلَوْ قَدَّرَهَا لَلَزِمَهُ ذَلِكَ إِذَا عَلَّقَ ذَلِكَ بِعَقْدٍ , أَوْ عَمَلٍ فِيهِ نَفَقَةٌ.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ هَكَذَا تَقَيَّدَ فِي كِتَابِي فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى , وَفِي كِتَابِ أَبِي الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي اخْتِلَافِ الْمُوَطِّئَاتِ , وَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصُّورِيُّ سَأَلْت أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ الْغَنِيِّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِي : كُلُّ النَّاسِ يَقُولُونَ خَشَبُهُ عَلَى الْجَمْعِ غَيْرَ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ خَشَبَةٌ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
و حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ خَشَبَةً يَغْرِزُهَا فِي جِدَارِهِ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَاللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ
عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه أن الضحاك بن خليفة ساق خليجا له من العريض، فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة، فأبى محمد، فقال له الضحاك: لم تمنعني...
عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه، أنه قال: كان في حائط جده ربيع لعبد الرحمن بن عوف، فأراد عبد الرحمن بن عوف أن يحوله إلى ناحية من الحائط هي أقرب إلى أ...
عن ثور بن زيد الديلي، أنه قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما دار أو أرض قسمت في الجاهلية، فهي على قسم الجاهلية، وأيما دار أو أرض أدر...
عن حرام بن سعد بن محيصة، أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدت فيه.<br> فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، و...
عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، أن رقيقا لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة فانتحروها، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب، «فأمر عمر كثير بن الصلت أن يقطع أيديهم»،...
عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، وعن محمد بن النعمان بن بشير، أنهما حدثاه عن النعمان بن بشير، أنه قال: إن أباه بشيرا أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه و...
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: إن أبا بكر الصديق كان نحلها جاد عشرين وسقا من ماله بالغابة، فلما حضرته الوفاة قال: " والله يا بنية م...
عن عبد الرحمن بن عبد القاري، أن عمر بن الخطاب قال: ما بال رجال ينحلون أبناءهم نحلا، ثم يمسكونها فإن مات ابن أحدهم، قال: ما لي بيدي لم أعطه أحدا، وإن م...
عن أبي غطفان بن طريف المري، أن عمر بن الخطاب قال: «من وهب هبة لصلة رحم، أو على وجه صدقة، فإنه لا يرجع فيها، ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد بها الثواب،...