حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

نفست بعد وفاة زوجها بليال فاستأذنت النبي ﷺ أن تنكح فأذن لها - صحيح البخاري

صحيح البخاري | كتاب الطلاق باب وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن (حديث رقم: 5320 )


5320- عن ‌المسور بن مخرمة «أن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنته أن تنكح فأذن لها فنكحت.»

أخرجه البخاري


(نفست) من النفاس بمعنى الولادة أي ولدت

شرح حديث (نفست بعد وفاة زوجها بليال فاستأذنت النبي ﷺ أن تنكح فأذن لها)

فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

‏ ‏( أَنَّ سُبَيْعَة نُفِسَتْ ) ‏ ‏بِضَمِّ النُّون وَكَسْر الْفَاء أَيْ وَلَدَتْ.
‏ ‏قَوْله ( حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَته وَيَذُوق عُسَيْلَتك ) ‏ ‏كَذَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِالتَّصْغِيرِ , وَاخْتُلِفَ فِي تَوْجِيهه فَقِيلَ : هِيَ تَصْغِير الْعَسَل لِأَنَّ الْعَسَل مُؤَنَّث , جَزَمَ بِهِ الْقَزَّاز ثُمَّ قَالَ وَأَحْسَب التَّذْكِير لُغَة.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيّ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّث , وَقِيلَ لِأَنَّ الْعَرَب إِذَا حَفَرَتْ الشَّيْء أَدْخَلَتْ فِيهِ هَاءِ التَّأْنِيث , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلهمْ دُرَيْهِمَات فَجَمَعُوا الدِّرْهَم جَمْع الْمُؤَنَّث عِنْد إِرَادَة التَّحْقِير , وَقَالُوا أَيْضًا فِي تَصْغِير هِنْد هُنَيْدَة.
وَقِيلَ التَّأْنِيث بِاعْتِبَارِ الْوَطْأَة إِشَارَة إِلَى أَنَّهَا تَكْفِي فِي الْمَقْصُود مِنْ تَحْلِيلهَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّل , وَقِيلَ الْمُرَاد قِطْعَة مِنْ الْعَسَل وَالتَّصْغِير لِلتَّقْلِيلِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ الْقَدْر الْقَلِيل كَافٍ فِي تَحْصِيل الْحِلّ , قَالَ الْأَزْهَرِيّ : الصَّوَاب أَنَّ مَعْنَى الْعُسَيْلَة حَلَاوَة الْجِمَاع الَّذِي يَحْصُل بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَة فِي الْفَرْج , وَأَنَّثَ تَشْبِيهًا بِقِطْعَةٍ مِنْ عَسَلٍ.
وَقَالَ الدَّاوُدِيّ : صُغِّرَتْ لِشِدَّةِ شَبَههَا بِالْعَسَلِ وَقِيلَ : مَعْنَى الْعُسَيْلَة النُّطْفَة , وَهَذَا يُوَافِق قَوْل الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ.
وَقَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء : ذَوْق الْعُسَيْلَة كِنَايَة عَنْ الْمُجَامَعَة وَهُوَ تَغْيِيب حَشَفَة الرَّجُل فِي فَرْج الْمَرْأَة , وَزَادَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ : حُصُول الْإِنْزَال.
وَهَذَا الشَّرْط اِنْفَرَدَ بِهِ عَنْ الْجَمَاعَة قَالَهُ اِبْنِ الْمُنْذِر وَآخَرُونَ.
وَقَالَ اِبْنِ بَطَّالٍ : شَذَّ الْحَسَن فِي هَذَا , وَخَالَفَهُ سَائِر الْفُقَهَاء وَقَالُوا : يَكْفِي مِنْ ذَلِكَ مَا يُوجِب الْحَدّ وَيُحْصِنُ الشَّخْص وَيُوجِب كَمَال الصَّدَاق وَيُفْسِد الْحَجّ وَالصَّوْم.
قَالَ أَبُو عُبَيْد : الْعُسَيْلَة لَذَّة الْجِمَاع وَالْعَرَب تُسَمِّي كُلّ شَيْء تَسْتَلِذّهُ عَسَلًا , وَهُوَ فِي التَّشْدِيد يُقَابِل قَوْل سَعِيد بْن الْمُسَيِّب فِي الرُّخْصَة , وَيَرُدّ قَوْل الْحَسَنِ أَنَّ الْإِنْزَال لَوْ كَانَ شَرْطًا لَكَانَ كَافِيًا , وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إِذَا كَانَ بَعِيد الْعَهْد بِالْجِمَاعِ مَثَلًا أَنْزَلَ قَبْل تَمَام الْإِيلَاج , وَإِذَا أَنْزَلَ كُلّ مِنْهُمَا قَبْل تَمَام الْإِيلَاج لَمْ يَذُقْ عُسَيْلَة صَاحِبِهِ , لَا إِنْ فَسَّرَتْ الْعُسَيْلَة بِالْإِمْنَاءِ وَلَا بِلَذَّةِ الْجِمَاع قَالَ اِبْنِ الْمُنْذِر : أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى اِشْتِرَاط الْجِمَاع لِتَحِلّ لِلْأَوَّلِ , إِلَّا سَعِيد بْن الْمُسَيِّب.
ثُمَّ سَاقَ بِسَنَدِهِ الصَّحِيح عَنْهُ قَالَ : يَقُول النَّاس لَا تَحِلّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى يُجَامِعهَا الثَّانِي , وَأَنَا أَقُولُ : إِذَا تَزَوَّجَهَا تَزْوِيجًا صَحِيحًا لَا يُرِيد بِذَلِكَ إِحْلَالهَا لِلْأَوَّلِ فَلَا بَأْس أَنْ يَتَزَوَّجهَا الْأَوَّل.
وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ اِبْنِ أَبِي شَيْبَة وَسَعِيد بْن مَنْصُور , وَفِيهِ تُعُقِّبَ عَلَى مَنْ اِسْتَبْعَدَ صِحَّته عَنْ سَعِيد , قَالَ اِبْنِ الْمُنْذِر : وَهَذَا الْقَوْل لَا نَعْلَم أَحَدًا وَافَقَهُ عَلَيْهِ إِلَّا طَائِفَة مِنْ الْخَوَارِج , وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغهُ الْحَدِيث فَأَخَذَ بِظَاهِرِ الْقُرْآن.
قُلْت : سِيَاق كَلَامِهِ يُشْعِر بِذَلِكَ.
وَفِيهِ دَلَالَة عَلَى ضَعْف الْخَبَر الْوَارِد فِي ذَلِكَ.
وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَة شُعْبَة عَنْ عَلْقَمَة بْن مَرْثَد عَنْ سَالِم بْن رَزِين عَنْ سَالِم بْن عَبْد اللَّه عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب " عَنْ اِبْنِ عُمَر رَفَعَهُ فِي الرَّجُل تَكُونُ لَهُ الْمَرْأَة فَيُطَلِّقُهَا ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا آخَر فَيُطَلِّقهَا قَبْل أَنْ يَدْخُل بِهَا فَتَرْجِع إِلَى الْأَوَّل , فَقَالَ : لَا , حَتَّى تَذُوق الْعُسَيْلَة , وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَة سُفْيَان الثَّوْرِيّ عَنْ عَلْقَمَة بْن مَرْثَد فَقَالَ عَنْ رَزِين بْن سُلَيْمَان الْأَحْمَرِيّ عَنْ اِبْنِ عُمَر نَحْوِهِ , قَالَ النَّسَائِيُّ : هَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ , وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ الثَّوْرِيّ أَتْقَنَ وَأَحْفَظ مِنْ شُعْبَة , وَرِوَايَته أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا أَنَّ شَيْخ عَلْقَمَة شَيْخهمَا هُوَ رَزِين بْن سُلَيْمَان كَمَا قَالَ الثَّوْرِيّ لَا سَالِم بْن رَزِين كَمَا قَالَ شُعْبَة , فَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَة عَنْ عَلْقَمَة كَذَلِكَ , مِنْهُمْ غَيْلَان بْن جَامِعِ أَحَد الثِّقَات.
ثَانِيهمَا أَنَّ الْحَدِيث لَوْ كَانَ عِنْد سَعِيد بْن الْمُسَيِّب عَنْ اِبْنِ عُمَر مَرْفُوعًا مَا نَسَبَهُ إِلَى مَقَالَة النَّاس الَّذِينَ خَالَفَهُمْ , وَيُؤْخَذ مِنْ كَلَامِ اِبْنِ الْمُنْذِر أَنَّ نَقْل أَبِي جَعْفَر النَّحَّاس فِي " مَعَانِي الْقُرْآن " وَتَبِعَهُ عَبْد الْوَهَّاب الْمَالِكِيّ فِي " شَرْح الرِّسَالَة " الْقَوْل بِذَلِكَ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَهْمٌ , وَأَعْجَبَ مِنْهُ أَنَّ أَبَا حِبَّان جَزَمَ بِهِ عَنْ السَّعِيد بْن سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَسَعِيد بْن جُبَيْر , وَلَا يُعْرَف لَهُ سَنَدٌ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي شَيْء مِنْ الْمُصَنَّفَات , وَكَفَى قَوْل اِبْنِ الْمُنْذِر حُجَّة فِي ذَلِكَ.
وَحَكَى اِبْنِ الْجَوْزِيّ عَنْ دَاوُدَ أَنَّهُ وَافَقَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب عَلَى ذَلِكَ , قَالَ الْقُرْطُبِيّ : وَيُسْتَفَاد مِنْ الْحَدِيث عَلَى قَوْل الْجُمْهُور أَنَّ الْحُكْم يَتَعَلَّق بِأَقَلّ مَا يَنْطَلِق عَلَيْهِ الِاسْم , خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ حُصُول جَمِيعه.
وَفِي قَوْله " حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَته إِلَخْ " إِشْعَار بِإِمْكَانِ ذَلِكَ , لَكِنْ قَوْلهَا " لَيْسَ مَعَهُ إِلَّا مِثْل هَذِهِ الْهُدْبَة " ظَاهِرِ فِي تَعَذُّر الْجِمَاع الْمُشْتَرَط , فَأَجَابَ الْكَرْمَانِيُّ بِأَنَّ مُرَادهَا بِالْهُدْبَةِ التَّشْبِيه بِهَا فِي الدِّقَّة وَالرِّقَّة لَا فِي الرَّخَاوَة وَعَدَم الْحَرَكَة وَاسْتُبْعِدَ مَا قَالَ , وَسِيَاق الْخَبَر يُعْطِي بِأَنَّهَا شَكَتْ مِنْهُ عَدَم الِانْتِشَار , وَلَا يَمْنَع مِنْ ذَلِكَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " حَتَّى تَذُوقِي " لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى الْإِمْكَان وَهُوَ جَائِز الْوُقُوع , فَكَأَنَّهُ قَالَ اِصْبِرِي حَتَّى يَتَأَتَّى مِنْهُ ذَلِكَ , وَإِنْ تَفَارَقَا فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ إِرَادَة الرُّجُوع إِلَى رِفَاعَة مِنْ زَوْج آخَر يَحْصُل لَهَا مِنْهُ ذَلِكَ.
وَاسْتُدِلَّ بِإِطْلَاقِ وُجُود الذَّوْق مِنْهُمَا الِاشْتِرَاط عَلَى الزَّوْجَيْنِ بِهِ حَتَّى لَوْ وَطِئَهَا نَائِمَة أَوْ مُغْمًى عَلَيْهَا لَمْ يَكْفِ وَلَوْ أَنْزَلَ هُوَ.
وَبَالَغَ اِبْنِ الْمُنْذِر فَنَقَلَهُ عَنْ جَمِيع الْفُقَهَاء.
وَتُعُقِّبَ وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : فِيهِ حُجَّة لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا نَائِمَة أَوْ مُغْمًى عَلَيْهَا لَمْ تَحِلّ.
وَجَزَمَ اِبْنُ الْقَاسِم بِأَنَّ وَطْء الْمَجْنُون يُحَلِّل , وَخَالَفَهُ أَشْهَبُ , وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَاز رُجُوعهَا لِزَوْجِهَا الْأَوَّل إِذَا حَصَلَ الْجِمَاع مِنْ الثَّانِي , لَكِنْ شَرَطَ الْمَالِكِيَّة وَنَقَلَ عَنْ عُثْمَان وَزَيْد بْن ثَابِت أَنْ لَا يَكُون فِي ذَلِكَ مُخَادَعَة مِنْ الزَّوْج الثَّانِي وَلَا إِرَادَة تَحْلِيلهَا لِلْأَوَّلِ.
وَقَالَ الْأَكْثَر : إِنْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْد فَسَدَ وَإِلَّا فَلَا , وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي نِكَاح فَاسِدٍ لَمْ يُحَلِّل , وَشَذَّ الْحَكَم فَقَالَ يَكْفِي , وَأَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ أَمَة ثُمَّ بَتَّ طَلَاقهَا ثُمَّ مَلَكهَا لَمْ يَحِلّ لَهُ أَنْ يَطَأهَا حَتَّى تَتَزَوَّج غَيْره.
وَقَالَ اِبْنِ عَبَّاس وَبَعْض أَصْحَابه وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ : تَحِلّ لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِين , وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا وَطِئَهَا حَائِضًا أَوْ بَعْد أَنْ طَهُرَتْ قَبْل أَنْ تَطْهُر أَوْ أَحَدِهِمَا صَائِم أَوْ مُحْرِم.
وَقَالَ اِبْنُ حَزْم : أَخَذَ الْحَنَفِيَّة بِالشَّرْطِ الَّذِي فِي هَذَا الْحَدِيث عَنْ عَائِشَة , وَهُوَ زَائِد عَلَى ظَاهِرِ الْقُرْآن , وَلَمْ يَأْخُذُوا بِحَدِيثِهَا فِي اِشْتِرَاط خَمْس رَضَعَات لِأَنَّهُ زَائِد عَلَى مَا فِي الْقُرْآن , فَيَلْزَمهُمْ الْأَخْذ بِهِ أَوْ تَرْك حَدِيث الْبَاب , وَأَجَابُوا بِأَنَّ النِّكَاح عِنْدهمْ حَقِيقَة فِي الْوَطْء فَالْحَدِيث مُوَافِق لِظَاهِرِ الْقُرْآن , وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهَا " بَتَّ طَلَاقِي " عَلَى أَنَّ الْبَتَّة ثَلَاث تَطْلِيقَات , وَهُوَ عَجَبٌ مِمَّنْ اِسْتَدَلَّ بِهِ فَإِنَّ الْبَتّ بِمَعْنَى الْقَطْع وَالْمُرَاد بِهِ قَطْع الْعِصْمَة , وَهُوَ أَعَمّ مِنْ أَنْ يَكُون بِالثَّلَاثِ مَجْمُوعَة أَوْ بِوُقُوعِ الثَّالِثَة الَّتِي هِيَ آخِر ثَلَاث تَطْلِيقَات , وَسَيَأْتِي فِي اللِّبَاس صَرِيحًا أَنَّهُ طَلَّقَهَا آخِر ثَلَاث تَطْلِيقَات فَبَطَلَ الِاحْتِجَاج بِهِ.
وَنَقَلَ اِبْنُ الْعَرَبِيّ عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ أَوْرَدَ عَلَى حَدِيث الْبَاب مَا مُلَخَّصه أَنَّهُ يَلْزَم مِنْ الْقَوْل بِهِ إِمَّا الزِّيَادَة بِخَبَرِ الْوَاحِد عَلَى مَا فِي الْقُرْآن فَيَسْتَلْزِم نَسْخَ الْقُرْآن بِالسُّنَّةِ الَّتِي لَمْ تَتَوَاتَر , أَوْ حَمْل اللَّفْظ الْوَاحِد عَلَى مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْإِلْبَاس.
وَالْجَوَاب عَنْ الْأَوَّل أَنَّ الشَّرْط إِذَا كَانَ مِنْ مُقْتَضَيَات اللَّفْظ لَمْ تَكُنْ إِضَافَته نَسْخًا وَلَا زِيَادَة , وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ النِّكَاح فِي الْآيَة أُضِيف إِلَيْهَا وَهِيَ لَا تَتَوَلَّى الْعَقْد بِمُجَرَّدِهَا فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَاد بِهِ فِي حَقِّهَا الْوَطْء , وَمِنْ شَرْطه اِتِّفَاقًا أَنْ يَكُونُ وَطْئًا مُبَاحًا فَيَحْتَاج إِلَى سَبَقَ الْعَقْد.
وَيُمْكِن أَنْ يُقَال : لَمَّا كَانَ اللَّفْظ مُحْتَمِلًا لِلْمَعْنَيَيْنِ بَيَّنَتْ السُّنَّة أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُصُولهمَا , فَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَة لَا حَقَّ لَهَا فِي الْجِمَاع لِأَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَة شَكَتْ أَنَّ زَوْجهَا لَا يَطَؤُهَا وَأَنَّ ذَكَرَهُ لَا يَنْتَشِر وَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ مَا يُغْنِي عَنْهَا وَلَمْ يَفْسَخ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِكَاحهَا بِذَلِكَ , وَمِنْ ثَمَّ قَالَ إِبْرَاهِيم بْن إِسْمَاعِيل بْن عُلَيَّةَ وَدَاوُد بْن عَلِيّ : لَا يُفْسَخ بِالْعُنَّةِ وَلَا يُضْرَب لِلْعِنِّينِ أَجَلٌ.
وَقَالَ اِبْنُ الْمُنْذِر : اِخْتَلَفُوا فِي الْمَرْأَة تُطَالِب الرَّجُل بِالْجِمَاعِ , فَقَالَ الْأَكْثَر إِنْ وَطِئَهَا بَعْد أَنْ دَخَلَ بِهَا مَرَّة وَاحِدَة لَمْ يُؤَجَّل أَجَل الْعِنِّين , وَهُوَ قَوْل الْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَة وَمَالِك وَالشَّافِعِيّ وَإِسْحَاق.
وَقَالَ أَبُو ثَوْر : إِنْ تَرَكَ جِمَاعهَا لِعِلَّةٍ أُجِّلَ لَهُ سَنَة , وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عِلَّة فَلَا تَأْجِيل , وَقَالَ عِيَاض , اِتَّفَقَ كَافَّة الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ لِلْمَرْأَةِ حَقًّا فِي الْجِمَاع , فَيَثْبُت الْخِيَار لَهَا إِذَا تَزَوَّجَتْ الْمَجْبُوب وَالْمَمْسُوح جَاهِلَة بِهِمَا , وَيُضْرَب لِلْعِنِّينِ أَجَل سَنَة لِاحْتِمَالِ زَوَال مَا بِهِ.
وَأَمَّا اِسْتِدْلَال دَاوُدَ وَمَنْ يَقُول بِقَوْلِهِ بِقِصَّةِ اِمْرَأَة رِفَاعَة فَلَا حُجَّة فِيهَا , لِأَنَّ فِي بَعْض طُرُقه أَنَّ الزَّوْج الثَّانِي كَانَ أَيْضًا طَلَّقَهَا كَمَا وَقَعَ عِنْد مُسْلِم صَرِيحًا مِنْ طَرِيق الْقَاسِم عَنْ عَائِشَة قَالَتْ " طَلَّقَ رَجُل اِمْرَأَته ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا رَجُل آخَر فَطَلَّقَهَا قَبْل أَنْ يَدْخُل بِهَا فَأَرَادَ زَوْجهَا الْأَوَّل أَنْ يَتَزَوَّجهَا , فَسُئِلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : لَا " الْحَدِيث , وَأَصْله عِنْد الْبُخَارِيّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِل الطَّلَاق.
وَوَقَعَ فِي حَدِيث الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَة كَمَا سَيَأْتِي فِي اللِّبَاس فِي آخِر الْحَدِيث بَعْد قَوْله : لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَته وَيَذُوق عُسَيْلَتك " قَالَ فَفَارَقَتْهُ بَعْدُ " زَادَ اِبْنُ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّهَا " جَاءَتْ بَعْد ذَلِكَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِنَّهُ - يَعْنِي زَوْجهَا الثَّانِي - مَسَّهَا فَمَنَعَهَا أَنْ تَرْجِع إِلَى زَوْجهَا الْأَوَّل " وَصَرَّحَ مُقَاتِل بْن حَيَّانَ فِي تَفْسِيره مُرْسَلًا أَنَّهَا " قَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه إِنَّهُ كَانَ مَسَّنِي , فَقَالَ كَذَبْت بِقَوْلِكِ الْأَوَّل فَلَنْ أُصَدِّقَكِ فِي الْآخِر , وَأَنَّهَا أَتَتْ أَبَا بَكْر ثُمَّ عُمَر فَمَنَعَاهَا " وَكَذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الزِّيَادَة الْأَخِيرَة فِي رِوَايَة اِبْنِ جُرَيْجٍ الْمَذْكُورَة أَخْرَجَهَا عَبْد الرَّزَّاق عَنْهُ , وَوَقَعَ عِنْد مَالِك فِي " الْمُوَطَّأ " عَنْ الْمِسْوَر بْن رِفَاعَة عَنْ الزُّبَيْر بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الزَّبِيرِ , زَادَ خَارِج الْمُوَطَّأ فِيمَا رَوَاهُ اِبْنُ وَهْب عَنْهُ وَتَابَعَهُ إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَانَ عَنْ مَالِك عِنْد الدَّارَقُطْنِيِّ فِي " الْغَرَائِب " عَنْ أَبِيهِ " أَنَّ رِفَاعَة طَلَّقَ اِمْرَأَته تَمِيمَة بِنْت وَهْب ثَلَاثًا , فَنَكَحَهَا عَبْد الرَّحْمَن , فَاعْتُرِضَ عَنْهَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَمَسّهَا فَفَارَقَهَا , فَأَرَادَ رِفَاعَة أَنْ يَتَزَوَّجهَا " الْحَدِيث.
وَوَقَعَ عِنْد أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيق الْأَسْوَد عَنْ عَائِشَة " سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُل طَلَّقَ اِمْرَأَته فَتَزَوَّجَتْ غَيْره فَدَخَلَ بِهَا وَطَلَّقَهَا قَبْل أَنْ يُوَاقِعهَا أَتَحِلُّ لِلْأَوَّلِ ؟ قَالَ : لَا " الْحَدِيث.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَة مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة نَحْوِهِ , وَالطَّبَرِيّ أَيْضًا وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيث أَنَسٍ كَذَلِكَ , وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَة حَمَّاد بْنِ سَلَمَة عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة " أَنَّ عَمْرو بْن حَزْم طَلَّقَ الْغُمَيْصَاء فَنَكَحَهَا رَجُل فَطَلَّقَهَا قَبْل أَنْ يَمَسّهَا , فَسَأَلَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : لَا , حَتَّى يَذُوق الْآخَر عُسَيْلَتهَا وَتَذُوق عُسَيْلَته " وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَرُوَاته ثِقَات , فَإِنْ كَانَ حَمَّاد بْن سَلَمَة حَفِظَهُ فَهُوَ حَدِيث آخَر لِعَائِشَة فِي قِصَّة أُخْرَى غَيْر قِصَّة اِمْرَأَة رِفَاعَة , وَلَهُ شَاهِدِ مِنْ حَدِيث عُبَيْد اللَّه - بِالتَّصْغِيرِ - اِبْنِ عَبَّاس عِنْد النَّسَائِيِّ فِي ذِكْره الْغُمَيْصَاء , لَكِنَّ سِيَاقه يُشْبِه قِصَّة رِفَاعَة كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ شَرْح هَذَا الْحَدِيث , وَقَدْ قَدَّمْت أَنَّهُ وَقَعَ لِكُلٍّ مِنْ رِفَاعَة بْن سَمَوْأَل وَرِفَاعَة بْن وَهْب أَنَّهُ طَلَّقَ اِمْرَأَته وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَزَوَّجَهَا عَبْد الرَّحْمَن بْن الزَّبِيرِ وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شَكَتْ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ إِلَّا مِثْل الْهُدْبَة , فَلَعَلَّ إِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ شَكَتْهُ قَبْل أَنْ يُفَارِقهَا وَالْأُخْرَى بَعْد أَنْ فَارَقَهَا , وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُونَ الْقِصَّة وَاحِدَة وَوَقَعَ الْوَهْم مِنْ بَعْض الرُّوَاة فِي التَّسْمِيَة أَوْ فِي النِّسْبَة وَتَكُونُ الْمَرْأَة شَكَتْ مَرَّتَيْنِ مِنْ قَبْل الْمُفَارَقَة وَمَنْ بَعْدهَا , وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث اِبْنِ عَبَّاس قَالَ " طَلَّقَ عَبْد يَزِيد أَبُو رُكَانَة أُمّ رُكَانَة وَنَكَحَ اِمْرَأَة مِنْ مُزَيْنَة , فَجَاءَتْ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : مَا يُغْنِي عَنِّي إِلَّا كَمَا تُغْنِي هَذِهِ الشَّعْرَة - لِشَعْرَةٍ أَخَذَتْهَا مِنْ رَأْسهَا - فَفَرِّقْ بَيْنِي وَبَيْنه , قَالَ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ يَزِيد : طَلِّقْهَا وَرَاجِعْ أُمّ رُكَانَة , فَفَعَلَ " فَلَيْسَ فِيهِ حُجَّة لِمَسْأَلَةِ الْعِنِّين , وَاللَّهُ أَعْلَم بِالصَّوَابِ.


حديث أن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنته

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏مَالِكٌ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِيهِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ‏ ‏أَنَّ ‏ ‏سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ ‏ ‏نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ ‏ ‏زَوْجِهَا ‏ ‏بِلَيَالٍ فَجَاءَتْ النَّبِيَّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَاسْتَأْذَنَتْهُ أَنْ تَنْكِحَ فَأَذِنَ لَهَا فَنَكَحَتْ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث صحيح البخاري

إن كان بك شر فحسبك ما بين هذين من الشر

و5322- عن القاسم بن محمد وسليمان بن يسار: أنه سمعهما يذكران «أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق بنت عبد الرحمن بن الحكم فانتقلها عبد الرحمن فأرسلت عائشة أم...

ما لفاطمة ألا تتقي الله

و 5324- عن ‌عائشة أنها قالت «ما لفاطمة ألا تتقي الله؟» يعني: في قوله لا سكنى ولا نفقة.<br>

إن فاطمة كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها

عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه «قال عروة بن الزبير لعائشة: ألم ترين إلى فلانة بنت الحكم طلقها زوجها البتة فخرجت؟ فقالت: بئس ما صنعت.<br> قال: ألم تس...

إن عائشة أنكرت ذلك على فاطمة

و 5327- عن ‌عروة : «أن عائشة أنكرت ذلك على فاطمة»

حلقى إنك لحابستنا أكنت أفضت يوم النحر قالت نعم قا...

عن ‌عائشة رضي الله عنها قالت: «لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينفر إذا صفية على باب خبائها كئيبة، فقال لها: عقرى أو حلقى، إنك لحابستنا، أكنت...

زوج معقل أخته فطلقها تطليقة

عن ‌الحسن قال: «زوج معقل أخته فطلقها تطليقة.»

كانت تحت رجل فطلقها ثم خلى عنها حتى انقضت عدتها ثم...

عن ‌قتادة: حدثنا ‌الحسن «أن معقل بن يسار كانت أخته تحت رجل فطلقها، ثم خلى عنها حتى انقضت عدتها، ثم خطبها فحمي معقل من ذلك أنفا، فقال خلى عنها وهو يقدر...

إن أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر من قبل أن يجام...

عن ‌نافع «أن ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، طلق امرأة له وهي حائض تطليقة واحدة، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر،...

طلق امرأته وهي حائض أمره أن يراجعها ثم يطلق من قبل...

عن ‌يونس بن جبير: سألت ‌ابن عمر فقال: «طلق ابن عمر امرأته وهي حائض، فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم، فأمره أن يراجعها، ثم يطلق من قبل عدتها، قلت: ف...