حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

قال للنبي ﷺ إني زنيت فأعرض عنه حتى ردد عليه أربع مرات - صحيح البخاري

صحيح البخاري | كتاب الحدود وما يحذر من الحدود باب لا يرجم المجنون والمجنونة (حديث رقم: 6815 )


6815- عن ‌أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد، فناداه فقال: يا رسول الله، إني زنيت، فأعرض عنه حتى ردد عليه أربع مرات، فلما شهد على نفسه أربع شهادات، دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبك جنون؟، قال: لا، قال: فهل أحصنت؟، قال: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اذهبوا به فارجموه 6816- قال ‌ابن شهاب: فأخبرني ‌من سمع ‌جابر بن عبد الله قال: فكنت فيمن رجمه، فرجمناه بالمصلى، فلما أذلقته الحجارة هرب، فأدركناه بالحرة فرجمناه.»

أخرجه البخاري


أخرجه مسلم في الحدود باب من اعترف على نفسه بالزنا رقم 1691

شرح حديث (قال للنبي ﷺ إني زنيت فأعرض عنه حتى ردد عليه أربع مرات )

فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

‏ ‏قَوْله ( عَنْ عُقَيْل ) ‏ ‏هُوَ اِبْن خَالِد.
‏ ‏قَوْله ( عَنْ أَبِي سَلَمَة وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب ) ‏ ‏هَذِهِ رِوَايَة يَحْيَى بْن بُكَيْر عَنْ اللَّيْث , وَوَافَقَهُ شُعَيْب بْن اللَّيْث عَنْ أَبِيهِ عِنْد مُسْلِم , وَسَيَأْتِي بَعْد سِتَّة أَبْوَاب مِنْ رِوَايَة سَعِيد بْن عُفَيْر عَنْ اللَّيْث عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن خَالِد عَنْ اِبْن شِهَاب , وَجَمَعَهَا مُسْلِم فَوَصَلَ رِوَايَة عُقَيْل وَعَلَّقَ رِوَايَة عَبْد الرَّحْمَن فَقَالَ بَعْد رِوَايَة اللَّيْث عَنْ عُقَيْل : وَرَوَاهُ اللَّيْث أَيْضًا عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن خَالِد.
قُلْت : وَرَوَاهُ مَعْمَر وَيُونُس وَابْن جُرَيْجٍ عَنْ اِبْن شِهَاب عَنْ أَبِي سَلَمَة وَحْده عَنْ جَابِر , وَجَمَعَ مُسْلِم هَذِهِ الطُّرُق وَأَحَالَ بِلَفْظِهَا عَلَى رِوَايَة عُقَيْل , وَسَيَأْتِي لِلْبُخَارِيِّ بَعْد بَابَيْنِ مِنْ رِوَايَة مَعْمَر , وَعَلَّقَ طَرَفًا مِنْهُ لِيُونُس وَابْن جُرَيْجٍ وَوَصَلَ رِوَايَة يُونُس قَبْل هَذَا , وَأَمَّا رِوَايَة اِبْن جُرَيْجٍ فَوَصَلَهَا مُسْلِم عَنْ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ عَنْ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر وَابْن جُرَيْجٍ مَعًا , وَوَقَعَتْ لَنَا بِعُلُوٍّ فِي " مُسْتَخْرَج أَبِي نُعَيْم " مِنْ رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ عَنْ الْفَرَبْرِيّ عَنْ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ اِبْن جُرَيْجٍ وَحْده.
‏ ‏قَوْله ( أَتَى رَجُلٌ ) ‏ ‏زَادَ اِبْن مُسَافِر فِي رِوَايَته " مِنْ النَّاس " وَفِي رِوَايَة شُعَيْب بْن اللَّيْث " مِنْ الْمُسْلِمِينَ " وَفِي رِوَايَة يُونُس وَمَعْمَر " أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ " وَفِي حَدِيث جَابِر بْن سَمُرَة عِنْد مُسْلِم رَأَيْت مَاعِز بْن مَالِك الْأَسْلَمِيّ حِين جِيءَ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيث وَفِيهِ " رَجُل قَصِير أَعْضَل لَيْسَ عَلَيْهِ رِدَاء " وَفِي لَفْظ " ذُو عَضَلَات " بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة ثُمَّ الْمُعْجَمَة , قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الْعَضَلَة مَا اِجْتَمَعَ مِنْ اللَّحْم فِي أَعْلَى بَاطِن السَّاق.
وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ : كُلّ عَصَبَة مَعَ لَحْم فَهِيَ عَضَلَة.
وَقَالَ اِبْن الْقَطَّاع : الْعَضَلَة لَحْم السَّاق وَالذِّرَاع وَكُلّ لَحْمَة مُسْتَدِيرَة فِي الْبَدَن وَالْأَعْضَل الشَّدِيد الْخَلْق وَمِنْهُ أَعْضَلَ الْأَمْرُ إِذَا اِشْتَدَّ , لَكِنْ دَلَّتْ الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِهِ هُنَا كَثِير الْعَضَلَات.
‏ ‏قَوْله ( فَأَعْرَضَ عَنْهُ ) ‏ ‏زَادَ اِبْن مُسَافِر " فَتَنَحَّى لِشِقِّ وَجْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أَعْرَضَ قِبَلَهُ " بِكَسْرِ الْقَاف وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَة , وَفِي رِوَايَة شُعَيْب " فَتَنَحَّى تِلْقَاء وَجْهِهِ " أَيْ اِنْتَقَلَ مِنْ النَّاحِيَة الَّتِي كَانَ فِيهَا إِلَى النَّاحِيَة الَّتِي يَسْتَقْبِل بِهَا وَجْهَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَتِلْقَاء مَنْصُوب عَلَى الظَّرْفِيَّة وَأَصْله مَصْدَرٌ أُقِيمَ مَقَامَ الظَّرْف أَيْ مَكَان تِلْقَاء فَحُذِفَ مَكَان قَبْلُ , وَلَيْسَ مِنْ الْمَصَادِر تِفْعَال بِكَسْرِ أَوَّله إِلَّا هَذَا وَتِبْيَان وَسَائِرهَا بِفَتْحِ أَوَّله , وَأَمَّا الْأَسْمَاء بِهَذَا الْوَزْن فَكَثِيرَة.
‏ ‏قَوْله ( حَتَّى رَدَّدَ ) ‏ ‏فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ " حَتَّى رَدَّ " بِدَالٍ وَاحِدَة , وَفِي رِوَايَة شُعَيْب بْن اللَّيْث " حَتَّى ثَنَى ذَلِكَ عَلَيْهِ " وَهُوَ بِمُثَلَّثَةٍ بَعْدهَا نُون خَفِيفَة أَيْ كَرَّرَ , وَفِي حَدِيث بُرَيْدَةَ عِنْد مُسْلِم " قَالَ وَيْحك , اِرْجِعْ فَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ " فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيد ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ " يَا رَسُول اللَّه طَهِّرْنِي " وَفِي لَفْظ " فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَد أَتَاهُ " وَوَقَعَ فِي مُرْسَل سَعِيد بْن الْمُسَيِّب عِنْد مَالِك وَالنَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَة يَحْيَى بْن سَعِيد الْأَنْصَارِيّ عَنْ سَعِيد " أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ قَالَ لِأَبِي بَكْر الصِّدِّيق : إِنَّ الْآخِرَ زَنَى , قَالَ : فَتُبْ إِلَى اللَّه وَاسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّه.
ثُمَّ أَتَى عُمَر كَذَلِكَ فَأَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثَلَاث مَرَّات , حَتَّى إِذَا أَكْثَرَ عَلَيْهِ بَعَثَ إِلَى أَهْله ".
‏ ‏قَوْله ( فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسه أَرْبَع شَهَادَات ) ‏ ‏فِي رِوَايَة أَبِي ذَرّ " أَرْبَع مَرَّات " وَفِي رِوَايَة بُرَيْدَةَ الْمَذْكُورَة " حَتَّى إِذَا كَانَتْ الرَّابِعَة قَالَ فَبِمَ أُطَهِّرُك " وَفِي حَدِيث جَابِر بْن سَمُرَة مِنْ طَرِيق أَبِي عَوَانَة عَنْ سِمَاك " فَشَهِدَ عَلَى نَفْسه أَرْبَع شَهَادَات " أَخْرَجَهُ مُسْلِم وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيق شُعْبَة عَنْ سِمَاك قَالَ " فَرَدَّهُ مَرَّتَيْنِ " وَفِي أُخْرَى " مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا " قَالَ شُعْبَة قَالَ سِمَاك : فَذَكَرْته لِسَعِيدِ بْن جُبَيْر فَقَالَ إِنَّهُ رَدَّهُ أَرْبَع مَرَّات.
وَوَقَعَ فِي حَدِيث أَبِي سَعِيد عِنْد مُسْلِم أَيْضًا " فَاعْتَرَفَ بِالزِّنَا ثَلَاث مَرَّات " وَالْجَمْع بَيْنهمَا ; أَمَّا رِوَايَة مَرَّتَيْنِ فَتُحْمَل عَلَى أَنَّهُ اِعْتَرَفَ مَرَّتَيْنِ فِي يَوْم وَمَرَّتَيْنِ فِي يَوْم آخَر لِمَا يُشْعِر بِهِ قَوْلُ بُرَيْدَةَ " فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَد " فَاقْتَصَرَ الرَّاوِي عَلَى أَحَدهمَا , أَوْ مُرَاده اِعْتَرَفَ مَرَّتَيْنِ فِي يَوْمَيْنِ فَيَكُون مِنْ ضَرْب اِثْنَيْنِ فِي اِثْنَيْنِ , وَقَدْ وَقَعَ عِنْد أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيق إِسْرَائِيل عَنْ سِمَاك عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس " جَاءَ مَاعِز بْن مَالِك إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَرَفَ بِالزِّنَا مَرَّتَيْنِ فَطَرَدَهُ , ثُمَّ جَاءَ فَاعْتَرَفَ بِالزِّنَا مَرَّتَيْنِ " وَأَمَّا رِوَايَة الثَّلَاث فَكَأَنَّ الْمُرَاد الِاقْتِصَار عَلَى الْمَرَّات الَّتِي رَدَّهُ فِيهَا , وَأَمَّا الرَّابِعَة فَإِنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ بَلْ اِسْتَثْبَتَ فِيهِ وَسَأَلَ عَنْ عَقْله , لَكِنْ وَقَعَ فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عِنْد أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيق عَبْد الرَّحْمَن بْن الصَّامِت مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْبَات فِيهِ إِنَّمَا وَقَعَ بَعْد الرَّابِعَة وَلَفْظه " جَاءَ الْأَسْلَمِيّ فَشَهِدَ عَلَى نَفْسه أَنَّهُ أَصَابَ اِمْرَأَة حَرَامًا أَرْبَع مَرَّات كُلّ ذَلِكَ يُعْرِض عَنْهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَقْبَلَ فِي الْخَامِسَة فَقَالَ : تَدْرِي مَا الزَّانِي " إِلَى آخِره , وَالْمُرَاد بِالْخَامِسَةِ الصِّفَة الَّتِي وَقَعَتْ مِنْهُ عِنْد السُّؤَال وَالِاسْتِثْبَات , لِأَنَّ صِفَة الْإِعْرَاض وَقَعَتْ أَرْبَع مَرَّات وَصِفَة الْإِقْبَال عَلَيْهِ لِلسُّؤَالِ وَقَعَتْ بَعْدهَا.
‏ ‏قَوْله ( فَقَالَ أَبِكَ جُنُون ؟ قَالَ لَا ) ‏ ‏فِي رِوَايَة شُعَيْب فِي الطَّلَاق " وَهَلْ بِك جُنُون " وَفِي حَدِيث بُرَيْدَةَ " فَسَأَلَ أَبِهِ جُنُون ؟ فَأُخْبِرَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ " وَفِي لَفْظ " فَأَرْسَلَ إِلَى قَوْمه فَقَالُوا : مَا نَعْلَمُهُ إِلَّا وَفِيَّ الْعَقْلِ مِنْ صَالِحِينَا " وَفِي حَدِيث أَبِي سَعِيد " ثُمَّ سَأَلَ قَوْمه فَقَالُوا : مَا نَعْلَم بِهِ بَأْسًا إِلَّا أَنَّهُ أَصَابَ شَيْئًا يَرَى أَنَّهُ لَا يَخْرُج مِنْهُ إِلَّا أَنْ يُقَام فِيهِ الْحَدّ لِلَّهِ " وَفِي مُرْسَل أَبِي سَعِيد " بَعَثَ إِلَى أَهْله فَقَالَ : أَشْتَكَى بِهِ جِنَّة ؟ فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه إِنَّهُ لَصَحِيح " وَيُجْمَع بَيْنهمَا بِأَنَّهُ سَأَلَهُ ثُمَّ سَأَلَ عَنْهُ اِحْتِيَاطًا , فَإِنَّ فَائِدَة سُؤَاله أَنَّهُ لَوْ اِدَّعَى الْجُنُون لَكَانَ فِي ذَلِكَ دَفْع لِإِقَامَةِ الْحَدّ عَلَيْهِ حَتَّى يَظْهَر خِلَاف دَعْوَاهُ , فَلَمَّا أَجَابَ بِأَنَّهُ لَا جُنُون بِهِ سَأَلَ عَنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون كَذَلِكَ وَلَا يُعْتَدّ بِقَوْلِهِ , وَعِنْد أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيق نُعَيْم بْن هَزَّال قَالَ " كَانَ مَاعِز بْن مَالِك يَتِيمًا فِي حِجْر أَبِي فَأَصَابَ جَارِيَة مِنْ الْحَيّ , فَقَالَ لَهُ أَبِي : اِئْتِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبِرْهُ بِمَا صَنَعْت لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِر لَك وَرَجَاء أَنْ يَكُون لَهُ مَخْرَج " فَذَكَرَ الْحَدِيث فَقَالَ عِيَاض : فَائِدَة سُؤَاله أَبِكَ جُنُون سَتْرًا لِحَالِهِ وَاسْتِبْعَادَ أَنْ يُلِحّ عَاقِلٌ بِالِاعْتِرَافِ بِمَا يَقْتَضِي إِهْلَاكه , وَلَعَلَّهُ يَرْجِع عَنْ قَوْله , أَوْ لِأَنَّهُ سَمِعَهُ وَحْده , أَوْ لِيُتِمّ إِقْرَاره أَرْبَعًا عِنْد مَنْ يَشْتَرِطهُ.
وَأَمَّا سُؤَالُهُ قَوْمَهُ عَنْهُ بَعْد ذَلِكَ فَمُبَالَغَة فِي الِاسْتِثْبَات وَتَعَقَّبَ بَعْضُ الشُّرَّاح قَوْلَهُ " أَوْ لِأَنَّهُ سَمِعَهُ وَحْده " بِأَنَّهُ كَلَام سَاقِط لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي نَفْس الْخَبَر أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِمَحْضَرِ الصَّحَابَة فِي الْمَسْجِد.
قُلْت : وَيُرَدّ بِوَجْهٍ آخَر وَهُوَ أَنَّ اِنْفِرَاده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَمَاعِ إِقْرَار الْمُقِرّ كَافٍ فِي الْحُكْم عَلَيْهِ بِعِلْمِهِ اِتِّفَاقًا إِذْ لَا يَنْطِق عَنْ الْهَوَى , بِخِلَافِ غَيْره فَفِيهِ اِحْتِمَال.
‏ ‏قَوْله ( قَالَ فَهَلْ أُحْصِنْت ) ‏ ‏أَيْ تَزَوَّجْت , هَذَا مَعْنَاهُ جَزْمًا هُنَا , لِافْتِرَاقِ الْحُكْم فِي حَدِّ مَنْ تَزَوَّجَ وَمَنْ لَمْ يَتَزَوَّج.
‏ ‏قَوْله ( قَالَ : نَعَمْ ) ‏ ‏زَادَ فِي حَدِيث بُرَيْدَةَ قَبْل هَذَا " أَشَرِبْت خَمْرًا ؟ قَالَ لَا " وَفِيهِ " فَقَامَ رَجُل فَاسْتَنْكَهَهُ فَلَمْ يَجِد مِنْهُ رِيحًا " وَزَادَ فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس الْآتِي قَرِيبًا " لَعَلَّك قَبَّلْت أَوْ غَمَزْت - بِمُعْجَمَةٍ وَزَاي - أَوْ نَظَرْت ) أَيْ فَأَطْلَقْت عَلَى كُلّ ذَلِكَ زِنًا وَلَكِنَّهُ لَا حَدَّ فِي ذَلِكَ " قَالَ : لَا " وَفِي حَدِيث نُعَيْم " فَقَالَ هَلْ ضَاجَعْتهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : فَهَلْ بَاشَرْتهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : هَلْ جَامَعْتهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ " وَفِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس الْمَذْكُور " فَقَالَ أَنِكْتَهَا " لَا يَكْنِي بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّة وَسُكُون الْكَاف مِنْ الْكِنَايَة أَيْ أَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا اللَّفْظ صَرِيحًا وَلَمْ يَكْنِ عَنْهُ بِلَفْظٍ آخَر كَالْجِمَاعِ , وَيَحْتَمِل أَنْ يُجْمَع بِأَنَّهُ ذَكَرَ بَعْد ذِكْر الْجِمَاع بِأَنَّ الْجِمَاع قَدْ يُحْمَل عَلَى مُجَرَّد الِاجْتِمَاع , وَفِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة الْمَذْكُور " أَنِكْتَهَا ؟ قَالَ نَعَمْ.
قَالَ حَتَّى دَخَلَ ذَلِكَ مِنْك فِي ذَلِكَ مِنْهَا ؟ قَالَ نَعَمْ , قَالَ كَمَا يَغِيبُ الْمِرْوَدُ فِي الْمُكْحُلَةِ وَالرِّشَاءُ فِي الْبِئْرِ ؟ قَالَ نَعَمْ.
قَالَ : تَدْرِي مَا الزِّنَا قَالَ : نَعَمْ ؟ أَتَيْت مِنْهَا حَرَامًا مَا يَأْتِي الرَّجُلُ مِنْ اِمْرَأَته حَلَالًا , قَالَ : فَمَا تُرِيد بِهَذَا الْقَوْل ؟ قَالَ : تُطَهِّرنِي , فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ " وَقَبْله عِنْد النَّسَائِيِّ هُنَا " هَلْ أَدْخَلْته وَأَخْرَجْته ؟ قَالَ نَعَمْ ".
‏ ‏قَوْله ( قَالَ اِبْن شِهَاب ) ‏ ‏هُوَ مَوْصُول بِالسَّنَدِ الْمَذْكُور.
‏ ‏قَوْله ( فَأَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ) ‏ ‏صَرَّحَ يُونُس وَمَعْمَر فِي رِوَايَتهمَا بِأَنَّهُ أَبُو سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن , فَكَأَنَّ الْحَدِيث كَانَ عِنْد أَبِي سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة كَمَا عِنْد سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَعِنْده زِيَادَة عَلَيْهِ عَنْ جَابِر.
‏ ‏قَوْله ( فَكُنْت فِيمَنْ رَجَمَهُ فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى ) ‏ ‏فِي رِوَايَة مَعْمَر " فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ بِالْمُصَلَّى " وَفِي حَدِيث أَبِي سَعِيد " فَمَا أَوْثَقْنَاهُ وَلَا حَفَرْنَا لَهُ " قَالَ " فَرَمَيْنَاهُ بِالْعِظَامِ وَالْمَدَرِ وَالْخَزَفِ " بِفَتْحِ الْمُعْجَمَة وَالزَّاي وَبِالْفَاءِ وَهِيَ الْآنِيَة الَّتِي تُتَّخَذ مِنْ الطِّين الْمَشْوِيّ وَكَأَنَّ الْمُرَادَ مَا تَكَسَّرَ مِنْهَا.
‏ ‏قَوْله ( فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ ) ‏ ‏بِذَالٍ مُعْجَمَة وَفَتْح اللَّام بَعْدهَا قَاف أَيْ أَقْلَقَتْهُ وَزْنه وَمَعْنَاهُ قَالَ أَهْل اللُّغَة : الذَّلَق بِالتَّحْرِيكِ الْقَلَق وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيّ , وَقَالَ فِي النِّهَايَة : أَذْلَقَتْهُ بَلَغَتْ مِنْهُ الْجَهْد حَتَّى قَلِقَ , يُقَال أَذْلَقَهُ الشَّيْءُ أَجْهَدَهُ , وَقَالَ النَّوَوِيّ : مَعْنَى أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَة أَصَابَتْهُ بِحَدِّهَا , وَمِنْهُ اِنْذَلَقَ صَارَ لَهُ حَدٌّ يَقْطَع.
‏ ‏قَوْله ( هَرَبَ ) ‏ ‏فِي رِوَايَة اِبْن مُسَافِر " جَمَزَ " بِجِيمٍ وَمِيم مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ زَاي أَيْ وَثَبَ مُسْرِعًا وَلَيْسَ بِالشَّدِيدِ الْعَدْو بَلْ كَالْقَفْزِ.
وَوَقَعَ فِي حَدِيث أَبِي سَعِيد " فَاشْتَدَّ وَأَسْنَدَ لَنَا خَلْفَهُ ".
‏ ‏قَوْله ( فَأَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ فَرَجَمْنَاهُ ) ‏ ‏زَادَ مَعْمَر فِي رِوَايَته " حَتَّى مَاتَ " وَفِي حَدِيث أَبِي سَعِيد " حَتَّى أَتَى عُرْض - بِضَمِّ أَوَّله أَيْ جَانِب - الْحَرَّة , فَرَمَيْنَاهُ بِجَلَامِيد الْحَرَّة حَتَّى سَكَتَ " وَعِنْد التِّرْمِذِيّ مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن عَمْرو عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فِي قِصَّة مَاعِز " فَلَمَّا وَجَدَ مَسَّ الْحِجَارَة فَرَّ يَشْتَدّ حَتَّى مَرَّ بِرَجُلٍ مَعَهُ لَحْي جَمَل فَضَرَبَهُ وَضَرَبَهُ النَّاس حَتَّى مَاتَ " وَعِنْد أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَة يَزِيد بْن نُعَيْم بْن هَزَّال عَنْ أَبِيهِ فِي هَذِهِ الْقِصَّة " فَوَجَدَ مَسَّ الْحِجَارَة فَخَرَجَ يَشْتَدّ , فَلَقِيَهُ عَبْد اللَّه بْن أُنَيْس وَقَدْ عَجَزَ أَصْحَابه فَنَزَعَ لَهُ بِوَظِيفِ بَعِير فَرَمَاهُ فَقَتَلَهُ " وَهَذَا ظَاهِره يُخَالِف ظَاهِر رِوَايَة أَبِي هُرَيْرَة أَنَّهُمْ ضَرَبُوهُ مَعَهُ , لَكِنْ يُجْمَع بِأَنَّ قَوْله فِي هَذَا " فَقَتَلَهُ " أَيْ كَانَ سَبَبًا فِي قَتْله , وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة لِلطَّبَرَانِيِّ فِي هَذِهِ الْقِصَّة " فَضَرَبَ سَاقَهُ فَصَرَعَهُ , وَرَجَمُوهُ حَتَّى قَتَلُوهُ ) وَالْوَظِيف بِمُعْجَمَةٍ وَزْن عَظِيم : خُفّ الْبَعِير وَقِيلَ مُسْتَدَقّ الذِّرَاع وَالسَّاق مِنْ الْإِبِل وَغَيْرهَا , وَفِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عِنْد النَّسَائِيِّ " فَانْتَهَى إِلَى أَصْل شَجَرَة فَتَوَسَّدَ يَمِينَهُ حَتَّى قُتِلَ " وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيق أَبِي مَالِك عَنْ رَجُل مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَذَهَبُوا بِهِ إِلَى حَائِط يَبْلُغ صَدْرَهُ فَذَهَبَ يَثِب فَرَمَاهُ رَجُل فَأَصَابَ أَصْل أُذُنه فَصُرِعَ فَقَتَلَهُ " وَفِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد مَنْقَبَة عَظِيمَة لِمَاعِزِ بْن مَالِك لِأَنَّهُ اِسْتَمَرَّ عَلَى طَلَب إِقَامَة الْحَدّ عَلَيْهِ مَعَ تَوْبَته لِيَتِمّ تَطْهِيره وَلَمْ يَرْجِع عَنْ إِقْرَاره مَعَ أَنَّ الطَّبْع الْبَشَرِيّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَسْتَمِرّ عَلَى الْإِقْرَار بِمَا يَقْتَضِي إِزْهَاق نَفْسه فَجَاهَدَ نَفْسه عَلَى ذَلِكَ وَقَوِيَ عَلَيْهَا وَأَقَرَّ مِنْ غَيْر اِضْطِرَار إِلَى إِقَامَة ذَلِكَ عَلَيْهِ بِالشَّهَادَةِ مَعَ وُضُوح الطَّرِيق إِلَى سَلَامَته مِنْ الْقَتْل بِالتَّوْبَةِ , وَلَا يُقَال لَعَلَّهُ لَمْ يَعْلَم أَنَّ الْحَدّ بَعْد أَنْ يُرْفَع لِلْإِمَامِ يَرْتَفِع بِالرُّجُوعِ لِأَنَّا نَقُول كَانَ لَهُ طَرِيق أَنْ يُبْرِز أَمْره فِي صُورَة الِاسْتِفْتَاء فَيَعْلَم مَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَحْكَام الْمَسْأَلَة وَيَبْنِي عَلَى مَا يُجَاب بِهِ وَيَعْدِل عَنْ الْإِقْرَار إِلَى ذَلِكَ , وَيُؤْخَذ مِنْ قَضِيَّته أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِمَنْ وَقَعَ فِي مِثْل قَضِيَّته أَنْ يَتُوب إِلَى اللَّه تَعَالَى وَيَسْتُر نَفْسَهُ وَلَا يَذْكُر ذَلِكَ لِأَحَدٍ كَمَا أَشَارَ بِهِ أَبُو بَكْر وَعُمَر عَلَى مَاعِز , وَأَنَّ مَنْ اِطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ يَسْتُر عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرْنَا وَلَا يَفْضَحهُ وَلَا يَرْفَعهُ إِلَى الْإِمَام كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْقِصَّة " لَوْ سَتَرْته بِثَوْبِك لَكَانَ خَيْرًا لَك " وَبِهَذَا جَزَمَ الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَقَالَ : أُحِبُّ لِمَنْ أَصَابَ ذَنْبًا فَسَتَرَهُ اللَّه عَلَيْهِ أَنْ يَسْتُرهُ عَلَى نَفْسه وَيَتُوب , وَاحْتَجَّ بِقِصَّةِ مَاعِز مَعَ أَبِي بَكْر وَعُمَر.
وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : هَذَا كُلّه فِي غَيْر الْمُجَاهِر , فَأَمَّا إِذَا كَانَ مُتَظَاهِرًا بِالْفَاحِشَةِ مُجَاهِرًا فَإِنِّي أُحِبّ مُكَاشَفَته وَالتَّبْرِيح بِهِ لِيَنْزَجِر هُوَ وَغَيْرُهُ.
وَقَدْ اُسْتُشْكِلَ اِسْتِحْبَابُ السَّتْر مَعَ مَا وَقَعَ مِنْ الثَّنَاء عَلَى مَاعِز وَالْغَامِدِيَّة , وَأَجَابَ شَيْخنَا " فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ " بِأَنَّ الْغَامِدِيَّة كَانَ ظَهَرَ بِهَا الْحَبَلُ مَعَ كَوْنهَا غَيْر ذَات زَوْج فَتَعَذَّرَ الِاسْتِتَار لِلِاطِّلَاعِ عَلَى مَا يُشْعِر بِالْفَاحِشَةِ , وَمِنْ ثَمَّ قَيَّدَ بَعْضُهُمْ تَرْجِيحَ الِاسْتِتَار حَيْثُ لَا يَكُون هُنَاكَ مَا يُشْعِر بِضِدِّهِ , وَإِنْ وُجِدَ فَالرَّفْع إِلَى الْإِمَام لِيُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ أَفْضَلُ اِنْتَهَى.
وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّ السَّتْر مُسْتَحَبّ وَالرَّفْعَ لِقَصْدِ الْمُبَالَغَة فِي التَّطْهِير أَحَبّ وَالْعِلْم عِنْد اللَّه تَعَالَى.
وَفِيهِ التَّثَبُّت فِي إِزْهَاق نَفْس الْمُسْلِم وَالْمُبَالَغَة فِي صِيَانَته لِمَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْقِصَّة مِنْ تَرْدِيده وَالْإِيمَاء إِلَيْهِ بِالرُّجُوعِ وَالْإِشَارَة إِلَى قَبُول دَعْوَاهُ إِنْ اِدَّعَى إِكْرَاهًا أَوْ خَطَأً فِي مَعْنَى الزِّنَا أَوْ مُبَاشَرَة دُون الْفَرْج مَثَلًا أَوْ غَيْر ذَلِكَ.
وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّة الْإِقْرَار بِفِعْلِ الْفَاحِشَة عِنْد الْإِمَام وَفِي الْمَسْجِد وَالتَّصْرِيح فِيهِ بِمَا يُسْتَحْيَى مِنْ التَّلَفُّظ بِهِ مِنْ أَنْوَاع الرَّفَث فِي الْقَوْل مِنْ أَجْل الْحَاجَة الْمُلْجِئَة لِذَلِكَ.
وَفِيهِ نِدَاء الْكَبِير بِالصَّوْتِ الْعَالِي وَإِعْرَاض الْإِمَام عَنْ مَنْ أَقَرَّ بِأَمْرٍ مُحْتَمَل لِإِقَامَةِ الْحَدّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُفَسِّرهُ بِمَا لَا يُوجِب حَدًّا أَوْ يَرْجِع , وَاسْتِفْسَاره عَنْ شُرُوط ذَلِكَ لِيُرَتِّب عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ وَأَنَّ إِقْرَار الْمَجْنُون لَاغٍ , وَالتَّعْرِيض لِلْمُقِرِّ بِأَنْ يَرْجِع وَأَنَّهُ إِذَا رَجَعَ قُبِلَ , قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَجَاءَ عَنْ مَالِك رِوَايَة أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِرُجُوعِهِ , وَحَدِيث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَع.
وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِمَنْ وَقَعَ فِي مَعْصِيَة وَنَدِمَ أَنْ يُبَادِر إِلَى التَّوْبَة مِنْهَا وَلَا يُخْبِر بِهَا أَحَدًا وَيَسْتَتِر بِسِتْرِ اللَّه , وَإِنْ اِتَّفَقَ أَنَّهُ يُخْبِر أَحَدًا فَيُسْتَحَبّ أَنْ يَأْمُرهُ بِالتَّوْبَةِ وَسَتْرِ ذَلِكَ عَنْ النَّاس كَمَا جَرَى لِمَاعِزٍ مَعَ أَبِي بَكْر ثُمَّ عُمَر , وَقَدْ أَخْرَجَ قِصَّته مَعَهُمَا فِي الْمُوَطَّأ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب مُرْسَلَة , وَوَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْره مِنْ رِوَايَة يَزِيد بْن نُعَيْم بْن هَزَّال عَنْ أَبِيهِ.
وَفِي الْقِصَّة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِهَزَّالٍ " لَوْ سَتَرْته بِثَوْبِك لَكَانَ خَيْرًا لَك " وَفِي الْمُوَطَّأ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد ذَكَرْت هَذَا الْحَدِيثَ فِي مَجْلِس فِيهِ يَزِيد بْن نُعَيْم فَقَالَ هَزَّال جَدِّي جَدِّي وَهَذَا الْحَدِيث حَقٌّ.
قَالَ الْبَاجِيّ : الْمَعْنَى خَيْرًا لَك مِمَّا أَمَرْته بِهِ مِنْ إِظْهَار أَمْره , وَكَانَ سَتْره بِأَنْ يَأْمُرهُ بِالتَّوْبَةِ وَالْكِتْمَان كَمَا أَمَرَهُ أَبُو بَكْر وَعُمَر , وَذَكَرَ الثَّوْب مُبَالَغَة أَيْ لَوْ لَمْ تَجِد السَّبِيل إِلَى سَتْره إِلَّا بِرِدَائِك مِمَّنْ عَلِمَ أَمْرَهُ كَانَ أَفْضَلَ مِمَّا أَشَرْت بِهِ عَلَيْهِ مِنْ الْإِظْهَار.
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اِشْتِرَاط تَكْرِير الْإِقْرَار بِالزِّنَا أَرْبَعًا لِظَاهِرِ قَوْله " فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسه أَرْبَع شَهَادَات " فَإِنَّ فِيهِ إِشْعَارًا بِأَنَّ الْعَدَد هُوَ الْعِلَّة فِي تَأْخِير إِقَامَة الْحَدّ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَأَمَرَ بِرَجْمِهِ فِي أَوَّل مَرَّة , وَلِأَنَّ فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس " قَالَ لِمَاعِزٍ قَدْ شَهِدْت عَلَى نَفْسك أَرْبَع شَهَادَات , اِذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ " وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يُؤَيِّدهُ وَيُؤَيِّد الْقِيَاسَ عَلَى عَدَد شُهُود الزِّنَا دُون غَيْره مِنْ الْحُدُود , وَهُوَ قَوْل الْكُوفِيِّينَ وَالرَّاجِح عِنْد الْحَنَابِلَة , وَزَادَ اِبْن أَبِي لَيْلَى فَاشْتُرِطَ أَنْ تَتَعَدَّد مَجَالِسُ الْإِقْرَار , وَهِيَ رِوَايَة عَنْ الْحَنَفِيَّة وَتَمَسَّكُوا بِصُورَةِ الْوَاقِعَة , لَكِنَّ الرِّوَايَات فِيهَا اِخْتَلَفَتْ , وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْمَجَالِس تَعَدَّدَتْ لَكِنْ لَا بِعَدَدِ الْإِقْرَار , فَأَكْثَرُ مَا نُقِلَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ أَقَرَّ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ عَادَ مِنْ الْغَد فَأَقَرَّ مَرَّتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانه مِنْ عِنْد مُسْلِم وَتَأَوَّلَ الْجُمْهُور بِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي قِصَّة مَاعِز وَهِيَ وَاقِعَةُ حَالٍ فَجَازَ أَنْ يَكُون لِزِيَادَةِ الِاسْتِثْبَات , وَيُؤَيِّد هَذَا الْجَوَابَ مَا تَقَدَّمَ فِي سِيَاق حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَمَا وَقَعَ عِنْد مُسْلِم فِي قِصَّة الْغَامِدِيَّة حَيْثُ قَالَتْ لَمَّا جَاءَتْ " طَهِّرْنِي , فَقَالَ وَيْحك اِرْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي , قَالَتْ : أَرَاك تُرِيد أَنْ تُرَدِّدَنِي كَمَا رَدَّدْت مَاعِزًا إِنَّهَا حُبْلَى مِنْ الزِّنَا " فَلَمْ يُؤَخِّر إِقَامَة الْحَدّ عَلَيْهَا إِلَّا لِكَوْنِهَا حُبْلَى.
فَلَمَّا وَضَعَتْ أَمَرَ بِرَجْمِهَا وَلَمْ يَسْتَفْسِرهَا مَرَّة أُخْرَى وَلَا اِعْتَبَرَ تَكْرِير إِقْرَارهَا وَلَا تَعَدُّد الْمَجَالِس , وَكَذَا وَقَعَ فِي قِصَّة الْعَسِيفِ حَيْثُ قَالَ " وَاغْدُ يَا أُنَيْس إِلَى اِمْرَأَة هَذَا فَإِنْ اِعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا " وَفِيهِ " فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا " وَلَمْ يَذْكُر تَعَدُّد الِاعْتِرَاف وَلَا الْمَجَالِس , وَسَيَأْتِي قَرِيبًا مَعَ شَرْحه مُسْتَوْفًى.
وَأَجَابُوا عَنْ الْقِيَاس الْمَذْكُور بِأَنَّ الْقَتْل لَا يُقْبَل فِيهِ إِلَّا شَاهِدَانِ بِخِلَافِ سَائِر الْأَمْوَال فَيُقْبَل فِيهَا شَاهِد وَامْرَأَتَانِ , فَكَانَ قِيَاس ذَلِكَ أَنْ يُشْتَرَط الْإِقْرَار بِالْقَتْلِ مَرَّتَيْنِ , وَقَدْ اِتَّفَقُوا أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ مَرَّة.
فَإِنْ قُلْت : وَالِاسْتِدْلَال بِمُجَرَّدِ عَدَم الذِّكْر فِي قِصَّة الْعَسِيف وَغَيْره فِيهِ نَظَرٌ , فَإِنَّ عَدَمَ الذِّكْر لَا يَدُلّ عَلَى عَدَمِ الْوُقُوع , فَإِذَا ثَبَتَ كَوْن الْعَدَد شَرْطًا فَالسُّكُوت عَنْ ذِكْره يَحْتَمِل أَنْ يَكُون لِعِلْمِ الْمَأْمُور بِهِ.
وَأَمَّا قَوْل الْغَامِدِيَّة " تُرِيد أَنْ تُرَدِّدَنِي كَمَا رَدَّدْت مَاعِزًا " فَيُمْكِن التَّمَسُّك بِهِ , لَكِنْ أَجَابَ الطِّيبِيُّ بِأَنَّ قَوْلهَا إِنَّهَا حُبْلَى مِنْ الزِّنَا فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ حَالَهَا مُغَايِرَة لِحَالِ مَاعِز , لِأَنَّهُمَا وَإِنْ اِشْتَرَكَا فِي الزِّنَا لَكِنَّ الْعِلَّة غَيْر جَامِعَة لِأَنَّ مَاعِزًا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الرُّجُوع عَنْ إِقْرَاره بِخِلَافِهَا , فَكَأَنَّهَا قَالَتْ أَنَا غَيْرُ مُتَمَكِّنَة مِنْ الْإِنْكَار بَعْد الْإِقْرَار لِظُهُورِ الْحَمْل بِهَا بِخِلَافِهِ.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنهَا أَنْ تَدَّعِيَ إِكْرَاهًا أَوْ خَطَأ أَوْ شُبْهَة.
وَفِيهِ أَنَّ الْإِمَام لَا يُشْتَرَط أَنْ يَبْدَأ بِالرَّجْمِ فِيمَنْ أَقَرَّ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُسْتَحَبًّا لِأَنَّ الْإِمَام إِذَا بَدَأَ مَعَ كَوْنِهِ مَأْمُورًا بِالتَّثَبُّتِ وَالِاحْتِيَاط فِيهِ كَانَ ذَلِكَ أَدْعَى إِلَى الزَّجْر عَنْ التَّسَاهُل فِي الْحُكْم وَإِلَى الْحَضّ عَلَى التَّثَبُّت فِي الْحُكْم , وَلِهَذَا يَبْدَأ الشُّهُود إِذَا ثَبَتَ الرَّجْم بِالْبَيِّنَةِ.
وَفِيهِ جَوَاز تَفْوِيض الْإِمَام إِقَامَةَ الْحَدّ لِغَيْرِهِ , وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَط الْحَفْر لِلْمَرْجُومِ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَر فِي حَدِيث الْبَاب بَلْ وَقَعَ التَّصْرِيح فِي حَدِيث أَبِي سَعِيد عِنْد مُسْلِم فَقَالَ : " فَمَا حَفَرْنَا لَهُ وَلَا أَوْثَقْنَاهُ " وَلَكِنْ وَقَعَ فِي حَدِيث بُرَيْدَةَ عِنْده " فَحُفِرَ لَهُ حَفِيرَة " وَيُمْكِن الْجَمْع بِأَنَّ الْمَنْفِيّ حَفِيرَة لَا يُمْكِنهُ الْوُثُوب مِنْهَا وَالْمُثْبَتُ عَكْسُهُ , أَوْ أَنَّهُمْ فِي أَوَّل الْأَمْر لَمْ يَحْفِرُوا لَهُ ثُمَّ لَمَّا فَرَّ فَأَدْرَكُوهُ حَفَرُوا لَهُ حَفِيرَة فَانْتَصَبَ لَهُمْ فِيهَا حَتَّى فَرَغُوا مِنْهُ.
وَعِنْد الشَّافِعِيَّة لَا يُحْفَر لِلرَّجُلِ وَفِي وَجْه يَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ وَهُوَ أَرْجَحُ لِثُبُوتِهِ فِي قِصَّة مَاعِز فَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي , وَقَدْ جُمِعَ بَيْنهمَا بِمَا دَلَّ عَلَى وُجُود حَفْر فِي الْجُمْلَة , وَفِي الْمَرْأَة أَوْجُه ثَالِثهَا الْأَصَحّ إِنْ ثَبَتَ زِنَاهَا بِالْبَيِّنَةِ اُسْتُحِبَّ لَا بِالْإِقْرَارِ وَعَنْ الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة فِي الْمَشْهُور عَنْهُمْ لَا يُحْفَر , وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَأَبُو ثَوْر يُحْفَر لِلرَّجُلِ وَلِلْمَرْأَةِ.
وَفِيهِ جَوَاز تَلْقِين الْمُقِرّ بِمَا يُوجِب الْحَدّ مَا يَدْفَع بِهِ عَنْهُ الْحَدّ وَأَنَّ الْحَدّ لَا يَجِب إِلَّا بِالْإِقْرَارِ الصَّرِيح , وَمِنْ ثَمَّ شُرِطَ عَلَى مَنْ شَهِدَ بِالزِّنَا أَنْ يَقُول رَأَيْته وَلَجَ ذَكَرُهُ فِي فَرْجِهَا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , وَلَا يَكْفِي أَنْ يَقُول أَشْهَد أَنَّهُ زَنَى , وَثَبَتَ عَنْ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة تَلْقِينُ الْمُقِرّ بِالْحَدِّ كَمَا أَخْرَجَهُ مَالِك عَنْ عَمْرو بْن أَبِي شَيْبَة عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء وَعَنْ عَلِيّ فِي قِصَّة شُرَاحَةَ , وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّ التَّلْقِين بِمَنْ يُظَنّ بِهِ أَنَّهُ يَجْهَل حُكْم الزِّنَا وَهُوَ قَوْل أَبِي ثَوْر , وَعِنْد الْمَالِكِيَّة يُسْتَثْنَى تَلْقِين الْمُشْتَهِر بِانْتِهَاكِ الْحُرُمَات , وَيَجُوز تَلْقِين مَنْ عَدَاهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ.
وَفِيهِ تَرْك سَجْن مَنْ اِعْتَرَفَ بِالزِّنَا فِي مُدَّة الِاسْتِثْبَات وَفِي الْحَامِل حَتَّى تَضَع , وَقِيلَ إِنَّ الْمَدِينَة لَمْ يَكُنْ بِهَا حِينَئِذٍ سِجْنٌ , وَإِنَّمَا كَانَ يُسَلَّمُ كُلُّ جَانٍ لِوَلِيِّهِ , وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : إِنَّمَا لَمْ يَأْمُر بِسَجْنِهِ وَلَا التَّوْكِيل بِهِ لِأَنَّ رُجُوعه مَقْبُول فَلَا فَائِدَة فِي ذَلِكَ مَعَ جَوَاز الْإِعْرَاض عَنْهُ إِذَا رَجَعَ , وَيُؤْخَذ مِنْ قَوْله " هَلْ أَحْصَنْت " وُجُوب الِاسْتِفْسَار عَنْ الْحَال الَّتِي تَخْتَلِف الْأَحْكَام بِاخْتِلَافِهَا.
وَفِيهِ أَنَّ إِقْرَار السَّكْرَان لَا أَثَرَ لَهُ يُؤْخَذ مِنْ قَوْله " اسْتَنْكَهُوهُ " وَاَلَّذِينَ اِعْتَبَرُوهُ وَقَالُوا إِنَّ عَقْله زَالَ بِمَعْصِيَتِهِ , وَلَا دَلَالَة فِي قِصَّة مَاعِز لِاحْتِمَالِ تَقَدُّمهَا عَلَى تَحْرِيم الْخَمْر أَوْ أَنَّ سُكْره وَقَعَ عَنْ غَيْر مَعْصِيَة.
وَفِيهِ أَنَّ الْمُقِرّ بِالزِّنَا إِذَا أَقَرَّ يُتْرَك , فَإِنْ صَرَّحَ بِالرُّجُوعِ فَذَاكَ وَإِلَّا اُتُّبِعَ وَرُجِمَ وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ وَأَحْمَدَ وَدَلَالَته مِنْ قِصَّة مَاعِز ظَاهِرَة , وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث نُعَيْم بْن هَزَّال " هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوب فَيَتُوب اللَّه عَلَيْهِ " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم وَحَسَّنَهُ , وَلِلتِّرْمِذِيِّ نَحْوه مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم أَيْضًا , وَعِنْد أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيث بُرَيْدَةَ قَالَ " كُنَّا أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَتَحَدَّث أَنَّ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ لَوْ رَجَعَا لَمْ يَطْلُبْهُمَا " وَعِنْد الْمَالِكِيَّة فِي الْمَشْهُور لَا يُتْرَكُ إِذَا هَرَبَ , وَقِيلَ يُشْتَرَط أَنْ يُؤْخَذ عَلَى الْفَوْر فَإِنْ لَمْ يُؤْخَذ تُرِكَ , وَعَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ إِنْ أُخِذَ فِي الْحَال كُمِّلَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ أُخِذَ بَعْد أَيَّام تُرِكَ , وَعَنْ أَشْهَبَ إِنْ ذَكَرَ عُذْرًا يُقْبَل تُرِكَ وَإِلَّا فَلَا , وَنَقَلَهُ الْقَعْنَبِيّ عَنْ مَالِك , وَحَكَى الْكَجِّيّ عَنْهُ قَوْلَيْنِ فِيمَنْ رَجَعَ إِلَى شُبْهَة , وَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَهُ بِمَا بَعْد إِقْرَاره عِنْد الْحَاكِم , وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الَّذِينَ رَجَمُوهُ حَتَّى مَاتَ بَعْد أَنْ هَرَبَ لَمْ يُلْزَمُوا بِدِيَتِهِ فَلَوْ شُرِعَ تَرْكه لَوَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الدِّيَة , وَالْجَوَاب أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّح بِالرُّجُوعِ , وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّ حَدَّ الرَّجْم يَسْقُط بِمُجَرَّدِ الْهَرَب , وَقَدْ عَبَّرَ فِي حَدِيث بُرَيْدَةَ بِقَوْلِهِ " لَعَلَّهُ يَتُوب " وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى الِاكْتِفَاء بِالرَّجْمِ فِي حَدِّ مَنْ أُحْصِرَ مِنْ غَيْر جَلْد وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْث فِيهِ , وَأَنَّ الْمُصَلَّى إِذَا لَمْ يَكُنْ وَقْفًا لَا يَثْبُت لَهُ حُكْم الْمَسْجِد وَسَيَأْتِي الْبَحْث فِيهِ بَعْد بَابَيْنِ , وَأَنَّ الْمَرْجُوم فِي الْحَدّ لَا تُشْرَع الصَّلَاة عَلَيْهِ إِذَا مَاتَ بِالْحَدِّ وَيَأْتِي الْبَحْث فِيهِ أَيْضًا قَرِيبًا , وَأَنَّ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ رِيحُ الْخَمْر وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدّ مِنْ جِهَة اِسْتِنْكَاه مَاعِز بَعْد أَنْ قَالَ لَهُ أَشَرِبْت خَمْرًا ؟ قَالَ الْقُرْطُبِيّ : وَهُوَ قَوْل مَالِك وَالشَّافِعِيّ كَذَا قَالَ , وَقَالَ الْمَازِرِيّ اِسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضهمْ عَلَى أَنَّ طَلَاق السَّكْرَان لَا يَقَع وَتَعَقَّبَهُ عِيَاض بِأَنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ دَرْء الْحَدّ بِهِ أَنَّهُ لَا يَقَع طَلَاقه لِوُجُودِ تُهْمَته عَلَى مَا يُظْهِرهُ مِنْ عَدَمِ الْعَقْلِ , قَالَ وَلَمْ يُخْتَلَف فِي غَيْر الطَّافِح أَنَّ طَلَاقه لَازِم , قَالَ وَمَذْهَبنَا اِلْتِزَامه بِجَمِيعِ أَحْكَام الصَّحِيح لِأَنَّهُ أَدْخَلَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسه وَهُوَ حَقِيقَة مَذْهَب الشَّافِعِيّ , وَاسْتَثْنَى مَنْ أُكْرِهَ وَمَنْ شَرِبَ مَا ظَنَّ أَنَّهُ غَيْر مُسْكِر وَوَافَقَهُ بَعْض مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيَّة , وَقَالَ النَّوَوِيّ : الصَّحِيح عِنْدنَا صِحَّة إِقْرَار السَّكْرَان وَنُفُوذ أَقْوَاله فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ , قَالَ : وَالسُّؤَال عَنْ شُرْبِهِ الْخَمْرَ مَحْمُول عِنْدنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ سَكْرَانًا لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ كَذَا أَطْلَقَ فَأَلْزَمَ التَّنَاقُضَ , وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ مُرَاده لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدّ لِوُجُودِ الشُّبْهَة كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَام عِيَاض.
قُلْت : وَقَدْ مَضَى مَا يَتَعَلَّق بِذَلِكَ فِي كِتَاب , الطَّلَاق , وَمِنْ الْمَذَاهِب الظَّرِيفَة فِيهِ قَوْل اللَّيْث : يُعْمَل بِأَفْعَالِهِ وَلَا يُعْمَل بِأَقْوَالِهِ لِأَنَّهُ يَلْتَذّ بِفِعْلِهِ وَيَشْفِي غَيْظه وَلَا يَفْقَه أَكْثَرَ مَا يَقُول وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ( لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاة وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ).


حديث أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فناداه فقال يا رسول

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏اللَّيْثُ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عُقَيْلٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ شِهَابٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي سَلَمَةَ ‏ ‏وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏أَتَى ‏ ‏رَجُلٌ ‏ ‏رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَنَادَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي زَنَيْتُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى رَدَّدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَقَالَ أَبِكَ جُنُونٌ قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ أَحْصَنْتَ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏ابْنُ شِهَابٍ ‏ ‏فَأَخْبَرَنِي ‏ ‏مَنْ ‏ ‏سَمِعَ ‏ ‏جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏فَكُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى فَلَمَّا ‏ ‏أَذْلَقَتْهُ ‏ ‏الْحِجَارَةُ هَرَبَ فَأَدْرَكْنَاهُ ‏ ‏بِالْحَرَّةِ ‏ ‏فَرَجَمْنَاهُ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث صحيح البخاري

هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش واحتجبي منه يا س...

عن ‌عائشة رضي الله عنها قالت: «اختصم سعد وابن زمعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش، واحتجبي منه يا سودة.» زاد لنا ق...

الولد للفراش وللعاهر الحجر

عن أبي هريرة : قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش وللعاهر الحجر.»

أتي رسول الله ﷺ بيهودي ويهودية قد أحدثا جميعا

عن ‌ابن عمر رضي الله عنهما قال: «أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودي ويهودية قد أحدثا جميعا، فقال لهم: ما تجدون في كتابكم.<br> قالوا: إن أحبارنا أ...

أمر به النبي ﷺ فرجم بالمصلى فلما أذلقته الحجارة فر

عن جابر: أن رجلا من أسلم، جاء النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم حتى شهد على نفسه أربع مرات، قال له النبي صلى...

رجل وقع بامرأته في رمضان فاستفتى رسول الله ﷺ

عن ‌ابن شهاب، عن ‌حميد بن عبد الرحمن، عن ‌أبي هريرة رضي الله عنه: «أن رجلا وقع بامرأته في رمضان، فاستفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل تجد رق...

أليس قد صليت معنا قال نعم قال فإن الله قد غفر لك ذ...

عن ‌أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدا فأقمه علي، قال: ولم يسأله عنه، قال: وحض...

لما أتى ماعز بن مالك النبي ﷺ قال له لعلك قبلت أو...

عن ‌ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لما أتى ماعز بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم قال له: لعلك قبلت، أو غمزت، أو نظرت قال: لا يا رسول الله، قال: أنكتها...

أحصنت قال نعم يا رسول الله قال اذهبوا به فارجموه

عن أبي هريرة قال: «أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من الناس وهو في المسجد، فناداه: يا رسول الله، إني زنيت، يريد نفسه، فأعرض عنه النبي صلى الله عل...

إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته فافتديت منه...

و 6828- عن أبي هريرة ‌وزيد بن خالد قالا: «كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقام رجل فقال: أنشدك الله إلا قضيت بيننا بكتاب الله، فقام خصمه، وكان أفقه م...