حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

أوصيك بتقوى الله واتباع سنة نبيه وعليك بلزوم السنة فإنها لك عصمة - سنن أبي داود

سنن أبي داود | كتاب السنة باب لزوم السنة (حديث رقم: 4612 )


4612- عن أبي الصلت وهذا لفظ حديث ابن كثير ومعناهم، قال: كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر، فكتب: " أما بعد، أوصيك بتقوى الله، والاقتصاد في أمره، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنته، وكفوا مؤنته، فعليك بلزوم السنة فإنها لك - بإذن الله - عصمة، ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة إلا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها أو عبرة فيها، فإن السنة إنما سنها من قد علم ما في خلافها - ولم يقل ابن كثير من قد علم من - الخطإ والزلل والحمق والتعمق، فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم، فإنهم على علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، وهم على كشف الأمور كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه أولى، فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه ولئن قلتم إنما حدث بعدهم ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم ورغب بنفسه عنهم، فإنهم هم السابقون، فقد تكلموا فيه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم من مقصر، وما فوقهم من محسر، وقد قصر قوم دونهم فجفوا، وطمح عنهم أقوام فغلوا، وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم، كتبت تسأل عن الإقرار بالقدر فعلى الخبير - بإذن الله - وقعت، ما أعلم ما أحدث الناس من محدثة، ولا ابتدعوا من بدعة هي أبين أثرا ولا أثبت أمرا من الإقرار بالقدر، لقد كان ذكره في الجاهلية الجهلاء يتكلمون به في كلامهم وفي شعرهم، يعزون به أنفسهم على ما فاتهم، ثم لم يزده الإسلام بعد إلا شدة، ولقد ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير حديث ولا حديثين، وقد سمعه منه المسلمون فتكلموا به في حياته وبعد وفاته، يقينا وتسليما لربهم، وتضعيفا لأنفسهم، أن يكون شيء لم يحط به علمه، ولم يحصه كتابه، ولم يمض فيه قدره، وإنه مع ذلك لفي محكم كتابه: منه اقتبسوه، ومنه تعلموه، ولئن قلتم لم أنزل الله آية كذا لم قال كذا لقد قرءوا منه ما قرأتم، وعلموا من تأويله ما جهلتم، وقالوا بعد ذلك: كله بكتاب وقدر، وكتبت الشقاوة، وما يقدر يكن، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا نملك لأنفسنا ضرا ولا نفعا، ثم رغبوا بعد ذلك ورهبوا "

أخرجه أبو داوود


ابن كثير: هو محمد بن كثير العبدي، وسفيان: هو الثوري.
وأخرجه أبو بكر الآجري في "الشريعة" ص ٢٣٣ من طريق مؤمل بن إسماعيل، عن سفيان الثوري، قال: حدثني شيخ -قال مؤمل: زعموا أنه أبو رجاء الخراساني- أن عدي بن أرطاة كتب إلى عمر بن عبد العزيز .
فذكر نحوه.
وأخرجه أيضا ص ٢٣٤ من طريق أبي داود الحفري، عن أبي رجاء قال: كتب عامل لعمر بن عبد العزيز يساله عن القدر .
مقصر بمعنى تقصيبر، ومحسر من حسر البصر حسورا إذا كل وانقطع، والمراد أن الإفراط والتفريط يكون صاحبه على غير هدى مستقيم.

شرح حديث (أوصيك بتقوى الله واتباع سنة نبيه وعليك بلزوم السنة فإنها لك عصمة)

عون المعبود على شرح سنن أبي داود: أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي

‏ ‏( يَسْأَلهُ عَنْ الْقَدَر ) ‏ ‏: بِفَتْحَتَيْنِ هُوَ الْمَشْهُور وَقَدْ يُسَكَّن الدَّال ‏ ‏( أَخْبَرَنَا حَمَّاد بْن دُلَيْل ) ‏ ‏: بِالتَّصْغِيرِ ‏ ‏( فَكَتَبَ ) ‏ ‏: أَيْ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز ‏ ‏( أَمَّا بَعْد أُوصِيك ) ‏ ‏: أَيّهَا الْمُخَاطَب الَّذِي سَأَلْتنِي عَنْ الْقَدَر ‏ ‏( بِتَقْوَى اللَّه وَالِاقْتِصَاد ) ‏ ‏: أَيْ التَّوَسُّط بَيْن الْإِفْرَاط وَالتَّفْرِيط ‏ ‏( فِي أَمْره ) ‏ ‏: أَيْ أَمْر اللَّه أَوْ الِاسْتِقَامَة فِي أَمْره ‏ ‏( وَ ) : أُوصِيك ( اِتِّبَاع ) ‏ ‏: أَيْ بِاتِّبَاعِ ‏ ‏( سُنَّة نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرْك مَا أَحْدَثَ الْمُحْدِثُونَ ) ‏ ‏: بِكَسْرِ الدَّال أَيْ اِبْتَدَعَ الْمُبْتَدِعُونَ.
‏ ‏وَالْحَاصِل أَنَّهُ أَوْصَاهُ بِأُمُورٍ أَرْبَعَة : أَنْ يَتَّقِي اللَّه تَعَالَى , وَأَنْ يَقْتَصِد أَيْ يَتَوَسَّط بَيْن الْإِفْرَاط وَالتَّفْرِيط فِي أَمْر اللَّه أَيْ فِيمَا أَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى لَا يَزِيد عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَنْقُص مِنْهُ , وَأَنْ يَسْتَقِيم فِيمَا أَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى لَا يَرْغَب عَنْهُ إِلَى الْيَمِين وَلَا إِلَى الْيَسَار , وَأَنْ يَتَّبِع سُنَّة نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَرِيقَته , وَأَنْ يَتْرُك مَا اِبْتَدَعَهُ الْمُبْتَدِعُونَ ‏ ‏( بَعْدَمَا جَرَتْ بِهِ سُنَّته وَكُفُوا مُؤْنَته ) ‏ ‏: ظَرْف لِأَحْدَثَ , وَقَوْله كُفُوا بِصِيغَةِ الْمَاضِي الْمَجْهُول مِنْ الْكِفَايَة , وَالْمُؤْنَة الثِّقَل , يُقَال كَفَى فُلَانًا مُؤْنَته أَيْ قَامَ بِهَا دُونه فَأَغْنَاهُ عَنْ الْقِيَام بِهَا.
‏ ‏فَمَعْنَى كُفُوا مُؤْنَته أَيْ كَفَاهُمْ اللَّه تَعَالَى مُؤْنَة مَا أَحْدَثُوا أَيْ أَغْنَاهُمْ اللَّه تَعَالَى عَنْ أَنْ يَحْمِلُوا عَلَى ظُهُورهمْ ثِقَل الْإِحْدَاث وَالِابْتِدَاع , فَإِنَّهُ تَعَالَى قَدْ أَكْمَلَ لِعِبَادِهِ دِينهمْ وَأَتَمَّ عَلَيْهِمْ نِعْمَته وَرَضِيَ لَهُمْ الْإِسْلَام دِينًا فَلَمْ يَتْرُك إِلَيْهِمْ حَاجَة لِلْعِبَادِ فِي أَنْ يُحْدِثُوا لَهُمْ فِي دِينهمْ أَيْ يَزِيدُوا عَلَيْهِ شَيْئًا أَوْ يَنْقُصُوا مِنْهُ شَيْئًا , وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " شَرّ الْأُمُور مُحْدَثَاتهَا " ‏ ‏( فَعَلَيْك ) ‏ ‏: أَيّهَا الْمُخَاطَب ‏ ‏( بِلُزُومِ السُّنَّة ) ‏ ‏: أَيْ سُنَّة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَرِيقَته ‏ ‏( فَإِنَّهَا ) ‏ ‏: أَيْ السُّنَّة أَيْ لُزُومهَا ‏ ‏( لَك بِإِذْنِ اللَّه عِصْمَة ) ‏ ‏: مِنْ الضَّلَالَة وَالْمُهْلِكَات وَعَذَاب اللَّه تَعَالَى وَنِقْمَته ‏ ‏( ثُمَّ اِعْلَمْ ) ‏ ‏: أَيّهَا الْمُخَاطَب ‏ ‏( أَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِع النَّاس بِدْعَة إِلَّا قَدْ مَضَى ) ‏ ‏: فِي الْكِتَاب أَوْ السُّنَّة ‏ ‏( قَبْلهَا ) ‏ ‏: أَيْ قَبْل تِلْكَ الْبِدْعَة ‏ ‏( مَا هُوَ دَلِيل عَلَيْهَا ) ‏ ‏: أَيْ عَلَى تِلْكَ الْبِدْعَة أَيْ عَلَى أَنَّهَا بِدْعَة وَضَلَالَة ‏ ‏( أَوْ ) ‏ ‏: مَضَى فِي الْكِتَاب أَوْ السُّنَّة قَبْلهَا مَا هُوَ ‏ ‏( عِبْرَة فِيهَا ) ‏ ‏: أَيْ فِي تِلْكَ الْبِدْعَة أَيْ فِي أَنَّهَا بِدْعَة وَضَلَالَة.
‏ ‏وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ‏ ‏( فَإِنَّ السُّنَّة إِنَّمَا سَنَّهَا ) ‏ ‏: أَيْ وَضَعَهَا ‏ ‏( مَنْ ) ‏ ‏: هُوَ اللَّه تَعَالَى , أَوْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏( قَدْ عَلِمَ مَا فِي خِلَافهَا ) ‏ ‏: أَيْ خِلَاف السُّنَّة أَيْ الْبِدْعَة ‏ ‏( وَلَمْ يَقُلْ اِبْن كَثِير ) ‏ ‏: هُوَ مُحَمَّد أَحَد شُيُوخ الْمُؤَلِّف فِي هَذَا الْحَدِيث لَفْظ ‏ ‏( مَنْ قَدْ عَلِمَ ) ‏ ‏: وَإِنَّمَا قَالَهُ الرَّبِيع وَهَنَّاد , وَأَمَّا مُحَمَّد بْن كَثِير فَقَالَ مَكَانه لَفْظًا آخَر بِمَعْنَاهُ وَلَمْ يَذْكُر الْمُؤَلِّف ذَلِكَ اللَّفْظ وَاَللَّه أَعْلَم ‏ ‏( مِنْ الْخَطَأ وَالزَّلَل وَالْحُمْق وَالتَّعَمُّق ) ‏ ‏: بَيَان لِمَا فِي خِلَافهَا , فَإِذَا كَانَتْ السُّنَّة إِنَّمَا سَنَّهَا وَوَضَعَهَا مَنْ قَدْ عَلِمَ مَا فِي خِلَافهَا مِنْ الْخَطَأ وَالزَّلَل وَالْحُمْق وَالتَّعَمُّق وَهُوَ اللَّه تَعَالَى أَوْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْف يُتْرَك بَيَان مَا فِي خِلَافهَا فِي كِتَابه أَوْ سُنَّة نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا مِمَّا لَا يَصِحّ وَالتَّعَمُّق الْمُبَالَغَة فِي الْأَمْر.
‏ ‏قَالَ فِي النِّهَايَة : الْمُتَعَمِّق الْمُبَالِغ فِي الْأَمْر الْمُتَشَدَّد فِيهِ الَّذِي يَطْلُب أَقْصَى غَايَته.
اِنْتَهَى ‏ ‏( فَارْضَ لِنَفْسِك مَا رَضِيَ بِهِ الْقَوْم ) ‏ ‏: أَيْ الطَّرِيقَة الَّتِي رَضِيَ بِهَا السَّلَف الصَّالِحُونَ أَيْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه ‏ ‏( لِأَنْفُسِهِمْ ) ‏ ‏: عَلَى مَا وَرَدَ فِي حَدِيث اِفْتِرَاق الْأُمَّة عَلَى ثَلَاث وَسَبْعِينَ مِلَّة مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي , وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ ‏ ‏( فَإِنَّهُمْ ) ‏ ‏: أَيْ الْقَوْم الْمَذْكُورِينَ ‏ ‏( عَلَى عِلْم ) ‏ ‏: عَظِيم عَلَى مَا يُفِيدهُ التَّنْكِير مُتَعَلِّق بِقَوْلِهِ ‏ ‏( وَقَفُوا ) ‏ ‏: أَيْ اِطَّلَعُوا.
وَقَوْله ‏ ‏( بِبَصَرٍ نَافِذ ) ‏ ‏: أَيْ مَاضٍ فِي الْأُمُور مُتَعَلِّق بِقَوْلِهِ ‏ ‏( كَفُّوا ) ‏ ‏: بِصِيغَةِ الْمَعْرُوف مِنْ بَاب نَصَرَ أَيْ مَنَعُوا عَمَّا مَنَعُوا مِنْ الْإِحْدَاث وَالِابْتِدَاع ‏ ‏( وَلَهُمْ ) ‏ ‏: بِفَتْحِ لَام الِابْتِدَاء لِلتَّأْكِيدِ وَالضَّمِير لِلسَّلَفِ الصَّالِحِينَ ‏ ‏( عَلَى كَشْف الْأُمُور ) ‏ ‏: أَيْ أُمُور الدِّين مُتَعَلِّق بِقَوْلِهِ ‏ ‏( أَقْوَى ) ‏ ‏: قُدِّمَ عَلَيْهِ لِلِاهْتِمَامِ أَيْ هُمْ أَشَدّ قُوَّة عَلَى كَشْف أُمُور الدِّين مِنْ الْخَلَف وَكَذَا قَوْله ‏ ‏( وَبِفَضْلِ مَا كَانُوا ) ‏ ‏: أَيْ السَّلَف الصَّالِحُونَ ‏ ‏( فِيهِ ) ‏ ‏: مِنْ أَمْر الدِّين مُتَعَلِّق بِقَوْلِهِ ‏ ‏( أَوْلَى ) ‏ ‏: قُدِّمَ عَلَيْهِ لِمَا ذُكِرَ أَيْ هُمْ أَحَقّ بِفَضْلِ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ الْخَلَف.
وَإِذَا كَانَ الْأَمْر كَذَلِكَ فَاخْتَرْ لِنَفْسِك مَا اِخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الطَّرِيق الْقَوِيم ‏ ‏( فَإِنْ كَانَ الْهُدَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ ) ‏ ‏: أَيْ الطَّرِيقَة الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا أَيّهَا الْمُحْدِثُونَ الْمُبْتَدِعُونَ ‏ ‏( لَقَدْ سَبَقْتُمُوهُمْ إِلَيْهِ ) ‏ ‏: أَيْ إِلَى الْهُدَى وَتَقَدَّمْتُمُوهُمْ وَخَلَفْتُمُوهُمْ وَهَذَا صَرِيح الْبُطْلَان , فَإِنَّ السَّلَف الصَّالِحِينَ هُمْ الَّذِينَ سَبَقُوكُمْ إِلَى الْهُدَى لَا أَنْتُمْ سَبَقْتُمُوهُمْ إِلَيْهِ , فَثَبَتَ أَنَّ الْهُدَى لَيْسَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ.
‏ ‏وَقَوْله لَقَدْ سَبَقْتُمُوهُمْ إِلَيْهِ جَوَاب الْقَسَم الْمُقَدَّر , وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا تَقَدَّمَ الْقَسَم أَوَّل الْكَلَام ظَاهِرًا أَوْ مُقَدَّرًا وَبَعْده كَلِمَة الشَّرْط فَالْأَكْثَر وَالْأَوْلَى اِعْتِبَار الْقَسَم دُون الشَّرْط فَيَجْعَل الْجَوَاب لِلْقَسَمِ وَيَسْتَغْنِي عَنْ جَوَاب الشَّرْط لِقِيَامِ جَوَاب الْقَسَم مَقَامه , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ } وَقَوْله تَعَالَى { وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } ‏ ‏{ وَلَئِنْ قُلْتُمْ } ‏ ‏: أَيّهَا الْمُحْدِثُونَ الْمُبْتَدِعُونَ فِيمَا حَدَّثَ بَعْد السَّلَف الصَّالِحِينَ ‏ ‏( إِنَّ مَا حَدَثَ ) ‏ ‏: مَا مَوْصُوله أَيْ الشَّيْء الَّذِي حَدَثَ ‏ ‏( بَعْدهمْ ) ‏ ‏: أَيْ بَعْد السَّلَف الصَّالِحِينَ ‏ ‏( مَا أَحْدَثَهُ ) ‏ ‏: مَا نَافِيَة أَيْ لَمْ يُحْدِث ذَلِكَ الشَّيْء ‏ ‏( إِلَّا مَنْ اِتَّبَعَ غَيْر سَبِيلهمْ ) ‏ ‏: أَيْ سَبِيل السَّلَف الصَّالِحِينَ ‏ ‏( وَرَغِبَ بِنَفْسِهِ عَنْهُمْ ) ‏ ‏: أَيْ عَنْ السَّلَف الصَّالِحِينَ وَهُوَ مَعْطُوف عَلَى اِتَّبَعَ , أَيْ فَضَّلَ نَفْسه عَلَيْهِمْ.
‏ ‏وَالْحَاصِل أَنَّكُمْ إِنْ قُلْتُمْ إِنَّ الْحَادِث بَعْد السَّلَف الصَّالِحِينَ لَيْسَ بِضَلَالٍ بَلْ هُوَ الْهُدَى وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِسَبِيلِهِمْ.
وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف تَقْدِيره فَذَلِكَ بَاطِل غَيْر صَحِيح.
‏ ‏وَقَوْله ‏ ‏( فَإِنَّهُمْ ) ‏ ‏: أَيْ السَّلَف ‏ ‏( هُمْ السَّابِقُونَ ) ‏ ‏: إِلَى الْهُدَى عِلَّة لِلْجَوَابِ الْمَحْذُوف قَائِمَة مَقَامه.
وَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون هَذَا جَوَابًا لِلشَّرْطِ , فَإِنَّ كَوْن السَّلَف هُمْ السَّابِقِينَ مُتَحَقِّق الْمُضِيّ وَالْجَزَاء لَا يَكُون إِلَّا مُسْتَقْبَلًا ‏ ‏( فَقَدْ تَكَلَّمُوا ) ‏ ‏: أَيْ السَّلَف ‏ ‏( فِيهِ ) ‏ ‏: أَيْ فِيمَا يُحْتَاج إِلَيْهِ مِنْ أَمْر الدِّين ‏ ‏( بِمَا يَكْفِي ) ‏ ‏: لِلْخَلَفِ ‏ ‏( وَوَصَفُوا ) ‏ ‏: أَيْ بَيَّنُوا السَّلَف ‏ ‏( مِنْهُ ) ‏ ‏: أَيْ مِمَّا يُحْتَاج إِلَيْهِ مِنْ أَمْر الدِّين ‏ ‏( مَا يَشْفِي ) ‏ ‏: لِلْخَلَفِ ‏ ‏( فَمَا دُونهمْ ) ‏ ‏: أَيْ فَلَيْسَ دُون السَّلَف الصَّالِحِينَ أَنَّ تَحْتهمْ أَيْ تَحْت قَصْرهمْ ‏ ‏( مِنْ مَقْصَر ) ‏ ‏: مَصْدَر مِيمِيّ أَوْ اِسْم طَرَف , أَيْ حَبَسَ أَوْ مَحَلّ حَبْس مَنْ قَصَرَ الشَّيْء قَصْرًا أَيْ حَبَسَهُ ‏ ‏( وَمَا فَوْقهمْ ) ‏ ‏: أَيْ وَلَيْسَ فَوْقهمْ أَيْ فَوْق حَسْرهمْ ‏ ‏( مِنْ مَحْسَر ) ‏ ‏: مَصْدَر مِيمِيّ أَوْ اِسْم ظَرْف أَيْضًا , أَيْ كَشَفَ أَوْ مَحَلّ كَشْف مِنْ حَسِرَ الشَّيْء حَسَرًا أَيْ كَشَفَهُ , يُقَال حَسِرَ كُمّه مِنْ ذِرَاعه أَيْ كَشَفَهَا , وَحَسِرَتْ الْجَارِيَة خِمَارهَا مِنْ وَجْههَا أَيْ كَشَفَتْهُ.
‏ ‏وَحَاصِله أَنَّ السَّلَف الصَّالِحِينَ قَدْ حَبَسُوا أَنْفُسهمْ عَنْ كَشْف مَا لَمْ يُحْتَجْ إِلَى كَشْفه مِنْ أَمْر الدِّين حَبْسًا لَا مَزِيد عَلَيْهِ , وَكَذَلِكَ كَشَفُوا مَا اُحْتِيجَ إِلَى كَشْفه مِنْ أَمْر الدِّين كَشْفًا لَا مَزِيد عَلَيْهِ ‏ ‏( وَقَدْ قَصَّرَ ) ‏ ‏: مِنْ التَّقْصِير ‏ ‏( قَوْم دُونهمْ ) ‏ ‏: أَيْ دُون قَصْر السَّلَف الصَّالِحِينَ , أَيْ قَصَرُوا قَصْرًا أَزْيَدَ مِنْ قَصْرهمْ ‏ ‏( فَجَفَوْا ) ‏ ‏: أَيْ لَمْ يَلْزَمُوا مَكَانهمْ الْوَاجِب قِيَامهمْ فِيهِ , مِنْ جَفَا جَفَاء إِذَا لَمْ يَلْزَم مَكَانه , أَيْ اِنْحَدَرُوا وَانْحَطُّوا مِنْ عُلُوّ إِلَى سُفْل بِهَذَا الْفِعْل وَهُوَ زِيَادَة الْقَصْر ‏ ‏( وَطَمَحَ ) ‏ ‏: أَيْ اِرْتَفَعَ مِنْ طَمَحَ بَصَره إِذَا اِرْتَفَعَ وَكُلّ مُرْتَفِع طَامِح ‏ ‏( عَنْهُمْ ) ‏ ‏: أَيْ السَّلَف ‏ ‏( أَقْوَام ) ‏ ‏: أَيْ اِرْتَفَعُوا عَنْهُمْ فِي الْكَشْف , أَيْ كَشَفُوا كَشْفًا أَزْيَدَ مِنْ كَشْفهمْ ‏ ‏( فَغَلَوْا ) ‏ ‏: فِي الْكَشْف أَيْ شَدَّدُوا حَتَّى جَاوَزُوا فِيهِ الْحَدّ , فَهَؤُلَاءِ قَدْ أَفْرَطُوا وَأَسْرَفُوا فِي الْكَشْف كَمَا أَنَّ أُولَئِكَ قَدْ فَرَّطُوا وَقَتَرُوا فِيهِ ‏ ‏( وَإِنَّهُمْ ) ‏ ‏: أَيْ السَّلَف ‏ ‏( بَيْن ذَلِكَ ) ‏ ‏: أَيْ بَيْن الْقَصْر وَالطَّمْح أَيْ بَيْن الْإِفْرَاط وَالتَّفْرِيط ‏ ‏( لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيم ) ‏ ‏: يَعْنِي أَنَّ السَّلَف لَعَلَى طَرِيق مُسْتَقِيم , وَهُوَ الِاقْتِصَاد وَالتَّوَسُّط بَيْن الْإِفْرَاط وَالتَّفْرِيط , لَيْسُوا بِمُفَرِّطِينَ كَالْقَوْمِ الْقَاسِرِينَ دُونهمْ وَلَا بِمُفَرِّطِينَ , كَالْأَقْوَامِ الطَّامِحِينَ عَنْهُمْ.
‏ ‏( كَتَبْت تَسْأَل ) ‏ ‏: أَيّهَا الْمُخَاطَب ‏ ‏( عَنْ الْإِقْرَار بِالْقَدَرِ ) ‏ ‏: هَلْ هُوَ سُنَّة أَوْ بِدْعَة ‏ ‏( فَعَلَى الْخَبِير ) ‏ ‏: أَيْ الْعَارِف بِخَبَرِهِ ‏ ‏( بِإِذْنِ اللَّه ) ‏ ‏: تَعَالَى ‏ ‏( وَقَعْت ) ‏ ‏: أَيْ سَأَلْت بِإِذْنِ اللَّه تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ الْإِقْرَار مَنْ هُوَ عَارِف بِخَبَرِ ذَلِكَ الْإِقْرَار , يُرِيد بِذَلِكَ نَفْسه ‏ ‏( مَا أَعْلَم مَا أَحْدَثَ النَّاس ) ‏ ‏: مَفْعُول أَوَّل لِأَعْلَم ‏ ‏( مِنْ مُحْدِثَة ) ‏ ‏: بَيَان لِمَا أَحْدَثَهُ النَّاس ‏ ‏( وَلَا اِبْتَدَعُوا مِنْ بِدْعَة ) ‏ ‏: عَطْف تَفْسِير عَلَى أَحْدَثَ النَّاس مِنْ مُحْدَثَة ‏ ‏( هِيَ ) ‏ ‏: فَصْل بَيْن مَفْعُولَيْ أَعْلَم ‏ ‏( أَبْيَن أَثَرًا ) ‏ ‏: مَفْعُول ثَانٍ لَهُ ‏ ‏( وَلَا أَثْبَت أَمْرًا ) ‏ ‏: عَطْف عَلَى أَبْيَن أَثَرًا ‏ ‏( مِنْ الْإِقْرَار بِالْقَدَرِ ) ‏ ‏: مُتَعَلِّق بِأَبْيَن وَأَثْبَت عَلَى التَّنَازُع.
‏ ‏يَقُول : إِنَّ الْإِقْرَار بِالْقَدَرِ هُوَ أَبْيَن أَثَرًا وَأَثْبَت أَمْرًا فِي عِلْمِي مِنْ كُلّ مَا أَحْدَثَهُ النَّاس مِنْ مُحْدَثَة وَابْتَدَعُوهُ مِنْ بِدْعَة لَا أَعْلَم شَيْئًا مِمَّا أَحْدَثُوهُ وَابْتَدَعُوهُ أَبْيَن أَثَرًا وَأَثْبَت أَمْرًا مِنْهُ , أَيْ مِنْ الْإِقْرَار بِالْقَدَرِ , وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْإِقْرَار بِالْقَدَرِ مُحْدَثًا وَبِدْعَة لُغَة نَظَرًا إِلَى تَأْلِيفه وَتَدْوِينه فَإِنَّ تَأْلِيفه وَتَدْوِينه مُحْدَث وَبِدْعَة لُغَة بِلَا رَيْب.
فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُدَوِّنهُ وَلَا أَحَد مِنْ أَصْحَابه وَلَمْ يُسَمِّهِ مُحْدَثًا وَبِدْعَة بِاعْتِبَارِ نَفْسه وَذَاته , فَإِنَّهُ بِاعْتِبَارِ نَفْسه وَذَاته سُنَّة ثَابِتَة لَيْسَ بِبِدْعَةٍ أَصْلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِيمَا بَعْد ‏ ‏( لَقَدْ كَانَ ذَكَرَهُ ) ‏ ‏: أَيْ الْإِقْرَار بِالْقَدَرِ ‏ ‏( فِي الْجَاهِلِيَّة ) ‏ ‏: أَيْ قَبْل الْإِسْلَام ‏ ‏( الْجُهَلَاء ) ‏ ‏: بِالرَّفْعِ فَاعِل ذَكَرَ ‏ ‏( يَتَكَلَّمُونَ بِهِ ) ‏ ‏: أَيْ بِالْإِقْرَارِ بِالْقَدَرِ ‏ ‏( فِي كَلَامهمْ ) ‏ ‏: الْمَنْثُور ‏ ‏( وَفِي شِعْرهمْ ) ‏ ‏: أَيْ كَلَامهمْ الْمَنْظُوم ‏ ‏( يُعَزُّونَ ) ‏ ‏: مِنْ التَّعْزِيَة وَهُوَ التَّسْلِيَة وَالتَّصْبِير أَيْ يُسَلُّونَ وَيُصَبِّرُونَ ‏ ‏( بِهِ ) ‏ ‏: أَيْ بِالْإِقْرَارِ بِالْقَدَرِ ‏ ‏( أَنْفُسهمْ عَلَى مَا فَاتَهُمْ ) ‏ ‏: فِي نِعَمه ‏ ‏( ثُمَّ لَمْ يَزِدْهُ ) ‏ ‏أَيْ الْإِقْرَار بِالْقَدَرِ ‏ ‏( الْإِسْلَام بَعْد ) ‏ ‏: مَبْنِيّ عَلَى الضَّمّ أَيْ بَعْد الْجَاهِلِيَّة ‏ ‏( إِلَّا شِدَّة ) ‏ ‏: وَإِحْكَامًا حَيْثُ فَرَضَهُ عَلَى الْعِبَاد ‏ ‏( وَلَقَدْ ذَكَرَهُ ) ‏ ‏: أَيْ الْإِقْرَار بِالْقَدَرِ ‏ ‏( رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْر حَدِيث وَلَا حَدِيثَيْنِ ) ‏ ‏: بَلْ فِي أَحَادِيث كَثِيرَة ‏ ‏( وَقَدْ سَمِعَهُ ) ‏ ‏: أَيْ الْإِقْرَار بِالْقَدَرِ ‏ ‏( مِنْهُ ) ‏ ‏: صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏( الْمُسْلِمُونَ ) ‏ ‏: أَيْ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ ‏ ‏( فَتَكَلَّمُوا ) ‏ ‏: أَيْ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ ‏ ‏( بِهِ ) ‏ ‏: أَيْ بِالْإِقْرَارِ بِالْقَدَرِ ‏ ‏( فِي حَيَاته وَبَعْد وَفَاته ) ‏ ‏: صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏( يَقِينًا وَتَسْلِيمًا لِرَبِّهِمْ وَتَضْعِيفًا لِأَنْفُسِهِمْ ) ‏ ‏: قَالَ فِي الْقَامُوس : ضَعَّفَهُ تَضْعِيفًا عِدَّة تَضْعِيفًا ‏ ‏( أَنْ يَكُون شَيْء ) ‏ ‏: مِنْ الْأَشْيَاء ‏ ‏( لَمْ يُحِطْ ) ‏ ‏مِنْ الْإِحَاطَة ‏ ‏( بِهِ ) ‏ ‏: أَيْ بِذَلِكَ الشَّيْء ‏ ‏( عِلْمه ) ‏ ‏: أَيْ عِلْم اللَّه تَعَالَى ‏ ‏( وَلَمْ يُحْصِهِ ) ‏ ‏: أَيْ ذَلِكَ الشَّيْء مِنْ الْإِحْصَاء وَهُوَ الْعَدّ وَالضَّبْط أَيْ لَمْ يَضْبِطهُ ‏ ‏( كِتَابه ) ‏ ‏: أَيْ كِتَاب اللَّه تَعَالَى وَهُوَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ ‏ ‏( وَلَمْ يَمْضِ ) ‏ ‏: أَيْ لَمْ يَنْفُذ ‏ ‏( فِيهِ ) ‏ ‏: أَيْ فِي ذَلِكَ الشَّيْء ‏ ‏( قَدَره ) ‏ ‏: أَيْ قَدَر اللَّه تَعَالَى.
‏ ‏وَالْحَاصِل أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَيْ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ أَقَرُّوا بِالْقَدَرِ وَتَيَقَّنُوا بِهِ وَسَلَّمُوا ذَلِكَ لِرَبِّهِمْ وَضَعَّفُوا أَنْفُسهمْ أَيْ اِسْتَحَالُوا أَنْ يَكُون شَيْء مِنْ الْأَشْيَاء مِمَّا عَزَبَ وَغَابَ عَنْ عِلْمه تَعَالَى لَمْ يُحِطْ بِهِ عِلْمه تَعَالَى وَلَمْ يَضْبِطهُ كِتَابه وَلَمْ يَنْفُذ فِيهِ أَمْره ‏ ‏( وَإِنَّهُ ) ‏ ‏أَيْ الْإِقْرَار بِالْقَدَرِ ‏ ‏( مَعَ ذَلِكَ ) ‏ ‏: أَيْ مَعَ كَوْنه مِمَّا ذَكَرَهُ الْجُهَلَاء فِي الْجَاهِلِيَّة وَذَكَرَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَحَادِيث كَثِيرَة وَأَقَرَّ بِهِ الصَّحَابَة وَتَيَقَّنُوا بِهِ وَسَلَّمُوهُ وَاسْتَحَالُوا نَفْيه ‏ ‏( لَفِي مُحْكَم كِتَابه ) ‏ ‏: أَيْ لَمَذْكُور فِي الْقُرْآن الْمَجِيد ‏ ‏( مِنْهُ ) ‏ ‏: أَيْ مِنْ مُحْكَم كِتَابه لَا مِنْ غَيْره ‏ ‏( اِقْتَبَسُوهُ ) ‏ ‏أَيْ اِقْتَبَسَ الْإِقْرَار بِالْقَدَرِ وَاسْتَفَادَهُ السَّلَف الصَّالِحُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه ‏ ‏( وَمِنْهُ ) ‏ ‏: أَيْ مِنْ مُحْكَم كِتَابه لَا مِنْ غَيْره ‏ ‏( تَعَلَّمُوهُ ) ‏ ‏: أَيْ تَعَلَّمُوا الْإِقْرَار بِالْقَدَرِ ‏ ‏( وَلَئِنْ قُلْتُمْ ) ‏ ‏: أَيّهَا الْمُبْتَدِعُونَ ‏ ‏( لِمَ أَنْزَلَ اللَّه آيَة كَذَا وَلِمَ قَالَ كَذَا ) ‏ ‏: فِي شَأْن الْآيَات الَّتِي ظَاهِرهَا يُخَالِف الْقَدَر ‏ ‏( لَقَدْ قَرَءُوا ) ‏ ‏: أَيْ السَّلَف ‏ ‏( مِنْهُ ) ‏ ‏: مِنْ كِتَابه الْمُحْكَم ‏ ‏( مَا قَرَأْتُمْ وَعَلِمُوا ) ‏ ‏: أَيْ السَّلَف ‏ ‏( مِنْ تَأْوِيله ) ‏ ‏: أَيْ تَأْوِيل مُحْكَم كِتَابه ‏ ‏( مَا جَهِلْتُمْ وَقَالُوا ) ‏ ‏: أَيْ السَّلَف أَيْ أَقَرُّوا ‏ ‏( بَعْد ذَلِكَ كُلّه ) ‏ ‏: أَيْ بَعْدَمَا قَرَءُوا مِنْ مُحْكَم كِتَابه مَا قَرَأْتُمْ وَعَلِمُوا مِنْ تَأْوِيله مَا جَهِلْتُمْ ‏ ‏( بِكِتَابٍ وَقَدَر ) ‏ ‏: أَيْ أَقَرُّوا بِكِتَابٍ وَقَدَر أَيْ بِأَنَّ اللَّه تَعَالَى كَتَبَ كُلّ شَيْء وَقَدَّرَهُ قَبْل أَنْ يَخْلُق السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِمُدَّةٍ طَوِيلَة ‏ ‏( وَ ) : أَقَرُّوا بِأَنَّ ( مَا يُقْدَر ) ‏ ‏: بِصِيغَةِ الْمَجْهُول وَمَا شَرْطِيَّة ‏ ‏( يَكُنْ ) ‏ ‏: أَقَرُّوا بِأَنَّ ‏ ‏( وَمَا شَاءَ اللَّه كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ ) ‏ ‏: بِأَنَّا ‏ ‏( وَلَا نَمْلِك لِأَنْفُسِنَا نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ثُمَّ رَغِبُوا ) ‏ ‏: أَيْ السَّلَف الصَّالِحُونَ ‏ ‏( بَعْد ذَلِكَ ) ‏ ‏: أَيْ بَعْد الْإِقْرَار بِالْقَدَرِ فِي الْأَعْمَال الصَّالِحَة وَلَمْ يَمْنَعهُمْ هَذَا الْإِقْرَار عَنْ الرَّغْبَة فِيهَا ‏ ‏( وَرَهِبُوا ) ‏ ‏: الْأَعْمَال السَّيِّئَة أَيْ خَافُوهَا وَاتَّقَوْهَا.
وَقَوْله لَقَدْ قَرَءُوا إِلَخْ جَوَاب الْقَسَم الْمُقَدَّر , وَاسْتَغْنَى عَنْ جَوَاب الشَّرْط لِقِيَامِهِ مَقَامه كَمَا تَقَدَّمَ هَكَذَا أَفَادَهُ بَعْض الْأَعْلَام فِي تَعْلِيقَات السُّنَن.
‏ ‏ثُمَّ اِعْلَمْ أَنَّ الْبِدْعَة هِيَ عَمَل عَلَى غَيْر مِثْل سَبَقَ.
‏ ‏قَالَ فِي الْقَامُوس : هِيَ الْحَدَث فِي الدِّين بَعْد الْإِكْمَال , وَالْبِدْعَة أَصْغَر مِنْ الْكُفْر وَأَكْبَر مِنْ الْفِسْق , وَكُلّ بِدْعَة تُخَالِف دَلِيلًا يُوجِب الْعِلْم وَالْعَمَل بِهِ فَهِيَ كُفْر , وَكُلّ بِدْعَة تُخَالِف دَلِيلًا يُوجِب الْعَمَل ظَاهِرًا , فَهِيَ ضَلَالَة وَلَيْسَتْ بِكُفْرٍ.
قَالَ السَّيِّد فِي التَّعْرِيفَات : الْبِدْعَة هِيَ الْفِعْلَة الْمُخَالِفَة لِلسُّنَّةِ , سُمِّيَتْ بِدْعَة لِأَنَّ قَائِلهَا اِبْتَدَعَهَا مِنْ غَيْر مِثَال اِنْتَهَى.
وَهَذِهِ فَائِدَة جَلِيلَة فَاحْفَظْهَا.
‏ ‏وَالْحَدِيث لَيْسَ مِنْ رِوَايَة اللُّؤْلُؤِيّ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرهُ الْمُنْذِرِيُّ , وَذَكَرَهُ الْمِزِّيّ فِي الْأَطْرَاف فِي الْمَرَاسِيل وَعَزَاهُ لِأَبِي دَاوُدَ , ثُمَّ قَالَ هُوَ فِي رِوَايَة اِبْن الْأَعْرَابِيّ وَأَبِي بَكْر بْن دَاسَة اِنْتَهَى.


حديث أما بعد أوصيك بتقوى الله والاقتصاد في أمره واتباع سنة نبيه صلى الله عليه

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ ‏ ‏قَالَ حَدَّثَنَا ‏ ‏سُفْيَانُ ‏ ‏قَالَ كَتَبَ ‏ ‏رَجُلٌ إِلَى ‏ ‏عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ‏ ‏يَسْأَلُهُ عَنْ الْقَدَرِ ‏ ‏ح ‏ ‏و حَدَّثَنَا ‏ ‏الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنُ ‏ ‏قَالَ حَدَّثَنَا ‏ ‏أَسَدُ بْنُ مُوسَى ‏ ‏قَالَ حَدَّثَنَا ‏ ‏حَمَّادُ بْنُ دُلَيْلٍ ‏ ‏قَالَ سَمِعْتُ ‏ ‏سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ ‏ ‏يُحَدِّثُنَا عَنِ ‏ ‏النَّضْرِ ‏ ‏ح ‏ ‏و حَدَّثَنَا ‏ ‏هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏قَبِيصَةَ ‏ ‏قَالَ حَدَّثَنَا ‏ ‏أَبُو رَجَاءٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي الصَّلْتِ ‏ ‏وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ ‏ ‏ابْنِ كَثِيرٍ ‏ ‏وَمَعْنَاهُمْ ‏ ‏قَالَ كَتَبَ ‏ ‏رَجُلٌ إِلَى ‏ ‏عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ‏ ‏يَسْأَلُهُ عَنْ الْقَدَرِ فَكَتَبَ ‏ ‏أَمَّا بَعْدُ ‏ ‏أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ ‏ ‏وَالِاقْتِصَادِ ‏ ‏فِي أَمْرِهِ وَاتِّبَاعِ سُنَّةِ نَبِيِّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَتَرْكِ مَا أَحْدَثَ الْمُحْدِثُونَ بَعْدَ مَا جَرَتْ بِهِ سُنَّتُهُ وَكُفُوا ‏ ‏مُؤْنَتَهُ ‏ ‏فَعَلَيْكَ بِلُزُومِ السُّنَّةِ فَإِنَّهَا لَكَ بِإِذْنِ اللَّهِ عِصْمَةٌ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِعْ النَّاسُ بِدْعَةً إِلَّا قَدْ مَضَى قَبْلَهَا مَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَيْهَا أَوْ عِبْرَةٌ فِيهَا فَإِنَّ السُّنَّةَ إِنَّمَا سَنَّهَا مَنْ قَدْ عَلِمَ مَا فِي خِلَافِهَا ‏ ‏وَلَمْ يَقُلْ ‏ ‏ابْنُ كَثِيرٍ ‏ ‏مَنْ قَدْ عَلِمَ مِنْ الْخَطَإِ وَالزَّلَلِ وَالْحُمْقِ وَالتَّعَمُّقِ ‏ ‏فَارْضَ لِنَفْسِكَ مَا رَضِيَ بِهِ الْقَوْمُ لِأَنْفُسِهِمْ فَإِنَّهُمْ عَلَى عِلْمٍ وَقَفُوا وَبِبَصَرٍ نَافِذٍ كَفُّوا وَهُمْ عَلَى كَشْفِ الْأُمُورِ كَانُوا أَقْوَى وَبِفَضْلِ مَا كَانُوا فِيهِ أَوْلَى فَإِنْ كَانَ الْهُدَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ لَقَدْ سَبَقْتُمُوهُمْ إِلَيْهِ وَلَئِنْ قُلْتُمْ إِنَّمَا حَدَثَ بَعْدَهُمْ مَا أَحْدَثَهُ إِلَّا مَنْ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِهِمْ ‏ ‏وَرَغِبَ ‏ ‏بِنَفْسِهِ عَنْهُمْ فَإِنَّهُمْ هُمْ السَّابِقُونَ فَقَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ بِمَا يَكْفِي وَوَصَفُوا مِنْهُ مَا ‏ ‏يَشْفِي فَمَا دُونَهُمْ مِنْ مَقْصَرٍ وَمَا فَوْقَهُمْ مِنْ ‏ ‏مَحْسَرٍ ‏ ‏وَقَدْ قَصَّرَ قَوْمٌ دُونَهُمْ ‏ ‏فَجَفَوْا ‏ ‏وَطَمَحَ عَنْهُمْ أَقْوَامٌ ‏ ‏فَغَلَوْا ‏ ‏وَإِنَّهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ كَتَبْتَ تَسْأَلُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْقَدَرِ فَعَلَى الْخَبِيرِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَعْتَ مَا أَعْلَمُ مَا أَحْدَثَ النَّاسُ مِنْ مُحْدَثَةٍ وَلَا ابْتَدَعُوا مِنْ بِدْعَةٍ هِيَ أَبْيَنُ أَثَرًا وَلَا أَثْبَتُ أَمْرًا مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْقَدَرِ لَقَدْ كَانَ ذَكَرَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْجُهَلَاءُ يَتَكَلَّمُونَ بِهِ فِي كَلَامِهِمْ وَفِي شِعْرِهِمْ يُعَزُّونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ عَلَى مَا فَاتَهُمْ ثُمَّ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ بَعْدُ إِلَّا شِدَّةً وَلَقَدْ ذَكَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فِي غَيْرِ حَدِيثٍ وَلَا حَدِيثَيْنِ وَقَدْ سَمِعَهُ مِنْهُ الْمُسْلِمُونَ فَتَكَلَّمُوا بِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ يَقِينًا وَتَسْلِيمًا لِرَبِّهِمْ وَتَضْعِيفًا لِأَنْفُسِهِمْ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ لَمْ يُحِطْ بِهِ عِلْمُهُ وَلَمْ ‏ ‏يُحْصِهِ ‏ ‏كِتَابُهُ وَلَمْ يَمْضِ فِيهِ قَدَرُهُ وَإِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَفِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ مِنْهُ اقْتَبَسُوهُ وَمِنْهُ تَعَلَّمُوهُ وَلَئِنْ قُلْتُمْ لِمَ أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ كَذَا لِمَ قَالَ كَذَا لَقَدْ قَرَءُوا مِنْهُ مَا قَرَأْتُمْ وَعَلِمُوا مِنْ ‏ ‏تَأْوِيلِهِ ‏ ‏مَا جَهِلْتُمْ وَقَالُوا بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ بِكِتَابٍ وَقَدَرٍ ‏ ‏وَكُتِبَتِ الشَّقَاوَةُ وَمَا يُقْدَرْ يَكُنْ وَمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَلَا نَمْلِكُ لِأَنْفُسِنَا ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ثُمَّ رَغِبُوا بَعْدَ ذَلِكَ وَرَهِبُوا ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث سنن أبي داود

إنه سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر

عن نافع، قال: كان لابن عمر صديق من أهل الشام يكاتبه فكتب إليه عبد الله بن عمر: إنه بلغني أنك تكلمت في شيء من القدر، فإياك أن تكتب إلي، فإني سمعت رسول...

إن الشياطين لا يفتنون بضلالتهم إلا من أوجب الله عل...

عن خالد الحذاء، قال: قلت للحسن: يا أبا سعيد، أخبرني عن آدم، أللسماء خلق أم للأرض؟ قال: «لا، بل للأرض»، قلت: أرأيت لو اعتصم فلم يأكل من الشجرة؟ قال: «...

خلق هؤلاء لهذه وهؤلاء لهذه

عن الحسن، في قوله تعالى {ولذلك خلقهم} [هود: ١١٩] قال: «خلق هؤلاء لهذه، وهؤلاء لهذه»

إلا من أوجب الله تعالى عليه أنه يصلى الجحيم

حدثنا خالد الحذاء، قال: قلت للحسن: {ما أنتم عليه بفاتنين.<br> إلا من هو صال} [الصافات: ١٦٣] الجحيم قال: «إلا من أوجب الله تعالى عليه أنه يصلى الجحيم»...

لأن يسقط من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يقول ا...

حدثنا حماد، قال: أخبرني حميد، كان الحسن يقول: " لأن يسقط من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يقول: الأمر بيدي "

هل من خالق غير الله خلق الله الشيطان وخلق الخير و...

حدثنا حميد، قال: قدم علينا الحسن، مكة فكلمني فقهاء أهل مكة أن أكلمه في أن يجلس لهم يوما يعظهم فيه فقال: نعم فاجتمعوا فخطبهم فما رأيت أخطب منه فقال: ر...

كذلك نسلك الشرك في قلوب المجرمين

عن الحسن، {كذلك نسلكه في قلوب المجرمين} [الحجر: ١٢] قال: «الشرك»

حيل بينهم وبين الإيمان

عن الحسن، في قول الله عز وجل: وحيل بينهم وبين ما يشتهون قال: «بينهم وبين الإيمان»

إنهم يكذبون على الحسن كثيرا

عن ابن عون، قال: كنت أسير بالشام، فناداني رجل من خلفي، فالتفت فإذا رجاء بن حيوة فقال: يا أبا عون ما هذا الذي يذكرون عن الحسن قال: قلت: «إنهم يكذبون عل...