790- عن عمرو، وسمعه من جابر، قال: كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يرجع فيؤمنا - قال مرة: ثم يرجع فيصلي بقومه - فأخر النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الصلاة - وقال مرة: العشاء - فصلى معاذ مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاء يؤم قومه فقرأ البقرة فاعتزل رجل من القوم فصلى، فقيل: نافقت يا فلان، فقال: ما نافقت، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن معاذا يصلي معك، ثم يرجع فيؤمنا يا رسول الله، وإنما نحن أصحاب نواضح ونعمل بأيدينا، وإنه جاء يؤمنا فقرأ بسورة البقرة، فقال: " يا معاذ أفتان أنت، أفتان أنت؟ اقرأ بكذا، اقرأ بكذا - قال أبو الزبير: بسبح اسم ربك الأعلى، والليل إذا يغشى - "(1) 791- عن حزم بن أبي بن كعب، أنه أتى معاذ بن جبل وهو يصلي بقوم صلاة المغرب في هذا الخبر، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معاذ لا تكن فتانا فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة والمسافر» (2)
(١) إسناده صحيح.
سفيان: هو ابن عيينة، وعمرو: هو ابن دينار.
وهو في "مسند أحمد" (14307).
وأخرجه مسلم (465) (178)، والنسائي في "الكبرى" (911) من طريق سفيان،
بهذا الإسناد.
زاد مسلم: قال سفيان: فقلت لعمرو: إن أبا الزبير حدثنا عن جابر أنه قال: "اقرأ {والشمس وضحاها} , {والضحى} , {والليل إذا يغشى} و {سبح اسم ربك الأعلى} " فقال عمرو: نحو هذا.
وأخرجه البخارى (701) من طريق شعبة، و (6106) من طريق سليم بن حبان، كلاهما عن عمرو بن دينار، به.
وسمى سليم السورتين: الشمس والأعلى.
وأخرجه بنحوه البخاري (705)، والنسائي في "الكبرى" (907) و (1058) و (1071) و (11588) و (11600) و (11609) من طريق محارب بن دثار، ومسلم (465) (179) من طريق أبي الزبير، كلاهما عن جابر.
وقرن النسائي في الموضع الأول والأخير بمحارب أبا صالح السمان.
وقد سلف مختصرا برقم (599) و (600).
وقوله: أفتان أنت.
أي: منفر عن الدين وصاد عنه، ففيه الإنكار على من ارتكب ما ينهى عنه وإن كان مكروها غير محرم.
(٢)صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف طالب بن حبيب، وقد اختلف عليه في إسناده.
وأخرجه البيهقي ٣/ ١١٧ من طريق المصنف، بهذا الإسناد.
وأخرجه البزار (٤٨٣ - زوائد) من طريق أبي داود الطيالسي، حدثنا طالب بن حبيب، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله، عن أبيه قال: مر حزم بن أبي كعب بن أبي القين بمعاذ، وهو يصلي صلاة العتمة .
فذكره، وذكر فيه المريض بدل المسافر، وجعل الصلاة صلاة العتمة - أي: العشاء - وليست المغرب.
وقال البزار: لا نعلم أحدا ممن روى عن جابر سمى هذا الرجل إلا ابن جابر.
قلنا: وذكر صلاة العشاء أصح، فقد سلف حديث معاذ بإسناد قوي برقم (٥٩٩)، وبإسناد صحيح برقم (٧٩٠)، وفيهما أن الصلاة كانت العشاء.
وانظر تفصيل القول في ذلك في التعليق على "المسند" (١٤١٩٠).
وقوله: "فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة" جاء نحوه في حديث معاذ عند البخاري (٧٠٢) و (٧٠٣).
أما المسافر، فيشهد له حديث عدي بن حاتم عند عبد الله بن أحمد في زوائده على "المسند" (١٨٢٦١) قال: من أمنا فليتم الركوع والسجود، فإن فينا الضعيف والكبير والمريض والعابر السبيل وذا الحاجة، هكذا كنا نصلي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم -وإسناده صحيح.
على أن قوله: "وذا الحاجة" يشمل المسافر وغيره.
وفيه أمر للإمام بتخفيف الصلاة بحيث لا يخل بسنتها ومقاصدها، رأنه إذا صلى
لنفسه طول ما شاء في الأركان التي تحتمل التطويل وهي القيام والركوع والسجود
والتشهد دون الاعتدال والجلوس بين السجدتين.
قاله النووي.
عون المعبود على شرح سنن أبي داود: أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي
( يُصَلِّي مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) : زَادَ مُسْلِم مِنْ رِوَايَة مَنْصُور عَنْ عَمْرو " عِشَاء الْآخِرَة " فَكَأَنَّ الْعِشَاء هِيَ الَّتِي كَانَ يُوَاظِب فِيهَا عَلَى الصَّلَاة مَرَّتَيْنِ ( ثُمَّ يَرْجِع فَيَؤُمّنَا ) : فِي رِوَايَة مَنْصُور الْمَذْكُورَة " فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاة " وَلِلْبُخَارِيِّ فِي الْأَدَب " فَيُصَلِّي بِهِمْ الصَّلَاة " أَيْ الْمَذْكُورَة.
وَفِي هَذَا رَدّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَاد أَنَّ الصَّلَاة الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْر الصَّلَاة الَّتِي يُصَلِّيهَا بِقَوْمِهِ ( قَالَ ) : جَابِر ( ثُمَّ يَرْجِع فَيُصَلِّي بِقَوْمِهِ ) : وَفِي بَعْض الرِّوَايَات " ثُمَّ يَرْجِع إِلَى بَنِي سَلِمَة فَيُصَلِّيهَا بِهِمْ " وَلَا مُنَافَاة بَيْن هَذِهِ الرِّوَايَات لِأَنَّ قَوْمه هُمْ بَنُو سَلِمَة وَجَابِر بْن عَبْد اللَّه مِنْهُمْ ( فَقَرَأَ الْبَقَرَة ) : أَيْ اِبْتَدَأَ فِي قِرَاءَتهَا , وَبِهِ صَرَّحَ مُسْلِم وَلَفْظه " فَافْتَتَحَ سُورَة الْبَقَرَة " ( فَاعْتَزَلَ رَجُل مِنْ الْقَوْم ) : وَلِابْنِ عُيَيْنَةَ عِنْد مُسْلِم " فَانْحَرَفَ رَجُل فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْده " وَهُوَ ظَاهِر فِي أَنَّهُ قَطَعَ الصَّلَاة , لَكِنْ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ مُحَمَّد بْن عَبَّاد شَيْخ مُسْلِم تَفَرَّدَ عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ بِقَوْلِهِ ثُمَّ سَلَّمَ , وَأَنَّ الْحُفَّاظ مِنْ أَصْحَاب اِبْن عُيَيْنَةَ , وَكَذَا مِنْ أَصْحَاب شَيْخه عَمْرو بْن دِينَار وَكَذَا مِنْ أَصْحَاب جَابِر لَمْ يَذْكُرُوا السَّلَام , وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَة تَدُلّ عَلَى أَنَّ الرَّجُل قَطَعَ الصَّلَاة , لِأَنَّ السَّلَام يَتَحَلَّل بِهِ مِنْ الصَّلَاة وَسَائِر الرِّوَايَات تَدُلّ عَلَى أَنَّهُ قَطَعَ الْقُدْوَة فَقَطْ وَلَمْ يَخْرُج مِنْ الصَّلَاة بَلْ اِسْتَمَرَّ فِيهَا مُنْفَرِدًا.
قَالَ الرَّافِعِيّ فِي شَرْح الْمُسْنَد فِي الْكَلَام عَلَى رِوَايَة الشَّافِعِيّ عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ فِي هَذَا الْحَدِيث : فَتَنَحَّى رَجُل مِنْ خَلْفه فَصَلَّى وَحْده , وَهَذَا يَحْتَمِل مِنْ جِهَة اللَّفْظ أَنَّهُ قَطَعَ الصَّلَاة وَتَنَحَّى عَنْ مَوْضِع صَلَاته وَاسْتَأْنَفَهَا لِنَفْسِهِ , لَكِنَّهُ غَيْر مَحْمُول عَلَيْهِ , لِأَنَّ الْفَرْض لَا يُقْطَع بَعْد الشُّرُوع فِيهِ.
اِنْتَهَى.
وَلِهَذَا اِسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيَّة عَلَى أَنَّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقْطَع الْقُدْوَة وَيُتِمّ صَلَاته مُنْفَرِدًا.
وَنَازَعَ النَّوَوِيّ فِيهِ فَقَالَ : لَا دَلَالَة فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ فَارَقَهُ وَبَنَى عَلَى صَلَاته , بَلْ فِي الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا أَنَّهُ سَلَّمَ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ قَطَعَ الصَّلَاة مِنْ أَصْلهَا ثُمَّ اِسْتَأْنَفَهَا , فَيَدُلّ عَلَى جَوَاز قَطْع الصَّلَاة وَإِبْطَالهَا لِعُذْرٍ.
قَالَهُ الْحَافِظ فِي الْفَتْح ( فَقِيلَ نَافَقْت يَا فُلَان ) : هَمْزَة الِاسْتِفْهَام مَحْذُوفَة.
وَفِي رِوَايَة الصَّحِيحَيْنِ " فَقَالُوا لَهُ أَنَافَقْت يَا فُلَان " أَيْ أَفَعَلْت مَا فَعَلَهُ الْمُنَافِق مِنْ الْمَيْل وَالِانْحِرَاف عَنْ الْجَمَاعَة وَالتَّخْفِيف فِي الصَّلَاة.
قَالُوهُ تَشْدِيدًا لَهُ.
قَالَهُ الطِّيبِيُّ.
( أَصْحَاب نَوَاضِح ) : جَمْع نَاضِحَة أُنْثَى نَاضِح وَهِيَ الْإِبِل الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا لِلشَّجَرِ وَالزِّرَاعَة ( وَنَعْمَل بِأَيْدِينَا ) : أَرَادَ أَنَّا أَصْحَاب عَمَل وَتَعَب فَلَا نَسْتَطِيع تَطْوِيل الصَّلَاة ( أَفَتَّان أَنْتَ أَفَتَّان أَنْتَ ) : أَيْ أَمُنَفِّر وَمُوقِع لِلنَّاسِ فِي الْفِتْنَة.
قَالَ الطِّيبِيُّ : اِسْتِفْهَام عَلَى سَبِيل التَّوْبِيخ وَتَنْبِيه عَلَى كَرَاهَة صُنْعه لِأَدَائِهِ إِلَى مُفَارَقَة الرَّجُل الْجَمَاعَة فَافْتُتِنَ بِهِ.
فِي شَرْح السُّنَّة : الْفِتْنَة صَرْف النَّاس عَنْ الدِّين وَحَمْلهمْ عَلَى الضَّلَالَة قَالَ تَعَالَى { مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ } أَيْ بِمُضِلِّينَ اِنْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظ : وَمَعْنَى الْفِتْنَة هَاهُنَا أَنَّ التَّطْوِيل يَكُون سَبَبًا لِخُرُوجِهِمْ مِنْ الصَّلَاة وَلِلتَّكَرُّهِ لِلصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَة.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَب بِإِسْنَادٍ صَحِيح أَنَّ عُمَر قَالَ : " لَا تُبَغِّضُوا إِلَى اللَّه عِبَاده يَكُون أَحَدكُمْ إِمَامًا فَيُطَوِّل عَلَى الْقَوْم الصَّلَاة حَتَّى يُبَغِّض إِلَيْهِمْ مَا هُمْ فِيهِ " وَقَالَ الدَّاوُدِيّ : يَحْتَمِل أَنْ يُرِيد بِقَوْلِهِ فَتَّان أَيْ مُعَذِّب لِأَنَّهُ عَذَّبَهُمْ بِالتَّطْوِيلِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ } : قِيلَ مَعْنَاهُ عَذَّبُوهُمْ اِنْتَهَى.
( قَالَ أَبُو الزُّبَيْر سَبِّحْ اِسْم رَبّك الْأَعْلَى وَاللَّيْل إِذَا يَغْشَى فَذَكَرْنَا لِعَمْرٍو ) : أَيْ اِبْن دِينَار ( أُرَاهُ ) : بِضَمِّ الْهَمْزَة مَعْنَاهُ أَظُنّهُ.
وَفِي رِوَايَة مُسْلِم قَالَ سُفْيَان فَقُلْت لِعَمْرٍو إِنَّ أَبَا الزُّبَيْر حَدَّثَنَا عَنْ جَابِر أَنَّهُ قَالَ اِقْرَأْ وَالشَّمْس وَضُحَاهَا , وَاللَّيْل إِذَا يَغْشَى , وَسَبِّحْ اِسْم رَبّك الْأَعْلَى.
فَقَالَ عَمْرو نَحْو هَذَا.
وَفِي رِوَايَة اللَّيْث عَنْ أَبِي الزُّبَيْر عِنْد مُسْلِم مَعَ الثَّلَاثَة { اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبّك } : زَادَ اِبْن جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْر وَالضُّحَى أَخْرَجَهُ عَبْد الرَّزَّاق.
وَفِي رِوَايَة الْحُمَيْدِيّ عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ مَعَ الثَّلَاثَة الْأُوَل { وَالسَّمَاء ذَات الْبُرُوج , وَالسَّمَاء وَالطَّارِق } : قَالَهُ الْحَافِظ.
وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى صِحَّة اِقْتِدَاء الْمُفْتَرِض بِالْمُتَنَفِّلِ بِنَاء عَلَى أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يَنْوِي بِالْأُولَى الْفَرْض وَبِالثَّانِيَةِ النَّفْل , وَيَدُلّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ عَبْد الرَّزَّاق وَالشَّافِعِيّ وَالطَّحَاوِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرهمْ مِنْ طَرِيق اِبْن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ جَابِر فِي حَدِيث الْبَاب زَادَ " هِيَ لَهُ تَطَوُّع وَلَهُمْ فَرِيضَة " وَهُوَ حَدِيث صَحِيح.
وَقَدْ صَرَّحَ اِبْن جُرَيْجٍ فِي رِوَايَة عَبْد الرَّزَّاق بِسَمَاعِهِ فِيهِ فَانْتَفَتْ تُهْمَة تَدْلِيسه.
فَقَوْل اِبْن الْجَوْزِيّ إِنَّهُ لَا يَصِحّ مَرْدُود , وَتَعْلِيل الطَّحَاوِيّ لَهُ بِأَنَّ اِبْن عُيَيْنَةَ سَاقَهُ عَنْ عُمَر وَأَتَمَّ مِنْ سِيَاق اِبْن جُرَيْجٍ وَلَمْ يَذْكُر هَذِهِ الزِّيَادَة لَيْسَ بِقَادِحٍ فِي صِحَّته لِأَنَّ اِبْن جُرَيْجٍ أَسَنّ وَأَجَلّ مِنْ اِبْن عُيَيْنَةَ وَأَقْدَم أَخْذًا عَنْ عَمْرو مِنْهُ , وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَهِيَ زِيَادَة مِنْ ثِقَة حَافِظ لَيْسَتْ مُنَافِيَة لِرِوَايَةِ مَنْ هُوَ أَحْفَظ مِنْهُ وَلَا أَكْثَر عَدَدًا فَلَا مَعْنَى لِلتَّوَقُّفِ فِي الْحُكْم بِصِحَّتِهَا.
وَأَمَّا رَدّ الطَّحَاوِيّ لَهَا بِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُون مُدْرَجَة فَجَوَابه أَنَّ الْأَصْل عَدَم الْإِدْرَاج حَتَّى يَثْبُت التَّفْصِيل فَمَهْمَا كَانَ مَضْمُومًا إِلَى الْحَدِيث فَهُوَ مِنْهُ وَلَا سِيَّمَا إِذَا رُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ وَالْأَمْر هُنَا كَذَلِكَ , فَإِنَّ الشَّافِعِيّ أَخْرَجَهَا مِنْ وَجْه آخَر عَنْ جَابِر مُتَابِعًا لِعَمْرِو بْن دِينَار عَنْهُ , وَقَوْل الطَّحَاوِيّ هُوَ ظَنّ مِنْ جَابِر مَرْدُود لِأَنَّ جَابِرًا كَانَ مِمَّنْ يُصَلِّي مَعَ مُعَاذ فَهُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ , وَلَا يُظَنّ بِجَابِرٍ أَنَّهُ يُخْبِر عَنْ شَخْص بِأَمْرٍ غَيْر مُشَاهَد إِلَّا بِأَنْ يَكُون ذَلِكَ الشَّخْص أَطْلَعَهُ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا اِحْتِجَاج أَصْحَابنَا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَلَا صَلَاة إِلَّا الْمَكْتُوبَة " فَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ حَاصِله النَّهْي عَنْ التَّلَبُّس بِصَلَاةٍ غَيْر الَّتِي أُقِيمَتْ مِنْ غَيْر تَعَرُّض لِنِيَّةِ فَرْض أَوْ نَفْل , وَلَوْ تَعَيَّنَتْ نِيَّة الْفَرِيضَة لَامْتَنَعَ عَلَى مُعَاذ أَنْ يُصَلِّي الثَّانِيَة بِقَوْمِهِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حِينَئِذٍ فَرْضًا لَهُ.
وَكَذَلِكَ قَوْل بَعْض أَصْحَابنَا لَا يُظَنّ بِمَعَاذٍ أَنْ يَتْرُك فَضِيلَة الْفَرْض خَلْف أَفْضَل الْأَئِمَّة فِي الْمَسْجِد الَّذِي هُوَ مِنْ أَفْضَل الْمَسَاجِد فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَوْع تَرْجِيح لَكِنْ لِلْمُخَالِفِ أَنْ يَقُول إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِأَمْرِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمْتَنِع أَنْ يَحْصُل لَهُ الْفَضْل بِالِاتِّبَاعِ.
وَكَذَلِكَ قَوْل الْخَطَّابِيّ إِنَّ الْعِشَاء فِي قَوْله كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاء حَقِيقَة فِي الْمَفْرُوضَة فَلَا يُقَال كَانَ يَنْوِي بِهَا التَّطَوُّع لِأَنَّ لِمُخَالِفِهِ أَنْ يَقُول هَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يَنْوِي بِهَا التَّنَفُّل.
وَأَمَّا قَوْل اِبْن حَزْم إِنَّ الْمُخَالِفِينَ لَا يُجِيزُونَ لِمَنْ عَلَيْهِ فَرْض إِذَا أُقِيمَ أَنْ يُصَلِّيه مُتَطَوِّعًا فَكَيْفَ يَنْسُبُونَ إِلَى مُعَاذ مَا لَا يَجُوز عِنْدهمْ فَهَذَا إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ نَقْض قَوِيّ , وَأَسْلَم الْأَجْوِبَة التَّمَسُّك بِالزِّيَادَةِ الْمُتَقَدِّمَة كَذَا فِي فَتْح الْبَارِي.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالنَّسَائِيُّ بِنَحْوِهِ.
( عَنْ حَزْم بْن أُبَيّ بْن كَعْب أَنَّهُ أَتَى مُعَاذ بْن جَبَل ) : قَالَ الْحَافِظ اِبْن جَابِر لَمْ يُدْرِك حَزْمًا.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنَده وَالْبَزَّار مِنْ طَرِيقه عَنْ طَالِب بْن حَبِيب عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن جَابِر عَنْ أَبِيهِ قَالَ : " مَرَّ حَزْم بْن أُبَيّ بْن كَعْب بِمُعَاذِ بْن جَبَل وَهُوَ يُصَلِّي بِقَوْمِهِ صَلَاة الْعَتَمَة فَافْتَتَحَ بِسُورَةٍ طَوِيلَة وَمَعَ حَزْم نَاضِح لَهُ " الْحَدِيث.
قَالَ الْبَزَّار لَا نَعْلَم أَحَدًا سَمَّاهُ عَنْ جَابِر إِلَّا اِبْن جَابِر اِنْتَهَى وَرَوَاهُ اِبْن لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر فَسَمَّاهُ حَازِمًا وَكَأَنَّهُ صَحَّفَهُ أَخْرَجَهُ اِبْن شَاهِين مِنْ طَرِيقه وَرَوَاهُ أَحْمَد وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو يَعْلَى وَابْن السَّكَن بِإِسْنَادٍ صَحِيح عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن صُهَيْب عَنْ أَنَس قَالَ : " كَانَ مُعَاذ يَؤُمّ قَوْمه فَدَخَلَ حَرَام وَهُوَ يُرِيد أَنْ يَسْقِي نَخْله " الْحَدِيث كَذَا فِيهِ بِرَاءٍ بَعْدهَا أَلِف وَظَنَّ بَعْضهمْ أَنَّهُ حَرَام بْنُ مِلْحَان خَال أَنَس وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْخَطِيب فِي الْمُبْهَمَات لَكِنْ لَمْ أَرَهُ مَنْسُوبًا فِي الرِّوَايَة.
وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون تَصْحِيف مِنْ حَزْم فَتَجْتَمِع هَذِهِ الرِّوَايَات اِنْتَهَى ( وَهُوَ يُصَلِّي بِقَوْمٍ صَلَاة الْمَغْرِب ) : كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَة بِلَفْظِ " صَلَاة الْمَغْرِب " وَفِي مُعْظَم الرِّوَايَات بِلَفْظِ " الْعِشَاء " قَالَ الْحَافِظ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى تَعَدُّد الْقِصَّة كَمَا سَيَأْتِي أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْمَغْرِبِ الْعِشَاء مَجَازًا وَإِلَّا فَمَا فِي الصَّحِيح أَصَحّ اِنْتَهَى ( فِي هَذَا الْخَبَر ) : الْمَذْكُور آنِفًا ( لَا تَكُنْ فَتَّانًا ) : أَيْ مُنَفِّرًا عَنْ الدِّين وَصَادًّا عَنْهُ.
فَفِيهِ الْإِنْكَار عَلَى مَنْ اِرْتَكَبَ مَا يُنْهَى عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا غَيْر مُحَرَّم.
وَفِيهِ جَوَاز الِاكْتِفَاء فِي التَّعْزِير بِالْكَلَامِ.
وَفِيهِ الْأَمْر بِتَخْفِيفِ الصَّلَاة وَالتَّعْزِير عَلَى إِطَالَتهَا.
قَالَهُ النَّوَوِيّ ( فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَك الْكَبِير وَالضَّعِيف وَذُو الْحَاجَة وَالْمُسَافِر ) : فِيهِ اِسْتِحْبَاب تَخْفِيف الصَّلَاة مُرَاعَاة لِحَالِ الْمَأْمُومِينَ وَأَمَّا مَنْ قَالَ لَا يُكْرَه التَّطْوِيل إِذَا عَلِمَ رِضَا الْمَأْمُومِينَ فَيُشْكِل عَلَيْهِ أَنَّ الْإِمَام قَدْ لَا يَعْلَم حَال مَنْ يَأْتِي فَيَأْتَمّ بِهِ بَعْد دُخُوله فِي الصَّلَاة كَمَا فِي حَدِيث الْبَاب , فَعَلَى هَذَا يُكْرَه التَّطْوِيل مُطْلَقًا إِلَّا إِذَا فُرِضَ فِي مُصَلٍّ بِقَوْمٍ مَحْصُورِينَ رَاضِينَ بِالتَّطْوِيلِ فِي مَكَان لَا يَدْخُلهُ غَيْرهمْ.
وَفِي الْحَدِيث أَنَّ الْحَاجَة مِنْ أُمُور الدُّنْيَا عُذْر فِي تَخْفِيف الصَّلَاة.
وَفِيهِ جَوَاز خُرُوج الْمَأْمُوم مِنْ الصَّلَاة لِعُذْرٍ.
قَالَ النَّوَوِيّ : وَفِي الْحَدِيث جَوَاز صَلَاة الْمُفْتَرِض خَلْف الْمُتَنَفِّل لِأَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَسْقُط فَرْضه ثُمَّ يُصَلِّي مَرَّة ثَانِيَة بِقَوْمِهِ هِيَ لَهُ تَطَوُّع وَلَهُمْ فَرِيضَة , وَقَدْ جَاءَ هَكَذَا مُصَرَّحًا بِهِ فِي غَيْر مُسْلِم وَهَذَا جَائِز عِنْد الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى وَآخَرِينَ وَلَمْ يُجِزْهُ رَبِيعَة وَمَالِك وَأَبُو حَنِيفَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ وَالْكُوفِيُّونَ , وَتَأَوَّلُوا حَدِيث مُعَاذ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَفُّلًا وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْلَم بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ حَدِيث مُعَاذ كَانَ فِي أَوَّل الْأَمْر ثُمَّ نُسِخَ.
وَكُلّ هَذِهِ التَّأْوِيلَات دَعَاوَى لَا أَصْل لَهَا فَلَا يُتْرَك ظَاهِر الْحَدِيث بِهَا.
اِنْتَهَى.
قُلْت : قَدْ رَدَّ الْحَافِظ اِبْن حَجَر فِي فَتْح الْبَارِي هَذِهِ التَّأْوِيلَات رَدًّا حَسَنًا وَأَشْبَعَ الْكَلَام فِيهِ فَإِنْ شِئْت الِاطِّلَاع عَلَيْهِ فَارْجِعْ إِلَيْهِ.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو وَسَمِعَهُ مِنْ جَابِرٍ قَالَ كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّنَا قَالَ مَرَّةً ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُصَلِّي بِقَوْمِهِ فَأَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً الصَّلَاةَ وَقَالَ مَرَّةً الْعِشَاءَ فَصَلَّى مُعَاذٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَاءَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ فَاعْتَزَلَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَصَلَّى فَقِيلَ نَافَقْتَ يَا فُلَانُ فَقَالَ مَا نَافَقْتُ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ مُعَاذًا يُصَلِّي مَعَكَ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّمَا نَحْنُ أَصْحَابُ نَوَاضِحَ وَنَعْمَلُ بِأَيْدِينَا وَإِنَّهُ جَاءَ يَؤُمُّنَا فَقَرَأَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَقَالَ يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ أَفَتَّانٌ أَنْتَ اقْرَأْ بِكَذَا اقْرَأْ بِكَذَا قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى فَذَكَرْنَا لِعَمْرٍو فَقَالَ أُرَاهُ قَدْ ذَكَرَهُ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَعِيلَ حَدَّثَنَا طَالِبُ بْنُ حَبِيبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَابِرٍ يُحَدِّثُ عَنْ حَزْمِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ أَتَى مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِقَوْمٍ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ فِي هَذَا الْخَبَرِ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مُعَاذُ لَا تَكُنْ فَتَّانًا فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الْكَبِيرُ وَالضَّعِيفُ وَذُو الْحَاجَةِ وَالْمُسَافِرُ
عن أبي صالح، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: «كيف تقول في الصلاة»، قال: أتشهد وأقول: اللهم إني أسألك ال...
عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلى أحدكم للناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء»
عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلى أحدكم للناس فليخفف فإن فيهم السقيم والشيخ الكبير وذا الحاجة»
عن عمار بن ياسر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفه...
أن أبا هريرة، قال: «في كل صلاة يقرأ فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعناكم وما أخفى علينا أخفينا عليكم»
عن أبي قتادة، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، ويسمعنا الآية أحيانا و...
عن أبي معمر، قال: قلنا لخباب، هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم، قلنا بم كنتم تعرفون ذاك؟ قال: «باضطراب لحيته»
عن عبد الله بن أبي أوفى، أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم»
عن جابر بن سمرة، قال: قال عمر لسعد: قد شكاك الناس في كل شيء حتى في الصلاة قال: أما أنا «فأمد في الأوليين، وأحذف في الأخريين، ولا آلو ما اقتديت به من...