حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

قال أرضعيه فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة - سنن أبي داود

سنن أبي داود | كتاب النكاح باب فيمن حرم به (حديث رقم: 2061 )


2061- عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأم سلمة، أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، كان تبنى سالما وأنكحه ابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة وهو مولى لامرأة من الأنصار كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث ميراثه حتى أنزل الله سبحانه وتعالى في ذلك {ادعوهم لآبائهم} [الأحزاب: 5] إلى قوله {فإخوانكم في الدين ومواليكم} [الأحزاب: 5] فردوا إلى آبائهم، فمن لم يعلم له أب كان مولى وأخا في الدين، فجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشي، ثم العامري وهي امرأة أبي حذيفة، فقالت: يا رسول الله، إنا كنا نرى سالما ولدا، وكان يأوي معي ومع أبي حذيفة، في بيت واحد، ويراني فضلا، وقد أنزل الله عز وجل فيهم ما قد علمت فكيف ترى فيه؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «أرضعيه» فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة، فبذلك كانت عائشة رضي الله عنها تأمر بنات أخواتها وبنات إخوتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها، وإن كان كبيرا خمس رضعات، ثم يدخل عليها وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحدا من الناس، حتى يرضع في المهد، وقلن لعائشة والله ما ندري لعلها كانت رخصة من النبي صلى الله عليه وسلم لسالم دون الناس

أخرجه أبو داوود


حديث صحيح، وهذا إسناد حسن في المتابعات والشواهد.
عنبسة - وهو ابن خالد الأموي - ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد.
يونس: هو ابن يزيد الأيلي، وابن شهاب: هو محمد بن مسلم الزهري.
وأخرجه البخاري (4000) و (5088)، والنسائي في "الكبرى" (5453) من طرق عن ابن شهاب، بهذا الإسناد.
ولم يذكر البخاري في روايته مسألة الرضاعة، وإنما اقتصر على أول الحديث، واقتصر النسائي على آخر الحديث في امتناع أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - إدخال أحد بتلك الرضاعة.
وأخرجه بنحوه مختصرا مسلم (1453)، وابن ماجه (1943)، والنسائي في "الكبرى" (5450 - 5452) و (5456) و (5457) من طريق القاسم بن محمد، ومسلم (1453)، والنسائى في "الكبرى" (5455) من طريق زينب بنت أبي سلمة، كلاهما عن عائشة، به.
وأخرج بنحوه مختصرا أيضا مسلم (1454)، والنسائي في "الكبرى" (5454) من طريق زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة.
وهو في "مسند أحمد" (26330)، و"صحيح ابن حبان" (4214) و (4215).
وقولها: فضلا.
قال في "النهاية" أي: متبذلة في ثياب مهنتي، يقال: تفضلت المرأة: إذا لبست ثياب مهنتها، أو كانت في ثوب واحد، فهي فضل، والرجل فضل أيضا، قال ابن عبد البر في "التمهيد" 3/ 456: فمعنى هذا عندي أنه كان يدخل عليها وهي متكشفة بعضها مثل الشعر واليد والوجه، يدخل عليها وهي كيف أمكنها.
قلنا: وتخصيص هذا الحكم - وهو أن رضاع الكبير يحرم - بسالم مولى أبي حذيفة هو قول عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة وسائر أمهات المؤمنين غير عائشة، وجمهور التابعين، وجماعة فقهاء الأمصار، فهم الثوري ومالك وأصحابه، والأوزاعي، وابن أبي ليلى، وأبي حنيفة وأصحابه، والشافعي وأصحابه، وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي عبيد والطبري.
وحملت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها حديث سالم مولى أبي حذيفة على العموم، فكانت تأمر أختها أم كلثوم بنت أبي بكر، وبنات أخيها أن يرضعن من أحبت أن يدخل عليها من الرجال وصنعت ذلك بسالم بن عبد الله بن عمر وأمرت أم كلثوم فأرضعته، وذهب إلى قولها عطاء والليث بن سعد لحديثها هذا وفتواها وعملها به، قال أبو بكر بن العربي: ولعمر الله إنه لقوي، ولو كان خاصا بسالم، لقال لها: ولا يكون لأحد بعدك، كما قال لأبي بردة في الجذعة.
قال صاحب "الزاد" 5/ 593 بتحقيقنا بعد أن أورد حجج من قال بعموم هذا الحديث وخصوصه: حديث سهلة ليس بمنسوخ ولا بمخصوص، ولا عام في حق كل أحد، وإنما هو رخصة للحاجة لمن لا يستغني عن دخوله على المرأة، ويشق احتجابها عنه، كحال سالم مع امرأة أبي حذيفة، فمثل هذا الكبير إذا أرضعته للحاجة أثر رضاعه، وأما من عداه فلا يؤثر إلا رضاع الصغير، وهذا مسلك شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، والأحاديث النافية للرضاع في الكبير إما مطلقة فتقيد بحديث سهلة، أو عامة في الأحوال، فتخصص هذه الحال من عمومها وهذا أولى من النسخ ودعوى التخصيص بشخص بعينه، وأقرب إلى العمل بجميع الأحاديث من الجانبين وقواعد الشرع تشهد له، والله الموفق، ونقل ابن مفلح في "الفروع" 5/ 570 عن شيخ الإسلام ابن تيمية أن رضاع الكبير محرم لحاجة، وانظر "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" 34/ 60.

شرح حديث (قال أرضعيه فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة)

عون المعبود على شرح سنن أبي داود: أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي

‏ ‏( كَانَ تَبَنَّى سَالِمًا ) ‏ ‏: أَيْ اِتَّخَذَهُ وَلَدًا.
وَسَالِم هُوَ اِبْن مَعْقِل مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَة وَلَمْ يَكُنْ مَوْلَاهُ وَإِنَّمَا كَانَ يُلَازِمهُ بَلْ كَانَ مِنْ حُلَفَائِهِ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ ‏ ‏( وَأَنْكَحَهُ ) ‏ ‏: أَيْ زَوَّجَهُ ‏ ‏( هِنْد بِنْت الْوَلِيد ) ‏ ‏: بَدَل مِنْ اِبْنَة أَخِيهِ.
وَوَقَعَ عِنْد مَالِك فَاطِمَة فَلَعَلَّ لَهَا اِسْمَيْنِ ‏ ‏( وَهُوَ ) ‏ ‏: أَيْ سَالِم ‏ ‏( مَوْلًى لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَار ) ‏ ‏: قَالَ اِبْن حِبَّان : يُقَال لَهَا لَيْلَى وَيُقَال ثُبَيْتَة بِضَمِّ الثَّاء وَفَتْح الْبَاء وَسُكُون الْيَاء بِنْت يَعَّار بِفَتْحِ التَّحْتِيَّة اِبْن زَيْد بْن عُبَيْد وَكَانَتْ اِمْرَأَة أَبِي حُذَيْفَة بْن عُتْبَة , وَبِهَذَا جَزَمَ اِبْن سَعْد.
وَقِيلَ اِسْمهَا سَلْمَى وَقِيلَ غَيْر ذَلِكَ ‏ ‏( كَمَا تَبَنَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدًا ) ‏ ‏: هُوَ أَبُو أُسَامَة زَيْد بْن حَارِثَة بْن شَرَاحِيل بْن كَعْب بْن عَبْد الْعُزَّى الْقُرَشِيّ نَسَبًا الْهَاشِمِيّ وَلَاء مَوْلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحِبّه وَأَبُو حِبّه كَانَ أُمّه خَرَجَتْ بِهِ تَزُور قَوْمهَا فَأَغَارَتْ عَلَيْهِمْ بَنُو الْقَيْن فَأَخَذُوا بِزَيْدٍ وَقَدِمُوا بِهِ سُوق عُكَاظ فَاشْتَرَاهُ حَكِيم بْن حِزَام لِعَمَّتِهِ خَدِيجَة فَوَهَبَتْهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ اِبْن ثَمَان سِنِينَ فَأَعْتَقَهُ وَتَبَنَّاهُ.
قَالَ اِبْن عُمَر : مَا كُنَّا نَدْعُوهُ إِلَّا زَيْد بْن مُحَمَّد حَتَّى نَزَلَ قَوْله تَعَالَى { اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ } وَلَمْ يَذْكُر اللَّه تَعَالَى فِي الْقُرْآن مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا زَيْدًا بِقَوْلِهِ { فَلَمَّا قَضَى زَيْد مِنْهَا وَطَرًا } الْآيَة اُسْتُشْهِدَ فِي غَزْوَة مُؤْتَة سَنَة ثَمَان مِنْ الْهِجْرَة ‏ ‏( اُدْعُوهُمْ ) ‏ ‏: أَيْ الْمُتَبَنَّيْنَ ‏ ‏( لِآبَائِهِمْ ) ‏ ‏: أَيْ آبَائِهِمْ الَّذِينَ هُمْ مِنْ مَائِهِمْ لَا لِمَنْ تَبَنَّاهُ.
‏ ‏وَتَمَام الْآيَة { هُوَ أَقْسَط عِنْد اللَّه فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانكُمْ فِي الدِّين وَمَوَالِيكُمْ } ‏ ‏( فَرُدُّوا إِلَى آبَائِهِمْ ) ‏ ‏: وَلَمْ يُنْسَبُوا إِلَى مَنْ تَبَنَّاهُ وَلَمْ يُوَرَّثُوا مِيرَاثهمْ بَلْ مِيرَاث آبَائِهِمْ ‏ ‏( كَانَ مَوْلًى وَأَخًا فِي الدِّين ) ‏ ‏: لَعَلَّ فِي هَذَا إِشَارَة إِلَى قَوْلهمْ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَة وَأَنَّ سَالِمًا لَمَّا نَزَلَتْ { اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ } : كَانَ مِمَّا لَا يُعْلَم لَهُ أَب فَقِيلَ لَهُ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَة ‏ ‏( إِنَّا كُنَّا نَرَى ) ‏ ‏: أَيْ نَعْتَقِد ‏ ‏( فَكَانَ ) ‏ ‏: أَيْ سَالِم ‏ ‏( يَأْوِي ) ‏ ‏: أَيْ يَسْكُن.
وَعِنْد مَالِك يَدْخُل عَلَيَّ.
قَالَ فِي الْقَامُوس أَوَيْت مَنْزِلِي وَإِلَيْهِ أُوِيًّا بِالضَّمِّ وَيُكْسَر وَأَوَّيْت تَأْوِيَة وَتَأَوَّيْت وَاتَّوَيْت وَائْتَوَيْت نَزَلْته بِنَفْسِي وَسَكْنَته ‏ ‏( وَيَرَانِي فُضْلًا ) ‏ ‏: بِضَمِّ الْفَاء وَسُكُون الضَّاد أَيْ مُتَبَذِّلَة فِي ثِيَاب الْمِهْنَة , يُقَال تَفَضَّلَتْ الْمَرْأَة إِذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ.
هَذَا قَوْل الْخَطَّابِيّ وَتَبِعَهُ اِبْن الْأَثِير وَزَادَ : وَكَانَتْ فِي ثَوْب وَاحِد.
وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : قَالَ الْخَلِيل رَجُل فُضْل مُتَوَشِّح فِي ثَوْب وَاحِد يُخَالِف بَيْن طَرَفَيْهِ.
قَالَ فَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى الْحَدِيث أَنَّهُ كَانَ يَدْخُل عَلَيْهَا وَهِيَ مُنْكَشِف بَعْضهَا.
وَعَنْ اِبْن وَهْب فُضْل مَكْشُوفَة الرَّأْس وَالصَّدْر.
وَقِيلَ الْفُضْل الَّذِي عَلَيْهِ ثَوْب وَاحِد وَلَا إِزَار تَحْته.
‏ ‏وَقَالَ صَاحِب الصِّحَاح : تَفَضَّلَتْ الْمَرْأَة فِي بَيْتهَا إِذَا كَانَتْ فِي ثَوْب وَاحِد كَقَمِيصٍ لَا كُمَّيْنِ لَهُ ‏ ‏( وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ مَا قَدْ عَلِمْت ) ‏ ‏: أَيْ الْآيَة الَّتِي سَاقَهَا قَبْل وَهِيَ { اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ } : وَقَوْله { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ } : ‏ ‏( فَكَيْفَ تَرَى فِيهِ ) ‏ ‏: وَفِي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ : قَالَتْ إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغ الرِّجَال وَعَقَلَ مَا عَقَلُوهُ وَإِنَّهُ يَدْخُل عَلَيْنَا وَإِنِّي أَظُنّ أَنَّ فِي نَفْس أَبِي حُذَيْفَة مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ‏ ‏( أَرْضِعِيهِ ) ‏ ‏: وَفِي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ : قَالَتْ كَيْفَ أُرْضِعهُ وَهُوَ رَجُل كَبِير فَتَبَسَّمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ رَجُل كَبِير , وَفِي أُخْرَى لَهُ فَقَالَتْ إِنَّهُ ذُو لِحْيَة.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : لَعَلَّهَا حَلَبَتْهُ ثُمَّ شَرِبَهُ مِنْ غَيْر أَنْ يَمَسّ ثَدْيهَا وَهَذَا أَحْسَن , وَيَحْتَمِل أَنَّهُ عَفَا عَنْ مَسّه لِلْحَاجَةِ كَمَا خُصَّ بِالرَّضَاعَةِ مَعَ الْكِبَر اِنْتَهَى ‏ ‏( أَنْ يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ عَائِشَة أَنْ يَرَاهَا ) ‏ ‏: الضَّمِير الْمَرْفُوع يَعُود إِلَى مَنْ وَالْمَنْصُوب إِلَى عَائِشَة ‏ ‏( أَنْ يَدْخُلْنَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضَاعَة ) ‏ ‏: أَيْ بِالرَّضَاعَةِ فِي الْكِبَر ‏ ‏( حَتَّى يُرْضَع ) ‏ ‏: عَلَى الْبِنَاء لِلْمَجْهُولِ ‏ ‏( فِي الْمَهْد ) ‏ ‏: أَيْ فِي حَالَة الصِّغَر حِين يَكُون الطِّفْل فِي الْمَهْد.
وَالْحَدِيث قَدْ اِسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ إِرْضَاع الْكَبِير يَثْبُت بِهِ التَّحْرِيم وَهُوَ مَذْهَب عَائِشَة وَعُرْوَة بْن الزُّبَيْر وَعَطَاء بْن أَبِي رَبَاح وَاللَّيْث بْن سَعْد وَابْن عُلَيَّة وَابْن حَزْم.
‏ ‏وَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى اِعْتِبَار الصِّغَر فِي الرَّضَاع الْمُحَرِّم وَأَجَابُوا عَنْ قِصَّة سَالِم بِأَجْوِبَةٍ , مِنْهَا أَنَّهُ حُكْم مَنْسُوخ وَقَرَّرَهُ بَعْضهمْ بِأَنَّ قِصَّة سَالِم كَانَتْ فِي أَوَائِل الْهِجْرَة , وَالْأَحَادِيث الدَّالَّة عَلَى اِعْتِبَار الْحَوْلَيْنِ مِنْ رِوَايَة أَحْدَاث الصَّحَابَة فَدَلَّ عَلَى تَأَخُّرهَا وَهُوَ مُسْتَنَد ضَعِيف إِذْ لَا يَلْزَم مِنْ تَأَخُّر إِسْلَام الرَّاوِي وَلَا مِنْ صِغَره أَنْ لَا يَكُون مَا رَوَاهُ مُتَقَدِّمًا.
وَأَيْضًا فَفِي سِيَاق قِصَّة سَالِم مَا يُشْعِر بِسَبْقِ الْحُكْم بِاعْتِبَارِ الْحَوْلَيْنِ لِقَوْلِ اِمْرَأَة أَبِي حُذَيْفَة فِي بَعْض طُرُقه حَيْثُ قَالَ لَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضِعِيهِ , قَالَتْ وَكَيْفَ أُرْضِعهُ وَهُوَ رَجُل كَبِير , فَتَبَسَّمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي رِوَايَة قَالَتْ إِنَّهُ ذُو لِحْيَة , قَالَ أَرْضِعِيهِ , وَهَذَا يُشْعِر بِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْرِف أَنَّ الصِّغَر مُعْتَبَر فِي الرَّضَاع الْمُحَرِّم.
وَمِنْهَا دَعْوَى الْخُصُوصِيَّة بِسَالِمٍ وَامْرَأَة أَبِي حُذَيْفَة وَالْأَصْل فِيهِ قَوْل أُمّ سَلَمَة وَأَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نَرَى هَذَا إِلَّا رُخْصَة أَرْخَصَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَالِمٍ خَاصَّة.
‏ ‏وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُول إِنَّ دَعْوَى الِاخْتِصَاص تَحْتَاج إِلَى دَلِيل وَقَدْ اِعْتَرَفْنَ بِصِحَّةِ الْحُجَّة الَّتِي جَاءَتْ بِهَا عَائِشَة وَلَا حُجَّة فِي إِبَائِهِنَّ لَهَا كَمَا أَنَّهُ لَا حُجَّة فِي أَقْوَالهنَّ إِذَا خَالَفَتْ الْمَرْفُوع , وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ السُّنَّة مُخْتَصَّة بِسَالِمٍ لَبَيَّنَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا بَيَّنَ اِخْتِصَاص أَبِي بُرْدَة بِالتَّضْحِيَةِ بِالْجِذْعِ مِنْ الْمَعْز وَمِنْهَا حَدِيث إِنَّمَا الرَّضَاعَة مِنْ الْمَجَاعَة , وَحَدِيث لَا رَضَاع إِلَّا مَا شَدَّ الْعَظْم وَأَنْبَتَ اللَّحْم , وَحَدِيث لَا يَحْرُم مِنْ الرَّضَاع إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاء فِي الثَّدْي وَكَانَ قَبْل الْفِطَام , رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَصَحَّحَهُ , وَحَدِيث لَا رَضَاع إِلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ لَمْ يُسْنِدهُ عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ غَيْر الْهَيْثَم بْن جَمِيل وَهُوَ ثِقَة حَافِظ.
وَقَدْ جُمِعَ بَيْن حَدِيث الْبَاب وَبَيْن هَذِهِ الْأَحَادِيث بِأَنَّ الرَّضَاع يُعْتَبَر فِيهِ الصِّغَر إِلَّا فِيمَا دَعَتْ إِلَيْهِ الْحَاجَة كَرَضَاعِ الْكَبِير الَّذِي لَا يُسْتَغْنَى عَنْ دُخُوله عَلَى الْمَرْأَة وَيَشُقّ اِحْتِجَابهَا مِنْهُ وَيُجْعَل حَدِيث الْبَاب مُخَصِّصًا لِعُمُومِ هَذِهِ الْأَحَادِيث.
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَيْخ الْإِسْلَام اِبْن تَيْمِيَة.
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ : وَهَذَا هُوَ الرَّاجِح عِنْدِي , وَقَالَ هَذِهِ طَرِيقَة مُتَوَسِّطَة بَيْن طَرِيقَة مَنْ اِسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيث عَلَى أَنَّهُ لَا حُكْم لِرَضَاعِ الْكَبِير مُطْلَقًا وَبَيْن مَنْ جَعَلَ رَضَاع الْكَبِير كَرَضَاعِ الصَّغِير مُطْلَقًا لِمَا لَا يَخْلُو عَنْهُ كُلّ وَاحِدَة مِنْ هَاتَيْنِ الطَّرِيقَتَيْنِ مِنْ التَّعَسُّف اِنْتَهَى وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم وَعِلْمه أَتَمّ.
‏ ‏قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَالْحَدِيث أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالنَّسَائِيُّ.


حديث أرضعيه فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة فبذلك كانت عائشة رضي الله عنها

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏عَنْبَسَةُ ‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏يُونُسُ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ شِهَابٍ ‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَأُمِّ سَلَمَةَ ‏ ‏أَنَّ ‏ ‏أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ‏ ‏كَانَ تَبَنَّى ‏ ‏سَالِمًا ‏ ‏وَأَنْكَحَهُ ابْنَةَ أَخِيهِ ‏ ‏هِنْدَ بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ‏ ‏وَهُوَ ‏ ‏مَوْلًى ‏ ‏لِامْرَأَةٍ مِنْ ‏ ‏الْأَنْصَارِ ‏ ‏كَمَا تَبَنَّى رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏زَيْدًا ‏ ‏وَكَانَ مَنْ تَبَنَّى رَجُلًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ‏ ‏دَعَاهُ ‏ ‏النَّاسُ إِلَيْهِ وَوُرِّثَ مِيرَاثَهُ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي ذَلِكَ ‏ { ‏ادْعُوهُمْ ‏ ‏لِآبَائِهِمْ ‏ ‏إِلَى قَوْلِهِ ‏ ‏فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ‏ ‏وَمَوَالِيكُمْ ‏ } ‏فَرُدُّوا إِلَى آبَائِهِمْ فَمَنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهُ أَبٌ كَانَ مَوْلًى وَأَخًا فِي الدِّينِ فَجَاءَتْ ‏ ‏سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الْقُرَشِيِّ ثُمَّ الْعَامِرِيِّ ‏ ‏وَهِيَ امْرَأَةُ ‏ ‏أَبِي حُذَيْفَةَ ‏ ‏فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا نَرَى ‏ ‏سَالِمًا ‏ ‏وَلَدًا وَكَانَ يَأْوِي مَعِي وَمَعَ ‏ ‏أَبِي حُذَيْفَةَ ‏ ‏فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ ‏ ‏وَيَرَانِي ‏ ‏فُضْلًا ‏ ‏وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ مَا قَدْ عَلِمْتَ فَكَيْفَ ‏ ‏تَرَى فِيهِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏أَرْضِعِيهِ فَأَرْضَعَتْهُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ فَبِذَلِكَ كَانَتْ ‏ ‏عَائِشَةُ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ‏ ‏تَأْمُرُ بَنَاتِ أَخَوَاتِهَا وَبَنَاتِ إِخْوَتِهَا أَنْ يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ ‏ ‏عَائِشَةُ ‏ ‏أَنْ يَرَاهَا وَيَدْخُلَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَأَبَتْ ‏ ‏أُمُّ سَلَمَةَ ‏ ‏وَسَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ حَتَّى يَرْضَعَ فِي الْمَهْدِ وَقُلْنَ ‏ ‏لِعَائِشَةَ ‏ ‏وَاللَّهِ مَا نَدْرِي لَعَلَّهَا كَانَتْ رُخْصَةً مِنْ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏لِسَالِمٍ ‏ ‏دُونَ النَّاسِ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث سنن أبي داود

عشر رضعات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات يحرمن

عن عائشة، أنها قالت: «كان فيما أنزل الله عز وجل من القرآن عشر رضعات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات يحرمن، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من...

لا تحرم المصة ولا المصتان

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحرم المصة ولا المصتان»

ما يذهب عني مذمة الرضاعة قال الغرة العبد أو الأمة

عن حجاج بن حجاج، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله، ما يذهب عني مذمة الرضاعة؟، قال: «الغرة العبد أو الأمة».<br> قال النفيلي: حجاج بن حجاج الأسلمي وهذا ل...

لا تنكح المرأة على عمتها ولا العمة على بنت أخيها

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تنكح المرأة على عمتها، ولا العمة على بنت أخيها، ولا المرأة على خالتها، ولا الخالة على بنت أخت...

نهى أن يجمع بين المرأة وخالتها وبين المرأة وعمتها

عن أبي هريرة قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين المرأة وخالتها، وبين المرأة وعمتها»

كره أن يجمع بين العمة والخالة وبين الخالتين والعم...

عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه «كره أن يجمع بين العمة والخالة، وبين الخالتين والعمتين»

اتركوهن إن خفتم فقد أحللت لكم أربعا

أخبرني عروة بن الزبير، أنه سأل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، عن قول الله تعالى، {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء} [ا...

إن فاطمة مني وأنا أتخوف أن تفتن في دينها

عن علي بن الحسين حدثه أنهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما، لقيه المسور بن مخرمة، فقال له: هل لك إلي من حاج...

إنما ابنتي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذ...

عن المسور بن مخرمة، حدثه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول: «إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم من علي بن أبي طالب...