3583- عن أم سلمة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له من حق أخيه بشيء، فلا يأخذ منه شيئا، فإنما أقطع له قطعة من النار»(1) 3584- عن أم سلمة قالت: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان يختصمان في مواريث لهما، لم تكن لهما بينة إلا دعواهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثله، فبكى الرجلان، وقال: كل واحد منهما حقي لك، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: «أما إذ فعلتما ما فعلتما فاقتسما، وتوخيا الحق، ثم استهما، ثم تحالا»(2) 3585- عن عبد الله بن رافع، قال: سمعت أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، قال: يختصمان في مواريث وأشياء قد درست، فقال: «إني إنما أقضي بينكم برأيي فيما لم ينزل علي فيه»(3)
(١) إسناده صحيح.
وأخرجه البخاري (٢٦٨٠) و (٦٩٦٧) و (٧١٦٩)، ومسلم (١٧١٣)، وابن ماجه (٢٣١٧)، والترمذي (١٣٨٨)، والنسائي (٥٤٠١) و (٥٤٢٢) من طريق هشام بن عروة، بهذا الإسناد.
وهو في "مسند أحمد" (٢٥٦٧٠)، و"صحيح ابن حبان" (٥٠٧٠).
وأخرجه البخاري (٢٤٥٨) و (٧١٨١) و (٧١٨٥)، ومسلم (١٧١٣) من طريق الزهري، عن عروة، به.
وهو في "مسند أحمد" (٢٦٦٢٦).
وانظر تالييه.
قال الخطابي: "ألحن بحجته" أي: أفطن لها، واللحن -مفتوحة الحاء- الفطنة، يقال: لحنت الشيء، ألحن له لحنا، ولحن الرجل في كلامه لحنا بسكون الحاء.
وفيه من الفقه وجوب الحكم بالظاهر، وأن حكم الحاكم لا يحل حراما ولا يحرم حلالا، وأنه متى أخطأ في حكمه فمضى، كان ذلك في الظاهر، فاما في الباطن وفي حكم الآخرة فإنه غير ماض.
وفيه أنه لا يجوز للمقضي له بالشيء أخذه إذا علم أنه لا يحل له فيما بينة وبين الله، ألا تراه يقول: "فلا يأخذ منه شيئا، فإنما أقطع له قطعة من النار" وقد يدخل في هذا الأموال والدماء والفروج، كان ذلك كله حق أخيه، وقد حرم عليه أخذه.
وقد أدرج الإمام البخاري في "صحيحه" هذا الحديث تحت باب من قضي له بحق أخيه فلا يأخذه، فإن قضاء الحاكم لا يحل حراما ولا يحرم حلالا.
قال العيني في "عمدة القاري" ٢٤/ ٢٥٦ تعليقا على قول البخاري "فإن قضاء الحاكم .
": هذا الكلام من كلام الشافعي، فإنه لما ذكر هذا الحديث قال: فيه دلالة أن الأمة إنما كلفوا القضاء على الظاهر، وفيه أن قضاء القاضي لا يحرم حلالا، ولا يحل حراما، وتحرير هذا الكلام أن مذهب الشافعي وأحمد وأبي ثور وداود وسائر الظاهرية أن كل قضاء قضى به الحاكم من تمليك مال أو إزالة ملك أو إثبات نكاح أو من حله بطلاق أو ما أشبه ذلك أن ذلك كله على حكم الباطن، فإن كان ذلك في الباطن كهو في الظاهر وجب ذلك على ما حكم به، ان كان ذلك في الباطن على خلاف ما شهد به الشاهدان على خلاف ما حكم به بشهادتهم على الحكم لم يكن قضاء القاضي موجبا شيئا من تمليك ولا تحريم ولا تحليل، وهو قول الثوري والأوزاعي ومالك وأبي يوسف أيضا، وقال ابن حزم: لا يحل ما كان حراما ما كان حراما قبل قضائه ولا يحرم ما كان حلالا قبل قضائه أنه إنما القاضي منفذ على الممتنع فقط لا مزية له سوى هذا.
وقال الشعبي وأبو حنيفة ومحمد: ما كان من تمليك مال فهو على حكم الباطن، وما كان من ذلك من قضاء بطلاق أو نكاح بشهود ظاهرهم العدالة وباطنهم الجراحة، فحكم الحاكم بشهادتهم على ظاهرهم الذي تعبد الله أن يحكم بشهادة مثلهم معه فذلك يجزيهم في الباطن لكفايتهم في الظاهر.
وقال الإمام النووي في "شرح مسلم" ١٢/ ٦: وفي هذا الحديث دلالة لمذهب مالك والشافعي وأحمد وجماهير علماء الإسلام وفقهاء الأمصار من الصحابة والتابعين فمن بعدهم أن حكم الحاكم لا يحيل الباطن ولا يحل حراما، فإذا شهد شاهدا زور لإنسان بمال فحكم به الحاكم، لم يحل للمحكوم له ذلك المال، ولو شهدا عليه بقتل لم يحل للولي قتله مع علمه بكذبهما، وإن شهدا بالزور أنه طلق امرأته، لم يحل لمن علم بكذبهما أن يتزوجها بعد حكم القاضي بالطلاق، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: يحل حكم الحاكم الفروج دون الأموال، فقال: يحل نكاح المذكورة وهذا مخالف لهذا الحديث الصحيح ولإجماع من قبله، ومخالف لقاعدة وافق هو وغيره عليها وهو أن الأبضاع أولى بالاحتياط من الأموال.
(٢)إسناده حسن أسامة بن زيد -وهو الليثي- صدوق حسن الحديث، وباقي رجاله ثقات.
وأخرجه ابن أبي شيبة ٧/ ٢٣٣ - ٢٣٤، وإسحاق بن راهويه في "مسنده" (١٨٢٣)، وأبو يعلى (٧٠٢٧)، وابن الجارود (١٠٠٠)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (٧٥٥ - ٧٦٠)، وفي "شرح معاني الآثار" ٤/ ١٥٥، والطبراني في "الكبير" ٢٣/ (٦٦٣)، والدارقطني (٤٥٨٠) و (٤٥٨١)، والحاكم ٤/ ٩٥، والبيهقي ٦/ ٦٦، والبغوي في "شرح السنة" (٢٥٠٨) من طرق عن أسامة بن زيد الليثي، به.
وقوله: استهما، معناه: اقترعا، والاستهام: الاقتراع.
قال الخطابي: وفيه دليل على أن الصلح لا يصح إلا في الشيء المعلوم، ولذلك أمرهما بالتوخي في مقدار الحق، ثم لم يقنع فيه بالتوخي حتى ضم إليه القرعة، وذلك أن التوخي انما هو أكثر الرأي وغالب الظن، والقرعة نوع من البينة فهي أقوى من التوخي، ثم أمرهما بعد ذلك بالتحليل ليكون تصادرهما عن تعين براءة، وافتراقهما عن طيب نفس ورضا.
قاله الخطابي.
(٣)إسناده حسن كسابقه.
عيسى: هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي.
وأخرجه أبو يعلى (٦٨٩٧)، والبيهقي ١٠/ ٢٦٠ من طريق أسامة بن زيد، به.
وانظر ما قبله.
عون المعبود على شرح سنن أبي داود: أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي
( إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ) : قَالَ الْحَافِظ : الْمُرَاد أَنَّهُ مُشَارِك لِلْبَشَرِ فِي أَصْل الْخِلْقَة , وَلَوْ زَادَ عَلَيْهِمْ بِالْمَزَايَا الَّتِي اُخْتُصَّ بِهَا فِي ذَاته وَصِفَاته , وَالْحَصْر هُنَا مَجَازِيّ لِأَنَّهُ يَخْتَصّ بِالْعِلْمِ الْبَاطِن وَيُسَمَّى قَصْرَ قَلْبٍ ; لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ رَدًّا عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَنْ كَانَ رَسُولًا فَإِنَّهُ يَعْلَم كُلّ غَيْب حَتَّى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ الْمَظْلُوم اِنْتَهَى.
( وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ ) : أَيْ تَرْفَعُونَ الْمُخَاصَمَة إِلَيَّ ( أَنْ يَكُون ) : قَالَ الطِّيبِيُّ : زِيدَ لَفْظَة " أَنْ " فِي خَبَر لَعَلَّ تَشْبِيهًا لَهُ بِعَسَى ( أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ ) : أَفْعَلُ تَفْضِيل مِنْ لَحِنَ بِمَعْنَى فَطِنَ وَوَزْنه أَيْ أَفْطَنَ بِهَا.
قَالَ فِي النَّيْل : وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ أَفْصَحَ تَعْبِيرًا عَنْهَا وَأَظْهَرَ اِحْتِجَاجًا حَتَّى يُخَيَّل أَنَّهُ مُحِقّ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة مُبْطِل , وَالْأَظْهَر أَنَّ مَعْنَاهُ أَبْلَغُ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَة فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْ أَحْسَنَ إِيرَادًا لِلْكَلَامِ ( مِنْ حَقّ أَخِيهِ ) : أَيْ مِنْ الْمَال وَغَيْره ( فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَة مِنْ النَّار ) : بِكَسْرِ الْقَاف أَيْ طَائِفَة أَيْ إِنْ أَخَذَهَا مَعَ عِلْمه بِأَنَّهَا حَرَام عَلَيْهِ دَخَلَ النَّار.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : فِيهِ مِنْ الْفِقْه وُجُوب الْحُكْم بِالظَّاهِرِ , وَأَنَّ حُكْم الْحَاكِم لَا يُحِلّ حَرَامًا وَلَا يُحَرِّم حَلَالًا , وَأَنَّهُ مَتَى أَخْطَأَ فِي حُكْمه فَقَضَى كَانَ ذَلِكَ فِي الظَّاهِر , فَأَمَّا فِي الْبَاطِن وَفِي حُكْم الْآخِرَة فَإِنَّهُ غَيْر مَاضٍ اِنْتَهَى.
قَالَ النَّوَوِيّ فِي شَرْح مُسْلِم : فِي هَذَا الْحَدِيث دَلَالَة لِمَذْهَبِ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِير عُلَمَاء الْإِسْلَام وَفُقَهَاء الْأَمْصَار مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدهمْ أَنَّ حُكْم الْحَاكِم لَا يُحِلّ الْبَاطِنَ وَلَا يُحِلّ حَرَامًا فَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَا زُورٍ لِإِنْسَانٍ بِمَالٍ فَحَكَمَ بِهِ الْحَاكِم لَمْ يَحِلّ لِلْمَحْكُومِ لَهُ ذَلِكَ , وَلَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِقَتْلٍ لَمْ يَحِلّ لِلْوَلِيِّ قَتْله مَعَ عِلْمه بِكَذِبِهِمَا وَلَا أَخْذ الدِّيَة مِنْهُ , وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَ اِمْرَأَته لَمْ يَحِلّ لِمَنْ عَلِمَ بِكَذِبِهِمَا أَنْ يَتَزَوَّجهَا بَعْدَ حُكْم الْقَاضِي بِالطَّلَاقِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : يُحِلّ حُكْم الْحَاكِم الْفُرُوجَ دُونَ الْأَمْوَال , فَقَدْ يُحِلّ نِكَاحَ الْمَذْكُورَة , وَهَذَا مُخَالِف لِلْحَدِيثِ الصَّحِيح وَالْإِجْمَاع مِنْ قَبْله اِنْتَهَى.
وَقَالَ فِي مَعَالِم السُّنَن : قَالَ أَبُو حَنِيفَة : إِذَا اِدَّعَتْ الْمَرْأَة عَلَى زَوْجهَا الطَّلَاقَ وَشَهِدَ لَهَا شَاهِدَانِ بِهِ , فَقَضَى الْحَاكِم بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنهمَا , وَقَعَتْ الْفُرْقَة فِيمَا بَيْنهمَا وَبَيْن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَإِنْ كَانَا شَاهِدَيْ زُورٍ وَجَازَ لِكُلِّ وَاحِد مِنْ الشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَنْكِحهَا , وَخَالَفَهُ أَصْحَابه فِي ذَلِكَ اِنْتَهَى.
وَقَالَ فِي السُّبُل : وَالْحَدِيث دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُكْم الْحَاكِم لَا يَحِلّ بِهِ لِلْمَحْكُومِ لَهُ مَا حُكِمَ لَهُ بِهِ عَلَى غَيْره إِذَا كَانَ مَا اِدَّعَاهُ بَاطِلًا فِي نَفْس الْأَمْر , وَمَا أَقَامَهُ مِنْ الشَّهَادَة الْكَاذِبَة , وَأَمَّا الْحَاكِم فَيَجُوز لَهُ الْحُكْم بِمَا ظَهَرَ لَهُ وَالْإِلْزَام بِهِ , وَتَخْلِيص الْمَحْكُوم عَلَيْهِ لِمَا حُكِمَ بِهِ لَوْ اِمْتَنَعَ وَيَنْفُذ حُكْمه ظَاهِرًا , وَلَكِنَّهُ لَا يَحِلّ بِهِ الْحَرَام إِذَا كَانَ الْمُدَّعِي مُبْطِلًا وَشَهَادَته كَاذِبَةً.
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُور , وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَة فَقَالَ : إِنَّهُ يَنْفُد ظَاهِرًا وَبَاطِنًا , وَإِنَّهُ لَوْ حَكَمَ الْحَاكِم بِشَهَادَةِ زُور أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَة زَوْجَة فُلَان حَلَّتْ لَهُ , وَاسْتَدَلَّ بِآثَارٍ لَا يَقُوم بِهَا دَلِيل وَبِقِيَاسٍ لَا يَقْوَى عَلَى مُقَاوَمَة النَّصّ اِنْتَهَى.
قُلْت : وَلِذَلِكَ خَالَفَهُ أَصْحَابه وَوَافَقُوا الْجُمْهُور.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ.
( أَبُو تَوْبَة ) : كُنْيَة الرَّبِيع ( فِي مَوَارِيث لَهُمَا ) : جَمْع مَوْرُوث أَيْ تَدَاعَيَا فِي أَمْتِعَة فَقَالَ أَحَدهمَا هَذِهِ لِي وَرِثْتهَا مِنْ مُوَرِّثِي , وَقَالَ الْآخَر كَذَلِكَ.
قَالَهُ الْقَارِي ( إِلَّا دَعْوَاهُمَا ) : إِلَّا هُنَا بِمَعْنَى غَيْر أَوْ الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطِع ( فَذَكَرَ مِثْله ) : أَيْ مِثْل الْحَدِيث السَّابِق وَلَفْظ الْمِشْكَاة " فَقَالَ مَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَة مِنْ النَّار " ( وَقَالَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا : حَقِّي لَك ) : وَفِي الْمِشْكَاة فَقَالَ الرَّجُلَانِ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا يَا رَسُول اللَّه حَقِّي هَذَا لِصَاحِبِي ( فَاقْتَسِمَا ) : أَيْ نِصْفَيْنِ عَلَى سَبِيل الِاشْتِرَاك ( وَتَوَخَّيَا ) : بِفَتْحِ الْوَاو وَبِتَشْدِيدِ الْخَاء الْمُعْجَمَة أَيْ اُطْلُبَا ( الْحَقّ ) : أَيْ الْعَدْل فِي الْقِسْمَة وَاجْعَلَا الْمُتَنَازَعَ فِيهِ نِصْفَيْنِ ( ثُمَّ اسْتَهِمَا ) : أَيْ اِقْتَرِعَا لِتَعْيِينِ الْحِصَّتَيْنِ إِنْ وَقَعَ التَّنَازُع بَيْنكُمَا لِيَظْهَر أَيّ الْقِسْمَيْنِ وَقَعَ فِي نَصِيب كُلّ مِنْهُمَا , وَلْيَأْخُذْ كُلّ وَاحِد مِنْكُمَا مَا تُخْرِجهُ الْقُرْعَة مِنْ الْقِسْمَة قَالَهُ الْقَارِي.
وَقَالَ السُّيُوطِيُّ : تَوَخَّيَا الْحَقّ أَيْ اِقْصِدَا الْحَقّ فِيمَا تَصْنَعَانِهِ مِنْ الْقِسْمَة وَقَوْله ثُمَّ اِسْتَهِمَا , قَالَ الْخَطَّابِيُّ : مَعْنَاهُ اِقْتَرِعَا , زَادَ فِي النِّهَايَة يَعْنِي لِيَظْهَرَ سَهْم كُلّ وَاحِد مِنْكُمَا اِنْتَهَى.
( ثُمَّ تَحَالَّا ) : بِتَشْدِيدِ اللَّام أَيْ لِيَجْعَلْ كُلّ وَاحِد مِنْكُمَا صَاحِبه فِي حِلٍّ مِنْ قِبَله بِإِبْرَاءِ ذِمَّته.
وَلَفْظ الْمِشْكَاة " ثُمَّ لِيُحْلِّلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ ".
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الصُّلْح لَا يَصِحّ إِلَّا فِي الشَّيْء الْمَعْلُوم , وَلِذَلِكَ أَمَرَهُمَا بِالتَّوَخِّي فِي مِقْدَار الْحَقّ , ثُمَّ لَمْ يَقْنَع عَلَيْهِ السَّلَام بِالتَّوَخِّي حَتَّى ضَمَّ إِلَيْهِ الْقُرْعَة , وَذَلِكَ أَنَّ التَّوَخِّيَ إِنَّمَا هُوَ أَكْثَرُ الرَّأْي وَغَالِب الظَّنّ , وَالْقُرْعَة نَوْع مِنْ الْبَيِّنَة , فَهِيَ أَقْوَى مِنْ التَّوَخِّي , ثُمَّ أَمَرَهُمَا عَلَيْهِ السَّلَام بَعْد ذَلِكَ بِالتَّحْلِيلِ لِيَكُونَ اِفْتِرَاقهمَا عَنْ تَعَيُّن بَرَاءَةٍ وَطِيب نَفْس وَرِضًى , وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ التَّحْلِيل إِنَّمَا يَصِحّ فِيمَا كَانَ مَعْلُوم الْمِقْدَار غَيْر مَجْهُول الْكَمِّيَّة.
وَقَدْ جَمَعَ هَذَا الْحَدِيثُ ذِكْر الْقِسْمَة وَالتَّحْلِيل , وَالْقِسْمَة لَا تَكُون إِلَّا فِي الْأَعْيَان , وَالتَّحْلِيل لَا يَصِحّ إِلَّا فِيمَا يَقَع فِي الذِّمَم دُون الْأَعْيَان , فَوَجَبَ أَنْ يُصْرَف مَعْنَى التَّحْلِيل إِلَى مَا كَانَ مِنْ خَرَاج وَغَلَّة حَصَلَتْ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْعَيْن الَّتِي وَقَعَتْ فِيهِ الْقِسْمَة اِنْتَهَى.
وَقَالَ الْقَارِي فِي الْمِرْقَاة : إِنَّ هَذَا مِنْ طَرِيق الْوَرَع وَالتَّقْوَى لَا مِنْ بَاب الْحُكُومَة وَالْفَتْوَى , وَإِنَّ الْبَرَاءَة الْمَجْهُولَة عِنْد الْحَنَفِيَّة تَصِحّ فَهُوَ مَحْمُول عَلَى سُلُوك سَبِيل الِاحْتِيَاط وَاَللَّه أَعْلَمُ.
وَالْحَدِيث سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ.
( وَأَشْيَاء قَدْ دَرَسَتْ ) : فِي الْقَامُوس : دَرَسَ الرَّسْم دُرُوسًا عَفَا , وَدَرَسَتْهُ الرِّيح لَازِمٌ مُتَعَدٍّ وَالثَّوْبَ أَخْلَقَهُ فَدَرَسَ هُوَ لَازِمٌ مُتَعَدٍّ اِنْتَهَى.
وَفِي الْمِصْبَاح : دَرَسَ الْمَنْزِلُ دُرُوسًا مِنْ بَاب قَدْ عَفَا وَخَفِيَتْ آثَاره , وَدَرَسَ الْكِتَابُ عَتُقَ اِنْتَهَى.
( بِرَأْيِي ) : هَذَا مِمَّا اِسْتَدَلَّ بِهِ أَهْل الْأُصُول عَلَى جَوَاز الْعَمَل بِالْقِيَاسِ وَأَنَّهُ حُجَّة , وَكَذَا اِسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ بَعْث مُعَاذ الْمَعْرُوف.
قَالَهُ فِي النَّيْل.
وَالْحَدِيث سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِشَيْءٍ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ أَبُو تَوْبَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ فِي مَوَارِيثَ لَهُمَا لَمْ تَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ إِلَّا دَعْوَاهُمَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَذَكَرَ مِثْلَهُ فَبَكَى الرَّجُلَانِ وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقِّي لَكَ فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا إِذْ فَعَلْتُمَا مَا فَعَلْتُمَا فَاقْتَسِمَا وَتَوَخَّيَا الْحَقَّ ثُمَّ اسْتَهَمَا ثُمَّ تَحَالَّا حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ أَخْبَرَنَا عِيسَى حَدَّثَنَا أُسَامَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ يَخْتَصِمَانِ فِي مَوَارِيثَ وَأَشْيَاءَ قَدْ دَرَسَتْ فَقَالَ إِنِّي إِنَّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ بِرَأْيِي فِيمَا لَمْ يُنْزَلْ عَلَيَّ فِيهِ
عن ابن شهاب، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال وهو على المنبر: «يا أيها الناس، إن الرأي إنما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيبا لأن الله كان ي...
معاذ بن معاذ، قال: أخبرني أبو عثمان الشامي: «ولا إخالني رأيت شأميا أفضل منه يعني حريز بن عثمان»
عن عبد الله بن الزبير، قال: «قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الخصمين يقعدان بين يدي الحكم»
عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، أنه كتب إلى ابنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقضي الحكم بين اثنين وهو غضبان»
عن ابن عباس، قال: " {فإن جاءوك فاحكم بينهم، أو أعرض عنهم}، فنسخت، قال: {فاحكم بينهم بما أنزل الله} [المائدة: ٤٨] "
عن ابن عباس، قال: " لما نزلت هذه الآية {فإن جاءوك فاحكم بينهم، أو أعرض عنهم وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط} الآية، قال: كان بنو النضير إذا قتلوا من بني ق...
عن الحارث بن عمرو ابن أخي المغيرة بن شعبة، عن أناس من أهل حمص، من أصحاب معاذ بن جبل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبعث معاذا إلى اليمن...
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصلح جائز بين المسلمين» زاد أحمد، «إلا صلحا أحل حراما، أو حرم حلالا» وزاد سليمان بن داود، وقال...
عبد الله بن كعب بن مالك، أن كعب بن مالك، أخبره أنه، تقاضى ابن أبي حدرد دينا كان عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فارتفعت أصواتهما ح...