حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

نهى عن كل مسكر ومفتر - سنن أبي داود

سنن أبي داود | كتاب الأشربة باب النهي عن المسكر (حديث رقم: 3686 )


3686- عن أم سلمة، قالت: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر»

أخرجه أبو داوود


صحيح لغيره دون قولها: ومفتر، فقد عده الحافظ صالح بن محمد البغدادي من تفردات شهر بن حوشب (وهو ضعيف)، لأنه لم يذكر في شيء من الحديث.
وعده الحافظ الذهبي في "الميزان" من مناكيره.
لكن حسن إسناده الحافظ ابن حجر في "الفتح" ١٠/ ٤٤! ونقل المناوي في "فيض القدير" ٦/ ٣٣٨ عن الحافظ العراقي أنه صحح إسناده! وأنه احتج به في مجلس حضره أكابر علماء العصر لبحث تحريم الحشيش فأعجب من حضر.
وأخرجه ابن أبي شية ٨/ ١٠٣، وأحمد في "مسنده" (٢٦٦٣٤)، وفي "الأشربة" (٤)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" ٤/ ٢١٦، والطبراني في "الكبير" ٢٣/ (٧٨١)، وأبو الشيخ في "طبقات المحدثين بأصبهان، ٣/ ١٢٢، والبيهقي ٨/ ٢٩٦ من طريق الحسن بن عمرو الفقيمي، بهذا الإسناد.
والمفتر: قال الخطابي: كل شراب يورث الفتور والخدر في الأطراف، وهو مقدمة السكر، نهى عن شربه لئلا يكون ذريعة إلى السكر.
ونقل صاحب "عون المعبود" ١٠/ ٩٢ عن الحافظ العراقي وشيخ الإسلام ابن تيمية الإجماع على تحريم الحشيشة -أعني المخدرات- وأن من استحلها كفر.
وانظر "الفتاوى" ٢٣/ ٣٥٦ - ٣٥٩.

شرح حديث (نهى عن كل مسكر ومفتر)

عون المعبود على شرح سنن أبي داود: أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي

‏ ‏( الْفُقَيْمِيّ ) ‏ ‏: بِضَمِّ الْفَاء وَفَتْح الْقَاف مَنْسُوب إِلَى فُقَيْم بَطْن مِنْ تَمِيم , قَالَهُ السُّيُوطِيّ ‏ ‏( نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلّ مُسْكِر وَمُفْتِرٍ ) ‏ ‏: قَالَ الْقَارِي فِي الْمِرْقَاة : بِكَسْرِ التَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ.
‏ ‏قَالَ فِي النِّهَايَةِ : الْمُفْتِرُ هُوَ الَّذِي إِذَا شُرِبَ أَحْمَى الْجَسَدَ وَصَارَ فِيهِ فُتُور وَهُوَ ضَعْف وَانْكِسَارٌ , يُقَال أَفْتَرَ الرَّجُلُ فَهُوَ مُفْتِرٌ إِذَا ضَعُفَتْ جُفُونه وَانْكَسَرَ طَرْفُهُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَفْتَرَهُ بِمَعْنَى فَتَرَهُ أَيْ جَعَلَهُ فَاتِرًا وَإِمَّا أَنْ يَكُون أَفْتَرَ الشَّرَابُ إِذَا فَتَرَ شَارِبُهُ كَأَقْطَفَ الرَّجُلُ إِذَا قَطَفَتْ دَابَّتُهُ , وَمُقْتَضَى هَذَا سُكُون الْفَاء وَكَسْر الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة مَعَ التَّخْفِيف.
‏ ‏قَالَ الطِّيبِيُّ : لَا يَبْعُد أَنْ يُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى تَحْرِيم الْبَنْج وَالشَّعْثَاء وَنَحْوهمَا مِمَّا يُفْتِر وَيُزِيل الْعَقْل , لِأَنَّ الْعِلَّةَ وَهِيَ إِزَالَة الْعَقْل مُطَّرِدَة فِيهِمَا.
وَقَالَ فِي مِرْقَاة الصُّعُود : يُحْكَى أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْعَجَم قَدِمَ الْقَاهِرَةَ وَطَلَب الدَّلِيل عَلَى تَحْرِيم الْحَشِيشَة , وَعُقِدَ لِذَلِكَ مَجْلِس حَضَرَهُ عُلَمَاء الْعَصْر فَاسْتَدَلَّ الْحَافِظ زَيْن الدِّين الْعِرَاقِيّ بِهَذَا الْحَدِيث فَأَعْجَبَ الْحَاضِرِينَ اِنْتَهَى.
‏ ‏وَقَالَ فِي السُّبُل : قَالَ الْمُصَنِّف : أَيْ الْحَافِظ اِبْن حَجَر مَنْ قَالَ إِنَّهَا أَيْ الْحَشِيشَة لَا تُسْكِر وَإِنَّمَا تُخَدِّر فَهِيَ مُكَابَرَة فَإِنَّهَا تُحْدِث مَا يُحْدِث الْخَمْر مِنْ الطَّرَب وَالنَّشْأَة قَالَ : وَإِذَا سُلِّمَ عَدَم الْإِسْكَار فَهِيَ مُفْتِرَة.
‏ ‏وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ : " أَنَّهُ نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلّ مُسْكِر وَمُفْتِر ".
‏ ‏قَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْمُفْتِر كُلّ شَرَاب يُورِث الْفُتُور وَالرَّخْوَة فِي الْأَعْضَاء وَالْخَدَرَ فِي الْأَطْرَاف وَهُوَ مُقَدِّمَة السُّكْر , وَنَهَى عَنْ شُرْبه لِئَلَّا يَكُون ذَرِيعَة إِلَى السُّكْر.
وَحَكَى الْعِرَاقِيّ وَابْن تَيْمِيَّة الْإِجْمَاع عَلَى تَحْرِيم الْحَشِيشَة , وَأَنَّ مَنْ اِسْتَحَلَّهَا كَفَرَ.
‏ ‏قَالَ اِبْن تَيْمِيَّة : إِنَّ الْحَشِيشَة أَوَّل مَا ظَهَرَتْ فِي آخِر الْمِائَة السَّادِسَة مِنْ الْهِجْرَة حِين ظَهَرَتْ دَوْلَة التَّتَار , وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُنْكَرَات وَهِيَ شَرٌّ مِنْ الْخَمْر مِنْ بَعْض الْوُجُوه , لِأَنَّهَا تُورِث نَشْأَةً وَلَذَّةً وَطَرَبًا كَالْخَمْرِ وَتُصَعِّبُ الطَّعَامَ عَلَيْهَا أَعْظَمَ مِنْ الْخَمْر , وَإِنَّمَا لَمْ يَتَكَلَّم فِيهَا الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي زَمَنهمْ.
وَقَدْ أَخْطَأَ الْقَائِل : ‏ ‏حَرَّمُوهَا مِنْ غَيْرِ عَقْلٍ وَنَقْلٍ ‏ ‏وَحَرَامٌ تَحْرِيمُ غَيْرِ الْحَرَامِ ‏ ‏وَأَمَّا الْبَنْج فَهُوَ حَرَام.
قَالَ اِبْن تَيْمِيَّة : إِنَّ الْحَدّ فِي الْحَشِيشَة وَاجِب.
‏ ‏قَالَ اِبْن الْبَيْطَار : إِنَّ الْحَشِيشَة - وَتُسَمَّى الْقِنَّب يُوجَد فِي مِصْر - مُسْكِرَة جِدًّا إِذَا تَنَاوَلَ الْإِنْسَان مِنْهَا قَدْر دِرْهَم أَوْ دِرْهَمَيْنِ , وَقَبَائِح خِصَالهَا كَثِيرَةٌ وَعَدَّ مِنْهَا بَعْض الْعُلَمَاء مِائَة وَعِشْرِينَ مَضَرَّة دِينِيَّة وَدُنْيَوِيَّة , وَقَبَائِح خِصَالهَا مَوْجُودَة فِي الْأَفْيُون , وَفِيهِ زِيَادَة مَضَارّ.
‏ ‏قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد فِي الْجَوْزَة : إِنَّهَا مُسْكِرَة , وَنَقَلَهُ عَنْهُ مُتَأَخِّر عُلَمَاء الْفَرِيقَيْنِ وَاعْتَمَدُوهُ اِنْتَهَى.
‏ ‏وَقَالَ اِبْن رَسْلَان فِي شَرْح السُّنَن : الْمُفَتِّر بِضَمِّ الْمِيم وَفَتْح الْفَاء وَتَشْدِيد الْمُثَنَّاة فَوْق الْمَكْسُورَة وَيَجُوز فَتْحهَا وَيَجُوز تَخْفِيف التَّاء مَعَ الْكَسْر هُوَ كُلّ شَرَاب يُورِث الْفُتُور وَالْخَدَر فِي أَطْرَاف الْأَصَابِع وَهُوَ مُقَدِّمَة السُّكْر , وَعَطْف الْمُفَتِّر عَلَى الْمُسْكِر يَدُلّ عَلَى الْمُغَايَرَة بَيْن السُّكْر وَالتَّفْتِير , لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ بَيْن الشَّيْئَيْنِ , فَيَجُوز حَمْل الْمُسْكِر عَلَى الَّذِي فِيهِ شِدَّة مُطْرِبَةٍ وَهُوَ مُحَرَّم يَجِب فِيهِ الْحَدّ وَيُحْمَل الْمُفَتِّر عَلَى النَّبَات كَالْحَشِيشِ الَّذِي يَتَعَاطَاهُ السَّفِلَة.
‏ ‏قَالَ الرَّافِعِيّ : إِنَّ النَّبَات الَّذِي يُسْكِر , وَلَيْسَ فِيهِ شِدَّة مُطْرِبَة يَحْرُم أَكْله وَلَا حَدّ فِيهِ.
‏ ‏قَالَ اِبْن رَسْلَان : وَيُقَال إِنَّ الزَّعْفَرَان يُسْكِر إِذَا اُسْتُعْمِلَ مُفْرَدًا بِخِلَافِ مَا إِذَا اُسْتُهْلِكَ فِي الطَّعَام وَكَذَا الْبَنْج شُرْب الْقَلِيل مِنْ مَائِهِ يُزِيل الْعَقْل وَهُوَ حَرَام إِذَا زَالَ الْعَقْل لَكِنْ لَا حَدّ فِيهِ اِنْتَهَى كَلَامه مُلَخَّصًا.
‏ ‏وَقَالَ الْعَلَّامَة الْأَرْدَبِيلِيّ فِي الْأَزْهَار شَرْح الْمَصَابِيح نَاقِلًا عَنْ الْإِمَام شَرَف الدِّين إِنَّ الْجَوْز الْهِنْدِيّ وَالزَّعْفَرَان وَنَحْوهمَا يَحْرُم الْكَثِير مِنْهُ لِأَضْرَارِهِ لَا لِكَوْنِهِ مُسْكِرًا , وَكَذَلِكَ القريط وَهُوَ الْأَفْيُون اِنْتَهَى.
‏ ‏وَقَالَ الْعَلَّامَة أَبُو بَكْر بْن قُطْب الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي تَكْرِيم الْمَعِيشَة : إِنَّ الْحَشِيشَة مُلْحَقَة بِجَوْزِ الطِّيب وَالزَّعْفَرَان وَالْأَفْيُون وَالْبَنْج وَهَذِهِ مِنْ الْمُسْكِرَات الْمُخَدِّرَات.
‏ ‏قَالَ الزَّرْكَشِيّ : إِنَّ هَذِهِ الْأُمُور الْمَذْكُورَة تُؤَثِّر فِي مُتَعَاطِيهَا الْمَعْنَى الَّذِي يُدْخِلهُ فِي حَدّ السَّكْرَان , فَإِنَّهُمْ قَالُوا السَّكْرَان هُوَ الَّذِي اِخْتَلَّ كَلَامه الْمَنْظُوم , وَانْكَشَفَ سِرّه الْمَكْتُوم.
‏ ‏وَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الَّذِي لَا يَعْرِف السَّمَاء مِنْ الْأَرْض.
‏ ‏وَقِيلَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إِنْ أُرِيدَ بِالْإِسْكَارِ تَغْطِيَة الْعَقْل فَهَذِهِ كُلّهَا صَادِق عَلَيْهَا مَعْنَى الْإِسْكَار وَإِنْ أُرِيدَ بِالْإِسْكَارِ تَغْطِيَة الْعَقْل مَعَ الطَّرَب فَهِيَ خَارِجَة عَنْهُ , فَإِنَّ إِسْكَار الْخَمْر تَتَوَلَّى مِنْهُ النَّشْأَة وَالنَّشَاط وَالطَّرَب وَالْعَرْبَدَة وَالْحِمْيَة , وَالسَّكْرَان بِالْحَشِيشَةِ وَنَحْوهَا يَكُون مِمَّا فِيهِ ضِدّ ذَلِكَ , فَنُقَرِّر مِنْ هَذَا أَنَّهَا لَا تَحْرُم إِلَّا لِمَضَرَّتِهَا الْعَقْلَ , وَدُخُولهَا فِي الْمُفَتِّر الْمَنْهِيّ عَنْهُ , وَلَا يَجِب الْحَدّ عَلَى مُتَعَاطِيهَا , لِأَنَّ قِيَاسهَا عَلَى الْخَمْر مَعَ الْفَارِق , وَهُوَ اِنْتِفَاء بَعْض الْأَوْصَاف لَا يَصِحّ اِنْتَهَى.
‏ ‏وَفِي التَّلْوِيح : السُّكْر هُوَ حَالَة تَعْرِض لِلْإِنْسَانِ مِنْ اِمْتِلَاء دِمَاغه مِنْ الْأَبْخِرَة الْمُتَصَاعِدَة إِلَيْهِ , فَيُعَطَّل مَعَهُ عَقْلُهُ الْمُمَيِّز بَيْن الْأُمُور الْحَسَنَة وَالْقَبِيحَة اِنْتَهَى.
وَفِي كَشْف الْكَبِير : قِيلَ هُوَ سُرُور يَغْلِب عَلَى الْعَقْل بِمُبَاشَرَةِ بَعْض الْأَسْبَاب الْمُوجِبَة لَهُ فَيَمْتَنِع الْإِنْسَان عَنْ الْعَمَل بِمُوجَبِ عَقْله مِنْ غَيْر أَنْ يُزِيلهُ وَبِهَذَا بَقِيَ السَّكْرَان أَهْلًا لِلْخِطَابِ اِنْتَهَى.
‏ ‏وَقَالَ السَّيِّد الشَّرِيف الْجُرْجَانِيّ فِي تَعْرِيفَاته : السُّكْر غَفْلَة تَعْرِض بِغَلَبَةِ السُّرُور عَلَى الْعَقْل بِمُبَاشَرَةِ مَا يُوجِبهَا مِنْ الْأَكْل وَالشُّرْب.
‏ ‏وَالسُّكْر مِنْ الْخَمْر عِنْد أَبِي حَنِيفَة رَحِمَهُ اللَّه : أَنْ لَا يَعْلَم الْأَرْض مِنْ السَّمَاء وَعِنْد أَبِي يُوسُف وَمُحَمَّد الشَّافِعِيّ أَنْ يَخْتَلِط كَلَامه , وَعِنْد بَعْضهمْ أَنْ يَخْتَلِطَ فِي مَشْيه بِحَرَكَةٍ اِنْتَهَى.
‏ ‏وَفِي الْقَامُوس : فَتَرَ جِسْمه فُتُورًا لَانَتْ مَفَاصِله وَضَعُفَ , الْفُتَارُ كَغُرَابٍ اِبْتِدَاءُ النَّشْوَة , وَأَفْتَرَ الشَّرَابُ فَتَرَ شَارِبُهُ اِنْتَهَى.
‏ ‏وَفِي الْمِصْبَاح : وَخَدِرَ الْعُضْو خَدَرًا مِنْ بَاب تَعِبَ اِسْتَرْخَى فَلَا يُطِيق الْحَرَكَةَ وَقَالَ فِي النِّهَايَة فِي حَدِيث عُمَر أَنَّهُ رَزَقَ النَّاسَ الطِّلَاءَ فَشَرِبَهُ رَجُل فَتَخَدَّرَ أَيْ ضَعُفَ وَفَتَرَ كَمَا يُصِيب الشَّارِبَ قَبْلَ السُّكْرِ اِنْتَهَى.
وَسَيَجِيءُ حَدِيث عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
‏ ‏وَفِي رَدّ الْمُحْتَار عَنْ الْخَانِيَّة فِي تَعْرِيف السَّكْرَان أَنَّهُ مَنْ يَخْتَلِط كَلَامه وَيَصِير غَالِبُهُ الْهَذَيَان.
‏ ‏وَقَالَ الشَّيْخ زَكَرِيَّا بْن مُحَمَّد الْقَزْوِينِيّ فِي كِتَابه عَجَائِب الْمَخْلُوقَات وَالْحَيَوَانَات وَغَرَائِب الْمَوْجُودَات : الزَّعْفَرَان يُقَوِّي الْقَلْب وَيُفْرِح وَيُورِث الضَّحِك , وَالزَّائِدُ عَلَى الدِّرْهَم سُمٌّ قَاتِل اِنْتَهَى.
‏ ‏وَنُقِلَ عَنْ الْإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل أَنَّهُ كَانَ يَكْتُب عَلَى جَام أَبْيَضَ بِزَعْفَرَانٍ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي عَسُرَ عَلَيْهَا وِلَادَتهَا , وَكَانَتْ الْمَرْأَة تَشْرَبهُ , كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزُّرْقَانِيّ فِي شَرْح الْمَوَاهِب , وَفِيهِ دَلَالَة وَاضِحَة عَلَى أَنَّ الْإِمَام أَحْمَد لَا يَرَى السُّكْر فِي الزَّعْفَرَان وَإِلَّا كَيْف يَجُوز لَهُ الْكِتَابَة بِزَعْفَرَانٍ لِأَجْلِ شُرْبهَا.
‏ ‏قَالَ الْحَافِظ اِبْن الْقَيِّم فِي زَاد الْمَعَاد : قَالَ الْخَلَّال : حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد قَالَ رَأَيْت أَبِي يَكْتُب لِلْمَرْأَةِ إِذَا عَسُرَ عَلَيْهَا وِلَادَتهَا فِي جَام أَبْيَضَ أَوْ شَيْء نَظِيف يَكْتُب حَدِيث اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : " لَا إِلَه إِلَّا اللَّه الْحَلِيم الْكَرِيم " إِلَى آخِر الْحَدِيث.
قَالَ الْخَلَّال : أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْر الْمَرْوَزِيُّ أَنَّ أَبَا عَبْد اللَّه جَاءَهُ رَجُل فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْد اللَّه تَكْتُب لِامْرَأَةٍ قَدْ عَسُرَ عَلَيْهَا وَلَدهَا مُنْذُ يَوْمَيْنِ , فَقَالَ قُلْ لَهُ يَجِيء بِجَامٍ وَاسِع وَزَعْفَرَان وَرَأَيْته يَكْتُب لِغَيْرِ وَاحِد.
‏ ‏قَالَ اِبْن الْقَيِّم : وَكُلّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الرُّقَى فَإِنَّ كِتَابَته نَافِعَة.
وَرَخَّصَ جَمَاعَة مِنْ السَّلَف فِي كِتَابَة بَعْض الْقُرْآن وَشُرْبه , وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ الشِّفَاء الَّذِي جَعَلَ اللَّه فِيهِ اِنْتَهَى.
‏ ‏وَالْحَافِظ اِبْن الْقَيِّم أَيْضًا لَا يَرَى السُّكْر فِي الزَّعْفَرَان وَأَنَّهُ لَا يُذْكَر فِي زَاد الْمَعَاد شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَدْوِيَة الَّتِي فِيهَا سُكْر , وَقَدْ قُرِنَ الزَّعْفَرَان بِالْعَسَلِ الْمُصَفَّى , فَقَالَ فِي بَيَان الْفِضَّة هِيَ مِنْ الْأَدْوِيَة الْمُفْرِحَة النَّافِعَة مِنْ الْهَمّ وَالْغَمّ وَالْحَزَن وَضَعْف الْقَلْب وَخَفَقَانه , وَتَدْخُل فِي الْمَعَاجِين الْكِبَار , وَتَجْتَذِب بِخَاصِّيَّتِهَا مَا يَتَوَلَّد فِي الْقَلْب مِنْ الْأَخْلَاط الْفَاسِدَة خُصُوصًا إِذَا أُضِيفَتْ إِلَى الْعَسَل الْمُصَفَّى وَالزَّعْفَرَان اِنْتَهَى.
‏ ‏وَلِلْأَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّة فِيهِ كَلَام عَلَى طَرِيق آخَر , فَقَالَ الشَّامِيّ فِي رَدّ الْمُحْتَار , وَقَالَ مُحَمَّد : مَا أَسْكَرَ كَثِيره فَقَلِيله حَرَام وَهُوَ نَجِس أَيْضًا اِنْتَهَى.
‏ ‏أَقُول الظَّاهِر أَنَّ هَذَا خَاصّ بِالْأَشْرِبَةِ الْمَائِعَة دُون الْجَامِد كَالْبَنْجِ وَالْأَفْيُون فَلَا يَحْرُم قَلِيلهَا بَلْ كَثِيرهَا الْمُسْكِر , وَبِهِ صَرَّحَ اِبْن حَجَر الْمَكِّيّ فِي التُّحْفَة وَغَيْره وَهُوَ مَفْهُوم مِنْ كَلَام أَئِمَّتنَا لِأَنَّهُمْ عَدُّوهَا مِنْ الْأَدْوِيَة الْمُبَاحَة وَإِنْ حَرُمَ السُّكْر مِنْهَا بِالِاتِّفَاقِ وَلَمْ نَرَ أَحَدًا قَالَ بِنَجَاسَتِهَا وَلَا بِنِحَاسَةِ زَعْفَرَان مَعَ أَنَّ كَثِيره مُسْكِر , وَلَمْ يُحَرِّمُوا أَكْل قَلِيلِهِ أَيْضًا , وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُحَدّ بِالسُّكْرِ مِنْهَا بِخِلَافِ الْمَائِعَة فَأَنَّهُ يُحَدّ وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْله فِي غُرَر الْأَفْكَار وَهَذِهِ الْأَشْرِبَة عِنْد مُحَمَّد وَمُوَافِقِيهِ كَالْخَمْرِ بِلَا تَفَاوُت فِي الْأَحْكَام , وَبِهَذَا يُفْتَى فِي زَمَاننَا فَخُصّ الْخِلَاف بِالْأَشْرِبَةِ.
‏ ‏وَالْحَاصِل أَنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ حُرْمَة الْكَثِير الْمُسْكِر حُرْمَة قَلِيله وَلَا نَجَاسَته مُطْلَقًا إِلَّا فِي الْمَائِعَات لِمَعْنًى خَاصّ بِهَا , أَمَّا الْجَامِدَات فَلَا يَحْرُم مِنْهَا إِلَّا الْكَثِير الْمُسْكِر وَلَا يَلْزَم مِنْ حُرْمَته نَجَاسَته كَالسُّمِّ الْقَاتِل فَإِنَّهُ حَرَام مَعَ أَنَّهُ طَاهِر اِنْتَهَى كَلَام الشَّامِيّ.
‏ ‏وَقَالَ فِي الدُّرّ الْمُخْتَار : وَيَحْرُم أَكْل الْبَنْج وَالْحَشِيشَة هِيَ وَرَق الْقِنَّب وَالْأَفْيُون لِأَنَّهُ مُفْسِد لِلْعَقْلِ.
‏ ‏قَالَ الشَّامِيّ : الْبَنْج بِالْفَتْحِ نَبَات يُسَمَّى شَيْكَرَان يُصَدِّع وَيُسَبِّت وَيَخْلِط الْعَقْل كَمَا فِي التَّذْكِرَة لِلشَّيْخِ دَاوُدَ.
وَالْمُسَبَّت الَّذِي لَا يَتَحَرَّك.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيّ : هُوَ أَحَد نَوْعَيْ شَجَر الْقِنَّب حَرَام لِأَنَّهُ يُزِيل الْعَقْل وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى بِخِلَافِ نَوْع آخَر مِنْهُ فَإِنَّهُ مُبَاح كَالْأَفْيُونِ لِأَنَّهُ وَإِنْ اِخْتَلَّ الْعَقْل بِهِ لَا يَزُول وَعَلَيْهِ يُحْمَل مَا فِي الْهِدَايَة وَغَيْرهَا مِنْ إِبَاحَة الْبَنْج كَمَا فِي شَرْح اللُّبَاب.
‏ ‏أَقُول هَذَا غَيْر ظَاهِر لِأَنَّ مَا يُخِلّ الْعَقْلَ لَا يَجُوز أَيْضًا بِلَا شُبْهَةٍ فَكَيْف يُقَال إِنَّهُ مُبَاح بَلْ الصَّوَاب أَنَّ مُرَاد صَاحِب الْهِدَايَة وَغَيْره إِبَاحَة قَلِيله لِلتَّدَاوِي وَنَحْوه وَمَنْ صَرَّحَ بِحُرْمَتِهِ أَرَادَ بِهِ الْقَدْر الْمُسْكِر مِنْهُ , يَدُلّ عَلَيْهِ مَا فِي غَايَة الْبَيَان عَنْ شَرْح شَيْخ الْإِسْلَام أَكْل قَلِيل السَّقَمُونِيَا وَالْبَنْج مُبَاح لِلتَّدَاوِي , وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إِذَا كَانَ يُفَتِّر أَوْ يُذْهِب الْعَقْلَ حَرَام فَهَذَا صَرِيح فِيمَا قُلْنَاهُ مُؤَيِّد لِمَا بَحَثْنَاهُ سَابِقًا مِنْ تَخْصِيص مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مَا أَسْكَرَ كَثِيره حُرِّمَ قَلِيله بِالْمَائِعَاتِ , وَهَكَذَا يُقَال فِي غَيْره مِنْ الْأَشْيَاء الْجَامِدَة الْمُضِرَّة فِي الْعَقْل أَوْ غَيْره , يَحْرُم تَنَاوُل الْقَدْر الْمُضِرّ مِنْهَا دُون الْقَلِيل النَّافِع , لِأَنَّ حُرْمَتهَا لَيْسَتْ لِعَيْنِهَا بَلْ لِضَرَرِهَا.
‏ ‏وَفِي أَوَّل طَلَاق الْبَحْر مَنْ غَابَ عَقْله بِالْبَنْجِ وَالْأَفْيُون يَقَع طَلَاقه إِذَا اِسْتَعْمَلَ لِلَّهْوِ وَإِدْخَال الْآفَات قَصْدًا لِكَوْنِهِ مَعْصِيَة , وَإِنْ كَانَ لِلتَّدَاوِي فَلَا لِعَدَمِهَا كَذَا فِي فَتْح الْقَدِير , وَهُوَ صَرِيح فِي حُرْمَة الْبَنْج وَالْأَفْيُون لَا لِلدَّوَاءِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالتَّعْلِيل يُنَادِي بِحُرْمَتِهِ لَا لِلدَّوَاءِ.
اِنْتَهَى كَلَام الْبَحْر.
وَيُجْعَل فِي النَّهْر هَذَا التَّفْصِيل هُوَ الْحَقّ.
‏ ‏وَالْحَاصِل أَنَّ اِسْتِعْمَال الْكَثِير الْمُسْكِر مِنْهُ حَرَام مُطْلَقًا كَمَا يَدُلّ عَلَيْهِ كَلَام الْغَايَة , وَأَمَّا الْقَلِيل فَإِنْ كَانَ لِلَّهْوِ حَرُمَ وَإِنْ سَكِرَ مِنْهُ يَقَع طَلَاقه , لِأَنَّ مَبْدَأ اِسْتِعْمَالِهِ كَانَ مَحْظُورًا , وَإِنْ كَانَ لِلتَّدَاوِي وَحَصَلَ مِنْهُ إِسْكَار فَلَا.
هَذَا آخِر كَلَام الشَّامِيّ.
‏ ‏ثُمَّ قَالَ الشَّامِيّ : وَكَذَا تَحْرُم جَوْزَة الطِّيب وَكَذَا الْعَنْبَر وَالزَّعْفَرَان كَمَا فِي الزَّوَاجِر لِابْنِ حَجَر الْمَكِّيّ , وَقَالَ فَهَذِهِ كُلّهَا مُسْكِرَةٌ وَمُرَادُهُمْ بِالْإِسْكَارِ هُنَا تَغْطِيَةُ الْعَقْل لَا مَعَ الشِّدَّة الْمُطْرِبَة لِأَنَّهَا مِنْ خُصُوصِيَّات الْمُسْكِرِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا تُسَمَّى مُخَدِّرَة , فَمَا جَاءَ فِي الْوَعِيد عَلَى الْخَمْر يَأْتِي فِيهَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي إِزَالَة الْعَقْل الْمَقْصُود لِلشَّارِعِ بَقَاؤُهُ.
‏ ‏أَقُول : وَمِثْله زَهْر الْقُطْن فَإِنَّهُ قَوِيّ التَّفْرِيح يَبْلُغ الْإِسْكَار كَمَا فِي التَّذْكِرَة , فَهَذَا كُلّه وَنَظَائِره يَحْرُم اِسْتِعْمَال الْقَدْر الْمُسْكِر مِنْهُ دُون الْقَلِيل كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَافْهَمْ , وَمِثْله بَلْ أَوْلَى الْبُرْش وَهُوَ شَيْء مُرَكَّب مِنْ الْبَنْج وَالْأَفْيُون وَغَيْرهمَا ذَكَرَ فِي التَّذْكِرَة أَنَّ إِدْمَانه يُفْسِد الْبَدَن وَالْعَقْل , وَيُسْقِط الشَّهْوَتَيْنِ , وَيُفْسِد اللَّوْن , وَيُنْقِص الْقُوَى وَيُنْهِكُ.
وَقَدْ وَقَعَ بِهِ الْآن ضَرَر كَثِير اِنْتَهَى كَلَام الشَّامِيّ.
‏ ‏قُلْت : إِذَا عَرَفْت هَذِهِ الْأَقَاوِيل لِلْعُلَمَاءِ فَاعْلَمْ أَنَّ الزَّعْفَرَان وَالْعَنْبَر وَالْمِسْك لَيْسَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَة سُكْر أَصْلًا بَلْ وَلَا تَفْتِير وَلَا تَخْدِير عَلَى التَّحْقِيق.
‏ ‏وَأَمَّا الْجَوْز الطِّيب وَالْبَسْبَاسَة وَالْعُود الْهِنْدِيّ فَهَذِهِ كُلّهَا لَيْسَ فِيهَا سُكْر أَيْضًا وَإِنَّمَا فِي بَعْضهَا التَّفْتِير , وَفِي بَعْضهَا التَّخْدِير , وَلَا رَيْب أَنَّ كُلّ مَا أَسْكَرَ كَثِيره فَقَلِيله حَرَام سَوَاء كَانَ مُفْرَدًا أَوْ مُخْتَلِطًا بِغَيْرِهِ , وَسَوَاء كَانَ يَقْوَى عَلَى الْإِسْكَار بَعْد الْخَلْط أَوْ لَا يَقْوَى , فَكُلّ هَذِهِ الْأَشْيَاء السِّتَّة لَيْسَ مِنْ جِنْس الْمُسْكِرَات قَطْعًا بَلْ بَعْضهَا لَيْسَ مِنْ جِنْس الْمُفَتِّرَات وَلَا الْمُخَدِّرَات عَلَى التَّحْقِيق , وَإِنَّمَا بَعْضهَا مِنْ جِنْس الْمُفَتِّرَات عَلَى رَأْي الْبَعْض وَمِنْ جِنْس الْمَضَارّ عَلَى رَأَى الْبَعْض , فَلَا يَحْرُم قَلِيله سَوَاء يُؤْكَل مُفْرَدًا أَوْ يُسْتَهْلَك فِي الطَّعَام أَوْ فِي الْأَدْوِيَة.
نَعَمْ أَنْ يُؤْكَل الْمِقْدَار الزَّائِد الَّذِي يَحْصُل بِهِ التَّفْتِير لَا يَجُوز أَكْله لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كُلّ مُفَتِّر وَلَمْ يَقُلْ إِنَّ كُلّ مَا أَفَتَرَ كَثِيره فَقَلِيله حَرَام.
فَنَقُول عَلَى الْوَجْه الَّذِي قَالَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نُحَدِّث مِنْ قِبَلِي شَيْئًا , فَالتَّحْرِيم لِلتَّفْتِيرِ لَا لِنَفْسِ الْمُفَتِّر فَيَجُوز قَلِيله الَّذِي لَا يُفَتِّر.
‏ ‏وَهَذِهِ الْعُلَمَاء الَّذِينَ نُقِلَتْ عِبَارَاتهمْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى أَمْر وَاحِد , بَلْ اِخْتَلَفَتْ أَقْوَالهمْ , فَذَهَبَتْ الْأَئِمَّة الْحَنَفِيَّة أَنَّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ حَرُمَ قَلِيله وَهُوَ فِي الْمَائِعَات دُون الْجَامِدَات , وَهَكَذَا فِي غَيْره مِنْ الْأَشْيَاء الْجَامِدَة الْمُضِرَّة فِي الْعَقْل أَوْ غَيْره يَحْرُم تَنَاوُل الْقَدْر الْمُضِرّ مِنْهَا دُون الْقَلِيل النَّافِع لِأَنَّ حُرْمَتهَا لَيْسَتْ لِعَيْنِهَا بَلْ لِضَرَرِهَا فَيَحْرُم عِنْدهمْ اِسْتِعْمَال الْقَدْر الْمُسْكِر مِنْ الْجَامِدَات دُون الْقَلِيل مِنْهَا.
‏ ‏وَأَمَّا اِبْن رَسْلَان فَصَرَّحَ بِلَفْظِ التَّمْرِيض فَقَالَ وَيُقَال إِنَّ الزَّعْفَرَان يُسْكِر.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ : وَلَا يَبْعُد أَنْ يُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى تَحْرِيم الْبَنْج.
‏ ‏وَقَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد فِي الْجَوْزَة إِنَّهَا مُسْكِرَة.
‏ ‏وَقَالَ الْأَرْدَبِيلِيّ : إِنَّ الْجَوْز الْهِنْدِيّ وَالزَّعْفَرَان وَنَحْوهمَا يَحْرُم الْكَثِير مِنْهُ لِإِضْرَارِهِ لَا لِكَوْنِهِ مُسْكِرًا.
وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن قُطْب الْقَسْطَلَّانِيُّ : الْجَوْز الطِّيب وَالزَّعْفَرَان وَالْبَنْج وَالْأَفْيُون هَذِهِ كُلّهَا مِنْ الْمُسْكِرَات الْمُخَدِّرَات.
‏ ‏وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ : إِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاء لَا تَحْرُم إِلَّا لِمَضَرَّتِهَا الْعَقْلَ وَدُخُولهَا فِي الْمُفَتِّر الْمَنْهِيّ عَنْهُ.
‏ ‏وَقَالَ الْقَزْوِينِيّ : الزَّعْفَرَان الزَّائِد عَلَى الدِّرْهَم سُمّ قَاتِل.
‏ ‏قُلْت : وَالصَّحِيح مِنْ هَذِهِ الْأَقَاوِيل قَوْل الْعَلَّامَة الْأَرْدَبِيلِيّ وَالزَّرْكَشِيّ , وَقَدْ أَطْنَبَ الْكَلَام وَأَفْرَطَ فِيهِ الشَّيْخ الْفَقِيه اِبْن حَجَر الْمَكِّيّ فِي كِتَابه الزَّوَاجِر عَنْ اِقْتِرَاف الْكَبَائِر , فَقَالَ الْكَبِيرَة السَّبْعُونَ بَعْد الْمِائَة أَكْل الْمُسْكِر الطَّاهِر كَالْحَشِيشَةِ وَالْأَفْيُون وَالشَّيْكَرَان بِفَتْحِ الشِّين الْمُعْجَمَة وَهُوَ الْبَنْج , وَكَالْعَنْبَرِ وَالزَّعْفَرَان وَجَوْزَة الطِّيب , فَهَذِهِ كُلّهَا مُسْكِرَة كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيّ فِي بَعْضهَا وَغَيْره فِي بَاقِيهَا , وَمُرَادهمْ بِالْإِسْكَارِ هُنَا تَغْطِيَة الْعَقْل لَا مَعَ الشِّدَّة الْمُطْرِبَة لِأَنَّهَا مِنْ خُصُوصِيَّات الْمُسْكِر الْمَائِع , وَبِمَا قَرَّرْته فِي مَعْنَى الْإِسْكَار فِي هَذِهِ الْمَذْكُورَات عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُنَافِي أَنَّهَا تُسَمَّى مُخَدِّرَة , وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ كُلّهَا مُسْكِرَة أَوْ مُخَدِّرَة , فَاسْتِعْمَالهَا كَبِيرَة وَفِسْق كَالْخَمْرِ , فَكُلّ مَا جَاءَ فِي وَعِيد شَارِبهَا يَأْتِي فِي مُسْتَعْمِل شَيْء مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَات لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي إِزَالَة الْعَقْل الْمَقْصُود لِلشَّارِعِ بَقَاؤُهُ , فَكَانَ فِي تَعَاطِي مَا يُزِيلهُ وَعِيد الْخَمْر.
‏ ‏وَالْأَصْل فِي تَحْرِيم كُلّ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَحْمَد فِي مُسْنَده وَأَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنه : " نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلّ مُسْكِر وَمُفَتِّر ".
‏ ‏قَالَ الْعُلَمَاء : الْمُفَتِّر كُلّ مَا يُورِث الْفُتُور وَالْخَدَر فِي الْأَطْرَاف , وَهَذِهِ الْمَذْكُورَات كُلّهَا تُسْكِر وَتُخَدِّر وَتُفَتِّر.
‏ ‏وَحَكَى الْقَرَافِيّ وَابْن تَيْمِيَّة الْإِجْمَاع عَلَى تَحْرِيم الْحَشِيشَة وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيّ قَوْلًا أَنَّ النَّبَات الَّذِي فِيهِ شِدَّة مُطْرِبَة يَجِب فِيهِ الْحَدّ.
وَصَرَّحَ اِبْن دَقِيق الْعِيد أَنَّ الْجَوْزَة مُسْكِرَة , وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الشَّافِعِيَّة وَالْمَالِكِيَّة وَاعْتَمَدُوهُ.
وَبَالَغَ اِبْن الْعِمَاد فَجَعَلَ الْحَشِيشَة مَقِيسَة عَلَى الْجَوْزَة , وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا حُكِيَ عَنْ الْقَرَافِيّ نَقْلًا عَنْ بَعْض الْفُقَهَاء أَنَّهُ فَرَّقَ فِي إِسْكَار الْحَشِيشَة بَيْن كَوْنهَا وَرَقًا أَخْضَرَ فَلَا إِسْكَار فِيهَا بِخِلَافِهَا بَعْد التَّحْمِيص فَإِنَّهَا تُسْكِر , قَالَ وَالصَّوَاب أَنَّهُ لَا فَرْق لِأَنَّهَا مُلْحَقَة بِجَوْزَةِ الطِّيب وَالزَّعْفَرَان وَالْعَنْبَر وَالْأَفْيُون وَالْبَنْج وَهُوَ مِنْ الْمُسْكِرَات الْمُخَدِّرَات ذَكَرَ ذَلِكَ اِبْن الْقَسْطَلَّانِيّ اِنْتَهَى.
فَتَأَمَّلْ تَعْبِيره بِالصَّوَابِ وَجَعْله الْحَشِيشَة الَّتِي أَجْمَع الْعُلَمَاء عَلَى تَحْرِيمهَا مَقِيسَة عَلَى الْجَوْزَة تَعْلَم أَنَّهُ لَا مِرْيَة فِي تَحْرِيم الْجَوْزَة لِإِسْكَارِهَا أَوْ تَخْدِيرهَا.
‏ ‏وَقَدْ وَافَقَ الْمَالِكِيَّة وَالشَّافِعِيَّة عَلَى إِسْكَارهَا الْحَنَابِلَة فَنَصَّ إِمَام مُتَأَخِّرِيهِمْ اِبْن تَيْمِيَّة وَتَبِعُوهُ عَلَى أَنَّهَا مُسْكِرَة وَهُوَ قَضِيَّة كَلَام بَعْض أَئِمَّة الْحَنَفِيَّة , فَفِي فَتَاوَى الْمَرْغِينَانِيّ الْمُسْكِر مِنْ الْبَنْج وَلَبَن الرِّمَاك , أَيْ أُنَاثَى الْخَيْل حَرَام , وَلَا يُحَدّ شَارِبه اِنْتَهَى.
‏ ‏وَقَدْ عَلِمْت مِنْ كَلَام اِبْن دَقِيق الْعِيد وَغَيْره أَنَّ الْجَوْزَة كَالْبَنْجِ , فَإِذَا قَالَ الْحَنَفِيَّة بِإِسْكَارِهِ لَزِمَهُمْ الْقَوْل بِإِسْكَارِ الْجَوْزَة.
‏ ‏فَثَبَتَ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهَا حَرَام عِنْد الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة الشَّافِعِيَّة وَالْمَالِكِيَّة وَالْحَنَابِلَة بِالنَّصِّ , وَالْحَنَفِيَّة بِالِاقْتِضَاءِ لِأَنَّهَا إِمَّا مُسْكِرَة أَوْ مُخَدِّرَة.
وَأَصْل ذَلِكَ فِي الْحَشِيشَة الْمَقِيسَة عَلَى الْجَوْزَة.
‏ ‏وَالَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فِي كِتَابه التَّذْكِرَة وَالنَّوَوِيّ فِي شَرْح الْمُهَذَّب وَابْن دَقِيق الْعِيد أَنَّهَا مُسْكِرَة.
‏ ‏وَقَدْ يَدْخُل فِي حَدِيث السَّكْرَان بِأَنَّهُ الَّذِي اِخْتَلَّ كَلَامه الْمَنْظُوم وَانْكَشَفَ سِرّه الْمَكْتُوم أَوْ الَّذِي لَا يَعْرِف السَّمَاءَ مِنْ الْأَرْض وَلَا الطُّول مِنْ الْعَرْض ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْقَرَافِيّ أَنَّهُ خَالَفَ فِي ذَلِكَ , فَنَفَى عَنْهَا الْإِسْكَار وَأَثْبَت لَهَا الْإِفْسَاد ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ.
‏ ‏وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى إِسْكَارهَا أَيْضًا الْعُلَمَاء بِالنَّبَاتِ مِنْ الْأَطِبَّاء , وَكَذَلِكَ اِبْن تَيْمِيَّة وَالْحَقّ فِي ذَلِكَ خِلَاف الْإِطْلَاقَيْنِ إِطْلَاق الْإِسْكَار وَإِطْلَاق الْإِفْسَاد , وَذَلِكَ أَنَّ الْإِسْكَار يُطْلَق وَيُرَاد بِهِ مُطْلَق تَغْطِيَة الْعَقْل , وَهَذَا إِطْلَاق أَعَمُّ وَيُطْلَق وَيُرَاد بِهِ تَغْطِيَة الْعَقْل مَعَ نَشْوَة وَطَرَب , وَهَذَا إِطْلَاق أَخَصّ وَهُوَ الْمُرَاد مِنْ الْإِسْكَار حَيْثُ أُطْلِقَ , فَعَلَى الْإِطْلَاق الْأَوَّل بَيْن الْمُسْكِر وَالْمُخَدِّر عُمُوم مُطْلَق , إِذْ كُلّ مُخَدِّر مُسْكِر وَلَيْسَ كُلّ مُسْكِر مُخَدِّرًا , فَإِطْلَاق الْإِسْكَار عَلَى الْحَشِيشَة وَالْجَوْزَة وَنَحْوهمَا الْمُرَاد مِنْهُ التَّخْدِير , وَمَنْ نَفَاهُ عَنْ ذَلِكَ أَرَادَ بِهِ مَعْنَاهُ الْأَخَصّ.
وَتَحْقِيقه أَنَّ مِنْ شَأْن السُّكْر بِنَحْوِ الْخَمْر أَنَّهُ يَتَوَلَّد عَنْهُ النَّشْوَة وَالنَّشَاط وَالطَّرَب وَالْعَرْبَدَة وَالْحَمِيَّة , وَمِنْ شَأْن السُّكْر بِنَحْوِ الْحَشِيشَة وَالْجَوْز أَنَّهُ يَتَوَلَّد عَنْهُ أَضْدَاد ذَلِكَ مِنْ تَخْدِير الْبَدَن وَفُتُوره , وَمِنْ طُول السُّكُوت وَالنَّوْم وَعَدَم الْحِمْيَة.
وَفِي كِتَاب السِّيَاسَة لِابْنِ تَيْمِيَّة أَنَّ الْحَدّ وَاجِب فِي الْحَشِيشَة كَالْخَمْرِ , لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ جَمَادًا وَلَيْسَتْ شَرَابًا تَنَازَعَ الْفُقَهَاء فِي نَجَاسَتهَا عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال فِي مَذْهَب أَحْمَد وَغَيْره , فَقِيلَ نَجِسَة وَهُوَ الصَّحِيح اِنْتَهَى.
‏ ‏وَقَالَ اِبْن بَيْطَار : وَمِنْ الْقِنَّب الْهِنْدِيّ نَوْع ثَالِث يُقَال لَهُ الْقِنَّب وَلَمْ أَرَهُ بِغَيْرِ مِصْر وَيُزْرَع فِي الْبَسَاتِين , وَيُسَمَّى بِالْحَشِيشَةِ أَيْضًا وَهُوَ يُسْكِر جِدًّا إِذَا تَنَاوَلَ مِنْهُ الْإِنْسَان يَسِيرًا قَدْر دِرْهَم أَوْ دِرْهَمَيْنِ , حَتَّى إِنَّ مَنْ أَكْثَرَ مِنْهُ أَخْرَجَهُ إِلَى حَدّ الرُّعُونَة , وَقَدْ اِسْتَعْمَلَهُ قَوْم فَاخْتَلَّتْ عُقُولهمْ , وَأَدَّى بِهِمْ الْحَال إِلَى الْجُنُون , وَرُبَّمَا قَتَلَتْ.
‏ ‏وَقَالَ الذَّهَبِيّ : الْحَشِيشَة كَالْخَمْرِ فِي النَّجَاسَة وَالْحَدّ وَتَوَقَّفَ بَعْض الْعُلَمَاء عَنْ الْحَدّ فِيهَا وَرَأَى فِيهَا التَّعْزِير لِأَنَّهَا تُغَيِّر الْعَقْل مِنْ غَيْر طَرَب كَالْبَنْجِ وَأَنَّهُ لَمْ يَجِد لِلْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ فِيهَا كَلَامًا وَلَيْسَ ذَلِكَ بَلْ آكِلُوهَا يَحْصُل لَهُمْ نَشْوَة وَاشْتِهَاء كَشَرَابِ الْخَمْر , وَلِكَوْنِهَا جَامِدَة مَطْعُومَة تَنَازَعَ الْعُلَمَاء فِي نَجَاسَتهَا عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال فِي مَذْهَب أَحْمَد وَغَيْره , فَقِيلَ هِيَ نَجِسَة كَالْخَمْرِ الْمَشْرُوبَة وَهَذَا هُوَ الِاعْتِبَار الصَّحِيح , وَقِيلَ لَا لِجُمُودِهَا , وَقِيلَ يُفَرَّق بَيْن جَامِدهَا وَمَائِعهَا وَبِكُلِّ حَال فَهِيَ دَاخِلَة فِيمَا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله مِنْ الْخَمْر الْمُسْكِر لَفْظًا وَمَعْنًى.
قَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ يَا رَسُول اللَّه أَفْتِنَا فِي شَرَابَيْنِ كُنَّا نَصْنَعهُمَا بِالْيَمَنِ الْبِتْع وَهُوَ مِنْ الْعَسَل يُنْبَذ حَتَّى يَشْتَدّ , وَالْمِزْر وَهُوَ مِنْ الذُّرَة وَالشَّعِير يُنْبَذ حَتَّى يَشْتَدّ , قَالَ وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُعْطِيَ جَوَامِع الْكَلِم بِخَوَاتِيمِهِ فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كُلّ مُسْكِر حَرَام " وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا أَسْكَرَ كَثِيره فَقَلِيله حَرَام " , وَلَمْ يُفَرِّق صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن نَوْع وَنَوْع كَكَوْنِهِ مَأْكُولًا أَوْ مَشْرُوبًا عَلَى أَنَّ الْخَمْر قَدْ تُؤْكَل بِالْخُبْزِ , وَالْحَشِيشَة قَدْ تُذَاب وَتُشْرَب اِنْتَهَى كَلَام الذَّهَبِيّ.
هَذَا آخِر كَلَام اِبْن حَجَر الْمَكِّيّ مُلَخَّصًا.
‏ ‏قُلْت قَوْل اِبْن حَجَر الْمَكِّيّ هَذَا مُبَالَغَة عَظِيمَة , فَإِنَّهُ عَدَّ الْعَنْبَر وَالزَّعْفَرَان مِنْ الْمُسْكِرَات وَجَعَلَ اِسْتِعْمَالهَا مِنْ الْكَبَائِر كَالْخَمْرِ , وَهَذَا كَلَام بَاطِل وَسَاقِط الِاعْتِبَار , وَلَمْ يَثْبُت قَطّ عَنْ الْأَئِمَّة الْقُدَمَاء مِنْ الْعُلَمَاء بِالنَّبَاتِ سُكْرهمَا كَمَا سَيَجِيءُ وَقَدْ عَرَفْت مَعْنَى السُّكْر مِنْ أَقْوَال الْعُلَمَاء , وَلَيْسَ فِي تَعْرِيف السُّكْر تَغْطِيَة الْعَقْل بِنَوْعٍ مَا كَمَا فَهِمَهُ اِبْن حَجَر الْمَكِّيّ , بَلْ بِوَجْهٍ يُعَطِّل عَقْله الْمُمَيِّز بَيْن الْأُمُور الْحَسَنَة وَالْقَبِيحَة أَوْ مَعَ ذَلِكَ يَحْصُل لَهُ بِهِ الطَّرَب وَالنَّشَاط وَالْعَرْبَدَة وَغَيْر ذَلِكَ.
وَقَوْله وَبِمَا قَرَّرْته فِي مَعْنَى الْإِسْكَار فِي هَذِهِ الْمَذْكُورَات عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُنَافِي أَنَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَات تُسَمَّى مُخَدِّرَة.
‏ ‏قُلْت : لَمْ يَثْبُت قَطّ أَنَّ كُلّ الْمَذْكُورَات بِأَجْمَعِهَا فِيهَا سُكْر , وَثَبَتَ فِي مَحَلّه أَنَّ السُّكْر غَيْر الْخَدَر فَإِطْلَاق السُّكْر عَلَى الْخَدَر غَيْر صَحِيح , فَإِنَّ الْخَدَر هُوَ الضَّعْف فِي الْبَدَن وَالْفَتَر الَّذِي يُصِيب الشَّارِب قَبْل السُّكْر كَمَا صَرَّحَ بِهِ اِبْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة فَأَنَّى يَصِحّ الْقَوْل بِأَنَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَات تُسَمَّى مُسْكِرَة وَمُخَدِّرَة.
‏ ‏وَقَوْله : وَالْأَصْل فِي تَحْرِيم كُلّ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَحْمَد وَأَبُو دَاوُدَ إِلَى آخِره.
‏ ‏قُلْت : إِنَّا نُسَلِّم أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كُلّ مُسْكِر وَمُفَتِّر , بَلْ وَنَهَى عَنْ كُلّ مُخَدِّر أَيْضًا , وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَا أَسْكَرَ كَثِيره فَقَلِيله مِنْهُ حَرَام , وَمَا ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَا أَفْتَرَ كَثِيره فَقَلِيله مِنْهُ حَرَام أَوْ مَا خَدَّرَ كَثِيره فَقَلِيله مِنْهُ حَرَام , وَلَيْسَ الْمُسْكِر وَالْمُخَدِّر وَالْمُفَتِّر شَيْئًا وَاحِدًا , وَاَلَّذِي يُسْكِر فَكَثِيره وَقَلِيله سَوَاء فِي الْحُرْمَة , وَالَّذِي يُفَتِّر أَوْ يُخَدِّر فَلَا يَحْرُم مِنْهُمَا إِلَّا قَدْر التَّفْتِير أَوْ قَدْر التَّخْدِير.
‏ ‏وَيُؤَيِّدهُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْم كَمَا فِي كَنْز الْعُمَّال عَنْ الْحَكَم بْن عُتَيْبَة عَنْ أَنَس بْن حُذَيْفَة صَاحِب الْبَحْرَيْنِ قَالَ " كَتَبْت إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّاس قَدْ اِتَّخَذُوا بَعْد الْخَمْر أَشْرِبَة تُسْكِرهُمْ كَمَا تُسْكِر الْخَمْر مِنْ التَّمْر وَالزَّبِيب يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فِي الدُّبَّاء وَالنَّقِير وَالْمُزَفَّت وَالْحَنْتَم , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ كُلّ شَرَاب أَسْكَرَ حَرَام , وَالْمُزَفَّت حَرَام , وَالنَّقِير حَرَام , وَالْحَنْتَم حَرَام , فَاشْرَبُوا فِي الْقِرَب وَشُدُّوا الْأَوْكِيَة , فَاتَّخَذَ النَّاس فِي الْقِرَب مَا يُسْكِر , فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ فِي النَّاس فَقَالَ إِنَّهُ لَا يَفْعَل ذَلِكَ إِلَّا أَهْل النَّار , أَلَا إِنَّ كُلّ مُسْكِر حَرَام , وَكُلّ مُفَتِّر وَكُلّ مُخَدِّر حَرَام , وَمَا أَسْكَرَ كَثِيره فَقَلِيله حَرَام.
‏ ‏وَفِي رِوَايَة لِأَبِي نُعَيْم عَنْ أَنَس بْن حُذَيْفَة " أَلَا إِنَّ كُلّ مُسْكِر حَرَام وَكُلّ مُخَدِّر حَرَام وَمَا أَسْكَرَ كَثِيره حَرُمَ قَلِيله وَمَا خَمَّرَ الْعَقْل فَهُوَ حَرَام اِنْتَهَى " فَانْظُرْ رَحِمَك اللَّه تَعَالَى وَإِيَّايَ بِعَيْنِ الْإِنْصَاف أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أَلَا إِنَّ كُلّ مُسْكِر حَرَام , وَكُلّ مُفَتِّر وَكُلّ مُخَدِّر حَرَام , وَمَا أَسْكَرَ كَثِيره فَقَلِيله حَرَام " فَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرَّحَ أَوَّلًا بِالْحُرْمَةِ عَلَى كُلّ مِنْ الْمُسْكِر وَالْمُفَتِّر وَالْمُخَدِّر ثُمَّ عَقَّبَ بِقَوْلِهِ " إِنَّ مَا أَسْكَرَ كَثِيره فَقَلِيله حَرَام " وَمَا قَالَ إِنَّ مَا أَفْتَرَ كَثِيره فَقَلِيله حَرَام أَوْ مَا خَدَّرَ كَثِيره فَقَلِيله حَرَام , وَالسُّكُوت عَنْ الْبَيَان فِي وَقْت الْحَاجَة لَا يَجُوز , فَذَكَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُرْمَة هَذِهِ الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة فِي وَقْت وَاحِد , ثُمَّ فِي ذِكْره لِحُرْمَةِ قَلِيل مِنْ الْمُسْكِر وَعَدَم ذِكْره لِحُرْمَةِ قَلِيل مِنْ الْمُفَتِّر وَالْمُخَدِّر أَبْيَنُ دَلِيل وَأَصْرَحُ بَيَان عَلَى أَنَّ حُكْم قَلِيل مِنْ الْمُفَتِّر وَحُكْم قَلِيل مِنْ الْمُخَدِّر غَيْر حُكْم قَلِيل مِنْ الْمُسْكِر , فَإِنَّ قَلِيلًا مِنْ الْمُسْكِر يَحْرُم , وَقَلِيلًا مِنْ الْمُخَدِّر وَالْمُفَتِّر لَا يَحْرُم وَاَللَّه أَعْلَمُ.
‏ ‏وَقَوْله إِنَّ الْإِسْكَار يُطْلَق وَيُرَاد بِهِ مُطْلَق تَغْطِيَة الْعَقْل وَهَذَا إِطْلَاق أَعَمُّ.
‏ ‏قُلْت : إِنْ أَرَادَ بِتَغْطِيَةِ الْعَقْل وَفَتَر الْأَعْضَاء وَاسْتِرْخَائِهَا فَهُوَ يُسَمَّى مُخَدِّرًا وَلَا يُسَمَّى بِمُسْكِرٍ , وَإِنْ أَرَادَ بِتَغْطِيَةِ الْعَقْل مُخَامَرَةَ الْعَقْل بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيع الْإِنْسَان الْعَمَل بِمُوجَبِ عَقْله وَلَا يُمَيِّز بَيْن الْأُمُور الْحَسَنَة وَالْقَبِيحَة فَهُوَ يُسَمَّى مُسْكِرًا وَلَا يُسَمَّى مُخَدِّرًا.
‏ ‏وَقَوْله فَعَلَى الْإِطْلَاق الْأَوَّل بَيْن الْمُسْكِر وَالْمُخَدِّر عُمُوم مُطْلَق.
‏ ‏قُلْت : إِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُسْكِر غَيْر الْمُخَدِّر فَلَا يُقَال بَيْنهمَا عُمُوم مُطْلَق , فَإِنَّ النُّعَاس مُقَدِّمَة النَّوْم , فَمَنْ نَعَسَ لَا يُقَال لَهُ إِنَّهُ نَائِم فَلَيْسَ كُلّ مُخَدِّر مُسْكِرًا كَمَا لَيْسَ كُلّ مُسْكِر مُخَدِّرًا , وَيُؤَيِّدهُ مَا أَخْرَجَهُ اِبْن رَاهْوَيْهِ كَمَا فِي كَنْز الْعُمَّال عَنْ سُفْيَان بْن وَهْب الْخَوْلَانِيِّ , قَالَ : كُنْت مَعَ عُمَر بْن الْخَطَّاب بِالشَّامِ فَقَالَ أَهْل الذِّمَّة إِنَّكَ كَلَّفْتنَا وَفَرَضْت عَلَيْنَا أَنْ نَرْزُق الْمُسْلِمِينَ الْعَسَل وَلَا نَجِدهُ , فَقَالَ عُمَر إِنَّ الْمُسْلِمِينَ إِذَا دَخَلُوا أَرْضًا فَلَمْ يُوَطِّنُوا فِيهَا اِشْتَدَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَشْرَبُوا الْمَاء الْقَرَاح فَلَا بُدّ لَهُمْ مِمَّا يُصْلِحهُمْ , فَقَالُوا إِنَّ عِنْدنَا شَرَابًا نُصْلِحهُ مِنْ الْعِنَب شَيْئًا يُشْبِه الْعَسَل , قَالَ فَأَتَوْا بِهِ فَجَعَلَ يَرْفَعهُ بِأُصْبُعِهِ فَيَمُدّهُ كَهَيْئَةِ الْعَسَل فَقَالَ كَأَنَّ هَذَا طِلَاء الْإِبِل , فَدَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ خَفَضَ فَشَرِبَ مِنْهُ وَشَرِبَ أَصْحَابه وَقَالَ مَا أَطْيَبَ هَذَا فَارْزُقُوا الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ , فَأَرْزَقُوهُمْ مِنْهُ , فَلَبِثَ مَا شَاءَ اللَّه , ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا خَدِرَ مِنْهُ فَقَامَ الْمُسْلِمُونَ فَضَرَبُوهُ بِنِعَالِهِمْ وَقَالُوا سَكْرَان , فَقَالَ الرَّجُل : لَا تَقْتُلُونِي فَوَاَللَّهِ مَا شَرِبْت إِلَّا الَّذِي رَزَقَنَا عُمَر , فَقَامَ عُمَر بَيْن ظَهْرَانَيْ النَّاس فَقَالَ يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّمَا أَنَا بَشَر لَسْت أُحِلّ حَرَامًا وَلَا أُحَرِّم حَلَالًا , وَإِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ فَرُفِعَ الْوَحْي , فَأَخَذَ عُمَر بِثَوْبِهِ فَقَالَ إِنِّي أَبْرَأ إِلَى اللَّه مِنْ هَذَا أَنْ أُحِلّ لَكُمْ حَرَامًا فَاتْرُكُوهُ فَإِنِّي أَخَاف أَنْ يَدْخُل النَّاس فِيهِ مَدْخَلًا , وَقَدْ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول كُلّ مُسْكِر حَرَام فَدَعُوهُ.
‏ ‏فَهَذَا عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَدْ فَرَّقَ بَيْن السُّكْر وَالْخَدَر , وَمَا زَجَرَ لِلرَّجُلِ الَّذِي تَخَدَّرَ بَعْد شُرْب الطِّلَاء قَائِلًا بِأَنَّك شَرِبْت الْمُسْكِر بَلْ قَالَ لِلضَّارِبِينَ لَهُ اُتْرُكُوهُ , ثُمَّ قَالَ عُمَر سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " كُلّ مُسْكِر حَرَام ".
وَلَمَّا كَانَ عِنْد عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ الْفَرْق بَيْن السُّكْر وَالْخَدَر أَمْر مُحَقَّق قَالَ هَذَا الْقَوْل وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى التَّفْرِقَة بَيْنهمَا إِطْلَاقًا , وَعَلَى أَنَّ كُلّ مُسْكِر حَرَام , وَلَيْسَ كُلّ مُخَدِّر حَرَامًا , فَهَذَا الْأَثَر وَاسْتِدْلَال عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِهَذَا الْحَدِيث يَدُلّ عَلَى التَّفْرِقَة بَيْن السُّكْر وَالْخَدَر إِطْلَاقًا , وَعَلَى أَنَّ الْحُرْمَة لَيْسَتْ مُشْتَرِكَة بَيْن الْمُسْكِر وَالْمُخَدِّر , وَإِنَّمَا عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمُخَدِّر لَيْسَ كَالْمُسْكِرِ فِي الْحُرْمَة لِعَدَمِ بُلُوغه الْخَبَر , وَهُوَ نَهْيُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ عَنْ كُلّ مُسْكِر وَمُفَتِّر أَوْ لِعَدَمِ صِحَّة هَذَا الْخَبَر عِنْده , وَعَلَى كُلّ حَال فَرَّقَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بَيْن الْمُخَدِّر وَالْمُسْكِر وَإِنْ كَانَ الْمُخَدِّر عِنْده مُسْكِرًا لَمَا سَكَتَ عَنْ الرَّجُل وَلَمَا أَمَرَ بِتَرْكِ ضَرْبه.
‏ ‏وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا مِنْ طَرِيق سُوَيْد بْن غَفَلَة قَالَ كَتَبَ عُمَر بْن الْخَطَّاب إِلَى بَعْض عُمَّاله أَنْ أَرْزِقْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الطِّلَاء مَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثه.
‏ ‏وَأَخْرَجَ مَالِك فِي الْمُوَطَّأ حَدِيث شُرْب الطِّلَاء بِنَحْوٍ آخَر عَنْ مَحْمُود بْن لَبِيد الْأَنْصَارِيّ أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب حِين قَدِمَ الشَّام فَشَكَا إِلَيْهِ أَهْل الشَّام وَبَاء الْأَرْض وَثِقَلهَا وَقَالُوا لَا يُصْلِحنَا إِلَّا هَذَا الشَّرَاب , فَقَالَ عُمَر اِشْرَبُوا الْعَسَل , فَقَالُوا لَا يُصْلِحنَا الْعَسَل , فَقَالَ رَجُل مِنْ أَهْل الْأَرْض هَلْ لَك أَنْ تَجْعَل لَنَا مِنْ هَذَا الشَّرَاب شَيْئًا لَا يُسْكِر ؟ قَالَ نَعَمْ فَطَبَخُوهُ حَتَّى ذَهَبَ مِنْهُ الثُّلُثَانِ وَبَقِيَ الثُّلُث , فَأَتَوْا بِهِ عُمَر فَأَدْخَلَ فِيهِ عُمَر أُصْبُعه ثُمَّ رَفَعَ يَده فَتَبِعَهَا يَتَمَطَّط فَقَالَ هَذَا الطِّلَاء هَذَا مِثْل طِلَاء الْإِبِل , فَأَمَرَهُمْ عُمَر أَنْ يَشْرَبُوهُ , فَقَالَ لَهُ عُبَادَةُ بْن الصَّامِت أَحْلَلْتهَا وَاَللَّه , فَقَالَ عُمَر كَلَّا وَاَللَّه اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أُحِلّ لَهُمْ شَيْئًا حَرَّمْتَهُ عَلَيْهِمْ , وَلَا أُحَرِّم عَلَيْهِمْ شَيْئًا أَحْلَلْتَهُ لَهُمْ اِنْتَهَى.
‏ ‏قُلْت : الطِّلَاء بِكَسْرِ الطَّاء الْمُهْمَلَة وَالْمَدّ هُوَ مَا طُبِخَ مِنْ الْعَصِير حَتَّى يَغْلُظ , وَشُبِّهَ بِطِلَاءِ الْإِبِل وَهُوَ الْقَطِرَان الَّذِي يُطْلَى بِهِ الْجَرَب , كَذَا فِي مُقَدِّمَة الْفَتْح.
وَهَذَا الْأَثَر فِيهِ دَلِيل عَلَى الَّذِي أَحَلَّهُ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مِنْ الطِّلَاء , وَالْمُثَلَّث الْعِنَبِيّ مَا لَمْ يَكُنْ يَبْلُغ حَدّ الْإِسْكَار وَالتَّخْدِير عِنْده لَيْسَ فِي حُكْم الْإِسْكَار , فَلِذَا شَرِبَ عُمَر بِنَفْسِهِ الطِّلَاء وَأَمَرَ إِلَى عُمَّاله أَنْ اُرْزُقْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الطِّلَاء , وَمَا زَجَرَ الرَّجُلَ الَّذِي حَصَلَ لَهُ مِنْ شُرْبه الْخَدَر وَمَا تَعَرَّضَ لَهُ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَلَى هَذَا الْفِعْل كَمَا تَقَدَّمَ.
‏ ‏وَأَمَّا إِذَا بَلَغَ الطِّلَاء حَدّ الْإِسْكَار فَلَمْ يَحِلّ عِنْد عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَمَا أَخْرَجَ مَالِك فِي الْمُوَطَّأ عَنْ اِبْن شِهَاب عَنْ السَّائِب بْن يَزِيد أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب خَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ إِنِّي وَجَدْت مِنْ فُلَان رِيح شَرَاب , فَزَعَمَ أَنَّهُ شَرَاب الطِّلَاء , وَأَنَا سَائِل عَمَّا شَرِبَ , فَإِنْ كَانَ يُسْكِر جَلَدْته , فَجَلَدَهُ عُمَر بْن الْخَطَّاب الْحَدّ تَامًّا اِنْتَهَى أَيْ ثَمَانِينَ جَلْدَة.
وَفُلَان هُوَ اِبْنه عُبَيْد اللَّه بِضَمِّ الْعَيْن كَمَا فِي الْبُخَارِيّ.
‏ ‏وَرَوَاهُ سَعِيد بْن مَنْصُور عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ السَّائِب وَسَمَّاهُ عُبَيْد اللَّه وَزَادَ قَالَ اِبْن عُيَيْنَةَ فَأَخْبَرَنِي مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ السَّائِب قَالَ فَرَأَيْت عُمَر يَجْلِدهُ كَذَا فِي شَرْح الزُّرْقَانِيّ.
‏ ‏وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمُثَلَّث الْعِنَبِيّ إِذَا أَسْكَرَ يَصِير حَرَامًا قَلِيله وَكَثِيره فِيهِ سَوَاء , وَلِذَلِكَ لَمْ يَسْتَفْصِل عُمَر هَلْ شَرِبَ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا.
قَالَ الْحَافِظ : وَاَلَّذِي أَحَلَّهُ عُمَر مِنْ الطِّلَاء مَا لَمْ يَكُنْ يَبْلُغ حَدّ الْإِسْكَار فَإِذَا بَلَغَ لَمْ يَحِلّ عِنْده اِنْتَهَى.
‏ ‏وَفِي الْمُحَلَّى شَرْح الْمُوَطَّأ وَفِي رِوَايَة مَحْمُود بْن لَبِيد عَنْ عُمَر دَلَالَة عَلَى حِلّ الْمُثَلَّث الْعِنَبِيّ لِأَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالَة غَالِبًا لَا يُسْكِر , فَإِنْ كَانَ يُسْكِر حَرُمَ , وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَل الطِّلَاء الَّذِي حَدّ عُمَر شَارِبه اِنْتَهَى.
‏ ‏وَالْحَاصِل أَنَّ الطِّلَاء لَا يُسْكِر إِنْ اِشْتَدَّ وَأَحْيَانًا يُخَدِّر , وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ شَرِبَ الطِّلَاء وَأَمَرَ النَّاس بِشُرْبِهِ مَا لَمْ يَكُنْ يَبْلُغ حَدّ الْإِسْكَار , فَلَمَّا بَلَغَ حَدّ الْإِسْكَار ضَرَبَ الْحَدّ لِشَارِبِهِ لِكَوْنِهِ شَارِبًا لِلْمُسْكِرِ , وَأَمَّا مَنْ خَدِرَ بِشُرْبِهِ فَمَا قَالَ لَهُ عُمَر شَيْئًا لِلْفَرْقِ عِنْده بَيْن الْمُسْكِر وَالْمُخَدِّر وَإِنْ كَانَ عِنْده شَيْء وَاحِد لَضَرَبَ الْحَدّ عَلَى شَارِب الْمُخَدِّر كَمَا ضَرَبَ الْحَدّ عَلَى شَارِب الْمُسْكِر وَاَللَّه أَعْلَمُ وَعِلْمه أَتَمُّ.
‏ ‏وَأَمَّا الْكَلَام عَلَى الزَّعْفَرَان وَالْعَنْبَر خُصُوصًا عَلَى طَرِيق الطِّبّ فَأَقُول : إِنَّ كَيْفِيَّات الْأَدْوِيَة وَأَفْعَالهَا وَخَوَاصّهَا لَا تَثْبُت عَلَى بَدَن الْإِنْسَان بِبُرْهَانٍ إِنِّيّ وَلَا بِبُرْهَانٍ لَمِّيّ بَلْ تَثْبُت أَفْعَالهَا وَخَوَاصّهَا بِالتَّجَارِبِ , وَقَدْ ثَبَتَ بِالتَّجْرِبَةِ أَنَّ الْعَنْبَر يُقَوِّي الْحَوَاسّ وَأَمَّا سَائِر الْأَشْيَاء الْمُسْكِرَة فَيَنْتَشِر فِي الْحَوَاسّ فَالْقَوْل بِسُكْرِ الْعَنْبَر مِنْ عَجَب الْعُجَاب , وَمِنْ أَبَاطِيل الْأَقْوَال وَمُخَالِف لِكَلَامِ الْقُدَمَاء الْأَطِبَّاء بِأَسْرِهَا , فَإِنَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ مَا ذَهَبَ إِلَى سُكْره.
‏ ‏قَالَ الشَّيْخ فِي الْقَانُون : عَنْبَر يَنْفَع الدِّمَاغ وَالْحَوَاسّ وَيَنْفَع الْقَلْب جِدًّا.
اِنْتَهَى مُخْتَصَرًا.
‏ ‏وَفِي التَّذْكِرَة لِلشَّيْخِ دَاوُدَ : عَنْبَر يَنْفَع سَائِر أَمْرَاض الدِّمَاغ الْبَارِدَة طَبْعًا وَغَيْرهَا خَاصِّيَّة وَمِنْ الْجُنُون وَالشَّقِيقَة وَالنَّزَلَات وَأَمْرَاض الْأُذُن وَالْأَنْف وَعِلَل الصَّدْر وَالسُّعَال شَمًّا وَأَكْلًا وَكَيْف كَانَ فَهُوَ أَجَلّ الْمُفْرَدَات فِي كُلّ مَا ذُكِرَ شَدِيدُ التَّفْرِيحِ خُصُوصًا بِمِثْلِهِ بَنَفْسَجٌ وَنِصْفُهُ صَمْغٌ أَوْ فِي الشَّرَاب مُفْرَدًا , وَيُقَوِّي الْحَوَاسّ وَيَحْفَظ الْأَرْوَاح اِنْتَهَى مُخْتَصَرًا.
‏ ‏وَقَدْ ثَبَتَ بِالتَّجْرِبَةِ أَنَّ الزَّعْفَرَان يُفَرِّح الْقَلْب فَرَحًا شَدِيدًا وَيُقَوِّيهَا وَلَا يُسْكِر أَبَدًا وَأَنْ لَا يُسْتَعْمَل عَلَى الزَّائِد عَلَى الْقَدْر الْمُعَيَّن , نَعَمْ اِسْتِعْمَاله عَلَى الْقَدْر الزَّائِد يُنْشِئُ الْفَتَرَ وَلِينَةَ الْأَعْضَاء عَلَى رَأْي الْبَعْض.
‏ ‏وَقَدْ ثَبَتَ بِالتَّجْرِبَةِ وَصَحَّ عَنْ أَئِمَّة الطِّبّ أَنَّ كُلّ الْمُفَرِّحَات الْمُطَيِّبَات أَنْ يَخْتَلِط بِالْأَشْرِبَةِ الْمُسْكِرَة فَإِنَّهَا تَزْدَاد قُوَّة السُّكْر.
وَمَنْ قَالَ إِنَّ الزَّعْفَرَان يُسْكِر مُفْرَدًا فَقَدْ أَخْطَأَ وَإِنَّمَا صَدَرَ هَذَا الْقَوْل مِنْهُ تَقْلِيدًا لِلْعَلَّامَةِ عَلَاء الدِّين عَلِيّ الْقُرَشِيّ مِنْ غَيْر تَجْرِبَة وَلَا بَحْث فَإِنَّهُ قَالَ فِي مُوجَز الْقَانُون وَالنَّفِيسِيّ فِي شَرْحه وَالْمُسْكِرَات بِسُرْعَةٍ كَالتَّنَقُّلِ بِجَوْزِ الطِّيب وَنَقْعه فِي الشَّرَاب وَكَذَلِكَ الْعُود الْهِنْدِيّ وَالشَّيْلَم وَوَرَق الْقِنَّب وَالزَّعْفَرَان وَكُلّ هَذِهِ يُسْكِر مُفْرَده فَكَيْف مَعَ الشَّرَاب , وَأَمَّا الْبَنْج وَاللُّفَّاح وَالشَّوْكَرَان وَالْأَفْيُون فَمُفْرِط فِي الْإِسْكَار اِنْتَهَى.
‏ ‏وَقَالَ الْقُرَشِيّ فِي شَرْح قَانُون الشَّيْخ : الزَّعْفَرَان يُقَوِّي الْمَعِدَة وَالْكَبِد وَيُفَرِّح الْقَلْب وَلِأَجْلِ لَطَافَة أَرْضِيَّته يَقْبَل التَّصَعُّد كَثِيرًا , فَلِذَلِكَ يُصَدِّع وَيُسْكِر بِكَثْرَةِ مَا يَتَصَعَّد مِنْهُ إِلَى الدِّمَاغ اِنْتَهَى.
‏ ‏وَقَوْله يُسْكِر بِكَثْرَةِ مَا يَتَصَعَّد مِنْهُ إِلَى الدِّمَاغ ظَنٌّ مَحْضٌ مِنْ الْعَلَّامَة الْقُرَشِيّ وَخِلَاف لِلْوَاقِعِ , وَأَنَّ الْأَطِبَّاء الْقُدَمَاء قَاطِبَة قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يُسْكِر إِذَا جُعِلَ فِي الشَّرَاب وَلَمْ يُنْقَل عَنْ وَاحِد مِنْهُمْ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى سُكْره مُفْرَدًا أَوْ مَعَ اِسْتِهْلَاك الطَّعَام.
‏ ‏هَذَا اِبْن بَيْطَار الَّذِي يَنْتَهِي إِلَيْهِ الرِّيَاسَة فِي عِلْم الطِّبّ ذَكَرَ الزَّعْفَرَان فِي جَامِعه , وَنَقَلَ أَقْوَال الْأَئِمَّة الْقُدَمَاء بِكَثْرَةٍ وَأَطَالَ الْكَلَام فِيهِ بِمَا لَا مَزِيد عَلَيْهِ وَمَا ذُكِرَ عَنْ وَاحِد مِنْهُمْ أَنَّ الزَّعْفَرَان يُسْكِر مُفْرَدًا , فَقَالَ الزَّعْفَرَان تُحَسِّن اللَّوْن وَتُذْهِب الْخُمَار إِذَا شُرِبَ بالميفختج , وَقَدْ يُقَال إِنَّهُ يَقْتُل إِذَا شُرِبَ مِنْهُ مِقْدَار وَزْن ثَلَاثَة مَثَاقِيل بِمَاءٍ , وَلَهُ خَاصِّيَّة شَدِيدَة عَظِيمَة فِي تَقْوِيَة جَوْهَر الرُّوح وَتَفْرِيحه.
‏ ‏وَقَالَ الرَّازِيّ فِي الْحَاوِي : وَهُوَ يُسْكِر سَكَرًا شَدِيدًا إِذَا جُعِلَ فِي الشَّرَاب , وَيُفَرِّح حَتَّى إِنَّهُ يَأْخُذ مِنْهُ الْجُنُون مِنْ شِدَّة الْفَرَح.
اِنْتَهَى كَلَام اِبْن بَيْطَار مُخْتَصَرًا.
‏ ‏وَهَذَا الشَّيْخ الرَّئِيس أَبُو عَلِيّ إِمَام الْفَنّ قَالَ فِي الْقَانُون : الزَّعْفَرَان حَارّ يَابِس قَابِض مُحَلِّل مُصَدِّع يَضُرّ الرَّأْس وَيُشْرَب بالميفختج لِلْخُمَارِ , وَهُوَ مُنَوِّم مُظْلِم لِلْحَوَاسِّ إِذَا سُقِيَ فِي الشَّرَاب أَسْكَرَ حَتَّى يُرْعِنَ مُقَوٍّ لِلْقَلْبِ مُفَرِّح.
قِيلَ إِنَّ ثَلَاثَة مَثَاقِيل مِنْهُ تَقْتُل بِالتَّفْرِيحِ.
اِنْتَهَى مُلَخَّصًا مُخْتَصَرًا.
‏ ‏وَهَذَا عَلِيّ بْن الْعَبَّاس إِمَام الْفَنّ بِلَا نِزَاع قَالَ فِي كَامِل الصِّنَاعَة فِي الْبَاب السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ : الزَّعْفَرَان حَارّ يَابِس لَطِيف مُجَفَّف تَجْفِيفًا مَعَ قَبْض يَسِير , وَلِذَلِكَ صَارَ يُدِرّ الْبَوْل وَفِيهِ مُنْضِجَة وَيَنْفَع أَوْرَام الْأَعْضَاء الْبَاطِنَة إِذَا شُرِبَ وَضُمِّدَ بِهِ مِنْ خَارِج وَيَفْتَح السُّدَد الَّتِي فِي الْكَبِد أَوْ فِي الْعُرُوق وَيُقَوِّي جَمِيع الْأَعْضَاء الْبَاطِنَة وَيُنْفِذ الْأَدْوِيَة الَّتِي يُخْلَط بِهَا إِلَى جَمِيع الْبَدَن اِنْتَهَى.
‏ ‏وَقَالَ الشَّيْخ دَاوُدُ الْأَنْطَاكِيّ فِي تَذْكِرَته : الزَّعْفَرَان يُفَرِّح الْقَلْب , وَيُقَوِّي الْحَوَاسّ , وَيُهَيِّج شَهْوَة الْبَاءَة فِيمَنْ يَئِسَ مِنْهُ , وَلَوْ شَمًّا , وَيُذْهِب الْخَفَقَان فِي الشَّرَاب , وَيُسْرِع بِالسُّكْرِ عَلَى أَنَّهُ يَقْطَعهُ إِذَا شُرِبَ بالميفختج عَنْ تَجْرِبَة اِنْتَهَى.
‏ ‏وَقَالَ الأقصرائي : زَعْفَرَان يَسُرّ مَعَ الشَّرَاب جِدًّا حَتَّى يُرْعِنَ أَيْ يُورِث الرُّعُونَة , وَهِيَ خِفَّة الْعَقْل , وَقِيلَ : إِنَّ ثَلَاثَة مَثَاقِيل مِنْ الزَّعْفَرَان يَقْتُل بِالتَّفْرِيحِ اِنْتَهَى.
‏ ‏فَمِنْ أَيْنَ قَالَ الْعَلَّامَة الْقُرَشِيّ : إِنَّ الزَّعْفَرَان يُسْكِر مُفْرَدًا أَيْضًا , هَلْ حَصَلَتْ لَهُ التَّجْرِبَة عَلَى أَنَّهُ يُسْكِر مُفْرَدًا , كَلَّا بَلْ ثَبَتَ بِالتَّجْرِبَةِ أَنَّهُ لَا يُسْكِر إِلَّا مَعَ الشَّرَاب.
‏ ‏وَقَدْ سَأَلْت غَيْر مَرَّة مَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ الْأَطِبَّاء الْحُذَّاق أَصْحَاب التَّجْرِبَة وَالْعِلْم وَالْفَهْم , فَكُلّهمْ اِتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْكِر مُفْرَدًا , بَلْ قَالُوا إِنَّ الْقَوْل بِالسُّكْرِ غَلَط وَحَكَى لِي شَيْخنَا الْعَلَّامَة الدَّهْلَوِيّ فِي سَنَة أَرْبَع وَتِسْعِينَ بَعْد الْأَلْف وَالْمِائَتَيْنِ مِنْ الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة أَنَّ قَبْل ذَلِكَ بِأَرْبَعِينَ سَنَة أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ جَرَى الْكَلَام فِي مَسْأَلَة الزَّعْفَرَان بَيْن الْأَطِبَّاء وَالْعُلَمَاء , فَتَحَقَّقَ الْأَمْر عَلَى أَنَّ الزَّعْفَرَان لَيْسَ بِمُسْكِرٍ وَإِنَّمَا فِيهِ تَفْتِير , وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ آرَاء الْأَطِبَّاء وَالْعُلَمَاء كَافَّة , عَلَى أَنَّ الْفَرْق بَيْن حُكْم الْمَائِعَات وَالْجَامِدَات مُحَقَّق بَيْن الْأَئِمَّة الْأَحْنَاف اِنْتَهَى.
‏ ‏وَقَدْ أَطْنَبَ الْكَلَام فِي مَسْأَلَة الزَّعْفَرَان الْفَاضِل السَّيِّد رَحِمَهُ اللَّه فِي كِتَابه دَلِيل الطَّالِب فَقَالَ إِنْ ثَبَتَ السُّكْر فِي الزَّعْفَرَان فَهُوَ مُسْكِر , وَإِنْ ثَبَتَ التَّفْتِير فَقَطْ فَهُوَ مُفَتِّر اِنْتَهَى حَاصِله.
‏ ‏قُلْت : ذَلِكَ الْفَاضِل رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى تَرَدَّدَ فِي أَمْر الزَّعْفَرَان وَلَمْ يَتَرَجَّح لَهُ سُكْر وَقِيلَ : إِنَّ الرَّجُل إِنْ دَخَلَ فِي الْأَرْض الَّتِي فِيهَا زَرْع الزَّعْفَرَان لَا يَمْلِك نَفْسه مِنْ شِدَّة الْفَرَح بَلْ يَخِرّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ وَهَذَا قَوْل غَلَط بَاطِل لَا أَصْل لَهُ , وَقَدْ كَذَّبَ قَوْل هَذَا الْقَائِل وَغَلَّطَهُ بَعْضُ الثِّقَات مِنْ أَهْل الْكَشْمِير وَكَانَ صَاحِب أَرْض وَزَرْع لِلزَّعْفَرَانِ وَاَللَّه أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
‏ ‏وَإِنْ شَاءَ رَبِّي سَأُفَصِّلُ الْكَلَام عَلَى الْوَجْه التَّمَام فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة فِي رِسَالَة مُسْتَقِلَّة أُسَمِّيهَا بِغَايَةِ الْبَيَان فِي حُكْم اِسْتِعْمَال الْعَنْبَر وَالزَّعْفَرَان وَاَللَّه الْمُوَفِّق.
‏ ‏وَحَدِيث الْبَاب قَالَ الْإِمَام الْمُنْذِرِيُّ : فِيهِ شَهْر بْن حَوْشَبٍ وَثَّقَهُ الْإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل وَيَحْيَى بْن مَعِين , وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْر وَاحِد , وَالتِّرْمِذِيّ يُصَحِّح حَدِيثه اِنْتَهَى.
‏ ‏وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي بَعْض فَتَاوَاهُ هَذَا حَدِيث صَالِح لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ لِأَنَّ أَبَا دَاوُدَ سَكَتَ عَنْهُ , وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَسْكُت إِلَّا عَمَّا هُوَ صَالِح لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ وَصَرَّحَ بِمِثْلِ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ الْحُفَّاظ مِثْل اِبْن الصَّلَاح , وَزَيْن الدِّين الْعِرَاقِيّ , وَالنَّوَوِيّ وَغَيْرهمْ.
وَإِذَا أَرَدْنَا الْكَشْف عَنْ حَقِيقَة رِجَال إِسْنَاده فَلَيْسَ مِنْهُمْ مَنْ هُوَ مُتَكَلَّم فِيهِ إِلَّا شَهْر بْن حَوْشَبٍ وَقَدْ اِخْتَلَفَ فِي شَأْنه أَئِمَّة الْجَرْح وَالتَّعْدِيل , فَوَثَّقَهُ الْإِمَام أَحْمَد وَيَحْيَى بْن مَعِين وَهُمَا إِمَامَا الْجَرْح وَالتَّعْدِيل مَا اِجْتَمَعَا عَلَى تَوْثِيق رَجُل إِلَّا وَكَانَ ثِقَة , وَلَا عَلَى تَضْعِيف رَجُل إِلَّا وَكَانَ ضَعِيفًا , فَأَقَلّ أَحْوَال حَدِيث شَهْر الْمَذْكُور أَنْ يَكُون حَسَنًا وَالتِّرْمِذِيّ يُصَحِّح حَدِيثه كَمَا يَعْرِف ذَلِكَ مَنْ لَهُ مُمَارَسَة بِجَامِعِهِ اِنْتَهَى.
‏ ‏قُلْت : قَالَ مُسْلِم فِي مُقَدِّمَة صَحِيحه : سُئِلَ اِبْن عَوْن عَنْ حَدِيث الشَّهْر وَهُوَ قَائِم عَلَى أُسْكُفَّة الْبَاب فَقَالَ إِنَّ شَهْرًا تَرَكُوهُ إِنَّ شَهْرًا تَرَكُوهُ اِنْتَهَى.
‏ ‏قَالَ النَّوَوِيّ فِي شَرْحه : إِنَّ شَهْرًا لَيْسَ مَتْرُوكًا بَلْ وَثَّقَهُ كَثِيرُونَ مِنْ كِبَار أَئِمَّة السَّلَف أَوْ أَكْثَرُهُمْ , فَمِمَّنْ وَثَّقَهُ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَيَحْيَى بْن مَعِين وَآخَرُونَ.
وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل : مَا أَحْسَنَ حَدِيثَهُ وَوَثَّقَهُ.
وَقَالَ أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه الْعِجْلِيُّ : هُوَ تَابِعِيّ ثِقَة.
وَقَالَ اِبْن أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْن مَعِين هُوَ ثِقَة وَلَمْ يَذْكُر اِبْن أَبِي خَيْثَمَةَ غَيْر هَذَا , وَقَالَ أَبُو زُرْعَة لَا بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ قَالَ مُحَمَّد يَعْنِي الْبُخَارِيّ شَهْر حَسَن الْحَدِيث وَقَوِيٌّ أَمْرُهُ وَقَالَ إِنَّمَا تَكَلَّمَ فِيهِ اِبْن عَوْن , وَقَالَ يَعْقُوب بْن شَيْبَةَ شَهْر ثِقَة.
وَقَالَ صَالِح بْن مُحَمَّد : شَهْر رَوَى عَنْهُ النَّاس مِنْ أَهْل الْكُوفَة وَأَهْل الْبَصْرَة وَأَهْل الشَّام وَلَمْ يُوقَف مِنْهُ عَلَى كَذِب , وَكَانَ رَجُلًا يَنْسَك أَيْ يَتَعَبَّد إِلَّا أَنَّهُ رَوَى أَحَادِيث وَلَمْ يُشَارِكهُ فِيهَا أَحَد , فَهَذَا كَلَام هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ.
‏ ‏وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ جَرْحه أَنَّهُ أَخَذَ خَرِيطَة مِنْ بَيْت الْمَال فَقَدْ حَمَلَهُ الْعُلَمَاء الْمُحَقِّقُونَ عَلَى مَحَلّ صَحِيح.
وَقَوْل أَبِي حَاتِم بْن حِبَّان إِنَّهُ سَرَقَ مِنْ رَفِيقه فِي الْحَجّ عَلَيْهِ غَيْر مَقْبُول عِنْد الْمُحَقِّقِينَ بَلْ أَنْكَرُوهُ وَاَللَّه أَعْلَمُ اِنْتَهَى.
‏ ‏وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان : شَهْر بْن حَوْشَبٍ الْأَشْعَرِيّ عَنْ أُمّ سَلَمَة وَأَبِي هُرَيْرَة وَجَمَاعَة , وَعَنْهُ قَتَادَة وَدَاوُد بْن أَبِي هِنْد وَعَبْد الْحَمِيد بْن بَهْرَام وَجَمَاعَة.
‏ ‏قَالَ أَحْمَد : رَوَى عَنْ أَسْمَاء بِنْت يَزِيد أَحَادِيثَ حِسَانًا , وَرَوَى اِبْن أَبِي خَيْثَمَةَ وَمُعَاوِيَة اِبْن أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن مَعِين ثِقَة , وَقَالَ أَبُو حَاتِم : لَيْسَ هُوَ بِدُونِ أَبِي الزُّبَيْر وَلَا يُحْتَجّ بِهِ وَقَالَ أَبُو زُرْعَة لَا بَأْس بِهِ.
وَرَوَى النَّضْر بْن شُمَيْلٍ عَنْ اِبْن عَوْن قَالَ : إِنَّ شَهْرًا تَرَكُوهُ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَابْن عَدِيّ : لَيْسَ بِالْقَوِيِّ.
وَقَالَ الدُّولَابِيّ : شَهْر لَا يُشْبِه حَدِيثه حَدِيث النَّاس.
وَقَالَ الْفَلَّاسُ : كَانَ يَحْيَى بْن سَعِيد لَا يُحَدِّث عَنْ شَهْر وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَن يُحَدِّث عَنْهُ وَقَالَ اِبْن عَوْن لِمُعَاذِ بْن مُعَاذ : إِنَّ شُعْبَة قَدْ تَرَكَ شَهْرًا.
وَقَالَ عَلِيّ بْن حَفْص الْمَدَايِنِيّ : سَأَلْت شُعْبَة عَنْ عَبْد الْحَمِيد بْن بَهْرَام فَقَالَ صَدُوق إِلَّا أَنَّهُ يُحَدِّث عَنْ شَهْر.
وَقَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ : قَالَ مُحَمَّد وَهُوَ الْبُخَارِيّ : شَهْر حَسَن الْحَدِيث وَقَوِيٌّ أَمْرُهُ.
وَقَالَ أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه الْعِجْلِيُّ ثِقَة شَامِيّ.
وَرَوَى عَبَّاس عَنْ يَحْيَى ثَبْت.
وَقَالَ يَعْقُوب بْن شَيْبَة شَهْر ثِقَة طَعَنَ فِيهِ بَعْضهمْ.
وَقَالَ اِبْن عَدِيّ : شَهْر مِمَّنْ لَا يُحْتَجّ بِهِ.
قَالَ الذَّهَبِيّ : وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى الِاحْتِجَاج بِهِ جَمَاعَة , فَقَالَ حَرْب الْكَرْمَانِيُّ عَنْ أَحْمَد مَا أَحْسَنَ حَدِيثَهُ وَوَثَّقَهُ وَهُوَ حِمْصِيّ.
وَرَوَى حَنْبَل عَنْ أَحْمَد لَيْسَ بِهِ بَأْس.
وَقَالَ النِّسْوِيّ : شَهْر وَإِنْ تَكَلَّمَ فِيهِ اِبْن عَوْن فَهُوَ ثِقَة.
‏ ‏وَقَالَ صَالِح جَزَرَة قَدِمَ عَلَى الْحِجَاز فَحَدَّثَ بِالْعِرَاقِ وَلَمْ يُوقَف مِنْهُ عَلَى كَذِب وَكَانَ رَجُلًا مُنْسِكًا , وَتَفَرَّدَ ثَابِت عَنْهُ عَنْ أُمّ سَلَمَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كُلّ مُسْكِر وَمُفَتِّر.
اِنْتَهَى كَلَام الذَّهَبِيّ مُلَخَّصًا.
‏ ‏ثُمَّ اِعْلَمْ رَحِمَكَ اللَّه تَعَالَى أَنَّ الْمُبَاشَرَة بِالْأَشْيَاءِ الْمُسْكِرَة الْمُحَرَّمَة بِأَيِّ وَجْه كَانَ لَمْ يُرَخِّصهَا الشَّارِع بَلْ نَهَى عَنْهَا أَشَدّ النَّهْي.
‏ ‏أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَأَصْحَاب السُّنَن عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كُلّ مُسْكِر خَمْر وَكُلّ مُسْكِر حَرَام ".
‏ ‏وَعَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : " لَعَنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْر عَشَرَة : " عَاصِرهَا وَمُعْتَصِرهَا وَشَارِبهَا وَحَامِلهَا وَالْمَحْمُولَة إِلَيْهِ وَسَاقِيهَا وَبَائِعهَا وَآكِل ثَمَنهَا وَالْمُشْتَرِي لَهَا وَالْمُشْتَرَاة لَهُ " رَوَاهُ اِبْن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيّ وَاللَّفْظ لَهُ , وَقَالَ حَدِيث غَرِيب , قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيب : وَرُوَاته ثِقَات.
‏ ‏وَعَنْ اِبْن عُمَر قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَعَنَ اللَّه الْخَمْر وَشَارِبهَا وَسَاقِيهَا وَمُبْتَاعهَا وَبَائِعهَا وَعَاصِرهَا وَمُعْتَصِرهَا وَحَامِلهَا وَالْمَحْمُولَة إِلَيْهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَاللَّفْظ لَهُ , وَابْن مَاجَهْ وَزَادَ " وَآكِل ثَمَنهَا ".
‏ ‏فَإِنْ كَانَ فِي الْعَنْبَر وَالْمِسْك وَالزَّعْفَرَان وَالْعُود سُكْر لَزَجَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اِسْتِعْمَالهَا وَمُبَاشَرَتهَا بِجَمِيعِ الْوُجُوه كُلّهَا كَمَا فَعَلَ بِالْأَشْرِبَةِ الْمُسْكِرَة , لَكِنْ لَمْ يَثْبُت قَطّ عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ اِسْتِعْمَال الزَّعْفَرَان وَالْعَنْبَر وَالْمِسْك وَالْعُود لِأَجْلِ سُكْرهَا بَلْ كَانَ وُجُودهَا زَمَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَعْمَلَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ الصَّحَابَة فِي حَضْرَته وَكَذَا بَعْده.
‏ ‏أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ اِبْن عُمَر " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَس النِّعَال السِّبْتِيَّة وَيُصَفِّر لِحْيَته بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَان وَكَانَ اِبْن عُمَر يَفْعَل ذَلِكَ " وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْد اللَّه بْن زَيْد عَنْ أَبِيهِ " أَنَّ اِبْن عُمَر كَانَ يَصْبُغ ثِيَابه بِالزَّعْفَرَانِ , فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْبُغ ".
‏ ‏وَأَخْرَجَ مَالِك عَنْ نَافِع " أَنَّ عَبْد اللَّه بْن عُمَر كَانَ يَلْبَس الثَّوْب الْمَصْبُوغ بِالْمِشْقِ وَالْمَصْبُوغ بِالزَّعْفَرَانِ ".
‏ ‏وَفِي الْمُوَطَّأ أَيْضًا عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد أَنَّهُ قَالَ " بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا بَكْر الصِّدِّيق قَالَ لِعَائِشَة وَهُوَ مَرِيض فِي كَمْ كُفِّنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَتْ فِي ثَلَاثَة أَثْوَاب بِيض سَحُولِيَّة , فَقَالَ أَبُو بَكْر الصِّدِّيق خُذُوا هَذَا الثَّوْب لِثَوْبٍ عَلَيْهِ قَدْ أَصَابَهُ مِشْق أَوْ زَعْفَرَان فَاغْسِلُوهُ ثُمَّ كَفِّنُونِي فِيهِ مَعَ ثَوْبَيْنِ آخَرَيْنِ " الْحَدِيث.
‏ ‏وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَأَصْحَاب السُّنَن عَنْ أَنَس قَالَ " نَهَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَزَعْفَر الرَّجُل " قَالَ الزُّرْقَانِيّ : وَفِي أَنَّ النَّهْي لِلَوْنِهِ أَوْ لِرَائِحَتِهِ تَرَدُّد لِأَنَّهُ لِلْكَرَاهَةِ , وَفِعْله لِبَيَانِ الْجَوَاز أَوْ النَّهْي مَحْمُول عَلَى تَزَعْفُر الْجَسَد لَا الثَّوْب أَوْ عَلَى الْمُحْرِم بِحَجٍّ أَوْ عَمْرَةٍ لِأَنَّهُ مِنْ الطِّيب وَقَدْ نُهِيَ الْمُحْرِم عَنْهُ اِنْتَهَى.
‏ ‏وَفِي الْمِرْقَاة أَيْ نَهَى أَنْ يُسْتَعْمَل الزَّعْفَرَان فِي ثَوْبه وَبَدَنه لِأَنَّهُ عَادَة النِّسَاء اِنْتَهَى وَيَجِيء تَحْقِيقه فِي كِتَاب اللِّبَاس.
‏ ‏وَفِي شَرْح الْمُوَطَّأ قَالَ مَالِك : لَا بَأْس بِالْمُزَعْفَرِ لِغَيْرِ الْإِحْرَام وَكُنْت أَلْبَسهُ اِنْتَهَى.
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن عَطَاء الْهَاشِمِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن عَلِيّ قَالَ " سَأَلْت عَائِشَة أَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَطَيَّب ؟ قَالَتْ نَعَمْ بِذِكَارَةِ الطِّيب وَالْمِسْك وَالْعَنْبَر ".
‏ ‏وَعَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ اِمْرَأَة مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل اِتَّخَذَتْ خَاتَمًا مِنْ ذَهَب وَحَشَتْهُ مِسْكًا قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ أَطْيَبُ الطِّيب " وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق مَخْرَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَافِع قَالَ " كَانَ اِبْن عُمَر إِذَا اِسْتَجْمَرَ اِسْتَجْمَرَ بِالْأَلُوَّةِ غَيْر مُطَرَّاة وَبِكَافُورٍ يَطْرَحهُ مَعَ الْأَلُوَّة ثُمَّ قَالَ هَكَذَا كَانَ يَسْتَجْمِر رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَاَللَّه أَعْلَمُ.


حديث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏أَبُو شِهَابٍ عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ نَافِعٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو الْفُقَيْمِيِّ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أُمِّ سَلَمَةَ ‏ ‏قَالَتْ ‏ ‏نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ ‏ ‏وَمُفَتِّرٍ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث سنن أبي داود

كل مسكر حرام وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرا...

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل مسكر حرام، وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام»

ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها

عن أبي مالك الأشعري، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها»

يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها

عن الداذي، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها» قال أبو داود: " وقال سفيان الثوري الداذي: شراب الفاسق...

نهى عن الدباء والحنتم والمزفت والنقير

عن ابن عمر، وابن عباس قالا: نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «نهى عن الدباء، والحنتم، والمزفت، والنقير»

حرم نبيذ الجر

عبد الله بن عمر، يقول: «حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيذ الجر» فخرجت فزعا من قوله حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيذ الجر فدخلت على ابن عباس ف...

أنهاكم عن أربع الدباء والحنتم والمزفت والمقير

عن ابن عباس، - وهذا حديث سليمان - قال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنا هذا الحي من ربيعة قد حال بيننا وبين...

أنهاكم عن النقير والمقير والحنتم والدباء والمزادة...

عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لوفد عبد القيس: «أنهاكم عن النقير والمقير، والحنتم، والدباء، والمزادة المجبوبة ولكن اشرب في سقائك وأ...

لا تشربوا في نقير ولا مزفت ولا دباء ولا حنتم

عن أبي القموص زيد بن علي، حدثني - رجل، كان من الوفد الذين وفدوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من عبد القيس يحسب عوف أن اسمه - قيس بن النعمان، فقال: «لا...

لا تشربوا في الدباء ولا في المزفت ولا في النقير وا...

عن ابن عباس، أن وفد عبد القيس، قالوا: يا رسول الله فيم نشرب؟ قال: «لا تشربوا في الدباء، ولا في المزفت، ولا في النقير، وانتبذوا في الأسقية» قالوا: يا ر...